3

بدأ عمر يروي له قائلا: كل ما هنالك انني كنت انا واختي نعبث بكتاب وجدناه في ورشة ابي وكان الكتاب يبدو غريبا ومشوقا ايضا.

كان داخل صندوق خشبي غريب وعندما فتحته كان به بعض العبارات التحذيرية، لم آخذ الامر على محمل الجد، تصفحت الكتاب قليلا وعندما قرأت اول صفحة حدث امر غريب وكأننا انتقلنا في الزمن وعدنا إلى الوراء.

زيد: امر غريب حقا، انه اغرب من الخيال حتى، ولكن اخبرني من اي عام انت؟
أجابه عمر: من عام ألفين وأحد عشر ميلادية

نهض زيد من مكانه متعجبا مما قاله عمر له وقد بدا الاندهاش عليه وقال: اتعقل ما تقوله يا عمر!؟

استغرب عمر الحال الذي أصاب زيد: ما بك، لقد اخبرتك انني لست من هذا الزمان منذ البداية.

رد زيد ودهشة لم تزول عن تقسيمات وجهه: اجل اعرف ولكن لم اكن اتصور ان هناك زمناً ممتداً حتى ذلك العصر(ثم قهقه)

عمر: هل انت جاد؟

هنا خطر في بال زيد سؤال وقال: اتعرف في اي عام نحن الان؟
قال عمر: ليس بالضبط ولكن اظن انه العام الثمانمائة ميلادية اليس كذلك؟


صحح له زيد معلومته وقال: انه العام سبعمائة وعشرين ميلادية يا صديقي

تربعت ذات الدهشة على وجه عمر: يا إلهي هذا يعني انني في بداية فتح هذه البلاد
قال زيد: عجبا لك انت اغرب ما حدث لي في حياتي يا فتى.

تنهد عمر وقال: دعنا من هذا كله اريد ان اجد اختي يا زيد.


قال زيد له: ستفعل، لا تقلق ولكن الان يجب عليك ان تحاول ان تحمي نفسك وتبصر اين موضع قدميك قليلا.

تمكنت الحيرة من رأس عمر وقال: يا إلهي انا حقا حائر في امري ولا ادري ماذا يجب ان افعل.

هون زيد عليه الأمر وقال: عليك ان تجد اختك، ومن ثم تعيشان حياتكما هنا.

استنكر عمر الأمر: هنا! ولكن كيف؟ انا لست من هذا الزمان يا زيد

سأل زيد: وهل تعرف كيف تستطيع العودة إلى زمنك المستقبلي!

لم يكن لدى عمر إجابة: وما ادراني انا؟
زيد: إذا عليك فعل ما قلت لك
عمر: يا إلهي أنا في وضع سيء جدا.

زيد: لا تقلق كل شيء سيحل ان شاء الله كل ما عليك هو ان تتوكل على الله فقط

بدا التعب على عمر فقال: اتعلم انا بحاجة لبعض الراحة، هل اجد مكانا استريح فيه بضعة دقائق؟

أومى زيد رأسه وقال: طبعا اذهب إلى تلك الغرفة انها فارغة وفيها كل ما يلزمك يا عمر. لا تنسى ان تغير ملابسك فهي مبللة من المطر وسوف تمرض ان بقيت ترتديها.

قال عمر: شكرا لك يا زيد انا حقا مدين لك يا صديقي

زيد: ارتح قليلا وعندما تعود سأخبرك بما يجري حولك لعلك تهتدي إلى طريق ما.

هز عمر برأسه يومئ بالموافقة، ثم توجه إلى تلك الغرفة لينال قسطاً من الراحة.


في الوقت الذي كان في عمر نائماً كانت ماريا قد وصلت إلى هذه الأرض الغريبة أيضا، استيقظت لتجد نفسها ملقاةً على الارض في إحدى جنبات المدينة.

عند بداية الغابة فتحت عينيها بصعوبة كأنما استفاقت من غيبوبة بعدما تلقت ضربة على قوية على رأسها.

لم تكن لدى ماريا أي فكرة عما جرى، والأسوأ أنها لم تكن تعلم ما سوف يجري لها بعد قليل من الوقت.

تلفتت حولها تحاول استيعاب ما تراه، اشجار صنوبر عالية بل شاهقة العلو، ومروج واسعة كأنها في احد بلاد القارة الاوربية التي كانت تشاهدها في التلفاز.

ظنت انها في حلم او لربما اصابها مرض ما جعلها تهلوس، اعتدلت بجلستها بعد ان اتكأت على يديها لترفع جسدها النحيل المتعب والمرهق.

مدت قدميها قليلا امامها وهي تنفض الاتربة والاعشاب اليابسة من على ثوبها الأزرق اللون، وجهت يدها تتحسس ضفيرتيها الشقراوتين الصغيرتين اللاتي صنعتهما امها لها في صباح هذا اليوم.

ونهضت لترى اين هي فوجدت نفسها على تلة صغيرة مطلة على قرية غريبة الشكل عجيبة المظهر، كأنها قرية من تلك القرى التي يسكنها شخصيات البرامج الكرتونية أو ما شابه.

لم تستوعب ما الذي يجري وتذكرت انها كانت قبل ثوانٍ معدودة فقط كانت تجلس مع اخيها عمر في غرفتهما الخاصة.

تلفتت حولها تبحث عنه ولكن لا جدوى، ليس هنا ولا احد ايضا هنا سواها، شعرت بالوحشة والقشعريرة تتسلل إليها من ذلك المكان الموحش.

فنهضت من فورها وقررت نزول التلة والذهاب إلى تلك القرية لتبحث عن من يساعدها لكي تعود إلى منزلها.

سارت بخطى متعثرة تارة وبخوف تارة اخرى، فالشمس بدأت تغيب وتلك الريح الباردة تلفح العشب وتتخلل بين اغصان الاشجار لتصدر صوتا مخيفا مرعبا كصوت الاشباح.

لفت نفسها بيديها وهي تحاول تدفئة نفسها واكملت مسيرها نحو القرية، كان كل شيء غريب حولها، لا شيء مألوف أبدا بالنسبة لها ولكن ليس لديها خيار آخر.

"مهما يكن سيكون افضل من ان ابقى وحيدة هناك"
قالت في نفسها وهي تقنعها بأن المضي نحو المجهول خير من البقاء وانتظاره.

وصلت إلى بداية تلك المنازل، والتي يبدو عليها انها خالية نوعا ما، كل البيوت مصنوعة من الطين اللبن ولا اثر لأي شيء يتعلق بمدينة ماريا

فأكملت المسير في ذلك الطريق الحجري متوجسة، تنظر حولها لعل أحد ما يراها ويسألها اي شيء.

سارت قرابة الربع ساعة في أحد الشوارع ولم تصادف اي احد، كأن اهل القرية قد رحلوا جميعا وهجروها.

في تلك اللحظة وعندما بدأ قلب ماريا بالخفقان اكثر وتعالت ضرباته وكأنه يريد أن ينخلع من مكانه ويسقط على الارض سمعت ذلك الصوت الذي جعلها ترتجف من الخوف.

لم تجرؤ حتى إلى الالتفات عندما سمعت صوت نباح ذلك الكلب والذي بدى انه ضخم جدا من صوته، لم تنتظر حتى ترى او تلتفت، فتحت ذراعيها كأنها تركض إلى حضن احدهم وركضت بكل ما اوتيت من قوة.

علا نباح الكلب وتسارع فعلها صوت صراخ ماريا وتحول إلى بكاء وخوف فأغمضت عيناها وقد فاضت من الدموع واكملت تركض في الطريق.

لحسن الحظ أن ذلك الكلب كان مقيداً بسلسلة حديدية ولم يستطع اللحاق بها، استمرت بالجري والبكاء حتى اصطدمت بذلك الجسم الصلب.

ارتطم وجهها به والتفت ذراعاها حوله لتفتح عينيها متألمة لترى ما هو، التفت ذلك الرجل إلى الخلف ليرى ماذا جرى.

ليجد امامه فتاة ربما في الرابعة او الخامسة عشر من العمر وقد اصطدمت بقدمه، رفعت ماريا رأسها تنظر إلى الواقف امامها لترى رجلا طويل القامة غريب الشكل يحدق بها متعجبا.

ممسكاً بيده عصا طويلة جدا وفانوساً، وعلى ظهره بعض الأشياء الغريبة التي لم تستطع ماريا معرفة ماهيتها بعد.

فزعت من شكله وتراجعت إلى الخلف لتسقط على الأرض على مقعدها بقوة، نهضت على الفور وهي تمسك اسفل ظهرها وتتأوه من الألم.

انحنى الرجل قليلا من الفتاة التي تقابله ليرى من هي، دقق النظر ليجدها فتاة غريبة الشكل عجيبة اللباس، لا يبدو عليها أنها من هذا المكان.

اما ماريا فقد اجتمع في قلبها رعب الدنيا كلها وجعلت تتراجع إلى الخلف دون ان تلتفت إلى الوراء ابدا، كانت تتمتم بعبارات غير مفهومة او مسموعة بالنسبة لذلك الرجل.

فتوقف هو عن المشي اتجاهها وقال: من انت ايتها الفتاة؟!
توقفت ماريا عن التراجع وصمتت ولم تجب بأي شيء.

فأعاد الرجل سؤاله وكرره قائلا: ما هو اسمك!

استجمعت ماريا كل ما تبقى لديها من قوة لفك تلعثمها وشهقت مخرجة مافي داخلها من زفير على شكل كلمات وقالت: انا ماريا ابنة نزار الخطاط.

شعر الرجل بالغرابة حيال تلك الطفلة "ليست من هذه البلاد فلكنتها مختلفة عن اللكنات في كل الممالك المجاورة ولا تشبه أي واحدة منها"

قال ذلك وهو يحدث نفسه ويدس يده في شعره يفركه محاولا فهم ماذا يجري هنا، همهم قائلا ثم سألها مجددا: من أي مملكة انت يا فتاة؟

ماريا لم تفهم سأله، فقالت له بتلقائية: ااه مملكة؟ ماذا تعني!

اغمض الرجل عينيه وفتحهما مرارا وتكراراً معبراً عن دهشته لما سمعه وقال: ممالك_ أي من اين انت؟

أجابت ماريا بصوت خافت: انا من سيناء_

اتسعت حدقتا عيني الرجل وقال بدهشة: من سيناء! أي انك مصرية!

هزت ماريا رأسها وقالت دون ان تفتح شفتاها قيد انملة: ءممم.

استقام الرجل في وقوفه بعد أن تعب ظهره من الزيت الذي كان يحمله عليه، يحاول تفسير ما الذي يجري وقال: أين هم أهلك! هل تهت عنهم مثلا؟

قالت له ماريا وقد تدلت شفتها السفلى: لا ادري انا لا اعلم شيئاً
الرجل: عجبا لك كيف وصلتِ إلى هنا؟
قالت له وهي حزينة: اخبرتك لا ادري، فتحت عيناي ووجدت نفسي على تلك التلة.

رسم الرجل في رأسه تفسيرا لما قالته الفتاة ووضعها أمام خيارين اثنين في قرارة نفسه وهو يقول "إما انها ابنة احد التجار وقد ضلت وفقدها أو انها_

نفض رأسه يحاول طرد تلك الفكرة المجنونة من رأسه
وقال: اخبريني اين كنت قبل الأن؟
أجابت ماريا بكل ثقة: في سيناء طبعا.

الرجل: كنت في سيناء والان انت هنا ولا تعرفين كيف وصلتِ إلى هنا، هذا يعني انك بلا مأوى حالياً.

هزت ماريا موافقة وقالت بصوتها البريء: اريد ان ابحث عن ابي واخي وامي.

الرجل بنبرة فيها طمأنينة: سنفعل ذلك وعلى الارجح هم يفعلون ذلك الان، ولكن الظلام سيهبط بعد قليل، لذلك ما رأيك ان أصحبك معي إلى منزلي؟

شعرت ماريا ببعض الخوف فكم وكم شددت والدتها عليها بالتنبيه بأن لا ترافق احدا غريبا إلى أي مكان، بقيت صامتة ولم تجب بأي شيء.

فعلم الرجل انها خائفة من الذهاب فمد يده لها وقال: هيا تعالي ستسعدين برؤية بناتي وستكونين بأمان معهن.

تكلمت ماريا بعفوية قائلة: ولكن اليس لديك هاتف؟ اريد ان اتصل بأبي
نظر الرجل إلى ماريا غير مدرك لما قالته اطلاقاً وقال: ماذا؟ هاتف؟

كانت ماريا مستغربة حاله أكثر وقالت: نعم أليس لديكم هاتف هنا؟
رد وقال الرجل: لا اعرف شيئا بهذا الاسم ولا أعرف عما تتحدثين، ولكن اظن ان بناتي سيساعدنك لا تقلقي.

ظن الرجل ان الفتاة ربما تهذي او سمعت قصة خيالية ما فأتت منها بفكرة "الاتف" "الباتف" هز رأسه وهو ينفض ذلك الاسم الغبي الذي لم يستطع تذكره لغرابته.

ثم أضاف الرجل وقال: استطيع ان اتركك هنا كما تشائين، ولكن ربما يحدث لك مكروه، فالليل قد اتى والجو بارد واخشى عليكِ من وحوش الغابة يا صغيرتي.

وجدت ماريا نفسها مضطرة للذهاب معه كما عرض عليها، فهي حتماً لن تنام هنا في الطريق وفي هذا المكان الموحش.

مدت يدها إلى يده وسارت معه متخطية تلك المنازل.

نظر الرجل إلى ماريا وقال: انا اعمل "سرجياً"
سألته ماريا: وما معنى سرجيّ؟

بدأ الرجل يحدثه عن عمله كي لا تمل أثناء سيرهما: يعني أنني اضيء السراج في أول الليل وقد بقي أمامي القليل، يجب أن أشعلهم قبل ان أعود إلى منزلي، سترافقيني وانا اشعلهم علنا نجد والديكِ ونحن في الطريق إلى المنزل.

وافقت ماريا على ما قاله الرجل وجعلت تراقبه كيف كان يتوقف عند باب كل منزل وينزل ذلك السراج ليصب الزيت فيه ويشعله فينير المكان من حوله.

وهكذا واحدا بعد الاخر مضى الوقت ماريا تمشي بقرب الرجل لا تبتعد عنه خطوة واحدة حتى.

شعر الرجل بالحزن لأمر تلك الفتاة التائهة وهو يقول في نفسه "لابد انها من مكان بعيد وعائلة مرموقة ايضا هذا ما يبدو عليها من شكلها وشكل لباسها الغريب."

قال الرجل متودداً لها: لم تخبريني كم عمرك يا ماريا؟
أجابته ماريا: عمري اثنتا عشر عام وبعد شهر سأدخل في الثالثة عشر.

قال الرجل والابتسامة على وجهه: جميل جدا ما شاء الله، لم تخبريني لماذا كنت تركضين عندما التقيت بك؟

عقدت حاحبيها وهي تتذكر ما حدثت ثم قالت: كان هناك كلب ينبح وخشيت ان يعضني يا عم.

همهم الرجل وأكمل عمله حتى وصل بعد عدة دقائق إلى منزله، وقف امام الباب وطرقه ثم قال: هذا هو منزلي يا ماريا سيكون منزلك ريثما نعثر على عائلتك.

كانت ماريا قد تناست قليلا من امر أنها تائهة وعادت لتذكر من جديد وتدور في رأسها الأسئلة، اين امي، اين عمر، واين انا، كيف وصلت إلى هنا؟!

فتح الباب ونظرت ماريا الواقفة بجانب الرجل إلى الداخل لترى ما هو أعجب مما كانت تراه في الخارج.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي