الفصل الثالث عشر إحتياج

نظر جوردن إلى جابر بتعجب شديد، اقترب منه أدم وهو يتحدث بانفعال واضح:

-أنا لا أرتاح إلى هذا المكان يا جابر، دعنا نرحل الآن.

انفعل جابر وهو يدفع أدم بقوة:

-لا تتحدث أنت وليس لك شأن بكل شيء يحدث، جوردن لن يصمت ويريد يلديز، تلك الشيطانة الهاربة، وحده من يستطيع أن يعثر عليها من أجلنا، تمهل ولا تكن جبان.

صمت جوردن بعد أن كان على وشك التحدث، لا يعلم ما الذي يحدث هنا بالضبط، لكن خوف أدم يخبره أن هناك شيء خطير يحيط بهم، قام أحدهم بفتح الباب ودلف هذا الرجل ذات الشعر الأبيض:

-اخبروني ما الذي يحدث هنا؟

اقترب جابر وهو يتحدث بهدوء يتخلله الخوف:

-هذا جوردن، من كُبار جزيرة التوابيت، هو ابن أخ الحاكم ولكن دون قصد هربت الفتاة من الجزيرة، هي ابنة الحاكم ونحن هنا منذ شهر نبحث عنها، نحاول أن نجدها لكننا عجزنا و..

انفعل حمدي في هذا الوقت وهو ينظر لهم:

-كيف غفلتم عن تلك الفتاة؟ اخبروني ما هذا الإهمال كله يا جابر؟! هل فقدتم عقلكم؟

ابتلع جابر ما بحلقه، نظر إلى جوردن الذي اقترب والغضب يملأه، لا يقبل أن يتحدث أحد بتلك الطريقة أمامه وإلا ستكون نهايته:

-مؤكد لو تعمد أحد اضاعتها لم نكن لنأتي إلى هنا لتساعدنا! الفتاة مميزة عن الكثير من الفتيات هنا، لديها شعر أحمر طويل يكاد يلمس الأرض، عينيها زرقاء مذهلة وعلى وجهها ينتشر النمش وكأنها اقتبست من الطبيعة، ليس من الصعب ايجادها.

تبدلت ملامح حمدي، سار الشك إلى قلبه أن تكون الفتاة الموجودة معه هي نفسها من يبحثوا عنها، أشار إلى رجاله:

-اخرجوهم من ها المكان واتبعوني هيا.

تحدث أدم سرًا:

-أتمنى أن تكوني بخير يا يلديز ولا يتم العثور عليكِ، هؤلاء المجرمون لن يرحموا أحد، لن يرحموكي.

صعدوا إلى المنزل الخاص بحمدي، صدموا برؤية الفتاة ذات الشعر الأحمر أمامهم، كانت تتابع كل شيء حولها، تحدث جوردن بصدمة:

-يلديز!

اتسعت عينيها بعدم استيعاب وهي تستمع إلى صوته، شعرت بالعالم يضيق بها لتنظر تجاهه وتتأكد أنه نفسه جوردن، اقترب منها لتبتعد على الفون وهي تكاد أن تفقد الوعي، سحبها وهو يقبض على زراعها بعدم استيعاب:

-هذه أنتِ يا يلديز، هذه أنتِ يا حبيبتي، لا يمكنني أن أصدق أنكِ تقفين أمامي الآن.

تبدلت نظراته بعد أن أدرك أنها هربت وأن عليه معاقبتها:

-كيف فعلتي هذا يا يلديز، اخبريني كيف تجرأتي على الهرب مني، لقد كنت في انتظاركِ، كنت في انتظار اكتمال زواجنا يا يلديز.

كان جسدها كالثلج أسفل يده، تحدث بعدم استيعاب وهو ينظر إلى ملابسها:

-ما تلك الملابس الغريبة؟ كيف ترتدي شيء عاري كهذا ولماذا أنتِ هنا؟

كان حمدي يتابع ما يحدث، شعر بالغضب الشديد ومن ثم أخرج هاتفه، طلب رقم جاسر وما إن اجابه حتى تحدث إليه من بين أسنانه:

-تعالى إلى منزلي الآن يا جاسر، أريد أن أراك في الحال، لا تتأخر هل تفهم؟

أغلق الخط وهو يحاول أن يسيطر على غضبه، نظر تجاه جوردن ويلديز، كان الرعب يرتسم بوضوح على وجهها، اقترب منها ليجدها تنظر له وتتحدث بارتجاف شديد:

-اجعله يبتعد عني، لا أريده.

اعتصر جوردن فكها والغضب يسيطر عليه، تحدث وهو ينظر إلى عينيها:

-انظري لي يا يلديز، أنا أشعر بالتشتت لأنني لم أكن أتخيل ايجادكِ الآن، لذلك أنا لطيف، ما فعلتيه يجعلني أقوم بقتلكِ دون أن يرمش لي جفن.

حاول أدم التفكير، لا يعلم ما الذي يجب عليه أن يفعله ليساعدها، سوف تعاني كثيرًا إن ذهبت مع جوردن، كان يلاحظ نظرات حمدي أيضًا، هو يعلم أن هذا الرجل خطير للغاية ويبدو أن يلديز تنال اعجابه، وقف أدم بجوار جوردن وهو يحاول التحدث إليه دون خوف:

-إذا سمحت يا جوردن، لا داعي لفعل شيء لها الآن، يمكنك أن تؤجل عقوبتها في الجزيرة، لا نريد أن يحدث لها شيء ووقتها سوف يتم كشف أمرنا.

حرك جابر كتفه بعدم اهتمام:

-من الجيد أن تدعها يا جوردن، أنا حقًا سعيد أنك وجدتها، لم نكن نعرف ما الذي كان سيحدث لنا.

علم حمدي أن جوردن يهابه الكثيرون، هو لا يمتلك فقط أضخم هيئة رأها بل عينيه تخيف الجميع، تحدث حمدي بهدوء:

-يمكن لها أن تبقى هنا هذه الفترة، اذهبوا الآن من حيث اتيتم.

نظر جوردن له وعينيه تحدث به وكأنه على وشك أن يطلق شرارًا منهما:

-لن تبقى في مكان أنا لست به، هذه الفتاة ملكي ولا تغادرني أبدًا، أظن أنك تستطيع أن تفهم هذا؟!

نظر حمدي له بغضب شديد:

-تعلم كيف تتحدث مع رئيسك.

قهقه جوردن وترك يلديز ليقف أمام حمدي وعينيه تحدق به:

-أنا هو رئيسي، تستطيع أن تقول أنني رئيس نفسي ورئيس الجميع أيضًا.

نظر حمدي له وجابر يضع يده على رأسه والقلق يعتصر قلبه.

كانت يلديز تتابع كل شيء يحدث، نظرت تجاه الباب وهي تحاول أن تصل له دون أن ينتبه لها أحد، رأها أدم وفهم ما تحاول فعله، بسرعة أخرج ورقة من جيبه مدون بها اسمه ورقم هاتفه، لقد كان يحتفظ بها دائمًا لأي ظرف وها قد حان وقت استعمالها.

اقترب من يلديز وهي نظرت له، كان الرعب يظهر على وجهها، قام بوضع الورقة في يدها وهو يشير لها تجاه الباب، ابتسمت والدموع بعينيها، علمت أنه يحاول أن يساعدها وقد جعلها هذا أكثر راحة.

دفع حمدي جوردن الذي كان يقترب وهو يقوم بتهديه:

-التزم حدودك، أنت غريب ولا تعلم من أكون أنا وما الشيء الذي أستطيع فعله، انتبه جيدًا أنا أستطيع أن أقضي عليه.

اقتربوا رجال حمدي ليقفوا بالقرب منهم، حاول جابر أن يتحدث إلى جوردن، هو يعلم أنه لا يفرق معه شيء، لكنه لا يعلم أن موتهم سيكون نهاية ما يحدث:

-جوردن أهدأ، من الخطأ أن تتحدث معه بتلك الطريقة، نحن بمنزله.

دفعه جوردن وهو يحاول أن يتمالك أعصابه:

-هو لا يقول لي ماذا أفعل وما الذي لا أفعله، أنا جاهز لقتله أيضًا ولن يرمش لي جفن.

خرجت يلديز وأدم يقف جهتها وقد اعطاها ظهره، يحاول أن يداري ما يحدث، يحاول أن لا يلفت انظارهم للباب.

انفعل جابر وهو يشعر بالقلق الشديد من حدوث شيء لهم، يرى رجال حمدي مسلحين وليس من السهل عليهم أن يغضبوه وينجوا بفعلتهم هذه:

-يكفي يا جوردن، حمدي باشا لا تؤاخذنا أرجوك، كل ما في الأمر أن..

قاطع حديثهم دخول جاسر وهو يتحدث بتأفف شديد:

-أي كارثة قد حلت لا أفهم؟ لماذا جلبتني بتلك الطريقة؟ أشعر بالقلق الشديد؟!

نظر حمدي له وهو يقوم بتدليك جبينه بضيق شديد:

-من أين جلبت الفتاة المدعوة يلديز يا جاسر؟

ابتسم جاسر وقد علم أنها فعلت مصيبة أخرى جعلت حمدي يكاد أن يجن منها، فكر سريعًا وهو لا يريد أن يظهر كالكاذب أمامه:

-ما المشكلة يا حمدي باشا؟ يمكنك أن تخبرني لو فعلت الفتاة شيء خاطئ، هي ليست من هنا وأتت منذ فترة قصيرة إلى مصر و..

انفعل حمدي وهو ينظر له:

-توقف عن الكذب، هذه الفتاة أين وجدتها ولماذا لم تخبرني الحقيقة.

كان جاسر يتحدث بثبات كما لو كان صادق بالفعل:

-لا أعلم ما الذي اخبرتك به تلك الفتاة، لكن هذا ما أعرفه بالضبط.

لم يكن أحد منتبه لإختفاء يلديز، كانوا يتحدثون ومنهم من يحاول اصلاح الأمر ليتجنبوا أي شجار من الممكن أن يحدث وتكون روح أحدهم في المقابل، قاطع حديثهم دخول رجال غرباء وصرخ من بينهم رجل بغضب شديد:

-الآن سوف تخبروني أين هي يلديز كنان؟!

--------
ظلت يلديز تركض بسرعة وهي تحاول أن لا تلتفت، تخشى أن يكون أحد خلفها، ابتلعت ما بحلقها بصعوبة وهي تشعر بالبرد الشديد، ظلت تركض كثيرًا وشعرت بحذائها على وشك أن يتمزق، حاولت التماسك، لكنها لم تستطيع، توقفت وهي بالكاد تتنفس:

-لقد هربت منهم، هربت من جديد، أنا أشعر بالسعادة حقًا، أنا لا يمكنني أن أصدق أنني استطعت الهرب، شكرًا لك يا أدم، بفضلك أنت كل شيء على مايرام الآن.

تذكرت كيف حاول جعلها تهرب دون أن ينتبه عليها أحد، ابتسمت وهي تفكر بتلك الورقة التي اعطاها لا:

-لا أعلم ما المدون هنا لكنه من المؤكد شيء مهم، سوف أحافظ عليها الآن، أشعر بالعطش الشديد، لا اصدق أن جوردن موجود الآن في هذا العالم، سوف يقوم بقتلي لا محال، هو سوف يقضي عليّ، يا الله ساعدني.

سارت حتى تعبت وجلست على أحد لأرصفة، وقع نظرها على هذا الرجل المسن الذي يبيع الجرائد، نظر لها هو أيضًا ومن ثم أبعد عينيه، نظرت إلى زجاجة المياه الموجودة بجواره، شعرت ببعض الخجل لكنها حسمت أمرها:

-هل يمكنك ان تجعلني أشرب هذه المياه؟!

نظر لها ووجدها تنظر للزجاجة، أومأ لها وهو يبتسم:

-بالطبع يمكنكي يا ابنتي، تفضلي.

امسكت بها ومن ثم وضعتها على فمها، بعد ثواني كانت الزجاجة فارغة، انتبه لها كثيرًا، علم أنها كانت تشعر بالعطش الشديد، نظر إلى ملابسها وقد اصابته الحيرة:

-ألا تشعرين بالبرد؟

اجابته يلديز على الفور:

-بلى، أشعر بالبرد الشديد، أكاد أن أتجمد، تلك الملابس مقرفة، تضايقني، لا تجعلني أشعر بالراحة.

شعر بالتردد لكنه أراد أن يساعدها، ربما هي تحتاج للماسعدة وليست كما يبدو عليها:

-من اين أنتِ؟

اجابته وهي تشعر بالكثير من الإرهاق:

-ليس لي مكان هنا، أشعر بالتشتت ولا أحد يستطيع أن يساعدني، جميعهم يحاولوا استغلالي إما يخيفوني، الأمر مرهق، أنظر هناك سفينة أنا أتيت من خلالها، أريد أن أعود إلى عائلتي، سوف يكونوا أفضل من هذا المكان كله.

لم يفهم شيء من حديثها، لكنه علم أن هناك شيء سيء حدث معها، حاول أن يفهم ما الذي تعنيه أو يساعدها بشيء:

-أتتِ غريبة عن هنا أليس كذلك؟

اومأت يلديز له ودموعها تتساقط:

-أريد العودة إلى عائلتي أرجوك، أريدك أن تعثر على حل لأعود إلى جزيرة التوابيت.

بدأ المطر في الهطول، شعر الرجل بالقلق عليها، اقترب منها بعد ان قام بحزم الجرائد:

-سوف تمرضين إن بقيتي هكذا، لا يمكنكي ان تبقي في الشارع الآن، تلك الملابس أيضًا لا يصح السير بها في منطقة مثل هذه و..

قاطعته يلديز وهي تشعر بالكثير من التردد، لا تثق أن يكون شخص جيد، حاولت أن تتجاهل ما يدور بعقلها ولكنها لم تنجح، تمنت لو لم تخطأ هذه المرة:

-لا أعلم هل سيكون هذا جيد أم لا، أنا أشعر بالبرد، هل لديك منزل دافئ؟!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي