11

نهض خالد من مكانه بعد أن التمس لدى مأمون الموافقة وهم خارجاً من المنزل، أما مأمون فقد ذهب إلى ابنته وزوجته كي يخبرهم بما جاء خالد طالباً إياه.

كانت الفرحة بادية على وجه مأمون والسعادة تغمر قلبه وقد استبشر خيراً بمجيء خالد إليه بدل أن يتلاعب في ابنته كما صار حال أكثر الشاب في هذه الأيام.

طرق باب الحجرة ودخل كانت قمر جالسة على سريرها ممسكة بأحد كتب الشعر تقرأ به محاولة إخفاء كل تلك المشاعر الهائلة التي انتابتها فور رؤيتها لخالد.

اعتدلت قمر في جلستها عندما رأت والدها يقف عند الباب وطوت الكتاب قائلة وابتسامة رقيقة على وجهها: أهلاً أبي تفضل.

دخل مأمون متبسما كالعادة بوجهه البشوش الرحيم وقال: أتعلمين ماذا كان يريد خالد يا ابنتي؟!

تظاهرت قمر بعدم معرفة أي شيء وحركت رأسها مبرزة شفتيها تجيب بالنفي وقالت: لا فكرة لدي، ما الذي كان يريده! عسى أن يكون خيراً، ولم تقع أي مشكلة.

وضع مأمون يده على كف ابنته وضمه ثم قال بكل حب وعطف: لقد أراد كل الخير يا قمر وقد أتى طالباً يدك للزواج!

لم تستطع قمر أن تحافظ على هدوئها فظهرت تلك الابتسامة العريضة الخجولة مشوبة بكم هائل من السعادة التي غمرت قلبها، ولم تستطع النظر في وجه والدها فغطت وجههاة بكفيها تحاول أن تستعيد رشدها.

ضحك مأمون من ردة فعل ابنته وقال: أجل لقد قال أنه معجب بك وبتربيتك وأخلاقك، ويريد أن تكوني زوجته

لم تقل قمر أي شيء وبالكاد استطاعت ابتلاع ريقها فتبسم مأمون وقال: حسناً إذاً أفهم من تعابير وجهك انك موافقة على خالد إذا.

ازاحت قمر يديها وقد بدا وجهها الذي تحول من البياض الشديد إلى الاحمرار الأشد وقالت بصوت خافت: كما تريد يا أبي، لا رأي يعلو على رأيك، افعل ما تراه مناسب.

ومع ذكر كلمة الرأي تظهر هند من حيث لا يعلم أحد، فتحت الباب ودخلت دون أن تعلم بأي شيء، نظرت إلى ابنتها وزوجها وقد جلسا تلك الجلسة الخاصة بهما.

والتي تعني انهما إما يخططان لأمر ما أو أنهما يتحدثان عنها بسوء! هذا ما كان قد تقرر في ذهنها دون أن يكون هناك حتى مرة واحدة حصل فيها ذلك.

اقتربت هند تجفف يديها من الماء بردائها وقالت مستهزئة: ماذا أرى هنا؟ منذ متى ومأمون زوجي يجلس مع ابنته! أنا لا أصدق! لا بد وأن هناك أمر مهم حقاً

نظر مأمون لها بقلبه الطيبةقبل عينيه وقال: تعالي واجلسي يا هند هنالك أمر مهم يجب أن نتحدث به.

بدأت هند تجمع الملابس من هنا وهناك وأجابت دون اهتمام: هات ما لديك أنا استمع.

نظر مأمون إلى ابنته وكأنه يقول "انظري كم هي مهتمة" كرر مأمون كلامه وقال: تعالي الأمر يخص ابنتنا.

تركت هند تلك الألبسة التي كانت تحملها ورمت بها على الأرض ثم أسرعت إلى القرب من زوجها وقالت: امر مهم! ما هو يا مأمون؟

أجاب مأمون متحمساً: لقد جائنا خاطب جديد لقمر ويبدو عليه أنه من ابناء الخير والأصل التليد.

ظهر التشوق على وجه هند قائلة: وما هو عمله!

أجابت قمر على سؤالها والفرح يملأها: انت تعرفينه يا امي؛ انه الشاب الذي يملك الحقل المجاور لمنزلنا!

توسعت حدقات عيني هند وهي تقول باستغراب : خالد!؟

لتجيب وقمر وبها من من الحماس والفرح ما بها: أجل يا أمي أنه خالد.

عادت ملامح الضجر والسخط على وجهها وخاب ظنها عندما علمت أن زوج ابنتها سيكون فلاحاً وقالت: خالد المزارع؟!

تحولت نبرة مأمون إلى الجدية والحزم وقال: وما به المزارع يا هند؟ إنه والله من خير الرجال، أم أنه ليس رجلاً أيضاً!؟

لترد هند بتأفف وضجر: لم نقل شيئا ولكن، هناك أفضل منه وأنسب لابنتنا أيضاً

مأمون بنبرة حادة: مثل من؟
هند وهي تتخيل ما تقول: تاجر مثلاً أو ربما أمير أو حتى ابن تاجر غني.

بدأ مأمون بالصراخ منفعلاً بسبب كلام هند الأهير ويقول: إذاً ما الذي يهمك يا هند؟ المال والسلطة!؟ لن ينفعنا ماله وسلطته إن كان عديم الشرف أو الأخلاق ولن تأكل ابنتنا المال إن كان بخيلا كذلك.

أجابت هند بصوتها العالي مستهزئةً: لقد ولى ذلك الزمان يا مأمون؛ زماننا هذا هو للمال والسلطة والقوة أما باقي التفاهات فلا وزن لها هذه الايام.

توقف مأمون للحظة وقال متفاجئا مأمون: ولماذا قبلت الزواج بي إذا؟!
هند والجدية واضحة في كلامها: زواجي كان بك فلتةً يا مأمون فلا تضرب به المثل.

تعجب مأمون وتعجب مما سمع من زوجته وقال: انا! يقال مثل هذا لي يا هند!؟

لم تنتبه هند لكلماتها اللاذعة واستمرت بالتكلم دون حساب قائلة: انت لم تحرمنا شيئاً يا مأمون ولكن كان هذا على حسابنا ونحن قبلنا بما كنا عليه؛ من سيقبل أن يعيش بكوخ كهذا؟؟

بل من سيقبل أن يدفع ابنته للعمل خارج المنزل؟ الناس اليوم اصبحوا لا يعملون في منازلهم وقد صار لكل بيت خادمة وعبد.


كان النقاش يحتدم بين الزوجين وقمر جالسة تستمع لهما دون أن تملك فعل اي شيء، إنه النقاش المعتاد لدى هند وزوجها عند كل مرة يتقدم فيها شاب لخطبة قمر.

وكالعادة هند ترفض وقمر تخسر ومأمون لا يجد لزوجته حلاً يرضيها، لم تستطع قمر أن تبقى مكتوفة اليدين تراقب والدتها وهي تفسد لها حلمها الذي كانت تتمناه

انتظرت حتى انتهاء ذلك اليوم وفي اليوم التالي، ارتدت ثيابها وتجهزت للخروج إلى العمل، لم تصل حتى باب المنزل إلا ووالدتها قد سبقتها إلى هناك.

وقفت هند باب المنزل تسده على ابنتها كي تمنعها من الخروج، لم تستوعب قمر في البداية ما الذي يجري فوقفت متعجبة أمام والدتها.

واضعة يديها على خصرها تنتظر وصول ابنتها كي تبدأ بتكرار هوايتها وهي إفساد كل شيء جميل، لم تنتظر وصول ابنتها حتى قالت: إلى اين يا قمر؟!

أجابت قمر ببدهية قائلة: إلى العمل طبعا!
أجابتها هند بحزم وشيء من الغضب: لم يعد لديكِ عمل عودي إلى الداخل
شعرت قمر بالصدمة من كلام والدتها وقالت: ما الذي قلتيه؟!

هند تعيد ما قالته: ألم تسمعي ما قلته لكي ليس لديك عمل بعد الأن عودي إلى غرفتك هيا بسرعة
أجابت قمر مر مصدومة من فعل والدتها: ولكن_ ولكن ابي موافق على عملي!

كان صبر هند قد بدأ ينفذ: وما يهمني في ذلك؟ انا لست موافقة ولا داع لعملك هيا عودي يا فتاة!

سمع مأمون الجدال الذي يدور وهو جالس في غرفته فخرج ليرى ما الامر.

وصل مأمون وهو يضرب بيديه ويصفق منزعجاً وقال والضجر بادٍ من كلامه: ما الذي يجري هنا يا هند!
أجابت قمر بصوت مختنق: ابي! أمي لا تريدني أن أخرج للعمل!

التفت مأمون إلى زوجته وقال: أحقاً ما قالت قمر!
هند وقد أغمضت عينيه مقتنعةً: أجل _
تنهد مأمون وقال لها: دعيها تذهب فقد ضجرت من الجلوس في المنزل.

فتحت هند عينيها بذهول وقالت: وهل هي ذاهبة في نزهة! إنها ذاهبة إلى ذلك البستاني، "خالد!"
مأمون وهو يزداد غضب من كل كلمة تتفوه بها زوجته: وماذا في ذلك! كل فتيات القرية يعملن عنده.

لتجيب هند وهي تعد على أصابع كفها أسبابها الخاصة: في ذلك انه اراد خطبتها ونحن لم نوافق، ومن يدري ماذا يمكن أن يفعل ربما سوف يؤذيها!

بلغ حد الصبر منتهاه وقال مأمون وهو يبعد الشياطين من أمام وجهه كي لا يفتك بها: خالد اعقل من ان يفعل ذلك، هيا افسحي الطريق وكفاك جدالاً يا امرأة!

وجدت هند نفسها مجبرة على تنفيذ أمر زوجها على الرغم من كرهها لذلك وفتحت المجال لقمر كي تخرج رغما عنها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي