الفصل السادس ااهدية الجدين

عندما تأخرت لولا في العودة من دورة المياه ذهب رائف للبحث عنها تحت طلب من جده لكي يقدم هديته إلى زوجة حفيده، طلب رائف من مساعدته الشخصية التي يوكل لها كل المهام أن تذهب وتبحث عنها ولكن ميكائيل، جده، أصر عليه أن يذهب هو بنفسه ويحضر عروسه. ولكن رائف لم يجدها في الحمام!

زفر الهواء بضيق إذ إن هذه الفتاة يبدو إنها ستخرب عليه نمط حياته الهادئ وتسبب له المتاعب.
فكر قليلا ثم خطر له إنها ربما في الشرفة لتستنشق بعض الهواء المنعش، فالجو خانق في الداخل من كثرة الازدحام والأحاديث اللامتناهية.
عندما خرج رائف من باب الشرفة صدم روزي ابنة خاله وقد لحقت به، كانت دائما تلاحقه وتحاول التقرب منه وإبداء إعجابها به، لم يعطها رائف أي أمل، ولكن يبدو إنه كان للفتاة طموح ورأي آخر.

”أووه رائف، أنت هنا!!“ قالت روزي مدعية إنها لم تكن تتبعه، ثم أكملت، ”تبدو مذهلا اليوم!“

ابتسم رائف ابتسامة باردة لم تصل إلى عينيه وهو يقول، "شكرا روزي!"
كان يهم بالمغادرة عندما قالت روزي بصوت باكي ودموعها بدأت تنزل على خديها، "أسفة رائف، لا أقصد إزعاجك في ليلة مثل هذه، ولكن يصعب علي رؤيتك تتزوج، أنت تعلم مشاعري ناحيتك!“
ومن غير سابقة إنذار رمت نفسها بين ذراعيه وبدأت يبكي، كان غرضها أن تستعطفه فمن يدري ربما يبنيان علاقة سويا، فهي لا يهمها إن كان متزوج أم لا، كل ما يهمها أن تحصل على نصيب من ثروة هذه العائلة!

لم يعلم رائف كيف يتعامل مع نوبة البكاء التي قامت بها، فهو شخص لا يعرف التعامل مع المشاعر، كما إنه فقد ايمانه بالحب والمشاعر منذ زمن. حاول مجاملتها بناء على صلة القرابة التي بينهما، ثم ما أن غادرت حتى تنفس الصعداء وذهب للبحث عن لولا لينتهي من هذا اليوم المرهق، ولكن لولا كانت وكأن الأرض ابتلعتها واختفت، ثم كالسحر وجدها أمامه ولأول مرة يسعد برؤيته لها!!

هي في الثامنة عشرة من عمرها وهو في الثامنة والعشرون. يشعر بالفعل إنها طفلة أمامه، يشعر بالشفقة عليها أحيانا، فلابد إن لديها أحلام وطموح غير الزواج تريد تحقيقهم. جذبها من خصرها وأراح رأسه على عنقها يشتم عطرها عليه أن يظهر أمام الجميع أنهم متيمون في حب بعض خصوصا أمام جده، حتى عندما يتطلقان مستقبلا لا يشتبه به جده ويعتبر إنه قضاء وقدر. قال بغمغمة وهو مدرك لعيون الضيوف الفضولية التي تراقبهم خلسة كروزي مثلا:
”أين كنتِ؟“

شعر بتشنجها في وقفتها أمامه ويبدو إنها تعرفت عليه فورا رغم إنها لم تشاهده بعد، قالت بتلعثم:
”أأ.. أنا كنت.. سوزان .. ذهبنا!“

لم يفهم منها شيء، ورغم ذلك فقد ابتسم لها معتقدا إنها تتلعثم بسبب الارتباك من قربه، وليس إنها كانت خائفة من أن مقابلتها مع مالك ربما قد تنكشف، فقد كان جزء منه يراها كطفلة بريئة جدا جدا، وجزء آخر في عقله يمنعه من أن يثق في أي امرأة. قال لها وهو يسحبها من يدها:
”جدي في انتظارنا، لا تدعينا نتأخر عليه!“

ابتسمت لولا بارتباك لصديقتها سوزان والخوف ظاهر على وجه كليهما، واتجهت بصحبة رائف نحو جده ميكائيل.
كانت عائلتها أيضا تقف بجانب مكائيل وسيلا، بينما بقية الضيوف ينظرون نحوهم بانتباه لرؤية الهدية التي سيقدما ميكائيل لعروس حفيده. وقف ميكائيل ما أن وصلا أمامه، وقال بصوته الخشن وهو يمد يده نحو لولا:
”تعالي يا ابنتي!“
تركت لولا يد رائف واتجهت نحو ميكائيل تبادله الابتسامة.
أخرج ميكائيل علبة مخملية صغيرة من جيبه وأضاف:
”هذه هدية متواضعة من جديك، أرجوا أن تنال إعجابك“
أمسكت لولا العلبة المخملية بين يديها، ومن مظهر العلبة يبدو أن الموجود داخلها ثمين ومهم.

قالت الجدة سيلا بحماس وابتسامتها الجميلة تزين شفتيها المجعدة:
”افتحيها!“

فتحت لولا العلبة لتجد فيها قلادة رائعة الجمال خطفت أنفاسها، كان ينتصف القلادة زمردة خضراء بلون عينيها تماما. رفعت بصرها لتشكر الجدين وتبدي اعجابها بالقلادة إلا إنها ما أن رفعت عينيها حتى شاهدت نظرات غريبة في عيني رائف وعمه وزوجة عمه وابن عمه، وكأنهم صدموا من الهدية ولكن سرعان ما اختفت هذه النظرات لتتبدل بابتسامة وتهنئة للهدية الجميلة.

تحدث ميكائيل مجددا وصوته يشوبه التأثر، "هذه القلادة هي إرث عائلي يا ابنتي، حافظي عليه!"

أما رائف فقد كان يقف بجمود مذهولا وقد اغمقت عيناه من الغضب البارد من هدية جديه إلى لولا، كان يعلم إنهما سيقدمان لها هدية مميزة ولكن لم يعتقد إطلاقا أن تكون الهدية بهذه القيمة المعنوية العالية!!
إن هذه القلادة تعني للجدين قيمة كبيرة، فهي ليست مجرد إرث عائلي، بل هي قلادة تتوارثها بنات العائلة حصرا، ولم تعطى من قبل لكنة. لقد ورثتها ابنتهما قبل أن تتوفى، ولم يبقى لهما أي ذكرى منها سوى هذه القلادة.
شعر بتأنيب ضمير بسبب اختيار جديه لهذه القلادة كهدية، فهذه الهدية تحمل في طياتها العديد من المعاني المبطنة، فهما يعتبران لولا كابنة للعائلة، حيث لا يوجد بنات في العائلة. ياليتهما سألاه عن الهدية قبل أن يعطياها إياها، فهذا الزواج مؤقت مبني على المصالح ولن يستمر!!

قالت الجدة بحماس تقطع أفكار رائف،
"هيا رائف يا بني، قبل عروستك وأعطي للكاميرات مشهد يغزوا الصحف!"

وبهذه الكلمات تذكرت لولا سبب زواجهما فهي مجرد واجهة اجتماعية اشتروها بأموالهم للتغطية عن الحياة الصاخبة التي يعيشها رائف.

التقت عيني الزوجين وكانت شرارة متأججة تحت ستارة من الجمود تسري بينهما، اقترب منها رائف وهمس في أذنها، "لا تنسي! يجب أن تكوني الزوجة العاشقة لزوجها أمام الكاميرات" ثم قبلها. وما أن تلامست شفتيهما حتى شاهدت لولا إن مالك ينظر لها والدموع تسبح في عيونه الحمراء وهو لا يزال يرتدي زي النادل الذي تنكر به ليستطيع الدخول للحفل.

ابتعدت فورا وقالت له قبل أن تيتعد بهمس، "أكرهك!"

ضحك رائف، فمن يهتم للحب أو الكره طالما الخطة تسير كما يريد؟؟
صاح ريان عمه بعد أن ضربه على كتفه:
”يكفيك يا صاح! إن عروسك خجلة!“
كان ريان بالطبع يعلم بكل شيء حول العقد السري، فهو أمين أسرار صديقه وابن عمه.
ضحك الجميع وتوردت خدود لولا من الإحراج، نظرت مرة أخرى للمكان الذي يقف فيه مالك بحزن ولكنها لم تجده.

...

”هذا جناحنا“

قال رائف ما أن دخلوا من الباب. كانت الغرفة كبيرة جدا وواسعة، بها نافذة كبيرة حجمها من السقف حتى الأرض، وبجوار النافذة باب زجاجي كبير فوقه ستار شفاف بلون الكريم ويبدو إنه للشرفة. تجولت لولا بنظرها في المكان، كانت الحوائط بيضاء، وثريا فخمة تتدلى من السقف، كما يوجد كنبة واسعة تتوسط الحجرة وأمامها شاشة كبيرة، ومكتبة تشغل حائط كامل من الغرفة ممتلئة بالكتب، كما كان معظم أثاث الغرفة باللون الأسود. رغم فخامة الغرفة والبخ الذي فيها إلا إن كل تفاصيلها ذكورية بامتياز، فكرت إنه لابد لم يكلف نفسه عناء إجراء أي تغييرات على الغرفة. ولكن لما سيفعل؟؟ أليس الزواج زواج مصلحة خالي من أي مصالح؟

تتبع رائف نظراتها المتفحصة ولاحظ علامات عدم الرضا على وجهها، فقال ببرود خالي من أي مشاعر:
”كما تعلمين، لا يمكنني ترك الفيلا لذا لقد أصبح هذا منزلك في الوقت الراهن، ومنزل طفلنا في المستقبل!“

تمنت لو إنها تمتلك الجرأة بأن ترد عليه وتخبره إن أي مكان ستعيش فيه معه سيكون جحيم، لذا لا فرق لديها أن تعيش هنا او فيلا خاصة بهما، فالنتيجة واحدة. ولكن بدلا من البوح بما يجول في ذهنها وقلبها من مشاعر نفور وكره ابتسمت ابتسامة مجاملة كانت أثلج من ابتسامته هو السابقة وقالت وهي تشير لثوب زفافها بضيق:
”أين أستطيع خلع هذا؟“

رفع حاجبه لا تعجبه نبرة صوتها وقال ببرود، "هذه صالة الجناح، ذاك الباب هو باب الغرفة تستطيعين تغيير ملابسك هناك، والباب الآخر هو الحمام“

استدارت فورا لتتوجه نحو الغرفة التي أشار إليها، فقال لها:
”هل تحتاجين إلى مساعدة في سحاب الفستان؟“

قالت في عقلها:
’يبدو إن لديك خبرة في فتح السحاب ونزع الفساتين‘ فنظرت له باشمئزاز لم يفته وقالت:
”لا شكرا“ وتوجهت للغرفة متجاهلة إياه.

ابتسم غصبا عنه وكاد يضحك من نظرات عينيها المشمئزة التي رمقتها به ما أن عرض خلع الفسان، وقال في نفسه وهو مبتسم:
’طفلة!‘
لا يعلم لما كل حركاتها تضحكخه وتذكره بالأطفال؟ ربما لم يشاهد فتاة بسذاجتها وبرائتها منذ زمن طويل، أطول من أن يتذكر حتى!

بدأت لولا تتصارع مع الثوب وهي تحاول جاهدة فتح السحاب ولكنها لم تستطع، حتى إنها حاولت تمزيقه ولم تفلح، بقت على هذه الحالة قرابة النصف ساعة، حتى تملك منها اليأس وآلمتها يداها من محاولة الوصول لظهرها وبدأت تبكي!

عندما تأخرت وشعر رائف بالملل طرق الباب وهو يقول بنفاذ صبر يحاول كبته، ”لوليتا؟ هل انتهيتي؟“
ولكن لم يسمع أي رد منها، ففكر إنها ربما نامت! ولكنه كرر الطرق وهو يقول، ”هل أدخل؟“

قالت بصوت باكي:
”ادخل!“

فتح الباب ليجدها جالسة على السرير وهي تبكي بينما لا تزال لم تخلع ثوب الزفاف!

لم يعلم كيف يجب عليه أن يتصرف، فهو يكره الدموع، ولم يعرف ما الذي يبكيها. ولكنها رفعت عنه عناء التفكير وقالت:
”لم أستطع فتح السحاب!“

نظر لها وكبت ضحكته مجددا، رغم عدم سعادته بهذا الزواج إلا إنها تضحكه ببراءتها وعفويتها ونظراتها البريئة.
تقدم منها وقال، ”دعيني أساعدك!“

نظرت له كان قد غير ثيابة وارتدى بيجامة نوم بلون الحبر.

قالت وهي تقف، "لا شيء مضحك على فكرة!" ثم أولت له ظهرها. كان قريبا جدا منها لدرجة أن عطرها وصل لأنفه بشكل مركز، رفع شعرها الأحمر الطويل المنسدل على ظهرها ليضعه على كتفها. مد يده للسحاب وبدأ في فتحه. بدأت أصابعه تلمس بشرة ظهرها عن غير قصد فسرت رجفة في جسدها أحس بها تحت أصابعه، نزل بالسحاب لنهايته وكانت نهايته للأسفل كثيرا، التفتت لولا بسرعة وهي تمسك الثوب بكلتا يديها حتى لا يسقط.

شملها بنظراته ثم استدار وخرج من الغرفة دون أن يتحدث. تنفست لولا الصعداء وأسرعت لتغير ثيابها.
وقع نظرها على ثوب النوم الفاضح الموضوع على حافة السرير، رفعته ثم رمته على طول يدها باشمئزاز وارتدت إحدى البيجامات التي أحضرتها معها من ثيابها القديمة، متكونة من سروال قصير وقميص واسع جدا يصل لحافة سروالها القصير.

خرجت لصالة الجلوس في الجناح فوجدت رائف جالس على الكنبة وهو يلف إصبعه الصغير بشاش، شملها بنظراته من أعلى لأسفل ثم حرك رلأسه يمينا وشمالا وضحك داخل قلبه من تصرفاتها الصبيانية، هل هناك عروس ترتدي مثل هذه الثياب في ليلة زفافها غير عروسه؟؟
وقفت لولا قربه وقالت وهي تنظر لإصبعه باستغراب مما حدث له،
”ما هذا؟“

نظر لها، كانت مغوية جدا رغم بساطة ما ترتديه، بشرتها تبدو ناعمة جدا، وخديها المتوردان، كما إن لديها امتلاء في بعض الأماكن في جسمها.
تنهد فقد قرر إنه لن يحدث شيء بينهما الليلة، فهي تبدو مرتبكة وخائفة خصوصا بعد الدموع التي رآها منذ قليل. فرغم قساوته وجمود قلبه إلا إنه لا يسعى ولن يرضيه أبدا أن يخيف فتاة في ليلتها الأولى!

وقف وقال باختصار يبدو وكأنه غير مكثرت ولا يهتم:
”هذا لتقدميه في الصباح لهم“
ووضع قطعة قماش بيضاء بها قطرات بسيطة من الدماء على الطاولة ودخل للغرفة وقال،
”هيا لننوم!“

وقفت في البداية مصدومة ثم استوعبت الأمر وشعرت براحة كبيرة وسعادة، رغم كرهها لأن تكون ممتنة له. لقد توقعت أن يطلب تنفيذ شروط العقد من اليزم الأول!
قالت بعفوية:
”ولكن هل هذا سيكون مقنع؟“
نظر لها فاحمرت من الخجل ولعنت داخل قلبها وهي تحدث نفسها، ’هل كان ضروريا أن أسأل مثل هذا السؤال الغبي والمحرج، سيبدأ الآن باللعب بأعصابي’

أجاب رائف وعيناه تلمعان باستمتاع من خجلها،
”إنه كافي تماما!“
ثم قرصها على خدها وقال،
”هيا لكي ننام أيتها الطفلة، أنا تعب لقد كان يوم طويل ومرهق“

لم يعتقد رائف أبدا أن يشعر ناحيتها بالألفة كما شعر الآن، أن يتحدث مع شخص جملة كاملة، أو أن يعبر عن مشاعر تخصه حتى وإن كان تعبيرا عن التعب! لقد أحسها بريئة وليس لها خبرة في الحياة أبدا، وإن كان عليه معاشرتها هذه الفترة فسيقوم بذلك بالمعروف فهي تبدو كالزجاج سهلة الكسر رغم لسنها السليط.

تبعته لولا إلى الغرفة ووجدت إنه قد استلقى بالفعل على جانبه من السرير، اتجهت بخطوات بطيئة وخجولة نحو جانبها ودخلت تحت الغطاء فورا.

تقلب رائف عدة مرات في مكانه على السرير ثم نظر لها وقال،
”أستميحك عذرا، لا أستطيع النوم في هذه الثياب المضحكة!“

خلع بيجامة نومه وبقي في سروال قصير فقط!
رمشت لولا عدة مرات، كان مثالا للجمال ولم تستطع رفع عينيها من عليه، فقال بابتسامة لعوب وهو مستمتع بعدم قدرتها على اخفاء تعبيراتها ومشاعرها،
”إذا استمريتِ بالنظر لي بهذه الطريقة ربما أغير رأيي“

دفنت رأسها تحت الغطاء، وهي تلعن نفسها، وتتظاهر بأنها لم تسمعه،
’هل من الضروري أن تبدي كفتاة متلهفة!؟ لما أتصرف هكذا أمامه يا لي من غبية‘

ابتسم رائف ثم وضع يده على الوسادة لينام..
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي