الفصل الرابع

يقولون أن فلانًا ولد وفي فمه ملعقة من الذهب، وأخر يبحث عنه الفقر حتى يجده، هناك شخص تراه موفق وأينما يخطوا يكتب له التوفيق، وآخر بائس عندما يبتسم ربما يصادف ذلك إلقاء أحد الأطفال بحجر فيهشم  أسنانه.

ومثل ذلك البائس نجد هيام في الوقت الذي شعرت فيه بأن الحياة بدأت تبتسم لها وتحنو عليها، إذ بسيارة مسرعة تصطدم بها بقوة فتطرحها أرضًا.

وقفت ريم مصدومة لا تصدق ما رأته صرخت بصوتٍ عاليٍ:
—هيام، لا

أسرعت إلى صديقتها التي قذفت بها السيارة بعيدًا، وقلبها كاد أن يتوقف من الخوف عليها.

توقفت السيارة ونزل منها معتز الصياد وصديقه أدهم عسران، وقف الأثنان في حالة من الذهول مما حدث.

وقف معتز الذي كان يقود السيارة متسمرًا في مكانه، بينما أسرع صديقه أدهم صوب هيام التي تتدفق الدماء من رأسها.

نظر أدهم إلى صديقه وصرخ قائلًا:
—معتز، أسرع لنحمل الفتاة داخل السيارة ونذهب بها إلى المشفى.

أسرع معتز إلى السيارة واراد ان يستقلها ويغادر، فأسرعت ريم بالوقوف أمام السيارة؛ لمنعه من الهروب ثم قالت:
—أيها الندل الحقير لن أدعك تفلت بفعلتك هذه، سوف أجعلك تندم على اليوم الذي ولدت فيه؛ إن أصاب صديقتي مكروه.

حمل أدهم هيام ووضعها داخل سيارة معتز.

نظر معتز بضيق وعلق قائلًا:
—أدهم، ما الذي تفعله؟! يمكننا أن نقوم بطلب  سيارة الأسعاف بدلًا من وضعها في سيارتي.

نزل أدهم من السيارة بعد أن وضع هيام بداخلها، ثم قام بجذب معتز وركب مكانه على عجلة القيادة وأسرع بالسيارة إلى المشفى.

وقف معتز في حالة ذهول مما فعله صديقه الذي جذبه من سيارته، وأخذها مسرعًا و تركه في مكانه.

وصل أدهم إلى المشفى وأسرع بالنزول من السيارة، حمل هيام ودلف بها إلى داخل المشفى بينما أخذت ريم في الصراخ على طبيب.

أسرع بعض الأطباء إليه وقاموا بوضع هيام على الترولي الخاص بالمرضى.

ريم بوجهٍ غارقٍ بالدموع، لا تفارق عيناها النظر إلى غرفة العمليات، نظر إليها أدهم وتحدث على استحياء قائلًا:
—سيدتي، أعتذر إليكِ ولكن صديقي لم يقصد ما حدث فقد ظهرت امامنا بشكل مفاجيء.

نظرت إليه ريم وتحدثت بغضب وقالت:
—صديقك الذي تتحدث عنه شخص حقير، لا يعرف معنى المروءة ولا الإنسانية.

علق أدهم قائلًا:
—معتز لم يتعمد الاصطدام بها، ولكنه عندما اصطدم بها شعر بالقلق والتوتر ولم يدري ما الذي يفعله.

أومأت ريم برأسها وعلقت قائلة:
—لننتظر ونرى ما الذي سيحدث وبعدها سوف أقرر ما الذي سأفعله تجاه هذا الحقير؟

خرج الطبيب من غرفة العمليات، نظر إلى ريم وحدثها قائلًا:
—سيدتي، لا داعي للبكاء اختك بخير وسوف تتعافى سريعًا.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—سيدي الطبيب، هل حقًا هيام بخير؟!

ابتسم الطبيب وعلق قائلًا:
—تستطيعين الدخول إليها والاطمئنان عليها بنفسك، ليس بها سوى بعض الرضوض والخدوش بالإضافة إلى شرخ بالذراع.

أسرعت ريم بالدلوف إلى الغرفة التي تم إيداع هيام بداخلها، وما إلى دلفت ريم إلى داخل الغرفة حتى وجدت صديقتها وقد استعادت وعيها.

ابتسمت ريم وأسرعت بمعانقة صديقتها ثم علقت قائلة:
—حمدًا لله على سلامتك يا حبيبتي.

حاولت هيام الإعتدال في سريرها ولكنها تألمت بشدة ثم نظرت إلى ريم وقالت:
— ريم، أترين هذه الحياة تستكثر علي لحظة سعادة عشتها، كأنها صفعتني لاستفيق وحتى أعرف أن مثلي لا يحق له السعادة.

ريم والدموع تتلألأ بعينيها علقت قائلة:
—حبيبتي، لا تسيء الظن بالحياة وأبشري فالخير قادم، ولكن ماحدث إنما هو قضاء الله وقدره.

نظرت هيام بضيق وحزن وعلقت قائلة:
—هل يمكنك أن تخبريني الآن كيف سنقوم بدفع مصاريف هذه المشفى؟!

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—لا تقلقي فمعي بعض المال الذي كنت أخفيه عنكِ، وهو يكفي لدفع مصاريف المشفى.

هيام بتعجب شديد علقت قائلة:
—ريم، أنتِ تكذبين علي، كيف تخفي بعض المال ونحن لم نجد ما نسد به جوعنا؟! بل كنا في طريقنا للبحث عن عمل.

أدهم يقف على باب الغرفة وقد سمع لحديثهما فرق قلبه فأسرع إلى إدارة المشفى وقام بدفع المصاريف، ليس هذا فحسب بل فوجئت به ريم يدخل عليهم الغرفة وفي يده الكثير من الطعام والعصائر.

نظرت ريم بتعجب وعلقت قائلة:
—سيدي، ما كل هذه الأشياء التي أحضرتها؟! نحن لسنا في حاجة إليها.

ابتسم أدهم وعلق قائلًا:
—منذ وقوع الحادث لم تتناولوا شيء، وهذه أشياء بسيطة.

ابتسمت هيام وعلقت قائلة:
—سيدي، شكرًا لك ولكن من تكون؟!

شعر أدهم بالحرج ثم علق قائلًا:
—سيدتي، أشعر بالأسف لما تسببنا فيه ولكن كلي أمل في كرم اخلاقك أن تسامحينا؛ فلم نتعمد ما حدث.

نظرت هيام إلى ريم التي أومأت برأسها ففهمت هيام وقالت:
—أحمد الله على ما حدث، ولكن ربما أكون أنا التي يجب عليها الاعتذار؛ فلم يكن من المعقول أن أندفع بهذا الشكل في طريق عام.

ابتسم أدهم وعلق قائلًا:
—حديثك هذا إن دل على شيء إنما يدل على نبل أخلاقك، سوف أغادر ولكن قبل ذلك هذا الكارت الخاص بي؛ يمكنكم الاتصال بي في حالة احتياجاتكم لأي شيء.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—سيدي، شكرًا لك وأعتذر عن أسلوبي الحاد معك.

ابتسم أدهم وعلق قائلًا:
—على العكس تمامًا إنني سعيد لمقابلة نموذج رائع عن الصداقة الحقيقية، كنتِ تخافين على صديقتك بشكل ابهرني.

غادر أدهم وما إن خرج من المشفى حتى قام بالاتصال على معتز الصياد فعرف أنه بالمنزل.

استقل سيارة معتز وأسرع في طريقه ألى منزل معتز، وصل أدهم وترك السيارة سرعًا داخل منزل صديقه.

استقبله العم سعيد فحدثه أدهم قائلًا:
— مرحبًا عم سعيد، أين معتز؟

العم سعيد بوجه بشوش علق قائلًا:
—مرحبًا سيد أدهم معتز يتناول العشاء تفضل تستطيع مشاركته في العشاء.

ذهب أدهم إلى حيث معتز يجلس يتناول عشاؤه، وقف أمامه حدثه قائلًا:
— لا أعلم هل أنت شخص عديم الأحساس؟!  تصدم الفتاة وترفض اصطحابها إلى المشفى، ثم تعود إلى منزلك. وكأن شيئًا لم يكن!

ابتسم معتز وعلق قائلًا:
—دع هذا الهراء الذي تتحدث به واجلس لتتناول عشائك؛ حتى لا تندم.

اقترب أدهم من معتز وقام بلكمه لكمة قوية في وجهه وهو يقول:
—أيها الجبان الحقير، لا أريد أن أرى وجهك بعد اليوم.

امسك معتز بوجهه متألمًا وقد سيطر عليه الذهول من رد فعل صديقه الذي فاجئه.

خرج أدهم من الغرفة، بعد أن لكم وجه معتز وأثناء خروجه وجد الجد وحيد الصياد أمامه وقد بدى عليه الذهول مما حدث، نظر إلى أدهم وحدثه قائلًا:
—أدهم، أتبعني.

دلف الجد إلى مكتبه وخلفه أدهم، جلس الجد على مكتبه ثم نظر إلى أدهم وقال:
—أدهم، أخبرني بما حدث ولا تخفي عني شيء.

هيام تطلب من ريم أن تساعدها للدلوف إلى المرحاض، وسرعان ما قامت ريم بمساعدة صديقتها للنهوض من الفراش، ولكن في طريقها ألى المرحاض شعرت هيام بدور شديد وسقطت على الأرض.

أسرعت ريم باستدعاء الطبيب، وبعد أن قام بالكشف عليها تحدث قائلًا:
—سيدتي، ربما ذلك الدوار من أثر الأصطدام القوي الذي عرضت له.

وفي اليوم التالي ذهب أدهم ليطمئن على هيام وأثناء وجوده حدث  لهيام نفس الشيء، فتحدث إلى الطبيب الذي علق قائلًا:
—لا بد من عمل بعض الفحوصات إلى جانب أشعة الرنين المغناطيسي على المخ.

وعلى الفور ودون أن تعلم ريم قام أدهم بدفع كآفة تكاليف هذه الفحوصات الأشعة.

وبعد الأنتهاء من جميع الفحوصات، وقفت ريم في حيرة من أمرها لا تعلم ما الذي تفعله؟! وكيف ستقوم بدفع كل هذه التكاليف؟

وقفت ريم في الشرفة التى تطل على حديقة المشفى وهي تفكر وتحدث نفسها قائلة:
—ترى ما الذي علي فعله؟ كيف سأقوم بدفع كل هذه التكاليف إلى جانب حساب هذه المشفى الخاص؟ كاد الجنون يصيبني.

دنا أدهم منها وحدثها قائلًا:
—ريم، ما هو مؤهلك العلمي؟

نظرت إليه متعجبة ثم علقت قائلة:
— سيد أدهم، ما المناسبة لتسألني مثل هذا السؤال؟!

ابتسم أدهم وعلق قائلًا:
—لأن الشركة التي أعمل بها يطلبون شباب للعمل؛ ولذلك قمت بسؤالك عن مؤهلك.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—سيدي، هل حقًا يمكنك أن تقوم بتوفير فرصة عمل لي انا وصديقتي؟!

أومأ أدهم برٱسه وعلق قائلًا:
—بالطبع ولكن ما هو مؤهلك العلمي؟ حتى أعرف طبيعة العمل المناسبة لكِ.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—نحن حاصلتان على بكالريوس تجارة.

أومأ أدهم برأسه وعلق قائلًا:
—عظيم متى تريدين مقابلة المدير؟ سوف أخبره أن أمرك يهمني.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—سيدي، ليس بوسعي سوى أن أشكرك، ويمكنني مقابلة المدير من اليوم إن أمكن.

أشار أدهم إليها وقال:
—لا داعي للشكر، ولكن لا بد أن تثبتي وجودك في العمل وأن تجتهدي حتى تحققي مكانة عالية بالشركة، بعد قليل سوف اصطحبك إلى الشركة التي أعمل بها لمقابلة المدير.

وبالفعل اصطحب أدهم ريم إلى الشركة.

داخل شركة الصياد لإستيراد وتصدير المواد الغذائية، دلف معتز الصياد إلى داخل مكتبه كمدير عام للشركة، وما إن دلف إلى داخل المكتب فوجيء بجده وحيد  الصياد وقد جلس على مكتبه.

نظر معتز متعجبًا ثم علق قائلًا:
—جدي، ما الذي جاء بك إلى هنا؟!

ابتسم الجد وعلق قائلًا:
—وهل يسأل صاحب الشركة عندما يذهب إلى شركنه "ما الذي جاء بك. إلى هنا"؟!

حاول معتز التماسك ثم علق قائلًا:
—جدي، لم أقصد ذلك مطلقًا، مرحبًا بك ياجدي في الشركة الخاصة بك.

ابتسم الجد وعلق قائلًا:
—أريد مراجعة جميع الحسابات والكشوف الخاصة بالميزانية.

شعر معتز ببعض التوتر وعلق قائلًا:
—جدي، لا تجهد نفسك فكل شيء على ما يرام.

نظر الجد بغضب وعلق قائلًا:
—أنا الذي يقول هل كل شيء على ما يرام أم لا، هيا إذهب وقم بإحضار كل ما طلبته منك.

غادر معتز مكتب جده وقد تملكه الغيظ والقلق مما قد يحدث لو أكتشف جده تلاعبه في الحسابات.

وصل أدهم إلى مقر الشركة ومعه ريم، توجه إلى مكتب المدير العام
دلف إلى داخل المكتب وقام بتقديم ريم إلى الجد قائلًا:
—سيدي، هذه الآنسة ريم البارودي التي حدثتك عنها.

ابتسم السيد وحيد الصياد وعلق قائلًا:
—مرحبًا بك يا ريم موظفة داخل شركتنا، أتمنى لكِ التوفيق.

شعرت ريم بالتعجب وعلق قائلة:
—سيدي، هل هكذا تعينت بهذه الشركة؟!

ابتسم أدهم وعلق قائلًا:
—ريم ألم أخبرك إنني سوف أخبره أن أمرك. يهمني، لا داعي لتلك الدهشة التى بدت واضحة عليكي.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—سيدي المدير، أتمنى أن أكون عند حسن ظنك بي، وسأجتهد لأكون مستحقة لثقتكم بي.

نظر السيد وحيد الصياد إلى أدهم وحدثه قائلًا:
—أدهم، اصطحب ريم إلى مكتبها وقم بشرح طبيعة العمل هنا بالشركة.

ابتسم أدهم وعلق قائلًا:
—حسنًا سيدي، شكرًا لك.

خرج أدهم وريم من مكتب المدير العام، وقام بإصطحابها إلى المكتب الذي تم إعداده لها دون علم معتز.

وبعد انتهاء العمل خرجت ريم من الشركة، وفوجئت بأدهم ينتظرها بسيارته بالخارج، نظرت إليه وعلقت قائلة:
—أدهم لماذا تقف هكذا؟!

ابتسم أدهم وعلق قائلًا:
—أنتظرك لنذهب إلى هيام ونطمئن عليها.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—أدهم أشكرك على كل ما فعلته من أجلنا.

علق أدهم قائلًا:
—ريم، لا داعي للشكر لم أفعل شيء، هيا اركبي لنذهب إلى المشفى.

استقلت ريم السيارة مع أدهم إلى المشفى، وبمجرد وصولهم إلى هناك قامت الممرضة بإعطائها نتيجة الأشعة والفحوصات.

أمسكت ريم بالفحوصات وقامت بإعطائها للطبيب لرؤيتها.

وبعد أن قام الطبيب برؤية الأشعة والتقارير، نظر إلى ريم وتحدث قائلًا:
—سيدتي، صديقتك مصابة بورم في المخ في حالة متأخرة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي