الفصل الرابع اا حفلة الزفاف

”يا إلهي! لوليتا، إنّكِ تبدين جميلة ورائعة للغاية“
قالت جولي والدة لوليتا بسعادة وعيون دامعة وهي تشاهد ابنتها في ثوب الزفاف الأبيض، كانت تبدو مثل الأميرات.

حضنت سوزان صديقتها من الجانب وقالت:
”لا يجب أن نجعل العروس تبكي يا خالتي!“

بعد طرقات خفيفة على الباب دخل جاد والد لوليتا. التفتت لولا نحوه بعد أن شاهدت إنعكاس صورته عبر المرآة التي أمامها. كان وجهه حزين ولا يكاد يقوى على النظر لعينيها، كان يشعر بالخجل لشعوره إنه قد تسبب في زواج ابنته بهذه الطريقة. أو هذا ما خطر في عقل لولا.

ابتسمت له تحاول مسح ملامح الحزن من وجهه وقالت وعينيها ممتلئة بالدموع:
”أبي، لما لم ترتدي ربطة عنقك الزرقاء، إنها تليق مع بدلتك هذه!“

وقف أمامها يتأملها بحب أبوي وقال:
”أنا لست فخوراً بزواجك بهذه الطريقة، كنت اتمنى أن ….. “
ثم زفر نفس عميق وكأنه يمنع نفسه من التفوه بأشياء لا يرغب بها بعد أن نكزته زوجته دون أن تلاحظها لولا، ثم أضاف بابتسامة لم تصل إلى عينيه: ”ولكن رائف شخص جيد وسيعتني بكِ جيداً، كما إنكِ ستتخلصين من حياة الفقر“

كان يريد طمئنتها فهو بالفعل يرى رائف شخص جيد رغم مزاجه الصعب. وأيضا قد حان الوقت لتحقيق وعود الماضي.

ولكن لولا قالت في سرها هازئة؛ فبعد آخر لقاء لها معه أدركت أي وحش عديم الرحمة ستتزوجه: ’أجل يا أبي إنه جيد، جيد جداً لدرجة دفعني للإمضاء على عقد عبودية. ولك أن تتخيل ذلك؟‘
فكرت إن نطقت بهذه الكلمات ما ستكون ردة فعل والدها؟؟

ثم عادت بها ذاكرتها لذلك اليوم بعدما غادرت المقهى وتركته. تذكر حينها في المساء وهي تتحدث إلى مالك عبر الهاتف، حيث أصر الأخير على مهاتفتها رغم صدها له عدة مرات. ولكن قلبها حن له ولصوته. وفي تلك الليلة دخل عليها رقم غريب في الانتظار. لم تهتم به واستمرت في التحدث إلى مالك واقناعه بأن ينساها وإن مصيرها قد تحدد، وإن قدرهما منذ البداية غير مخلوقين لبعضهما البعض. ثم وصلتها رسالة من الرقم المجهول نفسه مفادها:
[أجيبي، رائف]

كانت كلمتين باردتين فقط داخل الرسالة، ولكنها شعرت بارتعاشة في كامل جسدها ووهن في يديها ما أن قرأت الرسالة ولا تعرف سبب هذا الانفعال. قررت أن تتجاهله واستمرت في الحديث مع مالك ولكن حديث دون تركيز. فكامل عقلها كان مع الرقم الذي يتصل بها، ثم لم تتحمل الضغط النفسي أكثر فقالت لمالك:
”وداعاً مالك، لنتحدث في الصباح لا أريد أن أتسبب لنفسي بمشكلة إن شاهدتني والدتي أحدثك مجدداً“
وفورا بعد إنهاء مكالمة مالك فتحت المكالمة مع رائف وظلت صامتة، لم تعرف ما تقول وهي تشعر بثقل في أطرافها ودقات قلبها تتسارع، ولكنها قررت أن تهزبه على اتصاله بها في هذا الوقت المتأخر. فهي لن تدخر فرصة للانتقام منه ولو بتفاصيل صغيرة.

قال رائف بصوت عميق شعرت إنه اخترق حواسها:
”هل فكرتِ في موضوع العقد؟“

رغم إنها فكرت وقررت إلا إنها قررت إنها يجب أن تلعب بأعصابه كما فعل هو سابقا.
”إنها الساعة الواحدة بعد منتصف الليل! ليس من اللائق الاتصال بالأشخاص في مثل هذا الوقت!“ قالت بتذمر واضح في صوتها متعمدة أن تشعره به.

”صحيح! ولكن أنتِ كنت مستيقظة وتتحدثين عبر الهاتف!“
كان صوته الرخيم عبر الهاتف قد جعل يديها ترتعش، يبدو دافئ وعميق، حاولت التركيز في المحادثة وعدم تشويش مشاعر الكره وقالت:
”كنت أتحدث إلى صديقة!“
لا تعلم لما كذبت، وبعد أن أخرجت هذه الجملة من فمها ندمت، ولكنها ما لبثت أن تراجعت عن ندمها، فهكذا ستصل له فكرة إن المقربون فقط مسموح لهم بالاتصال بها، وهو ليس واحداً منهم.

ولكنه خرق توقعاتها وقال لها متجاهلا تعليقها:
”هل ستوقعين العقد؟“
سألها وكأنه لا يهمه لمن كانت تتحدث. وكان بالفعل لا يهتم. فكل ما يهمه الآن هو أن يحصل على ما يريد ويحقق هدفه. فهذا هو رائف؛ عنيد، قاسي، لا يهتم للمشاعر.

تنهدت باستسلام وقالت بصوت حزين رغم جهودها ليكون واثق، ولكن حزنها على مالك يجعلها ضعيفة جدا وحساسة:
”إحمم.. لم تترك لي خيار، ولكن لدي شرطان أريد إضافتهما“

قال بسرعة: ”ما هما؟“ كان هناك صوت امرأة تتحدث بقربه جعلها تتوتر، قالت بصوت متلعثم:
”أ.. أ.. أريد أن أنهي دراستي في الجامعة حتى لو كنت حاملا في ذلك الوقت“

ورغم إنها لا تراه ولكنها متأكدة إنه ابتسم ابتسامة جانبية ورفع حاجبه المضروب في سخرية، وكان هذا بالفعل ما فعله، ثم قال بارتياح إنها وافقت على العقد المجنون:
”وشرطك الآخر؟“
”أن تودع مبلغ شهري في حساب والدتي كل بداية شهر“

صمت قليلا وقال:
”إمممم، المزيد من الدفع، حسنا لا بأس ليس لدي مشكلة، هل هناك أمر آخر؟“

”لا“

”حسنا، سيأتي المحامي غدا لمنزلك ومعه العقد لتوقعيه“

قالت بسرعة:
”لا لا لا، أرجوك، لا تدعه يأتي للمنزل سألتقي به في مقهى قريب، لا أريد لعائلتي أن تعرف بخصوص العقد، وأيضا المبلغ الشهري لا يجب أن تعرف والدتي إنه ثمن العقد، إجعله هدية شهرية منك“

”حسنا، كما تشائين!“
قال لها والضوضاء بجانبه مرتفعة ثم أضاف بصوت عالٍ قليلا:
”ذكريني كم عمرك؟“

سمعت صوت انثوي ناعم بجانبه يقول بضحك، ”أنت لا تعرف حتى عمرها!!؟“

أجابت على مضض وهي تشعر بتوهج وجهها، فلم تعتقد إنه سيسمح لأحد بالاستماع لمثل هذه المحادثة بينهما. هل يعقل أن يكون لهذه المرأة مكان مميز في حياته!!،
”أنا في الثامنة عشر!“
دفعت تلك الأفكار في مؤخرة رأسها فهي لا يهمها مع من يسخر ومن المقربين له!

قال باختصار:
”جيد، تصبحين على خير الآن!“ وأقفل الخط بكل بساطة دون حتى أن ينتظر إجابتها.

طوووط.. طووط!

حدقت في الهاتف مطولا وهي مصدومة، ثم فكرت ’يا للوقاحة!‘

أما رائف فقد كان مع أصدقائه في حفلة عيد ميلاد يشعر بالملل بينما روزي قريبته تحاول التحدث معه والتقرب منه بأي وسيلة، خصوصا بعد علمها بأنه سيتزوج. كانت قد وضعت الكثير من الآمال والأحلام بأن تتزوج هي به.

التقت لولا في اليوم التالي بالمحامي خاصته والذي سألها هو بدوره أيضا عن عمرها وطلب بطاقتها الشخصية ليتأكد، ثم أعطاها العقد ووقعته.
حينما وقعت لولا العقد شعرت بشعور غريب، ثقل نزل على صدرها وكأنها قد تخلت عن شيء ثمين!

عن حريتها!!

عادت من ذكرياتها على لمسات والدتها وهي تعدل لها مكياجها وتقول:
”لا داعي لكل هذا العبوس والحزن صغيرتي، رائف رجل جيد وأنا متأكدة من إنه سيعتني بكِ بشكل جيد“

ابتسمت ورفعت رأسها للأعلى حتى تتظاهر بأنها سعيدة وليست محبطة ويائسة وحزينة.
يبدو إن جميع من حولها متفقون على إن رائف رجل شهم، لا تعتقد إنها حتى وإن اخبرتهم سيصدقونها!!

نظرت نحو هاتفها الذي في يدها وهو لا يتوقف عن الاهتزاز بسبب العدد الهائل من الرسائل التي يرسلها مالك لها، وفي المقابل رائف لم يكلف نفسه عناء حتى اتصال صغير منذ وقعت العقد!

__ __ __

كانت الحفلة في حديقة قصر عائلة رائف وكأنها ملوكية، وكأنك في حفلة لإحدى الملوك أو الرؤساء. ولم تبخل العائلة على أي تفصيل صغير بإعطائه حقه، كان البذخ واضحاً في كل التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة حتى.
وفي المقابل لم تتكلف عائلة لوليتا بأي مصاريف. وكأنها عملية بيع بالفعل!!

نظرت لولا حولها في انبهار من كمية الترف، حتى حزنها لم يستطع منع بريق جمال الحفل وتفاصيله من ان يبرز أمامها. وكيف لا تنبهر ولم تكن تشاهد هذه الفخامة إلا عبر التلفاز!

نظرت نحو المدعوين ولم يكن أحد من أقارب والدها موجود، فقط والدها ووالدتها واخوها وصديقتها.

حاولت لجم شعور الارتجاف وهي تتأبط ذراع رائف وهما يسيران بين الضيوف قدر استطاعتها، ولكن لم يكن جسدها فقط الذي يرتعش، بل قلبها من الداخل هو ما يرتجف بشدة بسبب الخوف والتوتر.

لم يساعدها رائف ولم يطمئنها حتى بكلمة. حتى عندما رآها في فستان الزفاف لم يعلق. بل كان بارداً مثل صخرة أو جبل من جليد.
رغم شعوره برجفاتها التي تحاول جاهدة إخفائها إلا إنه كان يمنع نفسه من التعاطف معها. هي صفقة وستبقى كذلك هذا ما أخذ يكرره داخل عقله. فبمنظوره، كل النساء لهن جانب سيء يظهرنه ما أن تعطف أو تحن عليهن، والأسوأ إذا وقعت في حبهن!

وقفوا على إحدى الضيوف وبدأ رائف بتعريفها عليهم. طوال حديثه لم تستطع لوليتا التركيز إلا عليه، على أسلوبه في الحديث، تعابير وجهه أثناء الكلام، اسنانه البيضاء، شعره الأسود المصفف بعناية، طوله الذي تشعر بجانبه إنها قصيرة جدا رغم إنها في الواقع طويلة، ابتسامته الخلابة عندما يجامل الضيوف، نظراته إليها وكأنه ينظر مباشرة نحو باطنها كلما نظر لها نظرة عفوية أثناء الحديث، عطره الذي طغى على جميع الروائح حولها.
كانت تحيط به هالة من الخطورة والحضور القوي، حتى حاجبه المضروب لا يزيده إلا تميزا وكأنه رجل من رجال المافيا!! أو محارب عابر عبر الزمان!

”توقفي عن ذلك أو سيعتقد الناس إنك تريدين خلوة سريعة معي!!“ قال هامسا بجانب أذنها وهو يضع يده خلف ظهرها.
نظرت له ورمشت عدة مرات بسذاجة وبراءة، ثم فهمت قصده إنه يقصد تحديقها فيه. احمرت من رأسها على أخمص قدمها ولعنت داخلها:
’تبا لكِ لوليتا، سيعتقد إنك متلهفة عليه الآن‘
’كيف فقدت حذري هكذا!!؟ تباً تباً!!‘

تجاهلت تعليقه وانغمست في حديث مع المرأة التي أمامها تجاملها وتحاول ابعاد تركيزها عنه. بينما هو يستفزها بأصابعه التي تمسد خصرها وكأنه يخبرها إنه لا مجال لها لتتجاهله.

لفت انتباهها حضور فتاة شقراء طويلة في غاية الجمال وكأنها خارجة من مجلة موضة. ولم تكن مخطئة فهي عارضة الأزياء المشهورة جوانا مورغان، وقد شاهدت لوليتا صورها في مواقع التواصل الاجتماعي عدة مرات مع رائف في الحفلات وكانا يبدوان مقربين جدا.

أدارت لولا عينيها بملل وهي تفكر: ’لابد وإنه فخور بنفسه كثيراً من كمية النساء في حياته، مقرف!‘

كانت جوانا جريئة جدا لدرجة نزعت رائف من عروسته واحتضنته وهي تقول:
”رائف عزيزي! لن أكذب وأقول إنني أتمنى لك حياة زوجية سعيدة وطويلة!!“
ثم ضحكت ضحكة عالية مغرية، جذبت لها العديد من النظرات حولها.

نظرت لها لوليتا باشمئزاز، فالمرأة ترتدي ثياب مكشوفة للغاية لا تكاد تخافي مفاتن جسدها كما تبدو جريئة جدا في كل حركاتها وهي تتقرب من رائف بطريقة إيحائية.

بعد أن تبتعد رائف من جوانا قليلا يلقللفجذب رائف لوليتا من يدها ثم الصقها بجانبه وكأنها دمية ريموت يتحكم بها كما يريد وقال موجها كلامه للفتاة الجريئة:
”جوانا هذه زوجتي لوليتا، لوليتا هذه جوانا“
امتلئت علامات الاستفهام على وجه لوليتا وهي تقول داخلها:
’جوانا!! هذا فقط؟ لن يقوم بتعريفها لي!!‘

نظرت جوانا نحو لوليتا بتعالي وكأنها لاحظتها للتو، نظرت لها نظرات تقييم من أعلى لأسفل ثم انفجرت بالضحك:
”إنها طفلة!! هل هذه سترضيك يا عزيزي رائف؟ أشك أن تبقى مخلصا لفترة طويلة“
كانت تتعمد إحراج لولا وإهانتها بأسلوب الدعابة.

شعرت لوليتا بانقباض يد رائف على خصرها وتشدد فكه، ولكنه التزم بأصول اللباقة وصمت الأمر الذي زاد من غضبها وجعلها تركل أمشاط قدمه بكعب حذائها، ثم قالت بحنق وهي مبتسمة ابتسامة صفراء:
”ربما مل من نوعك، ويريد الاستقرار مع نوع آخر!!“

احمر وجه رائف من الألم وكبت صرخة كانت تخرج ودفن راسه في عنق لولا ليمنع نفسه من الصراخ، فكعب حذائها حاد جدا وكأنه اخترق حذائه وهشم أصابعه.

ابتسمت لولا لنفسها بإعجاب وهي تهنئ نفسها، ’فتاة جيدة!!‘

نظرت لهما جوانا وابتسمت بهدوء ولم تلاحظ ما يحدث بين الزوجين. ولكنها فهمت كلمات لولا المبطنة التي قصدتها لهم فهي معتادة على قذف المعاني وحياة الخبث، وكلمات لولا هذه لا تؤثر فيها. ثم قالت بنبرة ساخرة:
”اعتذر عن وقاحتي أيتها العروس الجميلة فهذا يومك ولا يجب أن نزعجك“
ثم نظرت نحو رائف وازدادت ابتسامتها اتساعاً والتمعت عيناها وأضافت:
”يبدو إن لعروستك مزاج ناري! عليك أن تحذر“
ثم غمزت له واستأذنت بلباقة وذهبت.

فكرت لوليتا،
’مزاج ناري؟ وأي زوجة كانت ستقبل بأن يقال لها هذا الكلام في ليلة زفافها؟؟‘
ثم تذكرت العقد وما وقعت عليه فعبست وفكرت بحزن،
’بالطبع زوجة وقعت على عقد استعباد مثلي!!‘

”مزاج ناري خاااص!!؟“ قال رائف بتعجب وهو يشير نحو قدمه.

”ها ها. لم أقصد ذلك! أنت الذي كنت تلتصق بي مثل الغراء ولا تعرف أين تضع قدمك حتى علقت تحت كعبي!“

همست وهي تلتفت للجانب الآخر، ”متعجرف“

اتسعت عيني رائف بذهول، فهو لم يقابل إطلاقا فتاة بإسلوبها. كل الفتيات اللواتي يعرفهن من يتظاهرن بالرقة والهدوء والرقي!!
ثم ارتفعت شفتيه في ابتسامة وهو يخبر نفسه إنها كالاطفال.

أما لولا فقد شعرت بالاختناق، لا يجب عليها أن تشعر هكذا، ولا أن تتصرف هكذا.. ما الذي فعلته للتو؟؟ عليها أن تسيطر على انفعالاتها في المستقبل!! كم تكرهه!!

التفتت نحو النادل لتأخذ كأس من العصير لتهدئة أعصابها بينما اقترب منهما زوجان آخران. أشارت للنادل المار بالقرب منهم، وما أن اقترب منها ليعطيها كأس العصير حتى تفاجأت بإنه مالك، اتسعت عينيها من الرعب والخوف، قال بهمس:
”أجيبي على رسائلي، والآن!!“
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي