الفصل الخامس غريبة

هبط مراد من السيارة وفتح الباب لها، كان يشعر بالتردد من مقابلتها مع عائلته، ظل يفكر لكنه أتخذ القرار وهو يتمنى أن تكون عائلته متفهمة، بالأخص عمته.

دلفت معه وهي تتأمل كل شيء حولها بذهول:

-ما هذا يا مرض؟

عقد مراد حاجبيه وهو ينظر لها:

-مرض؟ اسمي مراد يا فتاة، ليس بالأمر الصعب، هذا منزل، أسكن به أنا وعائلتي.

كانت تبتسم كلما وقعت عينيها على شجرة أو زهور:

-رائع.

قام مراد بطرق الباب وفتح بدر، تعجب من هيئة يلديز ومن وجود فتاة مع مراد، نظر إليه بتعجب، تحدث مراد:

-من ضمن المرشحين لفيلمي الخاص يا بدر، سوف تجلس معنا لبعض الأيام.

ابتسم بدر ومازال لا يفهم شيء، تحدث وهو يرحب بها:

-تفضلي، سوف تنيري المنزل.

سار مراد وهي تتبعه في كل خطوة، وقعت أنظار العائلة عليهم وتحدث مراد بنفس الجملة الذي سبق وقالها إلى بدر، بادرت عمته بالتحدث هذه المرة والضيق يظهر على وجهها:

-هل تجلب الفتيات إلى المنزل مع كل فيلم يا مراد؟

حاول مراد أن يتجاهل سؤالها، هو يرى أن هذا الأمر ليس من شأن أحد التدخل به، هي حياته ولا يفعل شيء خاطئ، بل جلبها إلى هنا لتبقى بين عائلته شيء جيد بدلًا من الذهاب معها إلى مكان آخر.

تحدثت مي وهي تقترب لترحب بها:

-مرحبًا يا ابنتي، أنا والدة مراد، ما اسمكِ؟!

نظرت ياديز لها وهي تبتسم:

-يلديز.

ابتسمت هاجر ساخرة وهي تتأمل هيئتها، شعرت بالغيرة عندما علمت أن يلديز كانت مع مراد طوال الوقت، حاولت أن تخرج تلك الأفكار من عقلها لكن دون جدوى، تحدثت بإبتسامة صفراء باهتة:

-اسمكِ غريب، ملابسكِ أيضًا ليست جيدة، هل جلبتها من أحد إشارات المرور يا مراد أم ماذا؟!

نظر مراد لها وقد احتدت لهجته وهو يقول محذرًا:

-اختاري كلماتكِ جيدًا يا هاجر، أنا أحذركي.

ابتلعت ما بحلقها وابعدت عينيها بضيق شديد، ابتسمت يلديز ومن ثم اخرجت لسانها لها، كادت مي أن تضحك لكنها منعت نفسها بصعوبة، تحدثت إلى يلديز:

-يمكنكي أن تبقي في غرفة روڤان حتى نقوم بتحضير غرفة لكِ، لن يطول الأمر.

عقدت يلديز حاجبيها، اقتربت من مراد وهي تهمس بحيرة:

-ما الذي تقصده بالغرفة يا مرار؟

ابتسم مراد بغيظ، يراها لا تنطق اسمه بشكل صحيح، تغاضى عن الأمر وهو يقول لها:

-المكان الذي ننام فيه.

ابتسمت يلديز بحماس:

-تعني تابوت؟

لقد كان مراد يتعجب من كل شيء تقوم به، يعلم أنها ليست مجنونة، ربما هي أتت من مكان ما، لكن كيف ومن أي مكان أتت هي؟!

كادت هاجر أن تفقد عقلها وهي تراها تهمس إلى مراد، الأكثر صعوبة بالنسبة لها أن مراد يبتسم! مراد الذي لم ترى إبتسامته منذ مدة يقف الآن أمام تلك الفتاة وهي تهمس له ويبتسم، الجميع يتعامل بشكل طبيعي، لكن لماذا تشعر هي بالاحتراق إلى هذا الحد؟!

تحدثت يلديز وهي تنظر إلى مراد:

-ستكون بالقرب؟

تعجب مراد من سؤالها، هل شعرت بالأمان معه يا ترى!

-لا تخافي، سوف أكون بالقرب.

ذهبت يلديز مع مي وتبعتهم روڤان، كانت تشعر بالأنبهار، لكن هناك خوف تسلل إلى قلبها، تحدثت روڤان بحيرة:

-ما هذه الملابس التي ترتديها يا يلديز؟

نظرت يلديز لها وقد تذكرت حديث هاجر:

-لا تعجبكِ أنتِ أيضًا!

حركت روڤان رأسها بنفي:

-لا أقصد هذا، لكنها غريبة عن ملابسنا، أريد أن أعرف من أين أنتِ؟ من أين أتيتِ؟!

ابتلعت يلديز ما بحلقها، من جديد تشعر بالحيرة، قررت الصمت، تشعر بالقلق الشديد، إن قالت لهم أنها من جزيرة التوابيت سوف يعيدوها ووقتها سوف يتم عقد قرانها على جوردن!

تعجبت روڤان من تجاهلها للحديث، تبادلت النظرات مع مي التي ابتسمت بحيرة:

-حتى يكون هناك ملابس جديدة سوف تستخدمين ملابس روڤان.

نظرت يلديز إلى روڤان التي تتابع هيئتها وتبتسم لها بود، ذهبت وقامت بفتح الخزانة لتخرج لها بعض الملابس:

-أنتِ قريبة مني يا يلديز، أظنها سوف تناسبكي، يمكنكي أن تأخذي ما تشائي منها، سوف أترككي لتبدلي ملابسكِ.

نظرت يلديز إلى الملابس الموضوعة بيد روڤان، لقد كانت شبيهة بما ترتديه، حاولت أن تحفظ شكله لتعلم كيف ترتدي هذا الفستان، امسكت به وهي تبتسم:

-شكرًا لكِ.

ابتسمت لها روڤان ومن ثم خرجت مع مي بحيرة:

-أمي مؤكد لاحظتي أن هناك شيء غريب، تبدو الفتاة مختلفة عن هنا!

اومأت مي ولقد كان هذا يشغل عقلها، قررت التحدث مع مراد وفهم ما يحدث منه، ذهبت إلى غرفة مراد وبالفعل وجدته قد بدل ثيابه:

-أريد التحدث معك يا مراد.

أومأ لها، كان يعلم بالفعل أنها سوف تتحدث عن يلديز، لا يعلم هل أتت من نفسها أم قاموا بجعلها تأتي له؟!

-هذه الفتاة ليست من هنا، غريبة ولا يمكنني أن أخمن من أين أتت! لماذا احضرتها إلى هنا يا مراد؟ للمرة الأولى تحضر فتاة إلى هنا!

نظر لها مراد وهو يشعر بالكثير من الحيرة:

-لا أعلم يا أمي، هذه الفتاة مثل طفلة تكتشف العالم للمرة الأولى، ترفض الأفصاح عن المكان التي أتت منه هي، لم أكن أنوي جلبها إلى منزلي، لكنني أعلم نوايا كارم، لقد أراد كارم أن يأخذها معه، أجل هو من وجدها لكنني لم أستطيع تركه يفعل شيء يؤذيها.

تعجبت مي وهي لا تعلم ما الذي تقوله:

-لا أعلم ما الذي من الممكن أن يحدث! أشعر بالكثير من الحيرة يا مراد، أتمنى أن لا يأتي أي شيء سيء من خلالها.

حرك مراد رأسه بحيرة، وقف أمام والدته بثبات قائلًا:

-أريد أن أراها يا أمي، لعلها تتحدث بأمر المكان التي أتت منه، الملابس الغريبة وحتى لهجتها غريبة، لا تتحدث العربية بشكل جيد، تنطق بعض الكلمات بشكل خاطئ.

تذكر مراد نطقها لأسمه، رفع كتفه بهدوء وعدم إهتمام:

-لا أعلم يا أمي ما الذي يمكنه أن يحدث، حتى تمثيلها في الفيلم الخاص بي أنا لا يمكنني أن أفعل شيء كهذا إن كانت لا تفهم ما يدور من حولها.

ابتسمت مي وهي تنظر إلى ابنها:

-أنا فخورة بك يا مراد، أنت ساعدتها، أنا حقًا أشعر بالفخر الشديد بك يا بُني.

ابتسم مراد لها ومن ثم قام بتقبيل يدها والخروج من غرفته، ذهب إلى غرفة روڤان، قام بطرق الباب، سمع صوت يلديز:

-لقد تم الإغلاق، فعلتها روڤان.

كاد أن يضحك من طريقتها، كانت تتحدث وكأن إغلاق الباب جريمة، فتح مراد الباب ورأها تقف وترتدي هذا الفستان الذي يفصل جسدها بوضوح، عقد حاجبيه بتعجب:

-ما هذا؟ أين ملابسكِ؟!

اشارت له على الفستان المزين بالكثير من الورود، في الحقيقة لم يراه مراد سيء أبدًا، شعر أنها أميرة مختلفة عن الجميع، اقترب وهو يحرك رأسه بنفي:

-هذه الملابس لا تناسبكِ، روڤان اصغر حجمًا منكِ، سوف أشتري لكِ بعض الملابس، أما الآن دعينا نجد الأقرب لما يناسبكِ.

فتح خزانة روڤان وسمع صوت يونس أمام الباب:

-لم أصدق عندما قالوا لي أن مراد للمرة الأولى أتى بفتاة هنا، كدت أن أفقد عقلي يا فتى.

ابتسم يونس عندما وقعت عينيه عليها، شعرها الأحمر الطويل المنثور على جسدها، نظر إليها بعدم تصديق:

-في الحقيقة عندما قالوا غريبة تعجبت، كان عليهم أن يقولوا جميلة، مذهلة، رائعة، فاتنة.

وقف مراد أمامه عندما وجده يقترب منها ليقف أمامها:

-ما الذي تريده يا يونس؟ لماذا أنت هنا لا أفهم؟!

ابتسم يونس بتعجب وهو ينظر إلى مراد:

-ما الذي يحدث يا ترى؟ مراد يغار أم ماذا؟

عقد مراد حاجبيه ومازال يقف بثبات أمام يونس وهو يشعر بالكثير من الضيق:

-توقف عن هذا الأسلوب يا يونس، لا أريد الغضب الآن، أخرج من هنا.

ضحك يونس وهو يميل برأسه ليرى يلديز:

-هل يعجبكي هذا يا جميلة؟ هو يقوم بطردي من أجلكِ.

ابتسمت يلديز بحيرة، اقتربت لتتحدث مع مراد:

-دعه يا مرار، هو لم يفعل شيء سيء.

التفت لها مراد وهو لا يعلم ما الذي يفكر به عقل تلك الفتاة، يعلم أنها بريئة، لكن بدأت شكوكه تزداد أنها غبية والأمر لا يتعلق بالذكاء أبدًا!

اقترب من الخزانة، أخذ إسدال الصلاة الخاص بروڤان ومن ثم أعطاه لها:

-ارتدي هذا يا يلديز الآن، سوف أجلب لكِ بعض الملابس التي تناسبكِ.

نظرت إلى الفستان التي ترتديه هي:

-لا أجد هذا سيء يا مرار! هو يناسبني كثيرًا.

اجابها يونس وهو يبتسم:

-بالطبع جميل لأنكِ ترتديه يا فتاة، هو رائع وقد اعجبني كثيرًا، قولي لي ما اسمكِ يا ترى؟!

اجابته يلديز بأبتسامة متسعة:

-يلديز، تعني النجمة تعرفها أليس كذلك؟!

رمقها مراد بنظرات حادة جعلتها تتراجع بتعجب، كاد يونس أن يضحك وهو يضرب يده بالأخرى:

-من أين أتيت بها يا مراد؟ كم عمركِ يا فتاة؟!

اجابته يلديز وقد ظهر التعجب على وجهها:

-خمسة وعشرون عامًا.

في الحقيقة صدم مراد مثل يونس، خمسة وعشرون عامًا ومازالت تكتشف العالم للمرة الأولى؟!

تحدث مراد وهو ينظر لها، يريد أن يخرج ويأخذ معه يونس قبل أن يتحدث بشيء ما مرة أخرى:

-بدلي ملابسكِ يا يلديز ويمكنكي الخروج وقتها، هيا يا يونس تعالى معي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي