الفصل السادس غيرة

تحدث يونس أمام الجميع وهو ينظر إلى مراد بخبث:

-هذه الفتاة بريئة أكثر من اللازم، من أين أتيت بها يا مراد؟ أراك مهتم بها وتغار عليها!

تحدثت الجدة بتعجب وهي تنظر إلى مراد:

-عن أي غيرة يتحدث؟

تابع يونس حديثه وهو يقترب منها ليجلس بجوارها:

-مراد كان يحاول حجبها عن نظري هل تصدقوا هذا؟ أجل الفتاة جميلة لكنني لست شخص حقير يا مراد، أنا ابن عمتك!

نظرت هاجر إلى مراد وعينيها تكاد أن تطلق شرارًا، تحدثت وهي تحاول أن تجعله يشعر بما تشعر به:

-كنت على علاقة بتلك الفتاة من قبل يا مراد؟

نظر مراد لها للحظات قبل أن يتجاهل حديث الجميع وهو يشرب من القهوة الموضوعة أمامه، تحدث عاصم إليه عندما لاحظ توتر الأجواء من حولهم:

-مراد اجيبهم لعلهم يرتاحوا قليلًا!

تحدث مراد بهدوئه وثباته المعتاد:

-ليس لأحد شأن بما أقوم به، لا يتوجب عليّ الإجابة على أي شكوك يا أمي.

نظرت هاجر له بضيق شديد ومن ثم خرجت إلى الحديقة والدموع بعينيها:

-حسنًا يا مراد، أعدك سوف تندم، أنا حقًا أشعر بالغضب الشديد منك، الفتاة ليست جميلة على كل حال، هي قبيحة جدًا، لن تحبها يا مراد.

هبطت يلديز وشعرها ينسدل من فوق الأسدال، تعجبت روڤان:

-ما هذا؟ ليس هذا الفستان التي جلبته لكِ، ألم يعجبكي؟!

نظرت يلديز تجاه مراد وهي تتأمل الملابس التي ترتديها، حركت رأسها بنفي:

-مرار جلبه.

نظروا تجاه مراد الذي تحدث بنفاذ صبر، شعر بالملل من كثرة تحديقهم وأسئلتهم:

-أنا جلبته، لأن الفستان لم يكن يناسبها.

كان بدر يلاحظ غضب مراد الشديد، اقترب واضعًا يده على كتفه:

-توقفوا عن التحديق به، هذه الفتاة تحتاج إلى المساعدة وهو لم يتأخر هذا كل ما في الأمر.

ابتسم عاصم وهو ينظر إلى يلديز، أشار لها أن تقترب:

-تعالي إلى هنا يا يلديز، من أي بلد أنتِ؟ لا تبدي مصرية ألست محق؟

اقتربت يلديز من مراد، وقفت بجواره وهي تنظر إلى عاصم بتردد، التقت عينيها بأعين مراد لتتحدث بهدوء:

-خائفة.

تعجب مراد كثيرًا ومازال الجميع يحدقون بهم ولا يعلموا من أين أتت تلك الغريبة:

-لا شيء يدعي للخوف يا يلديز، هذه عائلتي ولا يوجد شيء مخيف، توقفي عن القلق.

كانت يلديز تلاحظ نظرات كلًا من عمته وجدته، أيضًا نظرات زوج عمته كانت تزعجها كثيرًا، ابتلعت ما بحلقها وهي اقترب من كرسي مراد أكثر، اقتربت منها روڤان:

-لماذا الخوف؟ لا شيء يدعى للخوف يا يلديز! اهدئي لن يحدث شيء، نحن نريد أن نعرف من أين أتيتِ أنتِ لأن هيئتكِ مختلفة قليلًا، حتى لهجتكِ!

ابتعدت عن روڤان، وقف مراد أمامها، تحدث بهدوء، حاول أن يجعل نبرة صوته أكثر هدوءًا:

-لا يوجد داعي للقلق، أنا هنا لن يحدث شيء، تشعرين بالأمان معي أليس كذلك؟

تحدثت يلديز بصوت مرتجف:

-لم تدع كارم يأخذني، لم يكن جيد، شعرت بهذا يا مرار.

رمقها بغيظ شديد وهو يردد اسمه:

-مراد مراد مراد هذا اسمي وليس صعب أبدًا.

ابتسمت وهي تومأ له، كانت تتأمل ملامحه، يشعر بالتعجب من نظراتها، بقدر ما يشعر بالفضول تجاهها إلا أن قلبه يرتجف كلما التفت أعينهم، حاول أن يشتت عقله ولا يعلم ما السر التي تحمله تلك الفتاة  وتحاول المحافظة عليه!

تحدثت مي وهي تقترب منها:

-يلديز هل أنتِ بخير؟ لا تخافي حتى لا تحزنينا.

حاولت يلديز الهدوء وهي تقف بالقرب من مراد:

-أنا أشعر بالتشتت فقط، لم أخاف يومًا، لن أخاف.

ابتسم بدر وهو ينظر لها، كان يشبه مراد كثيرًا إلا أنه أكثر مرحًا منه، لقد كان يعشق الخروج والذهاب لأسنكشاف أي مكان جديد، تحدثت جدة مراد بحزم:

-لم تجيبينا يا فتاة، من أين أتيتِ أنتِ؟!

نظرت يلديز لها، من جديد سيطر عليها الصمت، تحدث مراد إلى روڤان:

-احضري لها شيء تأكله وآخر تشربه يا روڤان، أنتِ تشعرين بالعطش؟

اومأت يلديز له على الفور، كلما نظرت له تبتسم دون سبب، يعاملها بلطف، كانت طوال الوقت تراقب نظراته لها، لقد كان هادئ، ربما فضولي تجاهها، لم يرتجف قلبها، تشعر بالحيرة لماذا هو؟ لكنها لم تجد الإجابة، تذكرت جوردن، اقترابه الزائد منها، تهديده لها، قبضه على فكها وضربه لها.

ارتجف جسدها وهي غارقة مع ذكرياتها المؤلمة، استفاقت على صوت مراد الذي تعجب لأمرها ولأرتجافها، لم تنم وقد ارهقت نفسها كثيرًا، كانت تشعر بالرعب من إيجاد أحد على السفينة ولم يتثنى لها إغلاق جفنيها:

-يلديز! هل أنتِ بخير؟!

نظرت له وقد شعرت به يهتز قبل أن تغلق عينيها وتفقد الإحساس بكل شيء من حولها.

فتحت يلديز عينها بعد مدة لتجد نفسها بتابوتها، اتسعت عينيها بصدمة وخرجت على الفور، ابتسمت عندما رأت والدتها تجلس وتقوم بالتحضير للطعام:

-أمي صباح الخير، لن تصدقي لقد حلمت حلم غريب و..

قاطعتها والدتها بحزم شديد والغضب يندلع من عينيها:

-الجميع غاضب وأنتِ مازلتي غارقة في أحلامكِ؟ جوردن لم يتجاهل ما يحدث ووجودكِ مع أدم يزعجه يا يلديز.

اقتربت منها يلديز بضيق شديد:

-لا أريد الزواج به يا أمي، لا يتم اغصاب أي أحد على الزواج ولن يحدث.

شعرت بيد تجذبها من زراعها بقوة ولم يكن سوى جوردن الذي يأتي إلى مكانها بشكل دائم، حاولت الثبات أمامه قبل أن تتلقى صفعة عنيفة جعلت شفتيها تدمى، تساقطت دموعها وهي تبكي وجسدها يرتجف أمامه، حاولت الأبتعاد لكنه سحبها بقوة:

-لا أريد سماع صوتكِ يا يلديز، تخطيتي حدودكِ كثيرًا يا ابنة عمي، لن أغفر لكِ، انظري لي بوضوح، لقد ذهبت أمكِ، الجميع يعرف أنكِ لي، لن يساعدكي أي أحد طالما أنا حي هنا، سوف تكونين لي يا يلديز، لن يمنع أحد هذا.

اقترب من وجهها وهي ابعدت وجهها عنه، تكره عطره، انفاسه، تكره وجهه ونظراته:

-أنتِ ملك جوردن وحسب يا يلديز، الآن يا حبيبتي سوف تصبحين زوجتي، رضيتِ أم لا، أنتِ لي.

سحب شعرها بقوة وهي تحاول دفعه بينما هو لا يأبى صراخها، ويمزق ثيابها بوحشية، شعرت بيد تضرب وجهها، شهقت بقوة قبل أن تستفيق وتجد نفسها بمكان آخر، غريب عن جزيرة التوابيت، سمعت صوته الهادئ يتسلل إلى أذنها:

-يلديز استفيقي، روڤان اعطيني المزيد من الماء هيا.

كانت روڤان ترتجف وهي تعطي لمراد الماء ودموعها تتساقط:

-لقد كدت أموت من القلق يا مراد، شعرت أنها تموت، اخبرتني أنها نائمة ونمت بجوارها، لكنها كانت ترتجف وتأن بصوت غريب، كانت تتعرق وتصدر صوت مكتوم بالألم.

تعلقت يلديز بمراد وأنفاسها تتعالى:

-لا تجعلني أذهب، لا أريد الذهاب، لا يمكن أن أكون له، لست زوجته، ليس قدري.

كانت تتحدث بالكثير من الكلمات، شعر مراد بالتردد الشديد وهو يرى تعلقها به، لقد ركضت روڤان لتوقظه وقد تفاجأ بالساعة الثالثة صباحًا، ضمها مراد في النهاية وهي تبكي بقوة، تحدثت روڤان بقلق:

-لماذا تبكي هي يا مراد؟ أشعر أن قلبها سوف يتوقف.

تحدث مراد بهدوء وهو يربت على شعرها:

-اهدئي يا روڤان سوف تكون بخير، لن يحدث شيء لها، يلديز انظري لي ما الأمر؟ ربما كان كابوس سيء وحسب، يلديز!

نظرت له بأعين مليئة بالدموع، لقد غرقت وجنتيها وأنفها أصبح أحمر اللون، تحدثت من بين شهقاتها:

-أريد أمي وإيكيز، أريد رؤيتهم لكنني لا أريده، لا أرغب في رؤية وجه جوردن، لا أرغب بأنفساه ولا بهيئته المرعبة، لا أرغب.

مسح مراد وجنتها بحنان وهو يومأ لها، لم يفهم الكثير لكنه حاول جعلها تهدأ:

-لن تريه ولن يضركي شيء، أنا هنا.

ابتلعت يلديز ما بحلقها:

-سوف يجدني، سوف يجبرني على الزواج به يا مراد، أرجوك لا تجعل هذا يحدث، أنت سوف تساعدني أليس كذلك؟

أومأ لها ومازال يتساءل من هذا الشخص الذي يسبب لها الكثير من الرعب؟ هل من الممكن أن يرتعب شخص إلى هذا الحد لمجرد الحلم بشخص يبغضه؟

-سوف أساعدكي يا يلديز، لن أتخلى عنكِ أهدئي، عليكِ أن تخبريني ما الذي يرعبكي هكذا؛ حتى أتمكن من جعلكِ تهربين منه حسنًا؟!

ابتلعت يلديز ما بحلقها، تحدثت وهي تنظر إليه وجسدها لم يتوقف عن الأرتجاف:

-جوردن، هذا يكون ابن عمي، يريدون أن يزوجوني له، هو يضربني ويقبض على فكي بقوة حتى أشعر أنه سوف يتهشم، هو يضع يده عليّ بطريقة ترعبني وأشمأز منها، جوردن هذا شخص ضخم يرعبني.

لقد فهم مراد سبب خوفها، لقد وجد شيء يبرر حالتها الغريبة تلك، أخذ نفس عميق وهو يومأ لها:

-لن يحدث شيء لكِ، اخبريني من أي مكان أنتِ؟

ابتلعت يلديز ما بحلقها بتردد، نظرت له ومن ثم إلى روڤان:

-لن تجلبوه إلى هنا ليأخذني أليس كذلك؟ لن تتركوني ليأخذني مجددًا!

أومأ لها مراد وهو ينظر إلى روڤان ومن ثم نظر لها:

-لن يحدث شيء يا يلديز، سوف تخبريني ولن أعيدكِ.

امسكت بيده وهي تقبض عليها بقوة، حاولت أن تستجمع شجاعتها، كأنها وجدت طوق نجاة ومن الصعب التخلي عنه:

-في جزيرة التوابيت، لقد أتيت إلى هنا عن طريق الصدفة، القيت نفسي بسفينة أتت إلى هنا، لقد كنت خائفة لم أنم، أشعر أنني أحتضر.

تعجبت روڤان وهي تمسح دموعها المتساقطة، لقد شعرت بالقلق على يلديز وظنت أنها بالفعل تحتضر:

-مراد! لم أسمع بهذه الجزيرة أبدًا! هل هي بالقرب من هنا يا ترى؟

مسح مراد دموع روڤان وهو يحرك رأسه بنفي:

-لا أعرف، توقفي عن البكاء يا روڤان.

كانت نقطة ضعفه هو بكاء أخته الصغرى، هي بالنسبة له ابنته وليست مجرد أخت، شعر بيلديز تضع رأسها على صدره وقد شعر بالاحراج، ابعدها عنه قليلًا:

-روڤان سوف تهتم لأمركِ يا يلديز، لن يأتي هذا الشخص إلى هنا، لن أجعله يأخذكي يا يلديز.

تحدثت بعفوية وانفعال حقيقي:

-كيف سوف تفعل هذا يا مراد؟ حجمه يفوق حجمك، لو قام بصفعك لتحطم وجهك على الفور.

حاولت روڤان منع ضحكاتها ولكنها لم تستطيع لتضحك وهي ترى الصدمة على وجه شقيقها الأكبر، لقد كان يرى أنه طويل وجسده رياضي أكثر من باقي الشباب أما الآن لقد حطمت يلديز غروره، تحدث بضيق ظهر عليه:

-ما الذي تقوليه أنتِ؟ لا تعرفيني يا يلديز لهذا السبب لا تتحدثي.

تركها ومن ثم خرج من الغرفة، نظرت يلديز إلى روڤان بحيرة:

-لقد غضب مني!

حركت روڤان رأسها بنفي وهي تضحك:

-لا تقلقي سوف يتخطى أيتها البريئة.

ذهب مراد إلى غرفته وهو يتحدث ساخرًا:

-يصفعني؟ كيف لها أن تقول شيء كهذا أمامي؟! يفوقني حجمًا! هل ابن عمها من العمالقة يا ترى؟ ما هذا الهراء يا يلديز سوف تفقديني عقلي!

فكر مرارًا في حديثها، جزيرة التوابيت! هذا الضخم التي ستكون مرغمة على الزواج به، السفينة التي أتت بها ولا يعلم كيف، فتح هاتفه وبدأ في البحث عن تلك الجزيرة، لكنه لم يجد لها أي أثر! هل من الممكن أن تكون مجنونة وما تمر به ليس إلا هواجس؟!

تعجبت روڤان أن يلديز تصر على النوم وهي تضمها أو تمسك بزراعها، تتعجب لخوفها الشديد، تفكر لو كانت مكانها، ليس من السهل البقاء في مكان غريب عنك!

مر أسبوع كامل، كانت عائلة يلديز على وشك الجنون، السفينة سوف تأتي بعد ثلاثة أسابيع، هي تأتي كل شهر، ليس بيدهم شيء سوى الأنتظار، كان جوردن في حالة من الغضب والجنون، الكثير من أهل الجزيرة تضرروا بسسببه، كانت إيكيز تتجنبه وهي تعلم أنه لو استطاع أن يقتلها لفعل.

أما كادي تستغل الوضع لتتقرب منه، لكنها لا تجد أي فعل يجعل الأمل يحيى بداخلها، هو كل ما يهمه وجود يلديز وحسب، لا تعلم لماذا تلك الفتاة تسيطر على عقله إلى هذا الحد، ربما لأنها بالفعل لا تريده؟!

كانت إيكيز تقوم بنشر الملابس في أحد الزواية بالقرب من الأشجار، شعرت بخطوات جوردن الغاضب كما لقبته منذ اختفاء يلديز من الجزيرة، تتمنى أن تكون بخير، تحدث بانفعال واضح:

-هل تشعرين بالراحة لهذا العذاب؟ هل تفكرين أين هي وما الذي تفعله الآن مع أشخاص غرباء؟ هل فكرتي في هذا الأمر أيتها الغبية؟!

ابتلعت إيكيز ما بحلقها وحاولت أن تبقى شجاعة كما اعتادت دائمًا:

-فكرت جيدًا، إن ذهبت إلى مجهول سيء لن يكون سيء بمقدار سوءك يا جوردن، تحاول الزواج بها رغمًا عنها، أنا أفهمك جيدًا، تستغل خوفها، تستغل عفويتها وروحها الجميلة، تريدها أن تخضع لك كالباقي.

رفع جوردن يده أمامها في محاولة منه لتهديدها:

-إن لم تصمتي سوف أكسر رأسكِ يا إيكيز.

حركت رأسها بنفي ومازال تنظر إلى عينيه:

-يلديز لن تكون لك مهما حدث، لن أسمح بهذا، لا أنا ولا حتى هي، لن تستطيع إخضاع قلبها لك يا جوردن، حتى لو كانت بريئة هي تستطيع أن تشعر بالأمان لتقترب منه والسيئين أمثالك تبتعد عنها.

اقترب كنان في هذا الوقت بغضب شديد:

-متى سوف يتوقف شجاركم؟ جوردن سبق وقولت لك لا تتحدث مع إيكيز، أما أنتِ لا تظني أنني سوف أغفر لكِ، بل ستندمين.

ابعدت إيكيز وجهها بضيق أما جوردن قد رحل على الفور.

------
في مدينة الأسكندرية تحدث كارم بضيق:

-سوف تبقيها في منزلك إذًا! لم تكن تشعر بالأمان معي؟

ابتسم مراد ساخرًا وهو ينظر إلى كارم:

-أعرف نواياك جيدًا يا صديقي، لا تحاول أن تلعب دور الضحية أمامي وإلا ستكون مضحك أكثر من اللازم.

تأفف كارم وهو يجلس أمام مراد على كرسي مقابل له في منزل كارم:

-حسنًا يا مراد، لا أنكر ان الفتاة جميلة، افقدتني عقلي من النظرة الأولى، لكن قل لي ما الذي تنوي أن تفعله أنت معها؟! ألم تخبرك من أين أتت؟

وقف مراد ومازال حديثها يتردد في أذنه، حرك رأسه بنفي:

-مازلت غير مستعد للحديث بشأنها، خلف تلك الفتاة سر ربما تكون كارثة، أكبر من مجرد حديث عابر، سوف أذهب إلى المنزل الآن، أما أنت لا تفكر كشيطان وتصرف كإنسان لبعض الوقت.

تركه وكارم يضحك، تحدث بصوت مرتفع:

-طالما أنك هنا لن أكون شيطان يا مراد، أنت ضميري الغائب.

ابتسم مراد بعد أن وصل له كلمات كارم جيدًا، سار وهو يغلق زرار بذلته، وصل إلى المنزل وما إن دلف إلى الحديقة سمع صوتها المرتفع بوضوح:

-اجعله يصافحني يا يونس أرجوك، أنا أريد لمسه وهو يلعب معك أنت فقط.

اقترب يونس ومعه جاك كلب مراد، تحدث وهو يضع يده على كتفها:

-مدي يده لكِ، سوف أكون بجواركِ لأجعله يعتاد عليكِ أنتِ أيضًا.

تركهم جاك وركض تجاه مراد وهو ينبح وقف ليصل إلى مراد، ضمه مراد وهو ينظر إلى يونس بغضب شديد:

-ما الذي تفعله هنا يا يونس؟ يلديز اخبرتكِ أن تبقي مع روڤان أين هي؟!

تحدثت يلديز وهي تبتسم:

-بالمطبخ وأنا أردت الخروج واللعب معه و..

قاطعها مراد بحسم والغضب يندلع من عينيه:

-إن تكرر هذا مرة أخرى لن أدعكي تغادري غرفتكِ هل تفهمين؟!

تغير وجهها عندما لاحظت غضبه وانفعاله الشديد عليها، تدخل يونس بضيق:

-ماذا بك؟ توقف عن هذا أنت لم تشتريها هي حرة ومن حقها الخروج كيفما تشاء يا مراد؟ حرام عليك لا تتحدث إليها بتلك الطريقه.

دفعه مراد بتحذير شديد:

-حتى لا تخسرني لا تقف أمامي الآن.

قبض على زراعها وسار بها للداخل، كانت تحاول التملص منه بانفعال واضح:

-دعني يا مرار لن أفعل شيء، توقف عن هذا.

تحدث مراد وهو مازال غاضبًا:

-اسمي مراد، فهمتي؟ لا تجعليني أفقد عقلي يا يلديز، اسمعي إلى حديثي أنا لا أريد منكِ التعامل مع أي رجل هنا.

دفعته يلديز وابتعدت بخوف، اقترب عاصم وهو يتعجب من تعامل ابنه:

-ماذا بك يا مراد؟ هل فقدت عقلك أم ماذا؟ لا تجعلها تخاف هكذا، تعالي يا يلديز لا تقلقي مراد فقط مضغوط في عمله و..

قاطعه مراد بحزم شديد، اقتربت والدته وكذلك بدر:

-أنا لست مضغوط يا أبي، لا أحد يقترب منها في غيابي إذا سمحتم.

عقد عاصم حاجبيه بعدم استيعاب:

-ما الذي تقصده بهذا؟ هل تشعر بالخوف عليها منّا أم ماذا يا مراد؟

تحدث بدر وهو يحرك رأسه بنفي:

-بالطبع لا يقصد هذا يا أبي، مراد ما الذي أصابك؟ هي ليست طفلة لتبقى حذر هكذا؟ هذه امرأة، ليست بصغيرة.

تحدث بانفعال واضح، لا يعلم كيف تفوه بها:

-ليست امرأة عاقلة إنها غبية، لا أعلم إن كانت مجنونة أم أنها تدعي الغباء، لا أعلم لكنها تحتاج إلى الرعاية.

اقتربت يلديز منه وقد ارتجف صوتها:

-لست مجنونة، لست غبية، أنا فتاة عاقلة، امرأة عاقلة، أكرهك كثيرًا يا مراد.

ركضت من بعدها إلى الحديقة ودموعها أخذت طريقها على وجنتها، ذهب مراد إلى غرفته بعد أن تحدث بغضب شديد وقد ارتفع صوته:

-روڤان اذهبي خلفها ولا تتركيها بمفردها.

دلف إلى غرفته، فتح زرار سترته وقام بالقائها على السرير بغضب شديد، أما في الأسفل كان عاصم على وشك أن يجن وهو ينظر إلى مي:

-لقد فقد عقله، لا أعلم ما الذي حدث إليه؟ لم يتصرف بهذا الشكل معنا من قبل! هل يظن أننا سوف نتخلص منها يا ترى أم ماذا؟

ابتسمت مي والحيرة تظهر على وجهها، انفعل عاصم وهو ينظر لها:

-ما الذي يضحك يا ترى؟

نظرت إليه واقتربت لتمسك بيده:

-أشعر بغيرته يا عاصم، للمرة الأولى مراد يغار على شخص ما، هو ينجذب لتلك الفتاة ويشعر أنها مسؤولة منه، أتمنى أن يتحقق من مشاعره سريعًا ولا يظلم تلك المسكينة.

انفعلت يلديز وهي تنظر إلى روڤان:

-لم أفعل شيء يا روڤان، أنا كنت ألعب مع چاك، صرخ في وجهي ودفع يونس، سحبني بقوة وكان يريد حبسي بالغرفة، يقول أنني مجنونة لكنه هو المجنون الحقيقي، لن أتحدث معه يا روڤان بعد الآن، لن أحبه.

ابتسمت روڤان وهي تضع يدها على شعرها، كانت تراها ترتدي الفستان الأزرق الذي اعترض عليه مراد لكنها اقنعته أنه يناسبها وليس كالسابق:

-لا تنزعجي يا يلديز هو مؤكد غاضب لسبب ما وقد تحدث باندفاع لا أكثر.

عقدت يلديز حاجبها بضيق شديد:

-لم يفرق معي، هو صرخ في وجهي وسحبني بقوة وأراد سجني.

فشلت روڤان في التحدث معها، قررت أنها سوف تتحدث مع مراد لتعلم السبب خلف انفعاله الشديد هذا.

تحدثت هاجر بانفعال شديد:

-هو يغار إذًا!

حرك  يونس رأسه بإيجاب:

-لطالما قولت هذا يا أختي ولم تصدقيني.

ابتسمت هاجر ساخرة وهي تحرك رأسها بنفي، وقفت أمامه قائلة:

-لا يغار منك يا يونس، بل يغار عليها وهذا الشيء يجعلني على وشك الجنون.

ابتسم يونس وهو يبعد عينيه عنها، يعلم أنها سوف تنفجر ومع ذلك شرع في استفزازها:

-معه كل الحق يا هاجر، الفتاة جميلة، تكاد أن تسلبني عقلي فما بالك به هو؟!

ضربت هاجر زراعه بغضب:

-لا تغضبني يا يونس، لا تجعلني أفقد عقلي و..

قاطعها يونس بغضب:

-أنتِ أختي الكبيرة مع ذلك تتصرفين بجنون يا هاجر، تركضين خلفه دائمًا دون تفكير، أتمنى أن تستفيقي قبل أن تفقدي عقلكِ بالكامل.

نظرت له هاجر والدموع بعينيها، خرج وقد تجاهل التحدث معها، وضعت يدها على رأسها بضيق شديد:

-حسنًا يا مراد، سوف ترى ما الذي سوف أقوم به أنا.

أتى الليل وذهب الجميع إلى غرفهم، سمع مراد طرقات على بابه، قام بفتحه ورأى روڤان أمامه:

-مراد أريد التحدث معك بشأن يلديز، هي لم تتحدث معي مجددًا، لكنني أشعر بضيقها الشديد، أرغب في فهم ما الذي اخطأت به؟ هي قالت أنها لم تفعل شيء وحاولت الفهم منها لكن..

قاطعها مراد بغضب وهو ينظر لها:

-اخبرتكِ أن تنتبهي لها مرارًا، قولت لكِ أن لا تتركيها بمفردها يا روڤان، يونس أو والده أنا لا أثق بهم.

حركت روڤان رأسها بنفي:

-لا تقل هذا يا يونس، عمتك وأولادها، حتى عمي يامن هو جيد للغاية و..

قاطعها مراد بغضب شديد:

-لا تناقشيني في هذا الأمر يا روڤان، أنا أقول ما أراه بوضوح أمام عينيّ، لن أكذب عينيّ وأصدق هذا الحديث.

أخذت روڤان نفس عميق وهي تومأ له:

-حسنًا يا مراد لن أناقشك، لكن عليك أن تتحدث معها، هي لا تستطيع أن تنام وأنا أشعر بالقلق الشديد عليها، عليك أن تطول بالك قليلًا عليها ولن يحدث شيء، هي طيبة للغاية وكل ما في الأمر أنها كانت تلعب مع چاك، علمت أن على جزيرتها كلبة تحبها كثيرًا اسمها بابسي.

لم ياخذ مراد الكثير من الوقت ليفكر، تحدث بتردد وهو يعلم أن هذا ربما يكون خطأ:

-سوف أذهب لأتحدث معها يا روڤان، أبقي هنا حتى أعود وسوف أحل الأمر.

رأى إبتسامة روڤان ولم يكلف نفسه ليسألها لماذا هي سعيدة هكذا، ربما كان يتجاهل كل شيء يحدث هذه الفترة، قام بطرق باب الغرفة الخاص بروڤان ويلديز، سمع صوتها تتحدث:

-ادخلِ.

علم أنها تقصد روڤان، فتح الباب وما إن رأته حتى وقفت مبتعدة عن السرير على الفور، تحدث مراد بهدوئه المعتاد عكس حالة الغضب التي كانت تسيطر عليه:

-ما الأمر؟ هل اصبحتي كارهة لي؟

اومأت له بتصميم وهي تنظر له:

-أجل يا مراد، أكرهك.

ضحك على تعابير وجهها، ثقتها المبتذلة وهو يعلم جيدًا أنها لا تحب أحد غيره في هذا المنزل، اقترب ووقف أمامها:

-أنا آسف يا يلديز، لم يكن عليّ فعل هذا، أنا فقط كنت أشعر بالخوف عليكِ، كلما فكرت أنه من الممكن أن يحدث شيء لكِ أشعر بالغضب والضيق والخوف.

ابتسمت يلديز وهي تنظر له، شعر بالراحة عندما علم أن ضيقها منه لن يطول:

-لاتنزعجي، لكنني قولت لكِ أن تكوني بالقرب من روڤان حتى أطمئن، أخاف عليكِ يا يلديز.

أومأت له وهي تبتسم، اقتربت لتمسك بيده بحماس:

-اتفقنا يا مراد لن أفعل شيء يضايقك وأنت لن تذهب إلى أي مكان وسوف تبقى معنا حسنًا، حتى عملك لا تذهب له لدينا الكثير من الطعام هنا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي