الفصل التاسع عشر من الجزء الثاني

كان مراد يقف أمام أنس الذي يحاول أن يمنع ضحكاته، نبهه بانزعاج واضح:

-ما الذي كنت تريده يا أنس عندما اخبرتها أنك تحبها؟ روڤان ليست على مايرام ولا تعرف ما الذي يجب عليها أن تفعله.

أخذ أنس نفس عميق وهو يحرك باستنكار:

-لا أعرف ما الذي قالته روڤان يا مراد، لكنني لم أقصد شيء سيء أبدًا، أنا سوف أتقدم لها وإن رفضت سوف أختفي ولن تراني مرة أخرى، لا أجد داعي لغضبك.

نظر مراد له، هو يعلم أن أنس ليس شخص سيء، تحدث إليه وهو يحاول أن يحافظ على هدوئه:

-سوف أتحدث مع روڤان مرة أخرى وأخبرها برغبتك يا أنس، لكن لا تتحدث معها مرة أخرى دون إذن.

تركه مراد ورحل على عمله فورًا، جلس أنس وهو يشعر بالضيق، لا يعلم ما الذي قالته روڤان إلى مراد، شعر بالقلق وهو يفكر بها، يتساءل هل من الممكن أن تكون اساءت فهمه يا ترى؟!

رأها تهبط وما إن التقت أعينهم حتى التفتت وهي على وشك الصعود من جديد، اوقفها صوت أنس الذي شعر بالكثير من التشتت:

-روڤان انتظري أنا أرغب في التحدث معكِ، علينا أن نجد حل بشأن علاقتنا.

ابتسمت روڤان ساخرة وهي تلتفت لتنظر له بانفعال واضح:

-علاقتنا؟ أنا لا أعلم ما الذي تريد أن تصل إليه يا أنس، أنا أحذرك إن كنت تتلاعب بي فأنا لن أغفر لك أبدًا.

ضحك أنس وهو يشعر بالضيق:

-كان يجب عليّ أن أفهم هذا، كان يجب أن أوضح بكِ ما أقصده بالضبط؛ لأنكِ اسأتي فهمي كليًا يا روڤان.

كانت تنظر له في انتظار أن يكمل حديثه، ابتسم وهو يقترب أكثر ليقف أمامها مباشرة:

-أنا سبق وقولت أنني أحبكي يا روڤان، لكنني الآن أقول أنني أريد الزواج بكِ، إن وافقتي فأنا سوف أكون أسعد شخص في هذه الحياة ويمكننا وقتها أن نكمل حياتنا معًا، لكن إن رفضتي أنا سوف أختفي من حياتك، حتى في فرح عامر على هاجر لن أجعلكي ترين وجهي.

اتسعت أعين روڤان وهي تحدق به، كان يقف ثابتًا وهو يتأمل عينيها، يعلم أن جوابها الآن سوف يحسم كل شيء يريد أن يقوله، إن كانت مستعدة للزواج به فهو سوف يكمل وإن كانت ترفض فهو سوف يختفي فورًا من حياتها.

نظرت روڤان إلى الأسفل وهي تشعر بالكثير من الاحراج، لا تعلم ما الذي يجب عليها أن تقوله أو تفعله، احمرت وجنتيها ومن ثم رأى عينيها تدمع وتتسابق دموعها، حرك رأسه نافيًا وهو يشعر بالضيق الشديد:

-ما الأمر يا روڤان؟ لماذا تبكي؟ لا أريد أن أتسبب في ضغطكِ ولم أتعمد هذا أبدًا، أنسي ما تحدثت به وكأن شيء لم يكن.

هم بالرحيل لكنها اسرعت بالوقوف أمامه على الفور:

-لا يا أنس، لا يمكنك أن تذهب، أنا أشعر بالكثير من الضيق وأنت تقول أنني لن أرى وجهك، لا أعرف ما هو الحب لكنني لا أستطيع أن أجعلك ترحل صدقني، هذا صعب للغاية.

نظر لها وهو يرى عينيها تزرف الكثير من الدموع، حرك رأسه بنفي واستنكار:

-لا شيء يستحق دموعكِ يا يلديز، كل شيء سوف يكون على مايرام، لنقوم بعمل زفاف كبير لي أنا وأنتِ مع عامر وهاجر.

ابتسمت روڤان وهي تحرك رأسها بنفي:

-ما الذي تقوله يا يونس؟ زفاف واحد وبهذه السرعة كيف سيحدث هذا يا ترى؟ صحيح أريد أن أخبرك أنني سوف أذهب مع مراد وأبي والجميع إلى جزيرة التوابيت، سوف يتقدم بدر لخطبة إيكيز ووالدها هناك.

ضحك أنس وهو يومأ لها:

-يمكنني الشعور أن الزفاف سيكون لثلاثة أشخاص وليسوا أثنين فقط.

ابتسمت وهي لا تعلم كيف اتخذت تلك الخطوة، أخذت نفس عميق لتخبره بحيرة:

-لا أعلم كيف تجرأت وتحدثت بكل هذا، لكنني لست نادمة يا أنس، أنت شخص جيد وتستحق أن أعطيك الفرصة.

لم تكن تعلم أن كل شيء يحدث كان يونس يراه ولقد علم في هذا الوقت أنه أكبر مخطأ وأن روڤان لم تحبه بصدق، ربما هو أيضًا توهم حبها، اكتفى من الراقبة ليرحل من بعدها نادمًا على كل شيء قام به، حرك رأسه باستنكار:

-لا أعلم كيف كنت بهذا الغباء ولم أستطيع أن أفهم أي شيء مما يحدث معي، لقد كنت مع روڤان وفي ذات الوقت كانت يلديز تجذبني، لا أعلم كيف اكملت وأنا أعلم أنني لم أحبها بالشكل الكافي، الشكل الذي لم يجعلني أتوقف عن أفعالي الغير مقبولة تلك.

بالفعل ذهب بدر مع عائلته إلى جزيرة التوابيت، علموا وقتها بمقتل جوردن منذ أيام، اتسعت أعين يلديز وقد اصابتها الصدمة:

-هذا يعني أن جوردن قد انتهى من هذه الحياة!

اقترب مراد ليحيط بوجهها بعد أن أخذت والدتها نجم من بين يدها:

-بالفعل انتهى يا يلديز، لقد اخبرني عامر بهذا ولكنني لم أهتم، لا أريد لاسمه أن يذكر على لسانكِ حتى يا يلديز.

ابتسمت يلديز والدموع بعينيها:

-لقد كنت أشعر بالألم الشديد كلما تذكرته يا مراد، عندنا اخبرتني أننا سوف نأتي إلى هنا كان هو أول شيء فكرت به.

اقترب مراد وقام بتقبيل جبينها ومن ثم ضمها، ابتسم كنان وهو يراهم أخيرًا جيدين معًا، كان عاصم ينظر إلى كل شيء من حوله ولا يصدق أنهم استطاعوا أن يتأقلموا مع تلك الأجواء ومن الصعب عليهم تغيير مكانهم.

تحدثت الجدة بضيق شديد وهي تتابع النظر في كل شيء من حولها:

-كيف يجلسون هنا؟

ابتسم بدر وهو يقترب ليهمس لها:

-أظن أنكِ بعد أن رأيتي يلديز وكم هي جيدة وعفوية لن تتعمدي إفساد خطبتي أنا أليس كذلك يا جدتي؟

رمقته بغيظ ومن ثم تجاهلته تمامًا، جلسوا جميعًا فوق الكراسي الخشبية المصنوعة من الأشجار، نظر بدر إلى مراد وهو يشعر بالكثير من التردد، يعلم أن الأمر ليس سهل ومراد قد اخبره أن والدها لم يتقبل بسهولة، بدأ مراد في التحدث إلى كنان:

-لقد سعدت بتواجدي معك مرة أخرى يا سيد كنان، هذا والدي وهذا أخي الوحيد بدر وأختي الوحيدة روڤان، أما عن هذه السيدة التي تجلس بجوار أبي فهي أمي وبجوارها جدتي، هذه عائلتي وأنا متعلق بهم كثيرًا.

ابتسم له كنان برسمية، ظهر للجميع أن حكم هذه الجزيرة لا يليق بأحد غيره، كان يتابع حديثهم وأفعالهم بنظرات منتبهة، شعر مراد بصعوبة الكلمات لتشجعه نظرات بدر، تحدث بهدوء:

-نحن يشرفنا أن نطلب منك يد إيكيز لتتزوج ببدر أخي.

وقف كنان وهو ينظر إلى مراد بغضب:

-ماذا قولت؟ أعيد ما قولته!

نظر بدر إلى مراد بقلق، وجد مراد يقف دون قلق وهو يومأ:

-أنا أعلم أنه ليس من السهل أن توافق، لكنني أعلم أن هذا سوف يكون في مصلحة إيكيز، بدر احبها في الفترة الماضية عندما كانت ترافق يلديز، أيضًا أنا ويلديز اتفقنا أننا سوف نبقى هنا في أجازتي وأثناء العمل سوف نعود أنا وهي إلى الأسكندرية، لن ننقطع وسوف نأتي باستمرار.

أتى كنان أن يتحدث ومازالت ملامحه جامدة، لكن مراد لم يسمح له وقاطعه من جديد:

-أيضًا سوف يكون بدر هنا وسوف يعود معنا أثناء العمل، سوف يكون كل شيء على مايرام وإيكيز مع أختها ولم يتفرقوا، من الأفضل أن تسأل إيكيز عن رأيها ونحن ليس لدينا مشكلة في أي شيء، سوف تأتي معنا ويمكنك أن تختار ما يناسبها من منزل وأثاث كل شيء جاهز.

تركهم كنان وأنصرف بهدوء، تحدث عاصم وهو يرفع حاجبيه بتعجب:

-كيف تحدثت يهذا الشكل وهذه السرعة المبالغ بها يا ترى؟

ابتسم مراد بثقة، شيئًا فشيئًا تحولت إبتسامته لضحكات:

-أنا أعرف كم أن هذا الرجل صعب الطباع، لذلك حاولت بقدر المستطاع أن أجعله يتشتت ولا يتحدث بالرفض كما كان يريد هو.

ضحكت مي وهي تحرك رأسها بعدم تصديق، تحدث عاصم من جديد وهو ينظر إلى بدر:

-لا أعلم ما الذي من الممكن أن يحدث، لكنني أتمنى أن يكون خير.

ذهب كنان إلى تابوت إيكيز، رجدها هي ويلديز يجلسون فوقه ووالدتهم تسير ذهابًا ومجيئًا وبين يدها نجم، تعجبوا من وجود كنان، لكن إيكيز كانت تعلم السبب وهذا ما جعلها تشعر بالكثير من التوتر.

وقفت يلديز أمام والدها بحيرة:

-هل حدث شيء يا أبي؟ هل هناك مشكلة؟!

نظر كنان تجاه إيكيز ومن ثم أعاد النظر إلى يلديز:

-أخو زوجك يرغب في الزواج من إيكيز، لقد أتيت لاستمع إلى رأيها.

نظرت يلديز إلى إيكيز لتجدها تبتسم، لاحظ كنان هذا ليتحدث بتعجب:

-هل تحبين هذا الشخص أنتِ أيضًا؟

وقفت إيكيز أمامه وهي تتحدث بخجل:

-هو شخص جيد يا أبي وكان يحترمني كثيرً.

نظر كنان لها وهو يومأ:

-إذًا توافقين على هذا الشخص يا إيكيز! لستِ خائفة من الذهاب إلى هناك وأنتٌ زوجته، ألم تري ماذا حدث مع يلديز وكيف جائت إلى هنا وهي حامل وجسدها مليئ بالكدمات؟

شعرت إيكيز ببعض القلق وهي تنظر إلى يلديز:

-لكن مراد يحبها كثيرًا، هو يحبها ويحب طفله، لا أراه شخص سيء وهو أخطأ من قبل لكن..

قاطعها كنان وهو يومأ:

-أنا أعلم أنه شخص يحبها، لكن ما فائدة الحب عندنا تخسر كرامتها؟

كانت يلديز تنظر له، ارادت لو تصرخ في وجهه وتخبره أن هذا كله حدث بسبب جوردن وبسبب السماع له، لكنها فضلت الصمت وهي تعلم أن الحديث لن يجدي نفعًا، كان يتعمد كنان أن يجعل إيكيز تنفر من بدر، تدخلت يلديز في هذا الوقت:

-بدر ليس بهذا السوء، لن يفكر في ضربها، هو شخص واعي وليس سيء أبدًا.

ابتسمت إيكيز وهي تومأ دلالة على دعمها لحديث يلديز، أخذ كنان نفس عميق ومن ثم تحدث بهدوء:

-لا أعلم ما سبب اصراركم على هذا الشخص، لا يمكنني أن أجد ما يميزه دونًا عن باقي رجال الجزيرة، لكن في النهاية لن أعيد خطأ الماضي ولن أجبر أي شخص على الزواج.

كان يقصد يلديز، نعم هو كان يريد أن يزوجها من جوردن؛ فلقد كان يرى أنه أقوى رجال الجزيرة وفي ذات الوقت هو ابن عمها ويحبها، أشار كنان إلى إيكيز لتتبعه:

-تعالي معي هيا.

نظرت إيكيز إلى يلديز وقد احمرت وجنتيها وهي تشعر بالكثير من السعادة والخجل في نفس الوقت، حاولت أن تنظم أنفاسها، كانت تعدل من ملابسها وهي تسير خلفه والدها، لا تعلم ما الذي يجب عليها أن تقوله ومن الصعب أن تخبره بموافقتها أمام الجميع.

وصلوا حيث يجلس بدر وعائلته، ابتسم بدر ما إن رأها، بينما هي تجنبت النظر إليه، ابتسم مراد عندما تحدث كنان:

-لقد أتيت بإيكيز ليتم الأتفاق أمامها على كل شيء، هذا بعد علمي من أنها لا تمانع في الزواج منك يا..

اخبره بدر فورًا عندما قطع حديثه:

-بدر.

أومأ له كنان، في هذا الوقت كان مراد يبحث بعينيه عن يلديز، لم يعد يشعر بالراحة وهو لا يراها أمامه، سأل كنان:

-عمي إذا سمحت أريد أن أعرف أين هي يلديز؟ لماذا لم تأتي معكم؟!

اجابته إيكيز وهي تشير له:

-هي كانت تريد الذهاب للشاطئ، لكن أمي لم توافق لأنها تخاف أن يتعرض نجم لطيار هواء قوي فبقيت جالسة معه ومع أمي بالقرب من التابوت الخاص بي.

أومأ مراد وكان من الصعب أن يترك الجميع ويذهب ليراها، تحدث كنان وقد بدى عليه الإصرار:

-على زفافهم أن يتم هنا وفقًا لعاداتنا وهذا ليعرف الجميع أن الأميرة الثانية لهذه الجزيرة تزوجت وذهبت مع زوجها إلى عالمه.

ابتسم بدر وهو ينظر إلى إيكيز والسعادة تغمر قلبه، كان يستعد لشجار عنيف وخذلان، لكن في الحقيقة كل شيء كان سهل للغاية ولم يجد أي مشكلة:

-ليس لدينا أي مانع، في الحقيقة مستعد لفعل أي شيء في سبيل موافقتك يا عمي.

ابتسم كنان وهو ينظر إلى إيكيز، رأها لم ترفع وجهها عن الأرض وهو يعلم كم تشعر بالخجل الآن، جلسوا معًا يتناقش كلًا من كنان وعاصم في الكثير من الأمور والجميع يتابعهم، وقف مراد وقد شعر بالضيق الشديد من اختفاء يلديز عن نظره:

-سوف أذهب لأرى نجم، لست معتاد على غيابه كل هذا الوقت.

ابتسم بدر وهو يعلم أنه يريد أن يرى يلديز، أومأ له كنان ومن ثم ذهب فورًا، كان يشعر بالكثير من الضيق وهو يجلس بدونها، رأها تجلس على الشاطئ دون مالك، يعلم أنها تعشق هذه الأجواء كثيرًا، لم تحتمل البعد في النهاية وعادت لتبقى هنا!

اقترب مراد ليجلس أمامها، شعرت بالتعجب وهي تراه أمامها:

-هل كل شيء على مايرام؟

أومأ مراد لها وهو يبتسم، اقترب ليمسك بيدها بين يديه:

-كل شيء بخير ووالدكِ لم يرفض كما توقعت هذا، كل شيء مر على خير يا يلديز.

ابتسمت يلديز واقتربت لتستند برأها على صدر مراد:

-أنا أشعر بالسعادة من أجل إيكيز، هي تستحق السعادة يا مراد وأنا أحبها كثيرًا.

ابتسم وهو يلمس وجنتها:

-في الحقيقة أنا الذي أحبكي كثيرًا يا يلديز، أنتِ بالنسبة لي كالإدمان، لا أستطيع أن أفكر في أي شيء طالما أنتِ بعيدة عني.

ابتمست يلديز وهي تشعر بالكثير من السعادة، لطالما كان حديثه هذا يسعد قلبها، نظرت له وكالعادة كانت عينيه تلمع لتخبرها أنه يعشقها ويستمتع بالنظر لها، ابتسمت وهي تبتعد عنه:

-من الجيد أن تكون الأمور بخير.

أومأ مراد وهو يبتسم:

-سوف يكون كل شيء على مايرام، حتى أن روڤان اخبرتني أنها وافقت على الزواج بأنس، ما إن نعود سوف تتم خطبتهم ومن ثم الزفاف، أنس شخص جيد ولا أجد سبب لرفضها له على كل حال، عكس يونس هذا الحقير.

تنهدت يلديز وقد شعرت بالضيق الشديد وهي تتذكر ما حدث:

-لا أعلم كيف تصرف بتلك الطريقة يا مراد، لم أجد له حجة ليفعل هذا، هو كان يحبها فكيف استطاع اذيتها بهذا الشكل؟

حرك مراد رأسه بنفي وهو لا يطيق أن يستمع لسيرته:

-لأنه شخص مختلف، لا أظن أنه أحبها يا يلديز؛ فمن يحب لا يتخلى أبدًا ولا يمكنه أن يؤذي.

نظرت يلديز إلى مراد، كانت شاردة لكنه فهم بماذا تفكر هي، أمسك بيدها ومن ثم قام بتقبيلها:

-إن كنت غبي في السابق، أنا أعتذر منكِ، لكن على كل حال كان الأمر متعلق بيونس أيضًا، كل شيء يتعلق بيونس هو سيء للغاية.

اومأت ولكنها تساءلت وهي تنظر له:

-هو سوف يحضر زفاف هاجر زوجته أليس كذلك؟!

أومأ مراد لها وهو يكاد يسحق أسنانه:

-أجل من الطبيعي أن يحصر زفافها، لا أعلم كيف يمكنني أن أجلس وأنا أراه أمامي، مؤكد سوف أنهال عليه بالضرب من جديد.

ضحكا يلديز وهي تتابع تعابير وجهه:

-سوف يكون كل شيء على مايرام يا مراد، لا تشعر بالضيق يا حبيبي.

ابتسم وهو يتأمل وجهها، تحدث بصدق:

-طالما أنتِ معي فلن أشعر بأي ضيق يا يلديز، لا أعلم كيف للمرء أن يكون بهذا الكم الهائل من السعادة معكِ.

ابتسمت وهي تنظر له، لم تجد شيء لتقوله وهي تستمع إلى حديثه الذي يمثل لها الحب والمودة دائمًا.

مروا أربع سنوات، لا أحد يعلم كيف مر كل هذا الوقت عليهم، علاقة الجميع كانت قوية جدًا رغم كل الصعاب والمتاعب الذين مروا بها إلا أنهم لم يتأثروا ولم يجعلوا مشاكلهم تؤثر على حياتهم أبدًا.

كان مراد يجلس في غرفته في منزله الذي قام بتجهيزه منذ سنتين وانتقل هو ويلديز ونجم عليه، كان عاصم يعارض في البداية، لكن لم يعد أمامه خيار آخر وهو يعلم أن هذه رغبة ابنه.

تحدثت إيكيز وهي تقترب من بدر وهي تراه يمشط شعر ابنته:

-بدر هل سيذهب الجميع اليوم معنا عند مراد أم ماذا؟

اجابها بدر وهو يعبث بوجنة ابنته:

-نحن سوف نذهب أولًا وهم سوف يذهبوا في يوم آخر، لقد تحدثت مع أنس وروڤان، قالوا أنهم سوف يأتوا أيضًا، سوف يكون اليوم جيد.

تحدثت إيكيز بتردد:

-اشتقت لأمي.

نظر بدر لها للحظات قبل أن يقترب منها ويقم بضمها:

-كنّا هناك الشهر الماضي في آجازة عملي، سوف ننتظر أيام ونذهب من جديد أعدكِ يا حبيبتي.

ابتسمت إيكيز وهي تومأ له بالموافقة:

-حسنًا يا بدر ولكن أنت لا تشعر بالضيق مني أليس كذلك؟

حرك رأسه نافيًا وهو يبتسم:

-لا يمكنني أن أشعر بالضيق منكِ أبدًا يا أميرتي، من حقكِ أن تري عائلتكِ.

أما في منزل روڤان كانت تتحدث بانفعال إلى أنس الذي يجلس بهدوء شديد:

-أنت ما الذي تريده بالضبط يا أنس؟ تريد مني أن أفقد حياتي وأتحول إلى شخص مثلك!

ابتسم أنس ساخرًا وهو يجلس ويحاول ان يشتت نفسه، وقفت أمامه بانفعال واضح:

-أنا أتحدث معك يا أنس، أنظر لي وأنت تتحدث إليّ.

وقف أنس بانفعال واضح ولم يعد يتحمل طريقتها وحديثها:

-ما الذي تريديه أنتِ؟ تريدي أن نتشاجر واخبركِ أننا لن نذهب إلى أي مكان لأظهر من بعدها الزوج السيء!

تحدثت روڤان بانفعال واضح:

-ألا ترى أنني قد سأمت من كل شيء!

نظر لها أنس بعدم استيعاب:

-كل هذا من أجل خوفي عليكِ يا روڤان! أنا لا أريدكِ أن ترتدي مثل هذا البنطال من أجل خوفي الشديد عليكِ يا روڤان، لا أحتمل رؤية نظرات أحدهم السيئة تجاهكِ، لا يمكنني أن أتحمل شيء كهذا.

انفعلت روڤان وهي تحرك رأسها بنفي:

-أنت تتحكم بي وهذا الشيء أنا لن أقبله.

أتت لتسير لكنه قام بسحبها وقد فقد السيطرة على غضبه:

-لا تثيري غضبي أكثر من هذا يا روڤان، لا تجعليني أفقد عقلي وأنا أحاول التحمل ومجاراتكِ.

دفعت يده بقوة وهي تنظر له بتحذير:

-لا تلمسني يا أنس، عندما نذهب إلى مراد أنا سوف أتحدث معه وهو من سيتحدث.

تركته وذهبت إلى غرفتها، كان يشعر بالضيق الشديد منها، سمع بكاء طفله ليسمعها تتحدث بضيق:

-لم يكن ينقصني سوا استيقاظك أنت أيضًا.

جلس وهو يحاول أن يندأ من روعه حتى لا يخطأ، سمع نبرتها الحنونة من خلف باب الغرفة وهي تقبل صغيرهم:

-لا تبكي يا حبيبي أنا أسفة، لم أقصد الصراخ وجعلك تستيقظ أباك هو السبب.

عض أنس على شفته السفلى وهو يحرك رأسه باستنكار:

-إما أن تفعل ما تريد وإما أن تتحول إلى وحش غير قابل للترويض ما تلك الفتاة يا ترى؟!

جلس وهو يحرك رأسه بفقدان أمل:

-لم يعد هناك شيء أفعله ولن أستجيب لرغبتكِ يا روڤان، افعلي ما تريدي.

ذهبوا إلى مراد بالفعل ولم يكن احد هناك غيرهم، كالعادة استقبلهم مراد باشتياق بالأخص وهو يضم روڤان التي تعلقت به، كانت يلديز تتابع صغيره وهي تبتسم وتمد يدها له ليقم أنس باعطائه لها:

-يا لك من جميل، أنظر يا نجم تعالى لتلعب معه.

صدم مراد عندما وجد روڤان تبكي، ابتعد عنها لينظر لها وإلى أنس بضيق شديد:

-تشاجرتم من جديد أليس كذلك؟

زفر أنس بانفعال واضح:

-فالتسألها هي، أنا لم أعد أحتمل هذه الحياة يا مراد، هي عنيدة في أي شيء خاطئ وضد رغباتي، لا يمكنها أن تتفهمني ولا يمكنها أن تقتنع بأي شيء أقوله.

حرك مراد رأسه باستنكار:

-هذا لا يعني أبدًا أن تتشاجرا طوال الوقت يا أنس، روڤان لا تتعمد مضايقتك.

تحدثت روڤان وهي تشعر بالضيق الشديد:

-هو لا يريد شيء سوا التحكم بي يا مراد صدقني، لا يفرق معه شيء سوا التحكم بي وبأفعالي.

انفعل أنس وقد فاض به، كان ينظر لها وهو يحاول أن يهدأ من روعه لكنه فشل:

-روڤان أنا لم أعد احتمل ما يحدث، لم أطلب منكِ شيء صعب أو مستحيل، لا يصح أن ترتدي بنطال يحدد جسدكِ، اخبرتكِ بهذا مرارًا وأنتِ لا تستجيبي، ما الذي يجب عليّ فعله يا ترى وأنا أراكي بهذا العناد؟ لا يمكنني أن أكون الزوج الذي تريديه وأنا أوافقكِ على أي شيء خاطئ.

اقترب مراد ليقف أمام أنس واضعًا يده على كتفه:

-أنس فالتهدأ، ليس حل أن تغضب بتلك الطريقة، روڤان أنا لا أحده مخطأ، إن كان الشجار بخصوص هذا الأمر فمن حقه أن يعترض وهو يريد الحفاظ عليكِ.

اجابه أنس وهو يبعد عينيه عنها بضيق الشديد:

-هل لا تفهم شيء كهذا يا مراد، لا تحاول.

تساقطت دموع روڤان وهي تحرك رأسها بنفي:

-هو لم يعد يحبني كالسابق يا مراد، أنا أعلم هذا وإن قال عكس هذا الشيء سوف يكون كاذب كبير.

أخذ مراد نفس عميق وهو يقترب ليمسح دموعها:

-المشاكل من الطبيعي أن تحدث يا روڤان بالأخص في البداية، مازال أمامكم الكثير من الوقت لتفهموا بعضكم البعض، لا تبكي.

اقترب أنس منها، مازال كما هو، لا يتحمل أن يراها تبكي مهما كان الوضع، حتى لو كانت مخطأة هو لا يمكنه أن يتركها وقد نالت منها دموعها، حاوط وجهها وأفسح مراد له المجال:

-لا تبكي يا روڤان، صدقيني من الصعب عليّ رؤيتكِ وأنتِ تبكي.

ابتسمت وقد احمرت وجنتيها، ضحك مراد وهو يحرك رأسه بعدم استيعاب:

-لا أصدق، أنتم حقًا تشبهون الأطفال كثيرًا بأفعالكم تلك.

ضحك أنس وهو يسحبها:

-دعينا نجلس ولا نتشاجر أكثر من هذا يا روڤان لأن عقلي على وشك أن ينفجر.

ضحكت روڤان، هي تعلم أنه لا يطيق رؤيتها وهي غاضبة، اقتربت يلديز من مراد وهي تشعر بالضيق:

-مراد أنا أشعر بالقلق، لماذا لم تأتي إيكيز بعد؟ هي لم تتأخر هكذا من قبل.

ضحك مراد وهو يمسك بيدها:

-عزيزتي اهدئي، لا يوجد داعي للقلق، هي مع بدر وسوق تأتي معه، كل شيء على مايرام.

ابتسمت وهي تومأ له وقد احمرت وجنتها بسبب وضعه ليده عليها، ضحك مراد وهو يقترب ليقبل جبيها لتلكم كتفه:

-توقف عن هذه الأفعال يا مراد ولا تنسى وجود الجميع.

ضحك مراد ووجدوا كلًا من روڤان وأنس يضحكون لتشعر يلديز بالاحراج، تحدث مراد بعد أن لاحظ نظراتها الحادة:

-اصمتوا حتى لا أقوم بضربكم جميعًا لا أحد يضايق حبيبتي أنا أحذركم.

ابتسمت يلديز وهي تنظر له، لم يمر الكثير من الوقت ووجدوا طرقات على الباب، ها قد حضرتك إيكيز أخيرًا، ضمتها يلديز بحرارة كما لو لم تراها منذ زمن، ابتسم مراد وهو يضم بدر:

-تأخرتم ويلديز كانت على وشك أن تفقد عقلها دون مبالغة.

ضحكت إيكيز وهي تمسك بزراع يلديز:

-من طبيعي أن يحدث هذا يا مراد، نصفها الآخر لم تكن موجودة.

ضيق مراد عينيه وهو ينظر لها:

-نصفها الآخر يقف بجوارها أيتها المشاكسة.

اجابتهم يلديز رافعة حاجبيها:

-ماذا بكم أنا لست نصفًا.

ضحك مراد ومن ثم حاوط كتفيها:

-معها حق، حبيبتي ليست نصفًا أبدًا، حبيبتي قمر مكتمل دائمًا.

نظرت يلديز له، لم تكن تتخيل أن تعشق شخص بتلك البساطة، لم تكن تتخيل أن تحب شخص لهذا الحد، ابتسمت وهي تتأمل عينيه:

-أنا أحبك كثيرًا يا مراد، لا أعرف متى حدث هذا، كل ما في الأمر أنني كنت بحاجة لشخص ما بجواري، لكن علاقتك بك كانت أعمق من هذا، لقد كانت..

صمتت فجأة ومراد لمعت عينيه وهو يومأ لها:

-لم تتحدثي بتلك الطريقة من قبل والآن لن أسمح لكِ أن تصمتي هكذا يا يلديز.

ابتلعت يلديز ما بحلقها وقد شعرت بالكثير من التردد بالأخص أنها أمام الجميع، أخذت نفس عميق وللمرة الأولى استطاعت أن تتحدث بتلك الراحة:

-لقد كنت خائفة وأنت الوحيد الذي شعرت معه بالأمان وقتها يا مراد، دخلت إلى حياتي في وقت غريب، كنت بحاجة إليك به، لم تكتفي بالبقاء بجانبي فقط، أنت احببتني بصدق يا مراد.

كان يبتسم وهو يتابع حديثها النابع من أعماق قلبها، قصة حبهم كانت غريبة جدًا، ربما لا يصدقها أي شخص، ابتسمت وهي تتابع حديثها:

-أنا لا اعرف ما الذي حدث، لكنني اعتبرتك صديق مقرب لي، اعتبرتك صديقي الأول وكنت أحب التحدث معك ورؤيتك بشكل دائم، لكن بدون سابق انذار بدأت أشعر بالكثير من التشتت والتضارب بدأت.. أحبك يا مراد.

ضحك مراد وهو يرى أنها تحارب لتخرج هذه الكلمة التي لم تعتاد على قولها في أي وقت، اعتادت أن تقولها عندما تشعر بها من أعماق قلبها، اقترب مراد وهو يحيط بوجهها:

-قصتنا غريبة للغاية يا يلديز، غيرتي حياتي بعد أن ظننت أنني لن أجد هذه الفتاة التي تشاركني نفسي قبل ان تشاركني كل شيء، أنا أحبكي كثيرًا يا يلديز وفي النهاية أريد ان أقول انني محظوظ ليس بكِ فقط.. أنا محظوظ بكم جميعًا.

تمت
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي