الفصل التاسع اا عشاء مع رائف

لوى ريان شفتيه وقال،
”هذا أمر نبيل جدا من زير نساء!! ولكنني أعتقد إنك أنت من يحتاج للوقت!“

حرك رائف رأسه يمينا وشمالا على تلميحات ريان التي لا تنتهي وتنهد ثم جلس خلف مكتبه.

قال ريان وهو يغمز،
”إذا لما لا نأخذ إجازة ونذهب أسبوع إلى إحدى الجزر الاستوائية ونقوم بدعوة إحدى اولئك الفتيات!! سنمضي وقتا رائعا بالتأكيد“

انحنى رائف للأمام وضربه على كتفه بعد أن شخر بسخرية وقال،
”أنا الآن إنسان متزوج أيها الوغد!!“

ضحك ريان وهو يغيظه،
”متزوج حقا!! وأنت الآن الذي تقول أنا لم أنام مع زوجتي لأنني أخجل منها!!؟“

فرفع رائف حاجبه وقال،
”أنا ماذا؟؟ أخجل؟“

أسرع ريان إلى الباب وهو يضحك بينما يمسك بكتفه متظاهرا بالألم بسبب الضربة التي أعطاها إياه رائف وقال،
”أنا لن أتزوج أبدا، لا أريد أن أصاب بهذه العدوى!! عدوى المتزوجين“ ثم اقفل الباب خلفه وخرج هارباً.

ابتسم رائف فلطالما كان ريان الشمس التي تنير ظلمة الحياة بالنسبة له، لم يكن أبدا مجرد ابن عم بل كان الأخ الذي لم تلده أمه، كما إن هذا الجانب المرح قليلا من شخصية رائف لا تظهر إلا بصحبة ريان.
أمسك رائف هاتف المكتب بعد أن فكر قليلا وبعد تردد بسيط اتصل بمساعدته الشخصية وقال لها دون مقدمات ببرود فور أن فتحت الخط، ”احجزي في المطعم المعتاد الليلة لشخصان“
"حسنا سيدي" جاء صوت مساعدته على الفور.
وقبل أن يقفل الخط أضاف،
”طاولة مميزة!“

شعر أن عليه أن يفعل ذلك، فهو قد وعد جده بأن ينجح هذا الزواج، أن ينجح في الحصول على الوريث الذي يريده قبل تأزم حالة جده الصحية. رغم أنه قد قرر أن ينهيه قبل أن يبدأ ففور أن يحصل على الوريث سينفذ تلك الوثيقة التي جعلها توقع عليها، فلا داعي من استمرار هذا الزواج إن رحل جده من هذه الحياة! إلا إنه قرر أن يمنح جده المشاهد التي يتمنى أن يراها قبل أن يموت!“

ثم فكر في نفسه:
’ولكن ربما علي الإسراع في موضوع الوريث، يجب أن أجعله يسعد فيما تبقى له من أيام!‘

لم يكن رائف يعلم بمكانة لوليتا في حياة جده، والسر الحقيقي على إصراره لأن يتزوجها!! ظن فقط إنه يبادل صفقة بصفقة حيث إنه يعتقد أن حفيده عاجز عن إيجاد زوجة!
ابتسم رائف بسخرية وهو يفكر هل فعلا جده يعتقد إنه عاجز عن إيجاد زوجة؟ ثم أظلمت عيناه وتذكر زواجه من جينا، ربما مع جده الحق، فقد كان اختياره سيء في السابق.

استرخى رائف خلف مكتبه فلا داعي له بالتفكير في شيء أصبح من الماضي، ثم أمسك هاتفه النقال واتصل بالمنزل.



شعرت لولا بالملل وهي جالسة في شرفة غرفتها وحيدة، فقد قضت معضم بداية المساء مع السيدة سيلا والسيدة مانيا ولكنها صعدت لغرفتها لترتاح قليلا. بعد أن استحمت وارتدت بيجامتها وفوقها غطاء الكتفين فقد كان الجو بارد في الخارج ثم أمسكت هاتفها تتصفح الانترنت، وفي أول المناشير وجدت صورة مالك، كبرت في الصورة وتلمست الشاشة بأصابعها تتبع ملامح وجهه بحزن، ثم دخلت على صفحته الشخصية ودخلت على الحظر وبأصابع متوترة كانت ستضغط على زر الحظر. وفي تلك اللحظة طُرِق باب الغرفة، فارتبكت وأقفلت التطبيق فوراً وقالت بصوت متوتر حاولت جعله هادئ قدر الإمكان،
”ادخل!“

فتح الباب ودخلت السيدة مانيا مبتسمة بلطف كعادتها فبادلتها لولا الابتسامة، تبدو السيدة مانيا لطيفة جدا وراقية. قالت لها المرأه بهدوء،
”لقد أتيت لكي أودعك يا ابنتي، سنسافر في المساء، كما فكرت أن نتحدث قليلا قبل أن يأتي موعد سفرنا، كما أتمنى أن تأتي في يوم وتقومي بزيارتنا أنت ورائف!“

كانت لولا هادئة نوعاً ما، فرغم شخصيتها الجريئة فهي لم تكن اجتماعية كثيرا، فقد كانت كل حياتها عبارة عن أصدقائها ومالك حبيبها منذ نعومة أظافرها، ولم تكن لها حياة اجتماعية فعليا، لم تكون جيدة التعامل مع الغرباء عنها.

تبادلت لولا والسيدة مانيا بعض الأحاديث، وقامت المرأة بنصحها حول كيفية التصرف داخل هذا القصر، وأخبرتها عن القوانين التي يحبها الجد ميكائيل، مثل الاستيقاظ مبكرا وتناول الإفطار سويا وأيضا ضرورة الحضور من أجل العشاء وهي متأنقة أو على الأقل ليس في بيجامة النوم، وباقي اليوم تستطيع فعل فيه أي شيء تشاء! كما عليها استقبال أفراد العائلة عندما يأتون للزيارة أو في الحفلات الاجتماعية؟

ثم نصحتها بأن تحاول أن تقيم علاقات اجتماعية مع النساء من هذه الطبقة، لأن الطبقة السابقة لها لن تكون حاضرة في حياتها الحالية.

في الحقيقه لم يعجب هذا الحديث لولا، فهي أبدا لم تقتنع بأمور الطبقات الاجتماعية، ولكنها فضلت أن تبقى صامتة فالمرأه ستغادر بعد قليل ولا فائدة من الجدال، ويمكنها أن تدير حياتها كيفما تشاء، ففي النهاية هذه العائلة اشترت جسد ولم تشتري هويتها وروحها والأهم قلبها الذي ينبض لمالك.
تمنت لو تستطيع أن تسأل السيدة مانيا عن طبيعة العلاقة بين رائف وروزي، ولكنها بالطبع كبحت فضولها فهو ليس من شأنها!
سمعتا طرق على الباب ثم دخلت الخادمة بعد أن أذنوا لها وقالت،
”سيدة لوليتا! إن السيد رائف اتصل منذ قليل وطلب منكِ أن تتجهزي من أجل العشاء في الخارج“

لم تتوقع لولا هذه اللفتة من رائف، ربما أدرك سلوكه الخاطئ الذي قام به في الصباح!
صفقت السيدة نورا بكلتا يديها وقالت بمرح،
”أوووه كم هذا رومانسي! أن يرسل الخادمة لتخبرك وكأنه موعد بدلا من أن يتصل بك!“
ضحكت لولا في سرها، رومانسي؟؟ وقد شعرت إن السيدة مانيا تجاملها، يبدو إنها مرحة ودائمة التفائل مثل ابنها!

امسكت مانيا بيد لولا وقالت والحماس يبدو في عينيها،
”يسعدني أن أساعدك في التجهز قبل أن أسافر، أوووه كم تمنيت أن تكون لي ابنة واساعدها في اختيار الثياب والتجهيز للمواعيد المهمة!“

لم تشأ لولا إحراجها، بل قد شعرت بالارتياح فهي لا تعلم ما يجب أن ترتديه في مثل هذه المناسبة! ووجود السيدة مانيا سيكون مفيد جدا وسيوفر عليها الوقت والجهد.

اتجهت السيدة مانيا بخطوات ثابتة نحو غرفة الملابس بصحبة لولا ووقفت في منتصفها بكل ثقة وهي تقول،
”يجب على رائف أن ينبهر بكِ الليلة!!"

كانت رحلة البحث عن ثوب مناسب داخل الخزانة طويلة، استغرق الأمر قرابة النصف ساعة المتواصلة لتستقر مانيا على ثوب رأته مناسب تماما لهذه المناسبة الخاصة الأولى، تركت لولا نفسها للسيدة مانيا تختار لها الثوب المناسب لأنها لا تعلم بالضبط ما يجب عليها ارتداءه، فلو كانت المناسبة عيد ميلاد مع أصدقائها أو رحلة أو حفلة مبيت وهذا النوم من المناسبات المعتادة عليها، لكانت اختارت الزي المناسب بكل بساطة وظهرت بأجمل اطلالاتها! ولكن هذا مجتمع جديد عليها وتفاصيل جديدة عليها أن تتعلمها.

"هل أنتِ واثقة من إن هذا الزي مناسب؟"
تسائلت لوليتا وهي تنظر لانعكاس صورتها في المرآة وقد رمشت عدة مرات وهي تتأمل انعكاسها. كانت ترتدي ثوب بلون البنفسج الملكي ضيق الخصر جدا، ومنخفض الصدر ليبرز أعلى بشرة صدرها بطريقة جذابة، ويصل إلى فوق ركبتها بقليل وله فتحة من الأمام تصل لأعلى فخذها لتكشف عن ساقها كلها.

لم تعتد لولا على ارتداء مثل هذه الملابس، كانت ملابسها في العادة تتكون من السراويل والقمصان، وإذا حضرت حفلة أحد أصدقائها، كانت ترتدي الفساتين ذات القصات الواسعة من الأسفل التي لا تبرز المفاتن. هذا ما كانت تحب ارتداءه، ولكنها اليوم قررت إنها ستقوم بابهار هذا المتعجرف، ليس لأنها تهتم لأمره ولكن إرضاء لنفسها وأنوثتها.

ارتدت قرطين من الألماس وقفازين يصلان إلى منتصف ذراعها، شعرها الأحمر في تموجات يصل إلى أسفل ظهرها.
كانت تبدو في غاية الجمال والأناقة، مذهلة بشكل اسطوري وكأنها تحولت لتصبح إحدى مشاهير الشاشة الصغيرة.

قالت لها السيدة مانيا،
"تحركي قليلا أمام المرآة لنرى مشيتكِ بالكعب"

وما أن تحركت قليلا أمامها حتى أضافت السيدة مانيا بإعجاب ظاهر في صوتها،
"رائع!! هذا مثالي جداً، فقط ارفعي كتفيكِ قليلا"
و أمسكتها من كتفيها لتعلمها الطريقة الصحيحة لتقويم الظهر.

ثم أخذت مانيا خطوتين للخلف ونظرت لها بنظرة شاملة وبعد ثواني صفقت يديها الاثنين وهي تقول بعيون لامعة من الإعجاب،
"رائع!"
"مذهل!"
اسطوري!"

ثم وضعت لها إسوارة جميلة في يدها اختارتها من الهدايا الثمينة التي وصلت لها من الزفاف ورشت لها العطر الفرنسي المميز ذو العلامة التجارية الفاخرة. وبالطبع بالنسبة للولا كشخص لا يحب من يتدخل في طريقة ارتدائه لثيابه على الإطلاق، بل لا تسمح حتى لوالدتها بفعل ذلك، فهذا يعتبر تطور كبير جدا، وقد قامت بهذا بهدف شعورها أن في هذا اليوم شعرت عليها أن تظهر بمظهر جيد جدا أمام رائف، ستناقشه وتضع معه الخطط من أجل حياتهما القادمة، لن تقف مكتوفة الأيدي وهو يعاملها هكذا، وهكذا احتاجت لكل ذرة ثقة بنفسها، والمظهر الخارجي لطالما كان أكبر داعم للمرأة.

بالطبع هي لن تطلب اهتمامه ولا يهمها ذلك، ولكن على الأقل أن يعاملها بطريقة جيدة وأن تبدو لائقة بالنسبة لمكانته الاجتماعية، كما إنها سريا داخل قلبها تريد أن تكون بمستوى رقي الفتيات اللواتي رأتهن معه في صور المجلات، هذا هو غرور الأنثى ولا يمكن لومها!.

طرق الباب وقالت الخادمة التي دخلت بعد أن أذنت لها السيدة مانيا،
"إن السيد رائف في الأسفل وهو ينتظر السيدة لوليتا"

أمسكت لوليتا حقيبة يدها وكانت ستنزل فورا، إلا أن السيدة مانيا أمسكتها من يدها ونزعت منها حقيبة يدها وقالت،
"انتظري! دعيه ينتظر قليلا، لا تكوني سريعة في تلبية جميع رغباته، دائما اجعليه في وضع الانتظار، هذا هم الرجال يحبون لعب دور الصياد ولا يحبون الفريسة السهلة"

ثم سحبت أحمر الشفاه من الحقيبة، وبدأت في إعادة صبغه على شفتي لولا الممتلأتين، ثم أعادته في الحقيبة التي ناولتها إياها وهي تقول،
"عليكِ المشي بهدوء وببطء، عليه أن يستمع إلى صوت الكعب وهو يطرق الأرض قبل أن تدخلي إليه وان يبقى في ترقب دخولك"

ضحكت لولا فقد شعرت إن السيدة نورا تحمل الموضوع بجدية جدا وقالت،
"أشكركِ كثيرا سيدة مانيا، لا أعلم كيف كنت سأتصرف بدونكِ"
ثم وضعة خصلة خلف أذنها وأكملت بتردد،
"ولكني أشك إنني أستطيع أن أقوم بكل ما ذكرتيه، في الحقيقة أنا شخصية عفوية وتلقائية كثيرا"
ثم تنهدت بمرح، "ببساطة، أحب أن أكون على طبيعتي!"

بادلتها مانيا الابتسام وهي تربت لها كتفها وقالت،
"على المرأة أن تتحلى بالقليل من الحنكة والمكيدة، فهكذا تسير الأمور يا عزيزتي عندما تكونين متزوجة من أجمل رجال المدينة وأنجحهم"
ثم أضافت بنبرة يشوبها الحزن،
"أنتِ حقا شديدة الجمال وتتمتعين بصفات مذهلة، ولكن زوجك تحيط به العديد من النساء وكلهن يتربصن به، وأولهن تلك الفتاة المدعوة روزي التي كانت معنا على طاولة الافطار انها تنتظر الفرصة المناسبة، هي حتى تظل معنا هنا في الفيلا أكثر من منزل والديها، وترتدي دائما ما يلفت الأنظار لجسدها، لا تتفاجئي إن رأيتها يوما ترمي بنفسها عليه"
انهت مانيا جملتها باشمئزاز ثم قرصت لها خدها وأكملت بحماس،
"لا تدعي أحدا يفسد زواجك، صدقيني رائف رجل جيد، هو فقط يحتاج من يفهمه ويحتويه، لديه العديد من الجروح والندبات، اصبري عليه"

تحولت قرصتها على خد لوليتا إلى لمس بحنان وأكملت،
أنتِ غالية عندي كثيراً لأنني أعتقد إنك من ستدخلين البهجة والسرور لحياة ذلك المسكين، أتعلمين!؟.. أنا لم أصدق أن شيئا ما حدث بينك وبين رائف البارحة، لا أعتقد ذلك، لم تبدوان كزوجين حقا هذا الصباح، أنا محقة، أليس كذلك!؟"

أخفضت لوليتا رأسها في خجل وقالت،
"انا فقط كنت خائفة وهو…"

ضحكت مانيا لتزيل التوتر وقالت،
"لا تقلقي، ستتغلبين على هذا الخوف، ثم صحيح إن رائف ذو شخصية قوية وصلب، ولكنني واثقة من انه رجل محب بطريقة تأسر القلوب، فهو نسخة جده..
لا تقلقي صغيرتي.. اذا ربحتي حبه وربحت قلبه فتكونين امسكت السعادة بين يديك"

قالت لولا في نفسها،
’ولكني لا أرغب في ربح حبه، ولا أرغب في ربح قلبه!! كل ما أريده أن أنجب له هذا الطفل ثم أستمر في حياتي.. لما يعاملونني وكأنني انا التي يجب أن أسعى لأن أجذبه لي!!؟ لما لا يفعل هو ذلك!! هل يعتقدون إنني ممتنة لهذا الزواج!؟ أكرهه’

امسكت لوليتا هاتفها والتقطت لنفسها بعض صور السيلفي بعد أن خرجت السيدة نورا ونشرتها على حسابها الشخصي على الانستقرام.

,,,,

بدأ صبر رائف ينفذ عندما تأخرت لولا في النزول،
’يا الهي!! لما يأخذن النساء كل هذا الوقت لكي يتجهزن!؟ إنه مجرد ثوب يرتدينه وبعض الزينة’

نظر لساعة يده بملل، لقد مرت ثلث ساعة منذ أرسل إليها الخادمة وهي لم تنزل بعد، صبره نفذ بالفعل ويفكر في الصعود إليها، بدأ بالنقر على زجاج النافذة التي أمامه بأصابعه وهو يراقب الحديقة والعصافير التي تنتقل من شجرة الى أخرى وهو يفكر أن عليه أن يقوم بذلك الليلة.. عليه ألا يؤجل أكثر. كلما أجل أكثر كلما طال الأمر.

سمع صوت خطوات تقترب .. خطوات كعب عال بمشية بطيئة وثابتة، التفت في ترقب ولكن وصلته رائحة العطر قبل أن تصل التي تمشي بالكعب، كانت رائحة عطرها تسلب الأنفس.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي