الفصل العاشر معاناة جديدة

كان العالم بأكمله يدور بمراد، لا يصدق أنها قد اختفت، لقد لحق بها ما إن تحدث يونس واخبرهم أنها هربت، لكنه لم يجدها، يتذكر عندما اخبرته عن طريق مجيئها، كاد قلبه أن يتوقف وهو يشعر بالرعب من حدوث مكروه لها، اقتربت روڤان منه ودموعها تتساقط:

-ما الذي سوف تفعله يا ترى؟ سوف تبقى جالس هكذا يا مراد وأنت السبب بكل شيء حدث؟ أنت قولت أنك تحبها، ظننت أنك حقًا تحبها ولا تتسلى بها، كنت تستغلها أسوء استغلال، أنت أسوء من الجميع يا مراد.

ابتعدت وهي تبكي بألم، في فترة قصيرة كانت يلديز تمثل أخت لها، لقد كانت طيبة القلب ومسالمة، لم تفعل أي شيء يضايقها وتمنت حقًا أن يتزوج مراد بها.

لا أحد يعلم ما الذي يدور بقلب هذا الرجل الذي شحب وجهه فجأة، يكره نفسه كثيرًا، لا يعلم كيف تصرف بتلك الطريقة، كيف أصبح شخص منعدم للمشاعر والأخلاق وجعلها تنفر منه بهذا الشكل؟ كيف خان حبه لها؟!

وقف وهو يسير ذهابًا ومجيئًا في الڤرندا، مر على اختفاؤها يومان لم ينم بهم، اخبره والده أن الشرطة سوف تجدها، ابلغوا الشرطة والجميع حالهم يستقر شيئًا فشيئًا عداه هو، يتمنى لو يعود به الزمن.

شعر بدموعه تسيل للمرة الأولى منذ زمن، مسح وجنته وهو يبتلع نا بحلقه بصعوبة، سمع صوت هاجر في هذا الوقت وهي تقترب:

-مراد مازلت مستيقظ حتى الآن!

لم يلتفت لها، اكتفى بمسح وجهه وهو يتمنى أن تذهب ولا تزيد الأمور صعوبة عليه كالجميع:

-مراد أنظر لي، أنا أشعر بالقلق الشديد عليك، أرجوك لا تجعل قلقي يزداد بشأنك إذا سمحت.

تحدث مراد وهو يحاول جعل صوته جامدًا قدر المستطاع:

-أنا بخير يا هاجر، اذهبي إلى غرفتكِ ونامي.

اقتربت لتقف خلفه مباشرة، ترددت ولكنها حسمت أمرها وقررت أن تتحدث إليه مجددًا:

-أنا سمعت حديث روڤان إليك، أعلم أن حديثها كان مؤلم، أنت لا ذنب لك في كل شيء حدث يا مراد، الفتاة من أتت إلى غرفتك وهي من قررت الرحيل و..

قاطعها مراد صارخًا وهو يلتفت لها وعينيه تكاد أن تطلق شرارًا:

-لا تتحدثي عنها بتلك الطريقة يا هاجر هل فهمتي؟ لن أغفر لكِ إن تكرر هذا مجددًا.

تركها وصعد إلى غرفته، يتمنى أن تكون على مايرام، يتمنى لو بقيت في مكان آمن، لم يحتمل وقرر أنه لن ينتظر رجال الشرطة، سوف يهبط بنفسه للبحث عنها ويحدث ما يحدث.

سحب مفاتيح سيارته وهو يهبط على السلم في عجلة، وقف أمامه بدر وهو يحرك رأسه بنفي:

-أذهب إلى النوم يا مراد، أبي قال أنك لن تهدأ، لكن لا شيء بيدك لتفعله، هي لم تضيع في منزل هي ضائعة في مدينة، الساعة الآن تخطت الثانية عشر وعليك أن تنام، على الأقل لتستطيع أن تجدها.

انفعل مراد وهو ينظر له، من يراه يجزم أنه على وشك أن يفقد عقله دون مبالغة:

-لن أجلس هنا مكتوف الأيدي يا بدر، دعني وشأني ولا تقف أمامي أرجوك، أنا أشعر بالنيران تشتعل خلف ضلوعي، لا يمكنني أن أتركها في الخارج وأنا هنا لا أفعل شيء.

علم بدر أنه لن يستطيع منعه، عليه أن يأتي معه ولا يتركه على الأقل، تحدث وهو يحاول جعله يهدأ:

-سوف نجدها يا مراد، دعنا نذهب معًا، لا يمكنني أن أتركك بمفردك في هذا الوقت، استمع لي.

سار مراد ولحق به بدر، يتمنى أن تحدث معجزة ويجدوها، هو يشعر بالكثير من الحزن، لكنه يعلم أن مراد للمرة الأولى يعاني بتلك الطريقة وعليه أن يسانده.

في مكان ما، بالتحديد أمام شاطئ العجمي كانت يلديز تجلس وهي تتناول بعض الذرة التي أعطاها لها البائع، لم تجف دموعها وهي تتذكر حياتها وكيف سارت حتى بقيت هنا في شارع مليئ بالغرباء، همست بصوت مرتجف:

-لقد طال الوقت، تعالي يا أمي وخذيني.

تذكرت جوردن وبكت بألم أثناء تناولها للذرة:

-أكرهك يا جوردن أنت السبب في بعدي عن أمي وأختي، لن أسامحك أبدًا.

ابتلعت ما بحلقها بصعوبة وهي تتذكر مراد، حديثه معها، همساته لها، اقترب حاجبيها بنفور وهي تتساءل كيف له أن يتحول معها لهذا الشخص البشع، لقد كان يوهمها بحبه لها ليستغلها، كان لا يفرق شيء عن جوردن.

رأت رجل يقترب ليقف أمامها، شعرت بالرعب وهي ترفع وجهها لتنظر له، ابتسم وهو يسألها بحيرة:

-لا يوجد أحد معكِ أليس كذلك؟

لم تجيبه وهو ينظر حولها، رأها تقف ليسرع بامساك زراعها:

-توقفي إلى أين تذهبين؟ أعلم أنكِ وحيدة، منذ يومين وأنتِ في هذا المكان، تذهبين إلى حمام الشاطئ وتتناولين الطعام مرة واحدة عندما يشفق عليكِ شخص ما.

كانت تحاول أن تبتعد عنه وشعور الخوف يزداد بداخلها، ابتسم وهو يتأمل عينيها:

-فتاة جميلة مثلكِ تعيش بتلك الطريقة؟ لا يمكنني أن أصدق هذا حقًا!

كانت تدفعه وهي ترتجف:

-دعني لا أريد التحدث معك، ليس لك شأن بي.

ابتسم وهو يلمس وجنتها:

-لقد نالت الأتربة من وجهكِ الجميل، تعالي معي سوف يكون كل شيء على مايرام، أنا راقبتكِ جيدًا الفترة الماضية وأعلم أن لا أحد معكِ.

انفعلت يلديز وهي تدفعه ولا تريد الذهاب معه، اقترب في هذا الوقت بائع الذرة:

-من تكون أنت؟ دعها وشأنها لماذا تمسك بها بتلك الطريقة؟

ابتسم الرجل ببرود شديد:

-ليس لك دخل، هل تظن أنك الواصي عليها أم ماذا؟ ابتعد عن هنا ولا تجعلني أفقد عقلي معك.

دفعه بائع الذرة بغضب:

-دعها وليس لك شأن بها، أنت لا تقرب لها وأنا أعلم أنك تحاول أن تستغلها.

شعرت يلديز أن هذا الرجل حقًا يرغب في مساعدتها، ابتسمت بأمل:

-اجعله يتركني وشأني، أنا لا أريد الذهاب معه إلى أي مكان، أرجوك يا عمي.

اقترب بائع الذرة وهو يسحبها منه:

-دعها لن أجعلك تأخذها إلى أي مكان، لن أسمح لك اتركها وشأنها وإلا..

لم يتابع حديثه، قاطعه ضرب أحد الرجال له من الخلف، صرخت يلديز بهلع عندما وجدت الدماء تخرج من رأسه، حاولت الاقتراب منه لكن الشاب الممسك بها لم يتركها، نظر إلى الآخر وتحدث وهو يبتسم:

-لقد جعلتني أرتاح من هذا الثرثار، ما رأيك بها؟ كما اخبرتك هي جميلة بطريقة ملفتة، سوف تساعدنا في الكثير من الأمور، سوف تنال إعجابه أليس كذلك؟

أجابه الآخر وعينيه تلمع بمجرد رؤية عينيها:

-مؤكد سوف تنال اعجابه، لا يمكنني أن أصدق أن تلك الحورية متشردة، لا يبدو هذا منطقي يا صديقي، حتى ملابسها يبدو عليها الثراء، نظراتي لا تخيب أبدًا.

تحدثت هاجر بانزعاج كبير في هذا الوقت:

-تنام وكأن لا شيء ببالك يا يونس، ما الذي تفكر به أنت؟

اعتدل يونس في جلسته على السرير وهو ينظر لها بحيرة:

-لا أعلم ماذا بكِ؟ من المفترض أن تكوني أكثر سعادة، تخلصتي من الفتاة وراقت الأجواء لكِ، لا أعلم لماذا يفرق معكِ بتلك الطريقة، لكن على كل حال حدث ما اردتيه.

انفعلت هاجر وهي تحرك راسها بنفي:

-لم تفعل شيء يا يونس، كل ما في الأمر أنك كسرت مراد.

نظر لها وهو يعلم ما يدور بعقلها، حبها لمراد يجعلها تشعر بالحزن لحزنه، ابتسم ساخرًا وهو يحرك رأسه نافيًا:

-هاجر عليكِ أن تدركي أن مراد أحب تلك الفتاة بصدق، لهذا السبب هو حزن، كل ما يحدث له لا يمكنني أن أساعده ولا يمكنني أن أمحيه إلا بعودتها.

جلست أمامه بانفعال وغضب شديد يظهر على وجهها:

-لا أريد لتلك الفتاة أن تعود يا يونس، هو سوف يعتاد على غيابها، أريد أن يقترب مني أنا في هذا الوقت وليست هي.

ابتسم يونس ساخرًا، حرك وجهه بتهكم وهو يرمقها بضيق:

-لا أعلم كيف تفكرين يا هاجر، أراهنكِ لا يوجد لديكِ كرامة.

رمقته هاجر بضيق شديد والغضب يندلع من عينيها ومن ثم تركت الغرفة وخرجت، مازال عقلها مشتت، مازالت عاجزة عن التفكير، لا تعلم كيف يمكنها أن تتعامل مع مراد وهي تراه يعشق فتاة أخرى!

أخذ بدر نفس عميق ومازال مراد يقود السيارة، ينظر حوله على أمل أن يجدها في مكان ما، يتوقف من حين لآخر ليسأل البائعين عنها لعل أحد يدله على مكانها، لكنه يعود خائب الأمل، يحاول أن يواسيه بدر، لكنه يعلم أن لا فائدة من كل هذا.

في هذا الوقت وفي مكان آخر وصلت يلديز مع الرجال إلى منزل فاخر، لم يتوقف جسدها عن الأرتجاف، كانوا يتعاملون معها بعنف زائد، يدفعوها بقسوة كلما حاولت المقاومة، لم تتوقف دموعها عن السيل على وجنتها، تحدثت بألم وهي تصرخ بهم:

-دعوني أنا لا أريد الذهاب معكم، لماذا تفعلون هذا وما الذي تريدوه مني أنتم؟

صفعها الرجل الذي قام بضرب البائع بينما الآخر سحب شعرها بغضب وتحذير:

-لا نريد لصوتكِ أن يتعالى هل فهمتي؟ اخفضي صوتكِ وإلا سوف تفقديه إلى الأبد.

كانت تبكي ومازالت تصرخ وتحاول دفعهم، قبل أن يعيد ضربها سمعوا صوت جعلهم يقفون في مكانهم والقلق يحتل وجوههم:

-دعوها.

تركوها على الفور وهي ترى هذا الرجل ذات البذلة السوداء والشعر الفحمي يقترب منها بتمهل، علمت أنه رجل يخشاه الجميع، تعجبت من هذا ولكنها تحدثت بصوت مرتجف:

-أنا أريد الخروج من هنا، لقد اخطتفوني وأنا..

رفع يده محذرًا إياها:

-لا تتحدثي، من تكون تلك يا حسام ولماذا أتيت بها إلى هنا؟

اجابه من اختطفها وهو يتحدث بصوت شبه مرتجف:

-لقد وجدتها أمام شاطئ العجمي، تجلس وتنام في نفس المكان، يساعدوها البائعين، لا أحد لها وفي الحقيقة لا أعرف قصتها، سمعت البعض من حديثها وظننت أنها مجنونة، لكن في كلا الحالتين يمكننا الإستفادة منها.

قامت يلديز بضربه بقوة وهي تدفعه:

-لست مجنونة، أنتم المجانين ولا أريد أن أبقى هنا، دعوني أعود حيث كنت ولا شيء يخصكم.

أمسك حسام بزراعها والغضب يندلع من عينيه:

-توقفي عن التعامل بتلك الطريقة، أنتِ كنتِ منهارة في البكاء طوال اليومين وحالتكِ كانت تزداد سوءً.

تحدث الغريب بصوته القوي من جديد:

-حسام اتركها الآن، لا تفعل شيء من رأسك.

دفعها لتكاد السقوط وتتمسك به، نظر لها بعينيه الرومادية بحيرة:

-لا تبدين من هنا.

اعتدلت ودموعها تتساقط، نظرت له برجاء وهي تشعر بالخوف الشديد، نظراته لم تزيدها إلا رعبًا:

-أريد الخروج من هنا إذا سمحت، هم اختطفوني وأتوا بي إلى هنا، لا أريد هذا وأريد العودة إلى الخارج.

تحدث الغريب وهو يشير لهم بالخروج:

-إلى أين سوف تذهبين؟ الشارع ليس مكان آمن لأمثالكِ، اخبريني ما اسمكِ؟

استفاقت على صوت إغلاق الباب قبل أن تجيبه، اسرعت بالاقتراب من الباب وهي تصفعه بقوة:

-اجعلهم يفتحوا الباب، لا تغلقوه أنا أريد الخروج من هنا أرجوكم، لا يمكنني البقاء هنا.

اقترب منها وتحدث بثباته وصوته القوي المعتاد:

-لا داعي للفزع يا فتاة، اخبريني ما اسمكِ ومنذ متى وأنتِ بالخارج؟ ملابسكِ لا توحي أنكِ متشردة ألست محق؟

نظرت له وقد كاد يسمع نبضات قلبها:

-أستطيع أن أرى خوفكِ الشديد هذا، لكن لا بأس كل شيء سوف يكون على مايرام معي، سوف أوفر لكِ الراحة وسوف تعملين معي.

لم تتوقف دموعها عن الهبوط، اقترب منها ومازالت روماديتيه تحدق بها، قبض على خصلاتها الحمراء دون أن يؤلمها:

-لا تبقي صامتة وتحدثي إليّ كما أتحدث إليكِ، ما اسمكِ؟

اجابته بصوت مرتجف وهي تطالع هيئته المريبة بالنسبة لها:

-يلديز هذا هو اسمي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي