الفصل الرابع اللقاء الأول

كانت يلديز تشعر بالكثير من القلق، هي الآن مع رجال غرباء، حتى لو كان من بينهم أدم هي تشعر بالقلق من كل ما هو مختلف، ربما عليها أن تهدأ قليلًا، خرجت من التابوت وهي تقف بقلق شديد، تتساءل ما الذي سوف يحدث لو اكتشف أحد أمرها.

سارت قليلًا وصوت عمال السفينة يقترب من أذنها، لقد وجدت السفينة قد رست على أحد الجوانب ولا وجود لأدم سارت وهي لا ترى أثر لوجود رجال السفينة التي تعرفهم.

حاولت أن لا تقلق وهي تسير في الشوارع بقلق وكل من مر بها تعجب من هيئتها، الفستان الأحمر المزين بالورود لا يشبه الثياب المعتاد هنا في الأسكندرية، سارت على الأرض وهي ترى السيارات وتقف على بعد منهم بدهشة وتعجب:

-ما هذا؟ كيف لحديدة أن تسير وكيف استطاعوا أن يعبروا داخلها؟!

كانت تشعر بالكثير من الدهشة في كل شيء تمر به، ترتسم إبتسامة متعجبة فوق شفتيها، كانت تشعر بالألم كلما سارت على الأرض الساخنة بفعل أشاعة الشمس ولكنها لم تعتاد وضع شيء في قدمها، كادت سيارة أن تصطدم بها لتتوقف هي بصدمة وقلق، توقفت السيارة في اللحظة الأخيرة أمامها.

وقفت هي تحدق بالسيارة وبصاحبها الذي هبط وقد ظهر على وجهه الأنفعال بوضوح، تحدث إليها وقد كان رجل طويل القامة، يرتدي بذلة سوداء أنيقة ويرفع شعره الأسود للأعلى وهو ينظر لها بعينيه البنية:

-كيف تقفين أمام سيارتي فجأة بتلك الطريقة؟ ماذا لو حدث لكِ شيء يا فتاة، هل تحاولين جعلي ارتكب جريمة أم ماذا؟!

كانت تنظر له وهي تتعجب من هيئته وحديثه المتتابع التي لم يمر على عقلها لتدركه، نظر إلى ملابسها مطولًا بحيرة قبل أن يتحدث بتعجب:

-ما هذه الملابس؟ تبدين غريبة يا فتاة، شعركِ الأحمر الطويل وملابسكِ العجيبة تلك!

ابتلعت يلديز ما بحلقها وهي تنظر له:

-أتيت إلى هنا ولا أعلم إلى أين أذهب.

تعجب لأمرها، يتساءل من أين أتت تلك الفتاة بهيئتها الغريية تلك، ملامحها لا ترشده وهيئتها تجعله يتعجب كثيرًا، تحدثت يلديز بصوت مرتجف:

-أتعلم مكان للماء والطعام؟ أنا أشعر بالجوع الشديد والعطش أيضًا.

أومأ لها وقد ابتسم بحيرة:

-تعالي معي، ربما نجد المكان المناسب معًا، هيا اصعدي بالسيارة.

اقترب من سيارته من جديد واقتربت هي تتابعها بتعجب وإعجاب في ذات الوقت، فتح الباب لها لتبتسم وهي عاقدة لحاجبيها:

-كيف تفعلها؟ كيف قومت بصناعة شيء كهذا؟!

ضحك الرجل وهو يتابع دهشتها بحيرة:

-لا أعلم كيف يمكنكي أن تتحدثي بكل هذه الجدية، لو كنتِ من عالم آخر لم تكوني لتتحدثي بتلك الطريقة، يبدو أنكِ هاربة من أحد المستشفيات للتو.

كانت تنظر له بحيرة ولا تعلم ما الذي يشير إليه، لم تكن تعلم أنه بالفعل شك في عقلها، صعد إلى السيارة وقامت هي الأخرى بتقليده لتجلس بجواره من الأتجاه الآخر.

وصل إلى وجهته أخيرًا، لقد شعر بالصداع من كثرة ثرثرتها، تسأل عن كل شيء وكأنها تكتشف العالم للمرة الأولى:

-لا أعلم ما الذي تعلمتيه منذ يوم ولادتكِ، أنا حقًا أشعر بالحيرة الشديدة.

قاطع حديثه وهو يسير وهي بجواره صوت أجش غاضبًا، اقترب صاحبه بضيق شديد وهو يقف أمامه:

-كل هذا الوقت يا كارم هل تمزح؟ لقد تأخرت كثيرًا و..

قطع حديثه وهو ينظر إلى يلديز بحيرة:

-من تكون صاحبة الورود تلك؟!

ضحك كارم وهو يمسك بزراع مراد ليبتعد عنها وهو يهمس له:

-لن تصدق يا مراد ما حدث، هذه الفتاة لا تعرف أي شيء، جاهلة بكل ما يدور من حولها، هي ليست من الممثلين أو الكومبارس حتى، لقد وجدتها في الشارع على هيئتها تلك.

عقد مراد حاجبيه بحيرة وأبعد زراع كارم بتعجب شديد وانفعال واضح:

-ما الذي تحاول أن تفعله يا كارم؟ اخبرني ما الذي تحاول فعله؟!

ابتلع كارم ما بحلقه وهو يبتسم، حاول أن يجعل شكوك مراد تتلاشى، يعلم أنه يعرف نواياه جيدًا:

-أحاول مساعدتها، في الحقيقة سوف تفيدنا إن عملت معنا.

نظر له مراد بأعين تضييق في شك، نظر إلى ساعته وهو يبتسم ساخرًا:

-إلى هنا وسوف أذهب، في المرة القادمة لا تنسى أن تأتي باكرًا إن أردت العمل.

أتى ليذهب لكنه توقف وعاد لينظر إلى كارم بشك:

-هذه الفتاة أتيت بها من أجل فيلمي الجديد أليس كذلك؟ أم أن لك نوايا أخرى يا صديقي؟

ابتسم كارم وقد ظهر القلق على وجهه:

-يمكنك أن تراها يا مراد إن كانت تناسبك، لقد كنت متحمس لكن في الحقيقة أظنها مجنونة.

فهم مراد أن كارم يحاول جعله يبتعد والتخلي عن فكرة أخذها أو الأقتراب منها، لكنه ابتسم له في ثقة:

-يمكنني تحديد هذا، سوف أتحدث معها أولًا وإن كانت مناسبة ولو قليلًا سوف أصطحبها معي إلى منزل العائلة إن كانت غريبة.

تحدث كارم فورًا مقاطعًا لمراد:

-لماذا تستمر في تدمير كل شيء يا مراد؟ أنا اعجبت بتلك الفتاة من النظرة الأولى، أريد التعرف عليها أكثر.

تجاهله مراد واقترب من يلديز التي تعبث بكاميرا في جانب الساحة:

-ما الذي تفعليه أنتِ؟!

التفتت له على الفور وهي تبتلع ما بحلقها بقلق:

-لا شيء لم أفعل أي شيء.

تعجب من ارتباكها الشديد، سألها بحيرة وهو ينظر إلى ملابسها والكم الهائل من الورود للزينة:

-من أين أنتِ؟!

نظرت حولها بقلق، شعرت بالحيرة من اخباره، حركت رأسها بنفي وهي تحذر نفسها من القول له، من الممكن أن يعيدها وتضطر للزواج بجوردن في هذا الوقت.

تعجب مراد من صمتها وأعاد حديثه من جديد:

-ما الأمر هل السؤال صعب إلى هذا الحد يا تُرى؟!

ابتلعت ما بحلقها والدموع بعينيها، تعجب مراد من قلقها الشديد، اقترب ينظر لها عن قرب:

-ملامحكِ لا أظن انكِ مصرية، الأعين الزرقاء والشعر الأحمر المجعد، النمش الذي يغطي وجهكِ برقة ونعومة، مثلكِ غير منتشر هنا.

توقع منها التحدث عن حياتها، كيف جائت إلى هنا وما الذي حدث، لكنه لم يجد سوى الصمت في هذا الوقت، أتى ليتحدث مجددًا، لكن قاطعه حديثها المباشر:

-أنا أشعر بالجوع الشديد والعطش، لم أتناول شيء منذ مجيئي إلى هنا، ربما أفقد وعيي.

نظر لها مراد لدقيقة ومن ثم التفت إلى كارم وهو يتحدث بحزم، لا يقبل النقاش:

-سوف أجعلها تجلس مع عائلتي، يمكنك أن تقرر ما الذي تريده وبعدها نتحدث يا كارم.

رأى الضيق في نظرات كارم وهو يراه يصطحب يلديز معه، لقد علم مراد أن كارم لا يفكر فيها بشكل جيد.

سارت يلديز مع مراد وهي تتأمل كل شيء حولها، تشعر بالكثير من الحيرة، لا تعلم أسماء تلك الأشياء ولا فائدتها، تحدثت إلى مراد وقد تجاهلت كل شيء مرت به:

-أنا جائعة.

بالفعل ذهب مراد ليجلب لها الكثير من الأشياء لتتناولها، بينما هي جلست في السيارة الخاصة به كما اخبرها، قلبها يدق بقوة، تشعر بالكثير من القلق، تتمنى أن يكون مراد شخص جيد ولا يتسبب في أي أذى لها.

اقترب مراد وهو يتحدث واضعًا الطعام على قدمها:

-بالمناسبة أدعى مراد، يمكنكي أن تقولي لي إن كنتِ تخفين شيء ما!

ابتلعت يلديز ما بحلقها ومن ثم نظرت له وهي تتناول طعامها، تحدثت يلديز بهدوء:

-أريد أن أجد مكان هادئ للنوم، هذا العالم صاخب للغاية، كيف تستطيعون النوم؟ على جزيرتي ما إن يحل الليل حتى يصاب الجميع بالنعاس.

صعد مراد بسيارته واعتدلت هي، اقترب منها ليغلق الباب فتبتعد على الفور وهي تدفعه بانفعال واضح:

-توقف عن هذا.

عقد مراد حاجبيه وهو يشعر بالكثير من الحيرة، تحدث بهدوء:

-أحاول غلق باب السيارة، يمكنكي أن تهدئي.

تحول وجهها للون الأحمر وهي لا تجد ما تقوله، تشعر بالكثير من الضيق ولا تعلم كيف يمكنها أن تتعامل معه، لا تدري كيف تتعامل مع العالم من حولها.

كان يقود سيارته ويتساءل ما خطب هذه الفتاة؟ خلفها سر يجهله هو، تحاول أن تخفي هويتها ولا يعلم أحد السبب سواها، أخذ نفس عميق وقرر أن يتحدث معها، لعله يحصل منها على أي معلومة قد تساعده في معرفتها:

-ما اسمكِ؟

اجابته وهي تنظر له ومازال القلق يحتل عينيها الجميلة:

-يلديز.

عقد مراد حاجبيه بحيرة وهو يشعر بالتعجب:

-ماذا يعني هذا الاسم؟!

ابتسمت يلديز في حماس شديد وكأنها لم تبغضه منذ دقائق، اخرجت رأسها من نافذة السيارة وهي تشير على السماء:

-أنظر إلى السماء وسوف تعرف ماذا يعني.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي