الفصل الثالث اختفاء

قامت هاجر بتحضير الطعام إلى مراد وهي تتذوقة كل دقيقة وبعد إضافة أي شيء إليه، تتمنى أن ينال إعجابه، تصنعه بحرص شديد وقد علمت أن وجبات الدجاج هي أكلته المفضلة.

مر الوقت وأتى موعد الغداء، تعجب مراد عندما رأى صحون البصارة أمام الجميع:

-ما هذا يا أمي، ما هذا يا روڤان؟! تعلمون جيدًا أنني لا أحب هذه الوجبة، لماذا لم يخبرني أحد؟

ابتسمت عمته وهي تبتسم بثقة، امسكت بالملعقة وهي على وشك أن تتناول طعامها:

-وجبتك الخاصة تحضرها هاجر بنفسها، تعلم أن عمتك تحب هذه الوجبة وقولت أن نقوم بطهيها اليوم، لكن هاجر أصرت على فعل شيء خاص لابن خالها.

تبادل كلًا من عاصم وبدر النظرات وهم يجاهدون لمنع ضحكاتهم، أمسك كل واحد منهم بكوب من الماء وهم على وشك شربه، يحاولون أن يلهوا عقولهم عن الضحك.

كان يونس يلاحظ كل شيء ويشعر بالضيق الشديد، لا تعجبه أفعال أخته أو والدته، يشعر أنه على وشك أن يجن منهم، وقف مبتعدًا عن المائدة:

-لقد شبعت، سوف أذهب لأسير قليلًا، لقد اشتقت إلى شوارع الأسكندرية.

أتت هاجر في هذا الوقت وطبق ضخم في يدها، رمقها يونس بغضب وهو يتوعد لها:

-أين تذهب يا يونس في هذا الوقت؟ هل ازعجك شيء؟!

رحل وهو يتجه إلى باب المنزل الضخم، فتحه بانفعال ومن ثم قام باغلاقه بغضب شديد، ضحك يامن والده:

-هذا الشاب عصبي كثيرًا، الغضب يسيطر عليه من أقل شيء، لا أعلم ما الحل له! أنظر يا مراد أنا أراهن أنه شعر بالغيرة منك لأن هاجر اهتمت بصنع الطعام لك وغفلت عنه.

وضعت هاجر الطعام أمامه والابتسامة تزيين ثغرها:

-تذوقه يا مراد هيا، أحتاج إلى رأيك؛ فهذه الوجبة للمرة الأولى أقوم بصنعها.

نظرت مي إلى عاصم وهي تتمنى أن يمر الوقت بخير؛ فمراد لا يعرف المجاملة أبدًا وهي ترى هاجر قد وقفت كثيرًا واهتمت بطعامه، تذوق مراد الطعام وبدأ في تناوله في صمت، ابتسمت روڤان وهي تشير إلى هاجر بالجلوس ويبدو أنها نجحت في صنع طعامه المفضل.

مر اليوم وأتى اليوم التالي، العصافير تغرد في كل مكان، سواء في الأسكندرية أو في جزيرة التوابيت، تخطت الساعة الثالثة مساءً، بدأت توناي وإيكيز في تحضير يلديز للزفاف، عناقيد الزرع المفضلة لها والمصنوعة من حبات الرومان، تاج يليق بها كأميرة على جزيرة التوابيت.

لم تبتسم حتى، كانت هادئة أكثر من اللازم عكس عادتها، كل ما تفعله تبادل النظرات مع إيكيز والنظر إلى بابسي وكأنها تودعها، ابتعدت توناي لإحضار العطر، نظرت يلديز إلى نفسها، كانت ترتدي فستان من اللون الأحمر، مزين بالورود، نظرت إلى إيكيز وهي تبتلع ما بحلقها بقلق:

-سوف تساعديني أليس كذلك؟

اومأت لها إيكيز وهي تشعر بالقلق، وضعت يدها على كتفها في محاولة منها لجعلها تطمئن:

-سوف يكون كل شيء على مايرام، عندما يأتي جوردن وأبي ليتحدثوا معكِ ويرحلوا سوف تذهبين أنتِ لتلقي نفسكِ بالسفينة قبل أن تختفي، عليكِ أن تختبأي جيدًا.

ابتلعت يلديز ما بحلقها، القلق يظهر بوضوح على وجهها، تحاول أن تتوقف عن التفكير؛ حتى لا تُقلق نفسها أكثر، تحدثت وهي تسأل إيكيز:

-ماذا لو حدث وابتعدت السفينة قبل مجيئهم؟ ما الذي سوف نقوم به في هذا الوقت يا ترى؟!

لم يكن لدى إيكيز أي إجابة، فقط كانت تدعو أن يتم كل شيء على أكمل وجه، تمنت أن تتأخر السفينة وتتمكن يلديز من الدلوف بها.

مرت ساعة وذهبت إيكيز لتحاول أن تعطل والدها، كانت يلديز تقف وعينيها مسلطة على السفينة الموجودة على الجانب الآخر، هي نجاتها الآن.

شعرت بيد توضع على خصرها تعلم صاحبها جيدًا، ابتعدت على الفور والرعب في عينيها، ابتسم جوردن وهو يتأملها بينما هي تتابع هيئته الضخمة بقلق وهي تبتعد:

-ما الذي تريده يا جوردن؟

تحدث وإبتسامة خبيثة تزيين ثغره:

-ما أريده سوف يكون ملكي في غضون ساعة يا يلديز، سوف تصبحين زوجتي ولا أريد من العالم شيء آخر.

كانت تنظر له والخوف يعتصر قلبها، وقف أمامها واضعًا يده على وجنتها برفق قبل أن يتحول إلى عنف قابضًا على فكها:

-سوف يأتي والدكِ وآخرون، سوف توافقين على الزواج بدون مشاكل، في يوم كهذا لا أريد لغباءك أن يفسده فهمتي يا جميلة؟!

تساقطت دموعها على يده من جديد وهو دفعها ليمسح يده بغضب ومن ثم رحل متأفف، جلست يلديز في مكانها وهي تبكي وتحرك رأسها بنفي:

-مستحيل أن يحدث هذا، لن أبقى معك يا جوردن.

أتاها صوت كادي في هذا الوقت:

-لا أعلم ما هذا الغرور يا يلديز، من أين عثرتي على كل هذا الغرور يا ترى؟!

رمقتها يلديز بغضب شديد، وقفت في انفعال واضح وهي تتحدث بتحذير، تعلم جيدًا أن كادي لا تحبها ولطالما كرهتها بدون أي سبب:

-ما الذي تريديه مني الآن يا كادي، أنا لا ينقصني شيء الآن، ابتعدي عني وإياكِ أن تختبري صبري.

حركت كادي رأسها بنفي وهي تبتسم بتهكم، اقتربت منها وهي تتحدث ببرودها المعتاد:

-أنا أعلم جيدًا أنكِ لا تريدي الزواج بجوردن، يبدو هذا الأمر كابوس لكِ، لقد سمعت حديثكِ أنتِ وإيكيز مرارًا، أعلم أنكِ تحاولين الهرب من هنا ولكن تنتظرين الفرصة المناسبة.

انتبهت يلديز لها أكثر، وقفت في مواجهتها وهي تنظر حولها، تشعر بالقلق الشديد من فكرة أن يسمعها أي شخص، حاولت أن تتمالك أعصابها وهي ترمقها بغضب:

-ما الذي تريديه مني الآن؟ لا يمكنني أن أفهم هل تحاولين تهديدي أم ستكشفين أمري؟

ابتسمت كادي بخبث شديد وهي تحرك رأسها بنفي:

-لا أحاول تهديدك أو العبث بعقلكِ يا يلديز، لا أنوي هذا كله، كل ما في الأمر أنني أحاول مساعدتك، إن أتى والدكِ إلى هنا ومعه الشهود، سوف تحدث الكارثة، سوف توافقين ووقتها سيتم زواجكِ حتى لو هربتي.

لقد كانت كادي محقة تمامًا، هي لن تتواجد مع من يعقد قرانهم، لا يمكنها أن تتخيل أن يكون جوردن زوجها، حاولت التفكير وإسعاف نفسها لكنها لم تستطيع، ابتسمت كادي بلؤم وهي تنظر لها:

-لن يستطيع أدم مساعدتكِ لأنه يجلس بين الرجال وكذلك عمال السفينة، هذا أنسب وقت يا يلديز؛ فالسفينة سوف تبحر في خلال دقائق.

فركت يلديز جبينها وهي تشعر بالكثير من التوتر، نظرت إلى كادي بحيرة وسألتها بجدية:

-إن كنتِ لا تحبيني فما الشيء الذي يجعلكي تساعديني الآن؟

رفعت كادي كتفها ومن ثم انزلته بهدوء:

-لأنني أحب جوردن، لا يوجد فتاة يمكنها أن تنافسني عندما يتعلق الأمر بحبه.

حركت يلديز رأسها بعدم تصديق، هي تحاربها على شيء لا ترغب به من الأساس، تابعت كادي حديثها والغيظ ينال منها:

-لا أعلم لماذا وقع في غرامكِ أنتِ ولم يحدث هذا معي، لكنني سوف أفعل أي شيء ليكون جوردن لي، على كل حال هذا الأمر لا يعنيكي، الشيء المهم هنا أن ترحلي وتحرميني من رؤية وجهكِ.

رمقتها يلديز بمقت شديد وبالفعل ذهبت يلديز تجاه السفينة وهي تدعو من الله أن لا يكشف أحد أمرها، رأت بابسي من بعيد تلعب مع إيكيز وتتناول طعامها، ظهر الحزن في أعين يلديز وهي تعتذر على عدم توديعها لهم.

صعدت إلى السفينة ومن ثم سارت بحرص وهي تخفض رأسها، رأت التوابيت الذين يحضروها إلى الجزيرة ممتلئة بالسلاح والمخدرات ومن ثم يقوموا بافراغها في أماكن مخصصة، دلفت إلى أحد التوابيت الضخمة من بابها الجانبي ومن ثم قامت باغلاقه عليها.

كانت تحاول الهدوء وهي تستمر في التحدث إلى نفسها، تكرر أن كل شيء سوف يكون على مايرام، لا يوجد ما يدعى للقلق، مرت دقائق قبل أن تسمع صوت السفينة وعلمت أن الأمر قد انتهى، هي سوف تغادر الجزيرة الآن.

بالفعل مرت ساعة ولم ينتبه أحد لغياب يلديز، دلف جوردن إلى مكانها ولم يجدها، دلف إلى خيمة والدتها ووالدها ولم يجد أحد، الجميع بالخارج، حاول أن يبحث عنها في هدوء لكنه لم يجدها! انتبهت له إيكيز وقد علمت أن أختها غادرت مع السفينة ومن الجيد أنها لم تتأخر.

ذهب جوردن مباشرة إلى كنان عمه والذي يكون والد يلديز:

-عمي أنا لم أجد يلديز في أي مكان، لا وجود لها.

عقد كنان حاجبيه بحيرة واقترب ليقف أمام جوردن:

-ما الذي تقوله يا جوردن؟ مؤكد هي في مكان ما على هذه الجزيرة.

انفعل جوردن وهو ينظر، يعلم أن يلديز تبغض الزواج منه، لكن عليه أن يجدها الآن، تحدث بضيق شديد:

-من جديد تقول تلك الفتاة بأفعالها السخيفة، لا تفكر في شكلي أمام كل المدعوون يا عمي، أنا سوف أبحث عنها وأتمنى أن أجدها سريعًا.

تدخلت كادي في هذا الوقت وهي تحرك رأسها بنفي:

-لن تجدها يا جوردن، لقد كنت أبحث عن يلديز منذ ساعة، لقد اختفت من على الجزيرة بأكملها، كنت أظن أن إيكيز تمزح عندما كانت تخبرها أن تهرب في السفينة، أما الآن لا أجد ما يُشفع لها.

انفعل كنان وهو ينظر إلى كادي بتحذير طالبًا منها الصمت:

-ما الذي تقوليه يا كادي؟ هل فقدتي عقلكِ؟!

حركت كادي رأسها بنفي وقد شعرت بالقلق:

-لا يا سيدي أنا أقول الحقيقة، هذا ما حدث وهذا ما سمعته أنا.

اقترب كنان من إيكيز وهو يسألها أمام الجميع بغضب شديد:

-هل هذا الحديث صحيح يا إيكيز؟

اجتمعت الدموع بأعين إيكيز وهي لا تصدق أن هذا كله حدث، لا تعلم ما الذي يمكنها أن تقوله، عقلها مشتت، تحدثت ببعض القلق:

-أجل يا أبي، يلديز لم تكن تريد الزواج بجوردن وأنا أعلم أنها عزمت الهرب.

صفعها كنان بقوة، انجرحت شفتيها والدموع تساقطت من عينيها، وضعت توناي يدها على قلبها ودموعها تتساقط، لا تعلم ما الذي يجب عليها أن تفعله، هرولت تجاه مرسى السفينة، لا تراها ولا يوجد لها أي أثر، لا تعلم ما الذي من الممكن أن يحدث إلى ابنتها الآن وهي في عالم لا تعلم عنه أي شيء.

---------
صوت الأمواج ينتشر، يقف هذا الرجل على الشاطئ، يراقب الأمواج في هدوء، يشعر بالأختناق ولا يعرف السبب، يتمنى لو يجد المتعة التي تحتل قلوب الجميع، يتعجب من ضحكات أخوته ومزاحهم، يتعجب كثيرًا من كل شيء حوله وهو الذي اختار أن يبقى وحيدًا بائسًا.

ابتسم متهكمًا وهو يفكر في حياته كلها، يفعل كل شيء يريده، لا شيء جديد في حياته، يتمنى لو يجد شيء يزيد من حماسه، يجعل الشغف يعود إلى قلبه لكن ليس هناك شيء كهذا.

احتسى القليل من القهوة الموضوعة بيده وهو يبتسم بشرود، همس إلى نفسه بصوت لا يستطيع أحد سواه أن يسمعه:

-على من تكذب يا مراد؟ أنت مخرج ويراك الجميع ناجح، لكن سوف تكون كاذب كبير لو قولت أنك سعيد، حياتك مملة، لا شيء مميز بها يا مراد.

قاطعه رنين هاتفه، أمسك به وهو يتأفف والضيق يظهر على وجهه، فتح الخط وتحدث بانفعال شديد:

-أين أنت يا كارم؟ أنا في انتظارك في المكان الذي اعتدنا الجلوس به منذ فترة ولم تأتي!

تحدث كارم باعتذار وهو يقود سيارته:

-لم أتعمد التأخير يا مراد سامحني.

ابتسم مراد ساخرّا، تحدث بضيق شديد:

-تتصرف وكأنك تتعامل مع طفل صغير يا كارم، مؤكد كنت مع فتاة ما كعادتك، سوف تجعلني أفقد عقلي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي