الفصل الحادي عشر مجرم

وقف هذا الضخم بهيئته المريبة ونظراته الحادة ومازال يتأمل وجهها، يده تسير على شعرها وإبتسامة  ترتسم فوق ثغره:

-اسمكِ غريب جدًا يا يلديز أليس كذلك؟ ماذا يعني يا ترى؟

دفعت يده بغصب ومازالت ترتجف دون إرادة منها:

-لا تضع يدك عليّ، ليس لك شأن بي.

ابتسم ساخرًا وهو يضع يده في جيب بنطاله، ضيق عينيه بتحدي:

-سوف نرى كيف يمكنني ترويض فتاة مثلكِ، انظري لي يا يلديز لا خيار آخر لديكِ غير السماع لي، لا أحد يستطيع أن يساعدكِ بمقداري أنا الآن، رأيتِ ماذا فعل هذا الشيء عندما قام بضربكِ، وحدي من استطعت أن أبعده.

تحدثت يلديز بانفعال واضح:

-أنا أريد الخروج من هنا، لا شأن لك بي.

أخذ نفس عميق واقترب ليقف أمامها، وضع يده على وجنتها:

-حسنًا أيتها العنيدة، دعينا نتحدث معًا بهدوء، أنا اسمي جاسر، أحب الهدوء، أكره العناد كثيرًا، أكره أن يتعالى صوت أحد في وجودي يا حلوة.

دفعت يلديز يده بقوة وتحدثت بغضب شديد:

-لا تضع يدك عليّ.

قبض على يده بقوة، لم يقابل فتاة مثلها يومًا، هي لا تعرف من يكون هو، تقف أمامه وتنظر له بكل جرأة، لا يصدق أن هناك من يستطيع أن يتحداه بتلك الطريقة:

-تبدين صغيرة، لن أضع لكِ بالًا الآن يا يلديز، أليس هذا اسمك؟

كانت تنظر له وعينيها تكاد أن تطلق شرارًا، يرى الكره بعينيها الجميلتين، ابتسم وهو يستمتع بغضبها منه، تحدث بهدوء شديد:

-سوف تعملين معي، أظن أن جمالكِ سوف يجعلني أربح الكثير.

نظرت له وهو يعلم جيدًا أنها لا تفهمه، للحظات يشك أنها بالفعل مجنونة، لكنه يخبر نفسه أن هذا ليس صحيح.

في مكان آخر وبعد مرور شهر على اختفاء يلديز كان هذا الرجل يعاني، أهمل في مظهره، كان يحاول التظاهر دائمًا أنه على مايرام، لكن محاولاته تنتهي بالفشل في النهاية، يحاول الجميع مواساته ، لكن دون جدوى.

دلف كارم إلى غرفة مراد لينتبه له، تحدث إليه بضيق شديد:

-اخبرني يا مراد ما الذي تنوي فعله؟ أنت تريد أن تبقى هنا في هذه الغرفة دون فعل شيء! لم تعد تأتي إلى عملك وتستمر في تدمير كل شيء.

تحدث مراد بضيق شديد وهو لا يقوى على مجاراته:

-أخرج من هنا إذا سمحت يا كارم.

حرك كارم رأسه بنفي وهو يأخذ نفس عميق، اقترب ليجلس أمامه مباشرة:

-لا يمكنني أن أتركك هكذا يا مراد، أنت لم تكن هكذا، أتمنى لو لم أتي بتلك الفتاة إلى الأستوديو، وقتها لم تكن لتراها أو..

قاطعه مراد بغضب شديد وهو يرفع يده أمامها:

-توقف عن هذا الحديث يا كارم، لا تجعلني أفقد عقلي، أنت لا تعلم ما الذي يحدث داخلي، لا تتحدث معي الآن حتى لا تخسرني.

وقف كارم بضيق شديد، تحدث له برجاء وعينيه تتوسله أن يتوقف عن التعامل بتلك الطريقة:

-مراد أنا لا يفرق معي شيء سواك، عليك أن تواجه مشاكلك، لقد قومت بالتبليغ وهي مؤكد ستكون على مايرام.

نظر مراد له وقد اجتمعت الدموع بعينيه، حرك رأسه بنفي والألم يعتصر قلبه:

-لقد تدمر كل شيء، أنا السبب في هذا يا كارم، تلك الفتاة كنت أنا حياتها هنا، كانت تخبرني الكثير من الأمور عن حياتها على جزيرة غريبة وجوردن ولا يمكنني أن أتخيل أنها منذ أيام بالخارج لا أحد يعرف عنها شيء.

تساقطت دموعه بألم شديد وهو يحرك رأسه بنفي:

-لم تظهر منذ شهر كامل يا كارم هل تصدق هذا؟ يلديز مؤكد حدث لها شيء، أشعر أنني أختنق.

اقترب كارم ومن ثم قام بضمه، يحاول أن يجعله يهدأ ولا يفكر بشيء، لكنه يعلم جيدًا أن صديقه يعاني كثيرًا ولا أحد يستطيع مساعدته.

أما عن يلديز كانت هذه أسوء فترة في حياتي بأكملها، تمنت لو لم تهرب، لقد حاولت الأنتحار وقام جاسر بانقاذها، تتذكر كم الألم الذي اخترق جسدها وقلبها من ضربه الشديد لها وتعنيفها، شعرت بيده على شعرها:

-اليوم سوف يأتي رجل مهم، أريد منكِ أن تكوني موجودة، لا أرغب في أي مشكلة هل فهمتي؟

كانت صامتة وهي تحدث في النافذة أمامها، سحب شعرها وجعلها تواجهه وهو يحدق بها بغضب شديد:

-لا تجعليني أجن من جديد يا يلديز، ارتدي الفستان الأحمر الذي جلبته لكِ.

حركت يلديز رأسها بنفي ودموعها تتساقط:

-هو عاري وأنا لا يمكنني فعل ما تريد.

ابتسم جاسر ساخرًا، قبض على فكها ومازالت عينيه الرومادية تحدق بعينيها:

-من يسمعك يقول أنني أترككي لتفعلي شيء، أنا لا أوافق على ذهابكِ معهم، كا ما في الأمر سوف تسليهم بالجلوس والشرب معهم.

دفعت يده بضيق وانفعال واضح، مسحت دموعها المتتابعة وهي تتحدث بحزن شديد:

-لا أريد أن أفعل أي شيء، أريد أن أذهب من هنا، لا أريد شرب شيء مقزز أو أي شيء.

صفعها جاسر وقد زاد غضبه من عنادها الشديد، يراها لا تستسلم، لا تخاف من أي شيء، كل شيء يقوله تكون أول المعارضين له، اقترب منها، وجدها مازالت تبكي، أخذ نفس عميق وهو يومأ:

-دعينا نحاول مجددًا، أنا سوف أكون أكثر لطفًا وأنتِ سوف تكوني مطيعة.

رمقته بتقزز شديد رغم ألمها، حركت رأسها بنفي:

-ظننت أن مراد هو الأسوء من بعد جوردن، لكنك أسوء منهم جميعًا، أنت تطلب أشياء لا يطلبها الرجال، كيف تريدني أن أجلس وأتحدث معهم وأشرب هذا الشيء القبيح مثلك؟

ابتسم جاسر ساخرًا، يحاول أن يتمالك نفسه قدر المستطاع:

-تظنين أنني سقطت بحبكِ يا فتاة! يبدو أنكِ فقدتي عقلكِ، أنتِ مجرد مشردة وأنا قد أتيت بها إلى هنا.

أتت يلديز لتخرج من الغرفة لكنه وقف أمامه بانفعال واضح:

-لو اردتي العيش لا تعانديني يا يلديز، سوف نذهب إلى إحتفال مميز ومهم للغاية، عليكِ أن تكوني جاهزة وارتدي الفستان تفهمين؟

دفعها وخرج ومن ثم أغلق الباب، جلست يلديز وهي تبكي وتدعو الله أن ينقذها من هؤلاء الرجال، بالفعل ارتدت الفستان، كانت تقف أمام المرآة وشعرها ينسدل على جسدها، تذكرت مراد عندما كان يربت على شعرها ويخبرها أنه يحبه، تساقطت دموعها، تحدثت بصوت شبيه بالهمس:

-لماذا فعلت هذا؟ لماذا استغلتني بتلك الطريقة؟ شعرت أنك شخص جيد، قلبي قال أنك آمن يا مراد، كيف للقلب أن يخطأ؟

سمعت صوت الباب يُفتح، علمت أنه هو، لم تتحرك من مكانها، تستمع لخطواته التي تقترب منها شيئًا فشيئًا، شعرت بيده تحيط بخصرها:

-من الجيد أنك استمعتي لحديثي أخيرًا.

امسكت بيده ومن ثم قربتها من فمها وقامت بعضه بقوة، دفعها بقوة وهو يرمقها بغضب شديد:

-هل جننتي؟ أيتها الغبية، أنتِ وحش لستِ مجرد فتاة و..

قاطعته بغضب ومازالت الدموع على وجنتيها:

-لا تلمسني، لا تتجرأ وتضع يدك عليّ هل تفهم؟

رفع حاجبيه ومن ثم قام بإغلاق أزرار سترته:

-لن نتحدث الآن يا حلوتي، دعينا نؤجل النقاش لأنني لا أريد لوجهكِ الجميل أن يتورم، توقفي عن البكاء أيضًا لأن دموعكِ تلك تجعلني أشمأز كثيرًا.

جلس مراد في هذا الوقت أمام الشاطئ، يتذكر عندما جلس مع يلديز في نفس المكان من قبل، حاول أن يتمالك أعصابه لكنه من جديد فشل، ادمعت عينيه وهو يرفع وجهه للسماء:

-تمنيت لو لم أبقى في المنزل في هذا اليوم، تمنيت لو حدث أي شيء جعلني أختفي ولا أفكر في أذيتها، مازلت عاجز عن التفكير، لا أعلم كيف حدث شيء كهذا! لماذا فعلت هذا؟!

سار بجوار الشاطئ ووجد هاتفه يرن من جديد، لقد أصبح رنينه يزعجه أكثر من اللازم، قام بإغلاقه، يعلم أن مالك السائق ينتظره في السيارة وسوف يبقى ينتظهر، لا يهم سوف يفتح هاتفه ويتصل به عندما يقرر العودة ليأتي له.

الأجواء تزداد بروده، في حياته لم يشعر بالبرد كما يشعر به الآن، أتت صورتها إلى عقله وهي تبكي، تجلس وهي ترتجف، تخبره بإنهيار أنه السبب، شعر بروحه على وشك أن تغادره، تحدث بانفعال شديد:

-يكفي، لا أرغب في المزيد، يجب عليّ التوقف عن التفكير، لا مزيد من التفكير يا مراد، يا الله ساعدني، أرجوك ساعدني.

سمع صوت يعرفه جيدًا في هذا الوقت، نظر بجواره بسرعة لتتسع عينيه بصدمة، لقد رأها في سيارة وهي تشرب الموجود بجوارها صارخة:

-اتركني وشأني، لا دخل لك بي.

اتسعت أعين مراد بصدمة وهو لا يصدق أن الموجودة أمامه في السيارة الآن هي يلديز! ركض بسرعة تجاه السيارة وهي تسير، يتمنى لو تكون هي وأن يكون عقله على مايرام.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي