الفصل الثامن أعتراف

اقترب عاصم من يلديز عندما لاحظ تغير وجهها:

-ما الأمر؟ هل ازعجكِ مراد يا يلديز؟ لقد تجاوز حدوده كثيرًا.

خرج مراد في هذا الوقت، لاحظ قلقها الشديد وتعجب عاصم، انفعل عاصم وهو يقف أمام مراد:

-أنا لا أسمح لك بالتمادي يا مراد، تلك الفتاة ليست عبدة لديك، هي إنسانة حتى لو ساعدتها هذا لا يعطيك الحق أبدًا بالتصرف بتلك الطريقة معها، أنا والدك وعليّ أن أنصحك و..

قاطعه مراد في هذا الوقت متجاهلًا كل شيء يقوله والده:

-أنا أريد الزواج بيلديز يا أبي، لا يمكنني أن أراها غير زوجتي، كل شيء سوف يكون على مايرام وقتها.

تعجب عاصم من طلب مراد المفاجئ، الشيء العجيب أكثر هو اصراره الشديد وهو يخبره أنه يريد الزواج منها، قاطعت صوت يلديز المنزعج وهي تتحدث بانفعال شديد قد جعل وجهها يزداد احمرارًا:

-أنا قولت لا، لن أفعل هذا، لن أتزوج بك يا مراد.

نظر مراد لها، اقترب منها ليجدها تبتعد بغضب شديد، تحدث بهدوء:

-يلديز أنا أتفهم سبب خوفكِ، لكن أنتِ مخطأة تمامًا، الزواج ليس اجبار، أنا أريد أن أكمل حياتي معكِ ولا أترككي أبدًا.

كانت تنظر له، تراقب ردود أفعاله جيدًا، تغيرت نظرتها له واصبحت تنفر منه وهو يتمنى أن يصل إلى عقلها والشيء الذي يفكر به:

-لا داعي للخوف يا يلديز، اعطيني يدكِ وثقي بي ووقتها كل شيء سوف يكون بخير.

ابتعدت عنه على الفور لتقف خلف عاصم، تحدثت بانفعال من جديد:

-توقف عن التحدث بتلك الطرقة، أنا سوف أهرب من هنا ولن يستطيع أحد ايجادي.

كل هذا وعاصم يقف لا يستطيع أن يفهم الأمور من حوله:

-مراد توقف عن التحدث معها بتلك الطريقة، لا تغصبها على شيء إذا سمحت و..

قاطعه مراد بضيق والحزن يظهر في عينيه:

-أبي أنت لا تدرك الأمور، هي لا ترفض الزواج بي لأنها لا تريدني، هي لديها عقدة من الفكرة نفسها، لقد حاولوا أهلها أن يغصبوها على الزواج من قبل كما فهمت وهي هربت منهم.

أومأ عاصم له، التفت لها وهو يبتسم بحنان كما لو كانت ابنته:

-ادخلي إلى غرفتكِ مع روڤان وارتاحي يا يلديز، لا تفكري في أي شيء آخر، هذا الشاب لن يتزوج بكِ حسنًا؟

ابتسمت له يلديز ومراد يكاد أن يفقد عقله، دلفت بالفعل إلى الغرفة وعاصم اقترب من مراد ساحبًا زراعه تجاه غرفته:

-حمدًا لله لم يسمع أحد بهذا وإلا كانت جدتك وعمتك سيحترقون، اسمعني جيدًا يا مراد، طريقتك تلك سوف تجعل الفتاة تنفر منك، سوف تخسرها لا محال، عليك أن تكون أهدئ، عليك أن تتصرف كشخص عاقل.

نظر مراد له وهو يفكر في نظراتها، مازال خوفها محفور في عقله ويزعجه كثيرَا:

-لم تثق في بعد يا أبي، أنا أشعر بالخوف عليها من كل شيء، كأنها ابنتي، أنا أتمنى لو تثق بي أكثر.

جلس عاصم على سرير مراد بعد أن أغلق الباب:

-عليك أن تجعلها تحبك أكثر من هذا يا مراد، إن احبتك سوف تثق بك، الفتاة فريدة من نوعها وتستحق المحاولة يا ابني، أنا أعلم هذا وهذا ما جعلني أشعر بالسعادة عندما اخبرتني أنك تريد الزواج منها.

أخذ مراد نفس عميق، جلس وهو يفكر ما الذي من الممكن أن يفعله معها في الفترة القادمة، ربما سيضطر إلى الابتعاد عنها قليلًا حتى لا يخيفها!

وقف عاصم أمامه وهو يبتسم وعينيه تلمع بحب كبير:

-حارب منأجل الفوز بحبها يا مراد، هي تستحق وأنت تستحقها، هذه الحقيقة يا حبيبي.

ابتسم مراد وهو يومأ إلى والده:

-حسنًا يا أبي، لا تخبر أحد بهذا الأمر إذًا، لا أريد لهاجر أو عمتي أن يضايقوها ومازالت نافرة مني ولن تسمح لي بالتدخل في أي شيء يخصها.

أومأ له عاصم وهو يتجه إلى الخارج ويحذر مراد:

-انتبه جيدًا يا مراد، لا نريد لها أن تخاف مننا، دعها كما هي، فكر جيدًا كيف تستميلها لا أكثر من هذا.

أومأ مراد له وهو يشعر بالكثير من الضيق:

-حسنًا يا أبي، لن أفعل أي شيء لا داعي للخوف، لا أعلم لماذا كل هذا القلق.

ضيق عاصم عينيه بترقب قائلًا:

-لأنني أعرف عقلك يا مراد أتحدث معك مرارًا، لا تجعل الغضب يسيطر عليك مهما حدث وإلا سوف تخسرها.

ذهب بعدما أغلق الباب، بقي مراد جالسًا على سريره، يفكر ما الذي من الممكن أن يفعله ليستميلها، فكر في يشعل غيرتها، ربما لو تعامل مع الجميع وتجنب التعامل معها سوف تشعر بالكثير من الغيرة وهذا الأمر سوف يساعده لا محال.

ابتسم وهو يتجه لمرآته ويبتسم وهو يرفع شعره:

-سوف نرى يا يلديز، سوف تأتين أنتِ لتتحدثين معي يا فتاتي العنيدة.

اتسعت أعين روڤان بعدم استيعاب:

-ما الذي تقوليه أنتِ يا يلديز، هل حدث هذا بالفعل؟

اومأت يلديز لها ويظهر على وجهها الضيق الشديد:

-نعم يا روڤان، لقد طلب الزواج منّي وأنا رفضت، هو كيف يطلب شيء كهذا، يعلم أنني هربت من جوردن و..

قاطعتها روڤان وهي تعتدل في جلستها لتجلس أمامها مباشرة على السرير:

-ما الذي تقوليه أنتِ يا فتاة، هذا الأمر مختلف تمامًا، مراد غير جوردن هذا، هو مختلف عنه تمامًا يا حبيبتي، لا يمكنكي أن تغلقي حياتكِ على تجربة فاشلة مهما حدث.

أخذت يلديز نفس عميق بضيق شديد:

-روڤان لا تجعليني أحزن، لقد تعاملت مع مراد بطريقة سيئة كثيرًا، طلبه هذا اخافني بشدة، جعلني أود الهرب على الفور ولا أنتظر لحظة واحدة.

تعجبت روڤان من نفورها الشديد، قررت أنها سوف تسمعها ولن تضغط عليها، عليها أن تدرك هذا بنفسها:

-سوف تعلمين أن مرتد هو شخص مناسب لكِ كثيرًا يا يلديز ووقتها يمكننا أن نبقى معًا دائمًا، سوف يكون هذا الأمر رائع.

ابتسمت يلديز بحماس وقد لمعت عينيها:

-بالفعل نحن معًا يا روڤان، سوف نبقى معًا وهذا لن يقف أمامه شيء، أنا أعلم هذا.

نظرت روڤان لها بغيظ قبل أن تضحك:

-لا يمكنني أن أقول شيء يا يلديز، سوف يتعب مراد كثيرًا ليقنعكِ، أشعر بالشفقة عليه لكنكِ تستحقين يا يلديز، اجعليه يتعب حتى يفوز بكِ.

سمعوا طرقات على الباب، ابتسمت روڤان وهي على وشك أن تفتح الباب ظنًا منها أن الطارق هو مراد، تفاجأت برؤية يونس أمامها:

-غريب! ما الذي تفعله هنا في هذا الوقت؟ من المفترض أن بعد الساعة الثانية عشر صباحًا لا يخرج أحد من غرفته.

ابتسم يونس وهو ينظر لها وإلى يلديز بالداخل:

-تعلمين أن غرفتي فوق غرفتكِ مباشرة يا روڤان، أنا أسمعك أنتِ ويلديز تتحدثون كثيرًا طوال الليل، قولت لا يوجد مانع لو تحدثنا معًا وجلسنا سويًا نمرح.

ابتسمت روڤان وهي تلتفت إلى يلديز:

-ما رأيكِ يا يلديز؟ هل ترغبين في اللعب؟

وقفت يلديز على الفور وهي تتجه لهم:

-أجل مازال النوم بعيد عن عينيّ، دعنا نلعب ولكن أين.

ابتسم يونس وكاد أن يتحدث لكن قاطعته يلديز بحماس:

-ما رأيك أن نذهب ونلعب في الحديقة؟ أنا أحبها كثيرًا لكن مراد وجدتك لا يحبونني أن أخرج أبدًا.

ابتسمت روڤان وهي تومأ لها:

-وهو كذلك يا يلديز هيا بنا.

خرجوا بالفعل إلى الحديقة، كان يونس سعيد للغاية بوجوده جوارها، اقترب عليهم أن يقموا عين فرد منهم ويبحث عن الآخرون، لم تكن روڤان تعلم نيته ووافقته، قامت بجلب قماشة وقام بربطها حول عينيها:

-هيا يا روڤان ابحثي عنًا، يلديز لا تصدري أي صوت بمجرد أن تتحرك.

اومأت له يلديز وعينيها تلمع بحماس شديد، كانت روڤان تحاول الامساك بهم، اقترب يونس من يلديز وهو يهمس لها:

-اتبعيني لنختبأ هيا.

ابتسمت يلديز وقبل أن تتحرك شعروا بخطوات أقدام ومن بعدها سُحب زراع يلديز لتشق بصدمة، ازالت روڤان عصابة العين بقلق عليها ولكنها صدمت بوجود مراد، ظهر القلق على وجوه الجميع بالأخص يونس الذي حاول التحدث مع مراد:

-مراد ظننت أنك نمت، لو لم تنم يمكنك أن تأني وتلعب معنا.

تحدث مراد بهدوء مهلك يسبق العاصفة:

-روڤان ويلديز هيا على غرفتكم.

تحدثت روڤان بتردد:

-لقد بدأنا اللعبة للتو يا مراد أرجوك لا نريد النوم، لم نستطيع النوم وقررنا أن نلعب.

تحدث مراد بحزم وعينيه تشتعل غضبًا:

-روڤان أظن أن حديثي واضح، اذهبي إلى غرفتكِ أنتِ ويلديز.

تحدثت يلديز وهي تقف أمامه:

-ما الذي تريده يا مراد، قالت أننا لا نستطيع النوم، نحن نلعب و..

صرخ مراد بانفعال واضح:

-روڤان خذي يلديز الآن إلى الغرفة، لا أريد التحدث، لا أريد سماع كلمة أخرى.

سحبتها روڤان وهي تومأ له:

-حسنًا يا مراد، لا داعي للغضب، هيا يا يلديز تعالي معي يا حبيبتي.

نظرت يلديز له وكانت على وشك التحدث من جديد لكن روڤان قامت بسحبها وهي تحسها على الصمت، وقف مراد أمام يونس وعينيه تكاد أن تطلق شرارًا:

-هذه الفرصة الأخيرة لك يا يونس، آخر مرة أقوم بتحذيرك بها، أقول لك بوضوح أن تبتعد عن يلديز وروڤان، لا تقترب منهم، هل سمعت؟ إنا سوف أنهيك يا يونس إن رايتك تتصرف بطريقة سيئة.

ابتلع يونس ما بحلقه ونظر إلى مراد بضيق شديد:

-أنا لم أفعل شيء يا مراد! كل ما في الأمر أننا كنّا نلعب، فقط نلعب.

صرخ مراد في وجهه وهو يمسك بعنقه الغضب يسيطر عليه:

-أنا أحذرك يا يونس، في المرة المقبلة سوف أفقد عقلي، سوف تكون نهايتك.

دفعه من بعدها بقوة وصعد إلى منزله، وقف أمام غرفة روڤان ويلديز عندما سمع نقاشهم:

-مراد هذا شخص كئيب وحزين يا روڤان، لقد شعرت بالضيق الشديد منه.

اجابتها روڤان ولا تعلم أن مراد يسمع صوتهم في هذا الوقت:

-مراد ليس سيء أبدًا يا يلديز، هو يخاف علينا كثيرًا وهذا الأمر ليس سيء و..

قاطعتها يلديز وقد بدت أكثر تصميمًا:

-هو مزعج، يستمر في ازعاجي وهذا الأمر يضايقني كثيرًا يا روڤان.

أخذ مراد نفس عميق، حاول أن يمنع نفسه لكنه لم يستطيع، في النهاية وجد نفسه يدق على باب الغرفة وما إن فتحت روڤان حتى دخل إلى الغرفة:

-أعلم أنكم غير مرحبون بما حدث، لكنني سبق وقولت واخبرتكم أن تتوقفوا عن هذة الأمر، لا تختلطوا مع أحد بشكل زائد و..

وقفت يلديز أمامه بعنادها المعتاد وانفعالها الواضح:

-أنت لماذا تفعل كل هذا؟ ما الذي تستفيده عندما ترانا نحزن؟

تحدث مراد والضيق الشديد يعتلي صدره:

-إن كنتِ تفكرين قليلًا يا يلديز لم تكوني لتقولي هذا، أنا لا أتعمد جعلكم تحزنون أبدًا، كل ما في الأمر أنني كنت أحاول الحفاظ عليكم، شأتي أم لا هذا ما سيحدث، هذا المنزل لا أحد يبقى به بلا قوانينه.

نظرت له وهي تعلمه مقصده، قالت بكبرياءها المعتاد:

-تريدني أن أخرج من المنزل إذًا يا مراد!

صدم مراد بحديثها، تحدثت روڤان على الفور والضيق يظهر عليها:

-هذا ليس صحيح يا يلديز، مراد لا يقصد هذا أبدًا.

رفع مراد يده وهو يحذر روڤان من التحدث:

-ما الذي تريدي أن تصلي له يا يلديز؟ ترغبين في الرحيل؟

اجتمعت الدموع بأعين يلديز ليتراجع مراد على الفور:

-حتى لو اردتي الرحيل يا يلديز، لا يمكنني هذا، لأنني أحبكي يا يلديز.. أعترف أحبكي كثيرًا.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي