الفصل الثالث الحادث

عندما تأمل بالتحرر من كل ما يؤلمك، عندما تقرر أن تبدأ حياة جديدة بعيدة عن كل ما ينغص عليك حياتك.

تترك كل شيء خلفك، كأنه لم يكن تبتسم وتقبل على الحياة بروح يملؤها الأمل والتفائل أن العوض قادم لا محالة.

قررت ريم ترك منزل والدها؛ للبدء من جديد مع صديقتها هيام التي تعاني من تحرش زوج الأم ومضايقاته لها، فقد اتفقت معها على أن تقابلها في المقهى الذي تعودت أن تلتقي بها داخله، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان.

عندما قرأت العرافة كف هيام وأفصحت لريم عن ما وجدته دون ان تخبر هيام، عادت ريم إلى صديقتها بوجه شاحب يملؤه الحزن والقلق على صديقتها.

هيام جالسة على المقهى تنتظر قدوم صديقتها التي هرولت خلف العرافة دون أن تخبرها عن السبب، وما إن رأتها حتى حدثتها قائلة:
-ريم، لماذا أسرعتي خلف تلك العرافة؟!

حاولت ريم التماسك؛ خوفًا أن تشعر هيام بشيء وعلقت قائلة:
-لقد ركضت خلفها حتى أعطيها بعض المال.

ابتسمت هيام وعلقت قائلة:
- ريم، أنتِ عطوفة للغاية ولا تترددي في مساعدة الآخرين، كم أنا محظوظة بصداقتك.

ابتسمت ريم وتلألأت الدموع بعينيها ثم قالت:
-آن كان هناك شخص محظوظ فهو أنا؛ وذلك لوجودك في حياتي يا صديقتي العزيزة.

شعرت ريم بالخوف والقلق يجتاح قلبها؛ خوفًا على صديقتها، فأخذها شرودها إلى التفكير فيما أخبرتها به تلك العرافة، وحدثت نفسها قائلة:
-طوال حياتي لم أؤمن بالخرافات، ولم أترك أذني لسماع سخافات الدجالين وتكهناتهم، ولكن ما الذي حدث الآن؟! لماذا تأثرت بحديث تلك العرافة، لا لن اسمح لتلك الوساوس بالسيطرة علي، فلا يعلم الغيب سوى الله.

نظرت هيام وقد تعجبت من شرود ريم فحدثتها قائلة:
-ريم، إلى أين ذهب بكِ شرودك؟!

انتبهت ريم وعلقت قائلة:
-لقد أخذني إلى أحزن ساكن داخل قلبي.

اقتربت هيام من صديقتها وامسكت بيدها، ثم حدثتها قائلة:
-لقد اتفقنا أن نبدأ حياة جديدة نتحرر فيها من كل حزن أو ألم.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
-لديك الحق فيما تقولين صديقتي العزيز، هيا بنا لنبدأ معًا حياة بدون زوجة أب أو زوج أم، بدون ضجيج الخلافات والمشاحنات والإيذاء البدني والروحي من أشخاص ليس لديهم أدنى أنواع الحياء والخوف من الله.

هيام وقد إزداد بريق عينيها علقت قائلة:
-لقد آن الآوان لنعيش معًا بعيدًا عن كل شخص تأذينا منه، ولكن إلى أين سنذهب؟!

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
-فالبداية سوف نبحث عن منزل صغير نقوم بإستئجاره، ولكن هل أحضرتي النقود التي كنا ندخرها لهذا اليوم؟

ابتسمت هيام وعلقت قائلة:
-بالطبع قمت بإحضارها، ريم لا تعلمين مدى سعادتي أننا سوف نتحرر من تلك الآلام والأحزان التي بداخلنا ونعيش سويًا.

علقت ريم قائلة:
-كيف لا أعلم وأنا التي عانيت واحترقت بنيران القسوة من تلك المرأة التي اقتحمت حياتنا بعد وفاة أمي واستولت على كل شيء؟

تلألأت الدموع في عيون هيام وتحدثت قائلة:
-أما أنا فقد عانيت من زوج أمي، ذلك الشاب الذي يصغرها بنحو خمسة عشر عامًا الذي يستغل أي فرصة للإنفراد بي محاولًا مضايقتي إلى الحد الذي يصل إلى التحرش.

كثيرًا ما قمت بصده وإهانته، ولم يكن أمامي سوى مصارحة أمي بما يحاول فعله معي.

صمتت هيام قليلًا ثم واصلت حديثها وهي تضحك وتقول:
-لا تتخيلين كيف كان رد فعلها حيال ذلك؟!

نظرت ريم إلى صديقتها بكل حزن وآسى ثم قالت:
-لم تصدق حديثك أليس كذلك؟

ابتسمت هيام ابتسامة مليء بالحزن والآسى والدموع، ثم قالت:
-عندما اخبرت أمي أن زوجها يتحرش بي، لم يكن منها سوى أنها قالت: "إنه يحاول التودد إليكِ، لا تعطي الموضوع أكبر من حجمه."

وما إن أنهت هيام حديثها حتى انفجرت في البكاء.

دنت ريم من صديقتها البائسة وقامت بمعانقتها، ثم حدثتها قائلة:
-هيام، لا أريد أن أرى هذه الدموع على هذا الوجه الجميل مرة أخرى، لتكتفي كلاً منا بالأخرى، أنا أمك وأختك وصديقتك وسندك وأنتِ كذلك، لسنا بحاجة لأحد.

ابتسمت هيام وعلقت قائلة:
-ريم، لقد بعثك الله إلي لتكوني عوضًا لي عن كل ما عانيته منذ وفاة والدي.

أمسكت ريم بيد صديقتها وحدثتها قائلة:
-هيا يا صديقتي لنبدأ عملية البحث عن بيتنا الجديد.

دلف أدهم إلى غرفة صديقه معتز، جلس بجواره على السرير وقام برفع الغطاء عنه قائلًا:
-كيف تنام وكل شيء حولك مهدد بالخطر؟!

استيقظ معتز متعجبًا، جلس يفرك عينيه ثم نظر إلى صديقه أدهم، وحدثه قائلًا:
-ما الذي حدث؟!

أدهم علق قائلًا:
-ألم يقوم جدك بإعطائك مهلة شهر؛ حتى تتزوج وإلا فسوف يقوم بسحب السجادة من تحت قدميك؟!

أمسك معتز بوسادته وقام بضرب أدهم في غضب وضيق، ثم حدثه قائلًا:
-هل أتيت إلى هنا في هذا الوقت المبكر؛ لتخبرني بذلك أيها الأبله؟!

أدهم بتعجب شديد علق قائلًا:
-لا أعلم ما سبب هذا الهدوء الذي تتمتع به، معتز لقد مضى أسبوعًا من هذه المهلة وإذا لم تستطيع إيجاد الفتاة التي ستتزوجها سوف تخسر كل شيء.

نهض معتز من فراشه وأمسك بعلبة السجائر الخاصة به، أخرج سيجارة وقام بإشعالها ثم تحدث قائلة:
-أفكر بشكلٍ جدي أن أقوم برفع قضية حجر على ذلك العجوز.

نظر أدهم إلى معتز وقد بدى عليه الذهول وعلق قائلًا:
-معتز، من الذي تريد الحجر عليه؟!

معتز بجدية وغضب علق قائلًا:
-أريد أن أقوم برفع قضية حجر على جدي وحيد الصياد.

ضحك أدهم وعلق قائلًا:
-أنت تتكلم على رجل الأعمال الشهير وحيد الصياد، ذلك الرجل الذي ذاع صيته في مجال الأعمال وعرف بحكمته ورجاحة عقله، هل يمكن أن تخبرني ما هي دوافعك التي سترفقها في تلك القضية؟!

صمت معتز قليلًا ثم علق قائلًا:
-ألا ترى إجباره لي على الزواج دافع للحجر عليه؟!

ابتسم أدهم وعلق قائلًا:
-هذا دافع لتغضب وتترك المنزل وليس للحجر على جدك، صديقي لا تتصرف بغباء وفكر في طريقة أخرى لذلك المأزق الذي أمامك.

أومأ معتز برأسه ثم خرج إلى الشرفة وقام بأخذ نفسًا عميقًا، لحق به أدهم وربت على كتفه ثم علق قائلًا:
-أشعر بالتعجب والحيرة؛ الحياة مليئة بالفتايات وأنت لا ترى فتاة واحدة ضمن هذه الفتايات تصلح لتكون زوجة لك؟!

دلف معتز إلى المرحاض وقام بالأستحمام ثم خرج إلى صديقه وهو يرتدي ملابسه وعلق قائلًا:
-أدهم، لا أريد أي فتاة، فالفتاة التي ستلعب دور الزوجة لا بد أن تكون فتاة مناسبة للظهور أمام الجميع على أنها زوجة معتز الصياد.

حضر سعيد مدير المنزل وتحدث قائلًا:
-سيد معتز، إن سيدي ينتظر قدومك لتناول الإفطار.

أومأ معتز برأسه وعلق قائلًا:
—حسنًا عم سعيد تقضل أنت ونحن سنلحق بك على الفور.

غادر العم سعيد ووقف معتز يتحدث إلى صديقه أدهم ويقول:
—أدهم، لا داعي لنسبق الأحداث فلدينا متسع من الوقت، أما الآن فإلى مائدة الإفطار حتى لا يغضب جدي ويصدر المزيد من القرارات الغريبة.

توجه معتز وصديقه أدهم إلى مائدة الإفطار، حيا معتز جده وقام بتقبيل يده بينما همهم أدهم بكلمات غير مفهومة، ثم جلس على المائدة.

نظر الجد إلى أدهم وعلق قائلًا:
—أدهم كيف حالك؟

ابتسم أدهم وعلق قائلًا:
—بخير يا جدي، أحمد الله كثيرًا.

ابتسم الجد وعلق قائلًا:
—كنت تهمهم بشيء، فما الذي كنت تقوله؟

شعر أدهم بالتوتر ثم تحدث قائلًا:
—جدي، كنت أقول إنني جائع جداً.

ابتسم الجد وعلق قائلًا:
—حسنًا أيها الشاب الطيب فلتتناول إفطارك.

تنفس أدهم الصعداء بينما همس معتز إليه قائلًا:
—لقد سمعت ما كنت تهمهم به أيها الكاذب.

أشار أدهم إلى معتز بالصمت، ثم تظاهر بتناوله للطعام.

استطاعت الصديقتان العثور على شقة صغيرة مناسبًا لما لديهم من نقود، وذلك بعد نجاح ريم  في اقناع صاحبة المنزل التي كانت ترفض أن تسكن لديها فتاتين بمفردهما.

دلفت ريم إلى الشقة الجديدة وفي يدها حقيبة صغيرة تحتوي على بعض الملابس القليلة التي استطاعت احضارها معها من منزل والدها، وبعض الأوراق والخاصة بها.

نظرت هيام إلى جدران المنزل وعلقت قائلة:
—هل سنعيش هنا في هذا المنزل القبيح؟!

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—أجل سوف نعيش هنا، ولكن لن نعيش في منزل قبيح؛ سنقوم نحن بتجميله بأيدينا.

نظرت هيام إليها متعجبة وعلقت قائلة:
—ما الذي تعنيه بأننا سوف نقوم بتجميله بأيدينا؟!

أمسكت ريم بيد هيام وقامت بسحبها خارج المنزل ثم قالت:
—هيا معي سوف نقوم بشراء بعض الطلاء والأغراض الأخرى الازمة.

وبالفعل ذهبت الصديقتان إلى المتجر وقامت بإحضار كل ما يلزم ذلك المنزل الجديد ليصبح مناسباً للعيش بداخله.

وبعد أن عادوا إلى المنزل، دلفت ريم إلى إحدى الغرفة وبعد قليل خرجت وهي مرتدية ملابس غريبة.

نظرت إليها هيام وانفجرت ضاحكة، ثم علقت قائلة:
—ما هذه الملابس العجيبة التي ترتديها؟!

ابتسمت ريم وقامت بإلقاء شيء عليها وهي تقول:
—خذي هذه وقومي بإرتدائها.

أمسكت هيام بتلك الملابس وعلقت قائلة:
—لا لن ارتدي هذا الشيء العجيب.
وقامت بإلقاء الملابس أرضًا.

عقدت ريم حاجبيها وعلقت قائلة:
—حسنًا، سوف تقومين بطلاء الحائط بملابسك هذه.

تعجبت هيام وعلقت قائلة:
—ولماذا لا نحضر من يقوم بطلاء المنزل بدلًا منا؟!

امسكت ريم بحقيبتها واخرجت ما تبقى معها من مال، قامت بوضعه أمامها وعلقت قائلة:
—سيدتي الأميرة، لم يتبقى معنا سوى هذا المال الضئيل الذي يكفي بالكاد للطعام حتى نجد فرصة عمل مناسبة.

لم تجد هيام أمامها سوى الامساك بتلك الملابس مرة أخرى وقامت بإرتدائها.

ابتسمت ريم وربتت على كتفها وقالت:
—هيا لنفعلها ونجعل هذا المنزل مناسبًا لتعيش فيه الأميرة للجميلة هيام.

ابتسمت هيام وعلقت قائلة:
—سوف يكون اجمل منزل يا صديقتي الحبيبة؛ لأننا سوف نقوم بطلاءه بالحب وليس بالطلاء.

أمسكت كل واحدة منهما بفرشاة وقاموا بطلاء الجدران.

منزل مصطفي البارودي.

الأب وقد شعر بالقلق على ابنته، لا يستطيع الجلوس ينظر من الشرفة تارة ويمسك هاتفه ويقوم بالاتصال على هاتف ابنته ريم  فيجده غير متاح تارة أخرى.

نظرت زوجته إليه وقد تملكها الغيظ وقالت:
—مصطفى، ما الذي يقلقك هكذا؟!

نظر إليها مصطفى البارودي وعلق قائلًا:
—لقد تأخر الوقت ولم تعود ريم إلى الآن، ترى ما الذي تسبب في تأخيرها في العودة هكذا؟!

علقت الزوجة قائلة:
—ابنتك لن تعود حتى تكون علكة في افواه الجيران.

شعر الزوج بالغضب وعلق قائلًا:
—فايزة، انتبهي  لا تتحدثي عن ابنتي هكذا.

ابتسمت فايزة وعلقت قائلة:
—غضبت لأنني تحدثت عن الأميرة ريم، لكن عندما قامت ابنتك بصفعي على وجهي لم تستطيع التحدث.

تنهد الزوج ثم حدثها قائلًا:
—أنتِ التي بادرتي بصفعها، ابنتي لم يسبق أن يقوم أحد بصفعها هكذا، إن لم تعود سوف تكونين أنتِ السبب في ذلك.

ضحكت فايزة بسخرية وعلقت قائلة:
—ليس لي شأن بذلك، لا تجعل مني شماعة تحمل عليها أخطاء ابنتك.

اتجه الأب الشرفة يتطلع لرؤية ابنته لكنه عاد خائب الرجاء؛ فهو لم يرى ابنته.

نظرت إليه زوجته وهي تدعو الله ألا ترى وجه هذه الفتاة مرة أخرى، وعندما رأت على وجهه الحزن والحسرة على عدم عودة ريم ابتسمت وقالت:
—سأذهب لأنام ألم تأتي؟

نظر إليها زوجها وعلق قائلًا:
—إذهبي وافعلي ما تريدين، فلن أذق طعم الراحة حتى تعود ابنتي.

ذهبت فايزة لتنام غير عابئة بما يشعر به زوجها من حزن وقلق.

جلس الأب ينتظر قدوم ابنته يتطلع إلى اللحظة التي ستدخل فيها من باب المنزل.

أنتهت ريم وهيام من طلاء المنزل، شعرت هيام بالتعب والجوع الشديد فنظرت إلى ريم وقالت:
—ريم، أشعر بالجوع الشديد هيا بنا نذهب ونحضر بعض الطعام.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—حبيبتي، لقد تأخر الوقت لا يمكننا أن نخرج من المنزل في هذا الوقت المتأخر.

نظرت هيام إلى الساعة، ثم علقت قائلة:
—كيف مر كل هذا الوقت دون أن أشعر به؟!

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—لم تشعري بالوقت لأننا كنا منهمكين بالعمل في طلاء المنزل، والآن تستطيعين تناول بعض الفطائر التي بداخل حقيبتي.

أسرعت هيام بفتح الحقيبة وجلست تتناول الفطائر وريم تنظر إليها مبتسمة وتتحدث نفسها وتقول:
—لا تعلمي مدى سعادتي بوجودك معي!
سوف تكونين كل شيء بالنسبة لي.

هيام تلتهم الفطائر ثم تقف للحظة وتحدث نفسها قائلة:
-كيف أكون بكل هذه الأنانية؟! ريم تركت لي الفطائر وأنا أجلس أتناولها دون أن أقوم بإعطائها شيء؟!

وقفت هيام وقامت بإعطاء صديقتها ريم بعض الفطائر ولكنها رفضت، قامت هيام بوضع الفطائر في فمها رغمًا عنها وهي تقول:
-لا بد أن نتشارك كل شيء يا صديقتي.

وما إن انتهوا من تناول طعامها، أخذت ريم هيام في حضنها، وسرعان ما ذهبت كل منهما في نوم عميق.

وفي الصباح استيقظت ريم وقامت بإيقاظ هيام وهي تحدثها قائلة:
—هي استيقظي لا بد أن نخرج للبحث عن عمل.

استيقظت هيام وعلى وجهها ابتسامة جميلة، نظرت إلى ريم وقالت:
—صبحك الله بكل خير يا حبيبتي.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—بالتأكيد سيكون صباح مليء بالخير لانك معي.

خرجت الصديقتان للبحث عن عمل مناسب؛ يستطيعوا من خلاله الحياة بشكل مناسب.


نظرت ريم إلى صديقتها التي بدت السعادة عليها واضحة، نظرت هيام إليها وحدثتها قائلة:
—لا تتخيلين مدى سعادتي، هذه هي الليلة الأولى لي منذ فترة طويلة انام فيها نومًا هادئًا بدون قلق وخوف أنا سعيدة جدًا.

أخذت هيام تدور حول نفسها وفي سعادة وفجأة تأتي سيارة مسرعة اصطدمت بها بقوة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي