الفصل الخامس

وقفت ريم في صدمة وذهول، نظرت إلى الطبيب وحدثته قائلة:
—سيدي، من فضلك تأكد ربما حدث خطأ غير مقصود، أو ربما تكون هذه الفحوصات والتقارير ليست لصديقتي.

شعر الطبيب بالأسف فربت على يديها وغادر، انهمرت الدموع من عينيها وعلقت قائلة:
—أشعر أنني داخل كابوس مفزع.

نظرت ريم إلى أدهم وحدثته قائلة:
—أدهم، اخبرني أن هذا غير حقيقيًا وأنه مجرد كابوس مفزع سرعان ما سيزول.

تلألأت الدموع في عين أدهم، وعلق قائلًا:
—ريم،  لا بد أن تتماسكِ فهذا قضاء الله وقدره، وهناك الكثيرون من المرضى الذين كتب الله لهم الشفاء من ذلك المرض.

انفجرت ريم بالبكاء، فلم يجد أدهم أمامه سوى أن قام بضمها إلى صدره، وحينها شعر بشيء يجذبه إلى هذه الفتاة.

ريم ظلت تبكي ولم تنتبه أنها في حضن أدهم، كالذي ملجأ يأوى إليه، وها هي أخيرًا تشعر بدفء لم تعهده من قبل، امتنعت عن البكاء وأمعنت النظر لتجد نفسها على صدر هذا الشاب المعضل.

فجأة إنتفضت كالذي صعق الكهرباء وابتعدت عنه ثم حدثته قائلة:
—أدهم، أعتذر إليك على ما حدث.

اومأ أدهم برأسه وعلق قائلًا:
—ريم، لا عليك ِاتفهم ما حدث ولا داعي للإعتذار ولنفكر فيما علينا فعله صوب هذه الفتاة المسكينة.

أسرعت ريم بمسح دموعها وحدثته قائلة:
—هيام تطلع لليوم الذي ستخرج فيه من هذه المشفى، ولا يمكنني أن أخبرها بشيء الآن، علي التحلي بالتماسك والصلابة؛ حتى لا تشك في أمري.

وفجأة تحولت الفتاة التي كسرها حزنها الشديد على مرض صديقتها إلى أخرى قوية دلفت إلى غرفة صديقتها وقامت بتقبيلها ثم حدثتها قائلة:
—كيف حال ابنتي وصديقتي الجميلة؟

ابتسمت هيام وعلقت قائلة:
—إنها تشتاق إلى الأم والصديقة التي غابت عنها لساعات طويلة اليوم.

ابتسمت هيام وعلقت قائلة:
—منذ ذلك الحادث وأنتِ أصبحتي فتاتي المدللة! ولا اريدك أن تتعودي على ذلك هيا تعافي سريعًا؛ حتى نكمل مشوار كفاحنا.

نظر أدهم بتعجب شديد إلى ريم، وازداد إعجابه بها وانجذابه نحوها، ثم علق قائلًا:
—هيام، كيف حالك اليوم؟ ييدو عليك انكِ بحالٍ أفضل.

ابتسمت هيام وحدثته قائلة:
—أدهم أحمد الله كثيرًا فإنني أشعر أنني بحالٍ أفضل، وقد اخبرتني الممرضة اليوم أن الطبيب سوف يسمح لي بالخروج من المشفى.

في هذه اللحظة أسرعت ريم  قالت:
—لا يمكنه أن يسمح لكِ بالخروج حتى تتعافين بشكلٍ كامل.

ثم دنت ريم من هيام وهمست إليها قائلة:
—هيام أنتِ هنا تجدين الإهتمام والرعاية إلى جانب الطعام المناسب الذي لا يمكنني أن اوفره لكي في منزلنا فالوقت الحالي.

ابتسمت هيام وعلقت قائلة:
—ريم، لا يهمني هذه الأشياء؛ فأنا أريد البقاء بجوارك.

ربتت ريم على رأس هيام وقالت:
—حسنًا لننتظر يومان آخران حتى تلتئم هذه الجروح والكدمات.

نظرت هيام إلى صديقتها فوجدت بيدها ظرف كبير أمسكت به وعلقت قائلة:
—ريم، ما هذا الظرف؟! هل هذه نتيجة الفحوصات التي اجريتها؟

أسرعت ريم ونزعت تلك الفحوصات من يد صديقتها وهي تقول:
—تمسكين بها كأنك سوف تعرفين قرائتها!

هيام وقد شعرت ببعض الضيق والحرج أمام أدهم علقت قائلة:
—وما الذي ادراكي أنني لا استطيع قرائتها؟ اعطني إياها وسوف أثبت لكي، سوف اخبرك بكل ما تحمله من معلومات.

امتنعت ريم عن اعطائها التقارير وعلقت قائلة:
—اعلم إنك تستطيعين فعل كل شيء ولكن لا بد أن أذهب الآن وأقوم بإعطاء هذه التقارير الطبيب.

ثم نظرت ريم إلى أدهم وقالت:
—أدهم، هل ستأتي معي أم تفضل البقاء مع هذه الفتاة العنيدة؟

ابتسم أدهم وعلق قائلًا:
—بل سأغادر فلدي الكثير من الاعمال التي أود القيام بها.

نظرت هيام إليه وحدثته قائلة:
—أدهم، بالرغم مما أشعر به من آلام نتيجة تلك الحادثة، إلا إنها كانت السبب في التعرف على انسان رائع مثلك.

ابتسم أدهم وعلق قائلًا:
—هيام، لا تعلمين ما الذي فعلته بي تلك الحادثة؛ لقد كشفت لي الكثير من الأشياء التي لم أكن أعلمها عن اقرب الناس إلي، كأن القدر وضعكم في طريقي لشيء لا يعلمه سوى الله.

نظرت ريم إليهم ثم تحدثت قائلة:
—هل انتهيتم من حديثكم؟ سوف أغادر فلدي عمل في الصباح.

ابتسم أدهم وعلق قائلًا:
—حسنًا، سوف أقوم بإيصالك في طريقي.

وفي الطريق نظر أدهم إلى ريم من خلال مرآة السيارة فوجدها شاردة، حدثها قائلًا:
—ريم، هل أنتِ على ما يرام؟
.
علقت ريم قائلة:
—لا لست بخير، كيف أكون بخير وصديقتي المقربة تسارع الموت وهى لا تعلم.

وقف أدهم بسيارته وتحدث إليها قائلًا:
—من فينا لا يسارع الموت، هل تعلمين الموعد الذي ستتوفين فيه؟

علقت ريم قائلة:
—بالطبع لا، وأرى أن هذه رحمة من الله بعباده.

ابتسم أدهم ابتسامة هادئة، ثم تحدث قائلًا:
—دائمًا ما يأتي الموت دون سابق انذار وفي وقت لا يتوقعه المرء؛ لذلك فنحن نسارع الموت في كل وقت يمر من عمرنا.

اومأت ريم برأسها وعلقت قائلة:
—لديك الحق فيما تقول، فنحن نسارع الموت في كل وقت يمر من عمرنا.

ابتسم أدهم واعاد تشغيل السيارة ثم تحرك بها، وصل إلى منزل ريم ثم علق قائلًا:
—ريم، حمدًا لله على سلامتك.

علقت ريم قائلة:
—شكرًا لك ويكفي هذا القدر.

تعجب أدهم وعلق قائلًا:
—لا أفهم ما الذي تعنيه من تلك الكلمات؟!

علقت ريم قائلة: 
—منذ أن وقع الحادث وأنت لم تتأخر علينا في شيء، حتى مصاريف المشفى والعلاج اليوم قاموا بإخباري أنك قمت بدفع كآفة المصاريف، أدهم يكفي عليك ذلك، ليس لك ذنب ان تتحمل كل هذا.

نظر أدهم إليها ثم قال:
—ذنبي إنني كنت في سيارة صديقي الذي تسبب في ذلك الحادث، ذنبي إنني شعرت بشيء يجذبني إليكِ أنت وصديقتك لا أعلم ما هو ولكنني شعرت أنني اعرفكم منذ وقت طويل.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—لم يكن الذنب ذنبك، ولكنك شخص كريم نبيل الأخلاق.

وقبل ان تغادر ريم السيارة حدثته قائلة:
—أدهم، الطريق أمامنا طويل فلا تجهد نفسك بالسير في طريق مليء بالأشواك، لا يعلم نهايته سوى الله.

دلفت ريم إلى منزلها، وما إن دلفت  إلى غرفتها حتى افترشت سريرها وانفجرت باكية.

وفي اليوم التالي.

ذهبت ريم إلى شركة الصياد فوجدت أن المدير العام قام باستدعائها.

أسرعت إلى مكتب المدير العام وحدثته قائلًا:
—سيدي، لقد قمت باستدعائي فهل هناك شيء؟

أشار السيد وحيد الصياد إليها بالجلوس ثم تحدث قائلًا:
—أود أن أطلب منك الإطلاع على هذه المستندات وكتابة تقريرًا عن مدى دقة حساباتها وقيودها.

أمسكت ريم بالمستندات وعلقت قائلة:
—حسنًا سيدي سوف أقوم بدراستها بشكل جيد وسأخبرك بكل شيء فيها.

ابتسم السيد وحيد الصياد وعلق قائلًا:
—أريد التقرير غدًا على مكتبي.

علقت ريم قائلة:
—حسنًا سيدي سوف أسهر على ذلك التقرير الليلة لأحضره إلى سيادتك في الغد إن شاء الله.

خرجت ريم من مكتب المدير العام وفي يدها الملف الذي طلب منها السيد وحيد الصياد دراسته وكتابة تقريرًا موافيًا لما فيه.

وما إن دلفت إلى مكتبها حتى وجدت أدهم خلفها نظر إليها وعلق قائلًا:
—ريم، اسعد الله صباحك بكل خير.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—أسعد الله صباحك بكل خير.

وفجأة غادر أدهم مكتب ريم فتعجبت ريم من ذلك وعلقت قائلة:
—ترى ما الذي جعله يغادر بهذا الشكل المفاجيء ودون أن يخبرني بشيء؟!

أدهم وقد غادر الشركة بشكل مفاجيء، استقل سيارته وأسرع بقيادتها بشكل مثير للدهشة!

وما إن وصل إلى منزله جلس يؤنب نفسه ويحدثها قائلًا:
—ما الذي يحدث معي؟! هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها بمثل هذه المشاعر، ما إن نظرت إلى عينيها شعرت بلهيب الحب يشتعل داخل قلبي، لقد كنت على وشك الأفصاح لها بمشاعري، أخشى من خسارتها إن افصحت لها عن مشاعري.

سمع أدهم رنين الهاتف فنظر إليه ليجد ريم هى المتصلة، وبعد تردد قام بالرد.

ريم تحدثت قائلة:
—أدهم، أين أنت؟! لقد قلقت بشانك.

أدهم علق قائلًا:
—لقد عدت للمنزل، ولكن هل حقًا قلقت بشأني؟!

تعجبت ريم وحاولت التجاهل ثم علقت قائلة:
—ما الذي حدث لتغادر مسرعًا هكذا وتعود لمنزلك؟!

شعر أدهم ببعض التوتر، ثم علق قائلًا:
—اعتذر إليكِ، فقد تذكرت إنني قد نسيت أمرٍ هام بالمنزل؛ لذلك اسرعت بالعودة.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—حسنًا لا داعي للإعتذار أهم شيء إنك بخير.

ادهم علق قائلًا:
—ريم، شكرًا لكِ على وجودك في حياتي.

ابتسمت ريم وعلقت قائلة:
—أدهم، أنا التي يجب عليها الشكر أن وهبني الله بأخٍ مثلك.

كانت لهذه الكلمات تاثيرًا كببرًا على أدهم، فقد شعر بخيبة امل كبيرة، فلم يكن يتخيل أن ريم تعتبره بمثابة أخٍ لها، فتحدث بصوتٍ يملؤه الحزن وقال:
—ربما اتطلع إلى مكانة أشد قربًا من مكانة الأخ داخل قلبك.

شعرت ريم بما يلمح له أدهم وعلقت قائلة:
—ليس هناك مكانة أقرب من مكانة الأخ التي افتقدها كثيرًا.

اومأ أدهم برأسه وعلق قائلًا:
—حسنًا، لا بأس بمكانة الأخ لعلها تكون مكانة  مؤقتة.

ريم تحدثت قائلة:
—أدهم، ليس في قلبي مكانًا لأحد، كل ما افكر به الآن هو هيام فقط، أنت أخ وصديق  رائع ولكنني لا يوجد بداخلي مكانًا  لمشاعر اخرى.

انهت ريم مكالمتها الهاتفية مع ادهم، وتحدثت قائلة:
—كيف يفكر هذ الشخص مثل هذا التفكير؟!  ألا يعلم حجم الأحزان التي امر بها؟!

٫ثم جلست تراجع الملف الذي طلب منها السيد وحيد الصياد مراجعته.

اثناء مراجعة الملف وجدت ريم العديد من المخالفات المالية بحق معتز الصياد، أسرعت بكتابة تقريرًا عن تلك المخالفات، ثم ذهبت إلى مكتب المدير العام لتقديم التقرير إليه.

وصلت ريم إلى مكتب المدير العام، وعندما قامت بالسؤال عنه اخبرتها مديرة مكتبه أنه غادر للتوه.

نظرت ريم إليها وحدثتها قائلة:
—سيدتي، هل سيعود المدير العام مرة اخرى؟

اخبرتها مديرة المكتب قائلة:
—لقد عاد السيد  وحيد الصياد إلى منزله ولن يعود اليوم.

علقت ريم قائلة:
—حسنًا، سوف أغادر الآن وأعود إليه في الغد فلدي شيء هام وعلي أن أقوم بإعطائه له.

غادرت ريم شركة الصياد وقامت بإستئجار  سيارة أجرة، وذهبت إلى المشفى، وفي الطريق أغمضت عينيها وتمنت لو يخبرها الطبيب أن هيام ليست بمريضة وأن ما حدث كان خطأ، ولكن في هذه اللحظة تذكرت ريم العرافة التي أخبرتها بما يتنظر هيام من ألام وأحزان وحجيم.

أمسكت ريم برأسها وعلقت قائلة:
—يارب سلم، يارب سلم.

وما إن وصلت  إلى المشفى ذهبت إلى الطبيب وتحدثت معه بشأن الحالة الصحية لهيام وما الذي عليها فعله.

استقبلها الطبيب في مكتبه وحدثها قائلًا:
—لا بد من بدء العلاج حتى لا تتسع البؤر السرطانية في المخ.

ريم وقلبها يعتصر ألمًا علقت قائلة:
—حسنًا فلنبدا في العلاج بأسرع وقت ممكن.

الطبيب تحدث إليها وقال:
—سيدتي، لسنا مختصين هنا  بهذه الأمراض، لا بد من أن تذهب للمعهد العالي الأورام أو أي مشفى أخرى مختصة بعلاج الأورام، كما أنها لا بد أن تغادر المشفي فلا داعي لوجودها هنا.

علقت ريم قائلة:
—حسنًا سيدي، سوف تغادر هيام المشفى ولكن كيف نبدأ علاجها بإحدى هذه المستشفيات دون علمها.

الطبيب بكل أسف تحدث قائلًا:
—لا بد من إخبارها وان يكون لديها دافعًا قويًا للشفاء؛ فالعامل النفسي أمر في غاية الأهمية ويساعد على شفاء المريض، كما أريد أن اخبرك أن تخبري أسرتها، فمصاريف العلاج بالكيماوي والأشعاع مكلفة للغاية ولا يمكنك تحملها بمفردك.

شعرت ريم بالحزن الشديد، ولم تفكر بمصاريف العلاج ولكن كل ما دار بذهنها هو أنها ستعرف بحقيقة مرضها، وهذا  في حد ذاته كارثة كبيرة قد تتسبب في انهيارها وسوء حالتها النفسية.

غادرت ريم مكتب الطبيب ثم دلفت إلى غرفة هيام وعلى الرغم من كل محاولاتها لإخفاء ذلك الحزن، إلا أن هيام بمجرد أن نظرت إليها حدثتها قائلة:
—ريم، يبدو عليك الحزن، فما الذي يحزنك هكذا أخبريني ولا تخفي عني شيء؟
نظرت ريم إلى صديقتها وحاولت إخفاء ذلك الحزن الذي بدى على وجهها وقالت:
—لقد طلب مني المدير العام عمل تقريرًا وعندما قمت بإعداده وذهبت لإعطائه إياه كان قد غادر.

ابتسمت هيام وعلقت قائلة:
—هل هذا كل شيء؟!

نظرت ريم بتعجب وعلقت قائلة:
—بالطبع هذا هو كل شيء، ولكن لقد اخبرني الطبيب أنك تستطيعين مغادرة المشفى.

نظرت هيام وقد امتلأت عيناها بالدموع وقالت:
—ألم يخبرك أيضًا إلى اي مشفى آخر على الذهاب؟!

وقفت ريم بدهشة وعلقت قائلة:
—هيام ما هذا الذي تتحدثين به؟!

انهمرت الدموع من عين هيام وعلقت قائلة:
—ريم أنا أعرف كل شيء.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي