الفصل الثالث عشر اا ماضي رائف الأليم

كان هذا الزواج هو خط النهاية ليس لعلاقة لولا ومالك فقط، بل أيضا لصداقة سوزان ومالك فقد كانا صديقين مقربين منذ الدراسة الابتدائية!

التفت مالك دون أن ينتظر رد من أي منهما وذهب من أمامهما والشرر يتطاير من عينيه. كان قلبه قد انكسر لملايين من القطع عندما شاهد لوليتا وهي تدخل للجامعة بصحبة رائف منذ قليل. حب حياته أصبحت لرجل آخر، هذا يؤلم وبشدة .. ولكن لا لن يرضخ للواقع أبدا!

سيجد حل ما، سيستعيدها! هذا ما كان يخبر به نفسه ليلا ونهارا، فهو واثق من أن لوليتا تحبه كما يحبها.

اعتصر قلب لوليتا وهي تشاهد مالك يبتعد وهو بهذه الحالة، كيف لا وقد أحبته منذ طفولتها، تمنت لو تستطيع التخفيف عنه، مواساته، ولكن لا تستطيع بالطبع. فبأي حق ستفعل ذلك!
أشاحت ببصرها عنه وهي تفكر وتخبر نفسها إنها لا تلومه على ما يفعله، فهي نفسها لا تستطيع تحمل أن تشاهده مع فتاة أخرى، في الحقيقة تتمنى من كل قلبها لو أن الذي قاله مالك يتحقق، أن تحصل على الطلاق، على حريتها، أن ترمي ذلك العقد في وجه رائف وتخبره بأنها لا تأبه به ولا بعائلته ونفوذها، ولكنها أيضا تعلم إنها لن تستطيع تحمل العواقب!

أعادتها سوزان من شرودها وهي تقول، "يا إلهي!! لوليتا إن مالك أصبح مجنون، عليكِ الحذر، ربما يجب أن تخبري رائف بحقيقة معرفتك بمالك قبل أن يتهور هذا المخبول ويدمر لكِ حياتك!!"

تنهدت لوليتا بعمق وهي تشعر بأن صديقتها تبالغ في ردة فعلها، فهي تعلم جيدا إن مالك لن يؤذيها، كما وإن رائف لن يتفهم ذلك، تخيل نظراته القاتمة فقط أرسل قشعريرة عبر عمودها الفقري، هي حتى لا تستطيع أن تتخيل فكرة إخباره،
'رائف، لقد كان لدي حبيب، وهو يهددني، آه وبالمناسبة هو مالك، ذاك الذي يدرس معي وقد كذبت عليك بشأنه!'

ارتجفت فقط للفكرة، فإن تفهمها رائف والدها لن يسامحها مطلقا!

كما إن مالك سيكون أول المتضررين بذلك، لا تستطيع أن تشاهد أحد ما يؤذي مالك. لا تعلم ردة فعل رائف ولكنها موقنة إن والدها لن يمرر الأمر ببساطة له.

هزت رأسها لتخرج من افكارها وتنهدت،
"دعينا نذهب ستفوتنا المحاضرة!"

•••

فور أن صعد رائف إلى لسيارة نظر نحو ابن عمه النائم، هز رأسه يمينا ويسارا مبتسماً في سخرية من تصرفاته اللامبالية، كان لا يزال يتحدث مع مساعدته الشخصية التي اتصلت به لتخبره إن التقارير والصور الخاصة بالمشروع الحالي الذي سيتم مناقشته في اجتماع اليوم قد تم تجهيزها. شغل محرك السيارة وانطلق دون أن يلتفت للخلف، وفور أن أنهى مكالمته مع جينا اتصل بالحارسان الشخصيان اللذان عينهما لحراسة لولا وبمكالمة مختصرة اخبرهما أن يقفا أمام الجامعة ينتظران متى تخرج وتصعد لسيارة السائق الشخصي الخاص بجدته والذي اوكله بأن يعود بلولا من الجامعة إلى القصر.

بعدما أنهى مكالمته لا يعلم لأي سبب طرأت صورة زوجته السابقة أمام عينيه، يذكر إنها اقنعته إنعا لا تحتاج لحارس شخصي وتبين لاحقا إنها فعلت ذلك لكي تستطيع أخذ راحتها وخيانته دون دليل. انقبضت يديه حول عجلة القيادة حتى ابيضت مفاصله، التمعت عينيه، أخذ يقارن بينها وبين لوليتا، كانت طليقته أيضا تبدو بريئة في السابق، تماما كما تبدو لوليتا الآن. لقد شعر بارتباك الأخيرة منذ قليل، هل تخفي عليه أمر ما؟؟

مرت عليه ذكرى دخوله على زوجته حينها وضبطها في السرير مع رجل آخر!! ازداد انقباض أصابعه حول عجلة القيادة.

لايزال يشعر بمرارة ذلك الموقف وتلك اللحظة في حلقه حتى الآن، لم يشعر بالألم من خيانتها بقدر الألم الذي شعر به بجرح كرامته أمام العالم كله!

تلك الأخبار التي تتكرر مرارا وتكرار، اصوات الصحفيين وكاميراتهم، اسئلتهم التي لا تنتهي، كل ذلك صدح في عقله.
لم يشعر بنفسه وهو يزيد من سرعة السيارة، كان غارق في افكاره المظلمة حول كل ما حدث وكل تلك المواقف وترقب الصحافة له في كل مكان يذهب إليه، كانت تجربة من الجحيم!
شعر ريان بسرعة السيارة الجنونية واصوات أبواق السيارات حوشهم فانتصب معتدلا في جلسته وفتح عينيه على مصراعيهما وقال بتنبيه،
"إهدأ يا رجل، سوف تتسبب لنا في حادث!"

نظر رائف نحو ابن عمه دون فهم، ثم استعاد تركيزه بعد أن أخرجته نبرة صوت ريان المرتاعه ونظرة عينيه المرتعبة من الكهف المظلم لأفكاره الذي لا طالما يحاول عدم النبش فيه أو الدخول له.

لا يعلم لما تذكر كل ذلك الآن، ألم يقفل باب الماضي منذ زمن بعيد؟ لقد مر وقت طويل منذ أن فكر في تلك المحادثة. لقد عبرها ورماها خلف ظهره، فلما طفت الآن فوق سطح ذكرياته!؟

تنفس بعمق وزفر الهواء ليخفف من توتره وبدأ بتخفيف سرعة السيارة، قال ريان وقد تنفس الصعداء وأعاد ظهره على ظهر كرسي السيارة،
"ما الخطب يا رجل؟ كدت تتسبب في مقتلنا!!"

رغم إن ريان قد شاهد المشهد الذي حدث منذ قليل أمام الجامعة، وعلم إن هذا سيجعل رائف يرفع نسبة الحماية الذاتية لديه ليحمي نفسه من لوليتا، إلا إنه تجنب أن يخوض في الأمر أو أن يوضح إنه كان مستيقظا من الأساس. فهو يعلم تمام المعرفة إن رائف لا يحب من يتدخل في خصوصياته حتى وإن كان هو صديق طفولته.

إلا إن ريان كان قد قطع عهدا على نفسه منذ عدة سنوات إنه سيحمي رائف بكل ما يملك حتى وإن كان ذلك في الخفاء. لقد شاهد صديق طفولته منهارا في السابق وكان معه في أكثر لحظات ضعفه، ولن يسمح لأي إمرأة بكسره مجددا. بالرغم من إنه بالفعل قد أعجب بشخصية لوليتا الهادئة ولكن إن كان لها وجه آخر كتلك الخائنة فسيكشف هو أيضا على مخالبه.

"ما الذي تفكر فيه يارجل؟ لقد كدت تقتلنا!" قال ريان مكررا سؤاله متظاهرا بعدم الفهم.

مرر رائف أصابعه في شعره بعصبية وأجاب،
"كنت أفكر في الاجتماع القادم، أنت تعلم إنه مهم جدا، هل جمعت كل المعلومات اللازمة؟"

أجاب ريان بلا مبالاة وهويفتح شاشة هاتفه، "بالطبع، في الحقيقة ليس هناك أخبار مثيرة كثيرة حول الشاب، لا شيء مميز، فقط كباقي شباب العائلات الغنية، مطيع لوالده، لبق، أمين، وذكي لذلك أوكلت له العائلة مسؤولية التفاوض معك من أجل الصفقة القادمة، هذه معلوماته العامة التي وجدناها في المواقع ووسائل للتواصل الاجتماعي ومن الأشخاص المقربين منه أيضا"

"و..." قال رائف وهو يرفع حاجبه.

استدار ريان نحو رائف وأكمل "خاطب لفتاة والدها مسؤول في الجمارك ويبدو إنه سيكون زواج مدبر من أجل تمرير المصالح بين العائلتين.."

"و" أكمل رائف بلا مبالاة، فكل هذه المعلومات حتى الآن غير مفيدة.

"متزوج بالسر ولديه طفل حديث الولادة، الفتاة كانت تعمل سكرتيرة والده في السابق!"
أكمل ريان حديثه وهو يري رائف صورة في هاتفه تجمع الشاب مع فتاة وطفل حديث الولادة في المستشفى، ومن زاوية التصوير يبدو جليا إن الصورة ألتقطت خلسة عن أصحابها.

ابتسم رائف ابتسامة جانبية وحرك رقبته في نصف دائرة ثم قال بينما يركن السيارة أمام بوابة الشركة،
"هذه أخبار جيدة، أنا استغرب متى قمت بجمعها وأنت تنام طوال النهار وتسهر طوال الليل!!"

ترجل الشابان من السيارة في نفس اللحظة وجاء حارس الأمن مهرولا ثم صعد مكان رائف في السيارة التي لا يزال محركها يعمل واتجه بالسيارة لكي يركنها في مرآب الشركة للسيارات.

دخلا فورا من باب الشركة الزجاجي الضخم، وقامت موظفة الإستقبال بإلقاء التحية لهما فور مرورهما من أمام مكتبها في وسط ردهة الاستقبال. لم يهتم مالك بينما أومأ لها ريان برأسه ايماءة بسيطة ردا للتحية. اتجه كلاهما نحو المصعد، أخرج رائف هاتفه وأرسل رسالة نصية للوليتا [عندما تنتهين أرسلي لي رسالة لأخبر السائق]

دق صوت المصعد > معلنا وصولهما للطابق المقصود، تجاهل رائف التفكير في السؤال الذي يدور في عقله منذ ضغط زر الارسال، 'لما لم ترسل لها رقم السائق فحسب!!' وبدلا من الفكير في السؤال أو محاولة الإجابة عليه قال لريان بينما يتوجه كل منهما نحو مكتبه،
"استحم وارتدي ثياب جيدة ولا تتأخر على الاجتماع" ثم نظر نحو ساعة يده وهو يقول،
"أمامك ثلاثة عشر دقيقة فقط"

كانت هذه عادة ريان فغالبا ما يجهز نفسه في مكتبه، ففي معظم الأحيان يجره رائف جر من السرير، لذلك كان هناك خزانة صغيرة للملابس في غرفة مكتبه تقوم سكرتيرته بالتأكد من نظافة محتوياتها وإرسال القمصان المتسخة للمغسلة. وكان رائف يملك واحدة أيضا، فهو أيضا يضطر أحيانا للاستحمام فالمكتب عند أيام ضغط العمل التي يظل فيها فالمكتب حتى ساعات متأخرة من اليوم.

بدأ الإجتماع وكما هو متوقع كان ريان متأخر عن الإجتماع لستة دقائق، ولكن هذا لم يمنع رائف من البدأ بالتعرف على مندوب الشركة التي ستعمل على تسويق منتجاتهم في السوق، كان رائف يستمع لحديث المندوب وهو يضع ساق فوق الأخرى وينقر بقلمه على الطاولة بينما عينيه تركز أحيانا على هاتفه، كان ينتظر رد من لوليتا على رسالته!

وعلى الجانب الآخر كانت لوليتا في المحاضرة عندما وصلتها رسالة رائف. قرأتها وأقفلت الشاشة، بعد أن أدارت عينيها بملل ولم تفكر في الإجابة على الرسالة حتى!

بعد انتهاء المحاضرات جلست هي وسوزان في إحدى مقاهي الجامعة كعادتهما لتتحدثان قليلا قبل العودة للمنزل.
قالت سوزان وهي ترتشف من عصيرها،
"ماذا قررتي بشأن مالك؟ هل تعتقدين إنه سيفعل شيء ما؟ أنا أعتقد إنه يجب عليكِ أن تطلعي رائف عن الأمر لكي لا تتسببي لنفسك بالمشاكل"

هزت لوليتا رأسها بنفي وقالت بحدة،
"لا! لن أقول له أي شيء، وأنتِ لن تلمحي بأي شيء لأي أحد! حتى والدتي، اتفقنا؟"

تنهدت سوزان برفض ولكن لم يكن أمامها إلا الموافقة، فهي تعلم إن لوليتا عنيدة جدا ولن تفعل إلا ما يخبرها به عقلها.

كانت الساعة الثالثة، وما يزال أمامها بعض الوقت لكي تقضيه مع صديقتها ولكن لوليتا شعرت بالإنزعاج من نظرات مالك التي تطارها في كل مكان في الجامعة. لم يكن الأمر يزعجها لأنه مزعج بل بالعكس،بل لأنها تحبه وهكذا سيصعِّب عليها أن تنسى كل ما هو مرتبط به، كما إنها الآن مرتبطة برجل آخر وحتى إن كانت تكرهه فهي أبدا لن تخون وإن كان بمجرد النظرات، قالت بتنهيدة عميقة من الحزن وهي تخفي مشاعرها عن صديقتها فهي تعلم إن أخبرتها بذلك فستتشاجر مجددا مع مالك،
"أشعر ببعض التعب سأعود للمنزل، ما رأيك أن نوصلك معنا؟ سأمر على منزل والداي لقد اشتقت لهما كثيرا"

أومأت سوزان بالموافقة،
"حسناً، أنا أيضا اشتقت لفطائرها"
[أكملت!] هذا كل ما أرسلته لولا لرائف عندما قررت العودة للمنزل.
•••

"إذا؟ هل سيتم إعطاء شركتنا العقد الكامل والحصري للتغطية الشاملة للتسويق؟"

ابتسم تيم بكل ثقة وهو يجيب على سؤال ريان،
"للأسف لا يمكن ذلك يا سيد ريان، لا نستطيع إضافة هذا الجزء في العقد، فالاحتكار لخدماتنا لمدة ستة أشهر كاملة سيسبب لنا في الركود وتضييع عملاء مهمين لنا! لا نستطيع استثناء أي من عملائنا المهمين"

"أولسنا مهمين لكم؟" تسائل ريان بعجرفة بالرغم من معرفته للإجابة مسبقا.

ابتسم تيم بهدوء مجددا، لم تكن نظرات رائف وريان تشعره بالتوتر إطلاقا رغم الهالة القاسية والنظرات الباردة التي يرمقانها به محاولين الضغط عليه، إلا إن الشاب كان خبير في التفاوض وصعب التأثير عليه.
"بالطبع إنكم من أهم العملاء لدينا، ولكننا أيضا....."

قطع رائف على حديثه وهو يقول:
"إنها ستة أشهر فقط نحتاج فيها للتغطية الكاملة والجهود المكثفة لعرض المنتج الجديد، وأيضا نحتاج عدم دخول منافس قوي للسوق، وبصفتكم أفضل شركة في السوق حاليا تقدم خدمات الحملات الاعلانية والتسويقية فمن الضروري لنا أن تحصروا خدماتكم لنا حتى نظمن عدم ظهور منافس خصوصا التجار الذين يترصدوننا دائما، وبعد الستة أشهر بالطبع سنكون أخذنا الحصانة الدعائية لمنتجنا الجديد لن نطلب منكم حصر خدماتكم!"

"كما سندفع لك مقابل كل عقد شركة تأجله لستة أشهر، وهكذا لن تخسر!" أضاف ريان وهو يلاحظ النظرة الحائرة التي علت وجه تيم.

عبس تيم وهز رأسه وهو يرى إصرار العميل أمامه، ولكن هذه لعبته وتخصصه، سيجبرهم على قبول الشروط المفروضه!

استقام في جلسته وأجلى حلقه ونظر نحو رائف وريان بالتبادل وهو يقول،
"لا اعلم حتى إن كان هذا قانونيا! هل هو قانوني أن تطلب منا مثل هذا الأمر رغم معرفتك إننا وكالة متعددة العملاء! حتى في الأعراف بين الشركات لم أسمع بمثل هذا الطلب من قبل!"

فرقع رائف بأصابعه ثم ابتسم بلؤم وهو يقول لريان ويغمز له بمعنى البدأ في الخطة البديلة،
"يبدو إن وكيلنا يهتم بالقانون واتباع الأعراف!!"

هز ريان راسه،
"هل تعتقد إنه سيفيدني إن طلبت استشارته؟"

ثم نظر كلاهما نحو تيم الذي قال بارتباك وهو يشعر إنهما يلمحان لأمر ما!

"أجل، هذا ما يبدو لي بم إنه خبير قانون وأعراف!" قال رائف وهو يتكئ في كرسيه بهدوء.

ابتسم ريان وقال بهدوء وهو ينظر مباشرة في عيني تيم، "لي صديق أعرفه، خطب فتاة بينما هو متزوج بأخرى سرا وأنجب منها طفل، ولا يريد فسخ الخطبة لأسباب تجارية مع عائلتها، هل تعتبر هذا أمرا مسموح اخلاقيا، عرفيا، قانونيا؟ أم إنه أمر يخدم المصالح فلا بأس من اللعب بقذارة أحيانا!!؟"

انسحبت الدماء من وجه تيم وجف حلقه ثم قال بعصبية وهو يهب واقفا،
"ما الذي يحدث هنا؟ هل تهددانني بابني وزوجتي؟"

وضع رائف يديه على الطاولة في علامة على حسن النية واتكأ للأمام،
"عليك أن تكون أكثر حذرا يا رجل، عندما تتزوج زوجة في السر لا يجب أن تبيت عندها أربعة أيام فالاسبوع فهذا سيثير الشكوك!! تستطيع زيارتها نهارا فقط"

ضم تيم قبضتيه وضيق بصره وهو يتحدث من بين أسنانه،
"أنصحك ألا تلعب معي بقذارة، لا شأن لابني وزوجتي في هذا"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي