الفصل السابع صفعة

وقف معتز الصياد مذهولًا مما حدث، نظر إلى جده وقد أشتد غيظه وحدثه قائلًا:
—جدي، هل فعلت معي ذلك من أجل فتاة  لا نعلم عنها شيء؟! هل ما يحدث حقيقيًا أم إنك تمزح معي؟!

نظر الجد نظرة حادة وقد اقتضب حاجبيه وعلق قائلًا:
—لطالما أردت أن أعلمك كيف تتعامل مع الآخرين، ولكنك تصر على التعامل مع الناس بتعالي وكبر، كأنك جئت من كوكب آخر، معتز هذه شركتي التي افنيت عمري لتعلو مكانتها بين الشركات الأخرى، جعلت من اسم الصياد ماركة عالمية، لن انتظر حتى تأتي أنت بمنتهى الحماقة وتقوم بإضاعة كل شيء.

نظر معتز إلى أدهم وعلق قائلًا:
—أنت الذي أحضرت هذه الفتاة للعمل هنا دون أن تخبرني ألي كذلك؟ سوف أحاسبك على ذلك الأمر.

أدهم وقد شعر بالضيق لما فعله معتز مع ريم تحدث قائلًا:
—معتز، لا يمكنك أن تعالج الأمور بهذا الأسلوب، لا بد أن تفيق وتعود لرشدك قبل فوات الآوان.

ابتسم معتز وعلق قائلًا:
—صديقي، ما الذي حدث لتتخلى عني وتقف بجانب هذه الفتاة؟! يبدو أن هناك علاقة جعلتك تتخلى عن صديقك لمتعة عابرة.

لم تستطيع ريم تحمل تلك التلميحات الرخيصة فقامت بصفع معتز على وجهه وعلقت قائلة:
—يبدو أن حقارتك ودنائتك جعلتك تفكر أن الجميع مثلك.

انفعل معتز وتوعدها قائلًا:
—لن أدع هذا الأمر يمر هباءً، اقسم لكِ سوف تدفعين ثمن هذا غاليًا.

نظرت ريم إلى السيد وحيد الصياد وعلقت قائلة:
—سيدى، اسمح لي أن أغادر حتى لا يصدر مني ما يغضبك تجاه هذا الشخص.

بدأ الجد في الشعور أن ليس على ما يرام، فجلس على مقعده ثم امسك الهاتف وقام بالاتصال بشئون العاملين واصدار قرار بتولية الأنسة ريم مصطفى البارودي منصب نائب المدير العام.

نظر معتز نظر حادة مغلولة وقضب على أسنانه ثم غادر الشركة.

وفي ذلك الوقت ارتفع ضغط الدم لدى جده فسقط مغشيًا عليه.

قام أدهم بالاتصال على معتز لكنه نظر إلى هاتفه وتعمد عدم الرد عليه، فقام أدهم باستدعاء الطبيب الخاص بالشركة، فجاء الطبيب على الفور وقام باسعافه.

جلست ريم بجوار السيد وحيد الصياد وظلت تعتني به حتى أستقر ضغط الدم لديه.

وبعد أن استقرت حالته حدثته ريم قائلة:
—سيدي، أعتذر إليك فلم أقصد أبدًا فعل ما حدث ولكنه الذي اضطرني لذلك.

ربت السيد وحيد على يد ريم وعلق قائلًا:
—ابنتي، لم يكن ما حدث ذنبك أنتِ، ولكنه ذنب حفيدي معتز.

ريم علقت قائلة:
—سيدي، اعلم أنك غاضب من حفيدك وأنك قمت باتخاذ ذلك القرار كنوعًا من العقاب له، لكنني اعتذر عن قبول منصب رفيع كهذا،فكيف لي بقبول منصب كهذا ولم يمضي على تعيني في هذه الشركة سوى عدة أيام.

نظر السيد وحيد الصياد إلى ريم وقد أعجب بأخلاقها وطريقة تفكيرها فعلق قائلًا:
—ابنتي، أي شخص في مكانك كان يمكنه أن يستغل هذا الموقف لصالحه أما أنتِ فلم تفعلي ذلك، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على نبل أخلاقك وعزة نفسك.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—سيدي، هذه شهادة أعتز بها ولكن اتمنى منك قبول استقالتي فلن استطيع أن أعمل في هذه الشركة بعد اليوم.

حاول السيد وحيد الصياد إقناع ريم بالبقاء في الشركة، ولكن أمام اصرارها لم يجد أمامه سوى الموفقة احترامًا لرغبتها، وحدثها قائلًا:
—اريد منك وعد بأنك لن تترددي في اللجوء إلي في حالة إحتياجك لأي شيء.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—سيدي، اعدك بذلك وأشكرك على مشاعرك الطيبة نحوي.

رفضت ريم البقاء في شركة الصياد، ولكنها لم تستطيع أن ترفض قبول المكافأة التي قام وحيد الصياد بمنحها إياها؛ فقد اصر على أن تأخذها رغم معارضتها؛ لذلك لم تجد أمامها سوى الموافقة على اخذها بعد إلحاح واصرار منه.

قبل أن تغادر ريم مكتب المدير العام حدثته قائلة:
—سيدي، كنت قد طلبت مني اعداد تقريرًا بشأن هذا الملف، وقد قمت بإعداده دون معرفتي بالأسماء التي وردت به فأرجوا من سيادتك أن تاخذ هذا الملف ولكن اتمنى أن تقوم بإعفائي من تقديم هذا التقرير.

تعجب السيد وحيد الصيادوعلق قائلًا:
—هل يمكنني معرفة السبب وراء عدم رغبتك في إعطائي هذا التقرير؟!

علقت ريم قائلة:
—لانه يخص شخص لم أكن أعرف مدى صلته بسيادتك.

اصر السيد وحيد الصياد على ان تقوم ريم بإعطائه ذلك التقرير، فلم تجد ريم أمامها سوى أن قامت بتقديم التقرير إليه، وبعدها مباشرةً غادرت الشركة.

امسك السيد وحيد الصياد بالتقرير وقام بقراءة ما بداخله، وبعد أن انهى قراءته أومأ برأسه وعلق قائلًا:
—كنت أتوقع شيئًا كهذا، فلم تكن مفاجأة بالنسبة إلي، معتز لن أتركك حتى أقوم بتربيتك من جديد.

خرجت ريم من الشركة لتجد أدهم ينتظر هروجها ليقوم بإيصالها إلى منزلها بسيارته، فما إن رأها حتى نزل من سيارته وحدثها قائلًا:
—هل يمكنني أن أقوم بتوصيلك إلى المنزل والاطمئنان على هيام؟

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—أدهم، نحن فتاتان تعيشان بمفردهما، وليس من الجيد أن يراني أحدًا معك بين الحين والآخر.

تعجب أدهم وعلق قائلًا:
—حسنًا، سوف أقوم بإيصالك إلى اقرب مكان للمنزل؛ فأنا أود أن اتحدث معكِ، وبعدها سوف أغادر على الفور.

ريم تحدثت قائلة:
—أدهم، لقد افسدت علاقتك بصديقك الذي ارتاب في علاقتك بي.
—اليوم للمرة الأولى في حياتي التي يتحدث فيها شخص كذلك الحقير ويسيء إلي مثل هذه الإساءة.

بدأ صوت ريم يعلو بالانفعال، فصمتت قليلًا حتى تمالكت نفسها ثم واصلت حديثها وقالت:

—لن أسمح لأي شخص أن يقوم بالتشكيك في شرفي وصدقي ، أدهم استمر في حياتك ودعني وشأني فلست بحاجة لوجودك أنت أو غيرك  بجواري، اعتذر منك فلدي موعد لا أريد أن اتأخر عليه.

وقف أدهم مذهولًا امام تلك الكلمات التي تحدثت بها ريم، غادرت ريم واستقل أدهم سيارته عائدًا إلى بيته.

عادت ريم إلى منزلها، تعجب هيام من عودتها المبكرة من العمل فحدثتها قائلة:
—ريم، هل أنتِ بخير؟! هل حدث شيء معك في العمل؟

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—أجل أنا بخير، ولكن ما الداعي لهذا السؤال؟!

هيام علقت قائلة:
—حبيبتي، لقد عدتي مبكرًا فخشيت أن يكون قد حدث معكِ شيءٍ ما.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—لا تقلقي فكل شيء يسير على ما يرام، بل غلى للعكس تماماً؛ لقد قام المدي العام بصرف مكافأة مالية لي على مجهودي في عمل التقرير الذي كلفني بإعداده.


قامت ريم بإخراج المبلغ المالي من حقيبتها، فعلت الأبتسامة وجه هيام وعلقت قائلة:
—حبيبتي أسأل الله أن يكتب لكي التوفيق دائمًا، كنت أخشى أن يكون حدث معكِ شيء.

دلفت ريم إلى غرفتها وحدثت نفسها قائلة:
—لم أرغب في إخبارك بما حدث حتى لا تأخذي الأمور بحساسية زائدة وترفضين الذهاب إلى المشفى، فربما حدث ذلك لاتفرغ لكي هذه الفترة.

معتز الصياد وقد غادر بسيارته مسرعًا والغضب يزداد اشتعالًا بداخله،امسك بعجلة القيادة بقوة وتحدث قائلًا:
—لم تستطيع أي فتاة فعل ما فعلته معي هذه الفتاة،سوف أجعلها تتمنى الموت فلا تجده.

نزل معتز في أحد الفنادق، بعد أن عزم على عدم عودته إلى منزل جده مرة أخرى.

عادت الأم وابنتها سهيلة إلى منزل وحيد الصياد، وقد فوجئت بعدم وجود معتز في استقبالها، نظرت إلى السيد وحيد وقالت:
—والدي، أين معتز؟! ألم تخبره بموعد عودتنا؟!

نظر إليها وحيد الصياد وعلق قائلًا:
—بل قمت باخباره في الصباح قبل أن يذهب إلى الشركة ويفتعل المشاكل بها.

تعجبت الأم وعلقت قائلة:
—ألم يأن الآوان ليغير معتز من نفسه؟!

وحيد الصياد علق قائلًا:
—لقد أخبرته إنني سوف أقوم بسحب الثقة منه إن لم يتزوج خلال شهر، وقد مضى من هذه المهلة أسبوعين، لا بد أن يترك حياة العبث واللهو التي يعيشها ويبدأ حياة جديدة مستقرة مع شريكة حياة تغيره وتعينه على ذلك.

اومأت الأم برأسها وعلقت قائلة:
—حسنًا يا أبي سأعينك على المضي قدمًا في خطتك هذه.

ضحكت سهيلة وعلقت قائلة:
—معتز الصياد يتزوج هذا من سابع المستحيلات يا جدي!

وضع الجد يده على كتف حفيدته ثم تحدث قائلًا:
—ابنتي إن لم يتغير اخيك معتز فكل شيء سيكون مصيره الفناء، هيا اصعدي إلى غرفتك واتركيني اتحدث معك والدتك على انفراد.

وبالفعل صعدت سهيلة إلى غرفتها بينما جلس جدها يتحدث إلى والدتها بصوتِ خافت، وبعد أن انهى حديثه علقت قائلة:
—من وفاة زوجي وأنا اعتبرك والدي وليس والد زوجي، وأعلم أن كل ما تفعله هو لصالح عائلتنا وابنائنا ولذلك سوف أقوم بتنفيذ كل ما أمرتني به.

خرجت الأم من مكتب حماها وحيد الصياد وقامت بالاتصال على ابنها، معتز الذي رد بشكل سريع عليها وحدثها قائلًا:
—أمي، هل عدتي إلى مصر؟

الأم بغضب علقت قائلة:
—ألم يخبرك جدك بموعد وصولي؟! يبدو عليك أنك لم تعد تهتم لشأني وشأن سهيلة؛ وإلا كنت اول من يستقبلني بالمطار وليس سعيد.

شعر معتز بالضيق لغضب والدته منه وعلق قائلًا:
—أمي، لقد كان اليوم عصيبًا للغاية فأرجوا منكِ المعذرة.

الام بحزم علقت قائلة:
—ليس لديك عذر فيما فعلته، عد إلى المنزل فورًا فأنا أريد التحدث إليك بشكل عاجل.

شعر معتز بالضيق ولكنه لم يستطيع مخالفة والدته فغادر الفندق عائدًا إلى منزله.

(منزل مصطفى البارودي)
ظل الأب يبحث عن ابنته ريم في كل مكان ولكنه لم يستطيع إيجادها، إلتزم بيته ولم يعد يخرج من غرفته رغم محاولات زوجته التي باءت جميعها بالفشل.

ظل قلب الأب يعتصر ألمًا على فراق ابنته، واخذ يلقي اللوم على نفسه حتى مريض وظل طريح الفراش لا يغادره سوى عند دخوله إلى المرحاض.

(منزل وحيد الصياد)

عاد معتز إلى منزل جده، وما إن دلف لداخل المنزل حتى أسرع إلى غرفة والدته التي اشتاق إليها وإلى أخته سهيلة.

دلف معتز إلى غرفة والدته وقام بمعانقتها وهو يقول:
—أمي، لقد اشتقت إليكِ كثيرًا.

ابتسمت الأم وعلقت قائلة:
—يبدو عليك الأشتياق إلي فلم يكن يمر علي يومًا إلا واجدك تقوم بالاتصال بي والأطمئنان علي وعلى أختك أليس كذلك؟!

شعر معتز بالحرج وعلق قائلًا:
—امي،  اعتذر إليكِ لقد أنشغلت بالعديد من المشكلات التي واجهتني في الآونة الأخيرة.

ابتسمت الأم وعلقت قائلة:
-وهل قمت بحل هذه المشكلات أم تعاملت معها بالهروب كعادتك. 

وهنا دلفت الخادمة إلى غرفة الأم وقالت:
—سيدتي، السيد وحيد ينتظركم على العشاء.

ابتسمت الأم وعلقت قائلة:
—حسنًا أسيل سوف نلحق بكِ على الفور.

نظرت الأم إلى ابنها معتز وقالت:
—هيا بنا فجدك ينتظرنا على العشاء.

قبض معتز على يده ولم يتستطيع التحدث فهو يعلم مدى حب والدته لجده وتقديرها له، فلم يجد أمامه سوى الأمتثال لرغبتها في النزول لتناول العشاء من الجد وحيد الصياد.

وعلى مائدة الطعام جلست سهيلة بجوار جدها وبين الحين والآخر تقوم بوضع الطعام في فم الجد وتقول:
—جدي، خذ هذه من يدي.

نظر معتز إلى اخته وقد تملكه الغيظ من تلك الفتاة التي على الرغم من صغر سنها إلا إنها استطاعت أن تستحوذ على قلب جدها.

وبعد انتهاء العشاء ذهب الجميع إلى غرفة المعيشة لتناول القهوة الخاصة بهم.

جلس الجد وقد تجاهل وجود معتز، همست الأم إلى ابنها وقالت:
—معتز، الاحظ أن جدك يبدو منزعج منك، فما الذي حدث؟!

معتز همس إليها قائلًا:
—أمي، لا عليكي فجدي كلما كبر في السن كلما كان متغير المزاج.

نظر الأم إلى ابنها نظرة حادة مقتضبة ثم قالت:
—معتز صه ولا تتكلم بحرف واحد فجدك يتمتع بالرزانة والحكمة ما لم تعرف أنت.

نظر معتز إلى والدته وقد امتلأ غيظًا وعنادًا تجاه جده وتحدث قائلًا:
—دائماً ما اجدك تنحازين إليه ضدي أنا.

الأم بغضب أشارت إلى ابنها أن يصمت حتى لا يسمعه جده.

الجد يتحدث إلى سهيلة التي جلست على قدمه وقال:
—ما الذي فعلته صغيرتي في رحلتها لاداء العمرة؟

ابتسمت سهيلة وعلقت قائلة:
—جدي، لقد كانت رحلة ايمانية رائعة بمعنى الكلمة تمنيت لو أتيت معي.

ابتسم الجد وعلق قائلًا:
—ربما في المرة القادمة إن شاء الله، فلن أدعك بعد الآن تبتعدين عني يا حبيبة قلبي.

ابتسم معتز ابتسامة ساخر وتحدث قائلًا:
—سهيلة أراكِ محظوظة بالاستحواذ على قلب جدك، فربما يصدر قرارًا بتوليتك منصب رفيع بالشركة.

ابتسمت سهيلة وعلقت قائلة:
—اخي، أعلم أنك لم تقصد ما تلمح به، فدائمًا المشاعر الطيبة تدخل القلب دون أن تطرق بابه، ومشاعري تجاه جدي ليست لغرضٍ ما بل هي نابعة من القلب ولذلك تدخل إلى قلب جدي.


الجد بكل حزم تحدث قائلًا:
—ابنتي لا عليكِ فانا اعلم بمدى نقاء قلبك واخلاص حبك لي، اخيك يظن أن الجميع مثله، كل شيء لديه بمقابل.

اشتعل قلب معتز غضبًا فوقف في مكانه وتحدث قائلًا:
—تقول كل شيء لدي بمقابل وإنني لأتسائل، ما المقابل الذي قامت ريم بإعطائه لك كي تقوم بتعينها في بدلًا مني.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي