الفصل السابع اا رسائل من مالك

في صباح اليوم التالي استيقظ رائف وهو يشعر بالصداع فوضع إصبعيه السبابة والإبهام يدلك صدغيه. للحظة أول ما استيقظ نسي إنه قد تزوج أصلا، حتى اشتم رائحة عطرها في الأجواء، فنظر حوله ولكنه لم يجدها.
كانت الأغطية ملقاة بجانب السرير بينما هو يحتل كامل السرير كعادته.

انزل قدميه الحافيتين على الأرض وجلس ثم أمسك بهاتفه ونظر إلى الساعة، وجد إنها العاشرة صباحا.
”تباً، لقد تأخرت في النوم! لدي اجتماع مهم اليوم“
أرسل رسالة إلى مساعدته الشخصية لكي ترتب للاجتماع المنتظر وطلب منها تجهيز بعض الأوراق والمستندات اللازمة.
عندما قرأت مساعدته الشخصية الرسالة اتسعت عينيها من الدهشة، هل سيأتي للعمل ويعقد اجتماعات في صباحية زفافه؟؟

في اللحظة التي كان سيقف فيها رائف من سريره ظهرت لولا أمام باب الغرفة وهي ترتدي مأزر الحمام وشعرها مبلل، رمش لثانية بتفاجئ! قالت لولا بنبرة محايدة،
”صباح الخير!“
شملها بنظراته ثم قال: ”هل نمتِ جيداً!؟“
ثم لعن داخله لسؤاله. لما عليه أن يسأل فهو لا يهتم!! عليه أن يكون أكثر انتقاءا لكلماته معها في المستقبل فهو لا يريد أن يتطور بينهما أي نوع من أنواع المشاعر.

أما لولا فقد فكرت إنها بالطبع لم تنام بشكل جيد، ولكنها لن تخبره بهذا، لن تتركه يعلم حول مشاعرها أبدا فقالت بكل اعتزاز بالنفس،
”أجل!“
كانت لوليتا تنظر إلى كل مكان في الغرفة ماعدا نحوه، فهو لا يزال يرتدي فقط سروال داخلي.

ارتفعت حافة شفتيه في ابتسامة من تصرفاتها، ولكن سرعان ما اختفت تلك الابتسامة ليحل محلها نظرة باردة كالجليد عندما فجأة غزت ذاكرته صورة امرأة شقراء تمثل الخجل والبراءة. كانت تلك زوجته السابقة والتي وجدها بالصدفة في سرير مدير أعماله، كان ذلك منذ ثلاث أعوام فقط.

نفض رائف رأسه ليبعد تلك الذكريات الغير مرغوب فيها ومسح على وجهه بكلتا يديه. وشعرت لولا بعبوس وجهه وتغير مزاجه ولكنها لم تسأل، فهي تقنع نفسها إنه لا يهمها، لا يهمها مزاجه ولا يهمها بما يشعر. توجهت نحو غرفة الملابس التي اكتشفت وجودها هذا الصباح عندما كانت تتجول في أرجاء الجناح. كان باب غرفة الملابس ملاصق لباب الحمام. بدأت لولا تبحث عن ثوب مناسب لترتديه من بين مجموعة الأثواب الأنيقة التي اشترتها!

أما رائف فدخل ليستحم وبعد أن انتهى كانت لولا قد انتهت من تجفيف شعرها بمجفف الشعر ونزعت مأزر الحمام لترتدي ثيابها، كانت ترتدي فقط ملابس داخلية سوداء اللون مناقضة للون بشرتها الابيض.
خرج رائف من الحمام وهو يلف حول خصره منشفه واتجه مباشرة نحو غرفة تبديل الملابس.

وما أن انفتح الباب صرخت لولا وبدأت تدور حول نفسها تبحث عن شيء تغطي به نفسها:
”ما الذي تفعله هنا؟“

أما رائف فكان غير مهتم، نظر ناحبتها بكل برود ولا مبالاة وكل ما فعله رفع أحد حاجبيه وأجاب وكأنها تسأل سؤال غير منطقي،
”ماذا ترين؟ سارتدي ثيابي!“

وجدت المأزر الذي كانت ترتديه فلفته حولها بسرعة:
”ألا ترى إنني هنا أغير ثيابي؟ لما لم تطرق على الباب؟“

ارتفعت زاوية شفته بابتسامة جانبية ونظر له بعينيه الكسولتين واقترب منها وهو يقول ليغيظها،
”إذا!؟ أعتقد يجب أن تعتادي بسرعة على تبديل ملابسك أمامي!“

ثم تركها وهي تحدق فيه وتوجه نحو خزانة بها ملابسه وأخرج بعض من الثياب وكانت هي تراقبه بكل تصرفاته بنظراته التي لن تفارقه أبدا فقال،
”إذا كنت تخشين على بصرك أن يتلوث يا سنديلا الخجولة التفتي للجانب الآخر!“

ولم يمهلها وبدأ في نزع المنشفة فورا ليبدأ في ارتداء ثيابه.
قفزت من الفزع والتفتت للجانب الآخر وهي تقول في سرها،
’تافه!‘ ولكنها لم تعلق بأي شيء أمامه.

بعد أن انتهى صفف شعره ورش عطره وارتدى ساعته ثم تجاوزها وخرج دون أن ينطق بكلمة وكأنها غير موجودة، اخرجت لسانها خلفه وهي تقول في نفسها،
’ومن مهتم بك أصلا، مغرور!‘

اتجهت نحو خزانة الثياب لتأخذ الثوب الذي اختارته سابقا، ولكن ما أن نزعت المأزر حتى انفتح باب الغرفة من جديد فشدت المأزر حول نفسها بقوة، وكان رائف قد عاد وقال لها دون أي تعبير على وجهه،
”بعد أن تتجهزي يجب أن تنزلي للافطار في الأسفل! ولا تنسي أن تضعي قطعة القماش على السرير“

اشتعل وجهها باللون الأحمر من الخجل والارتباك، وبالمقابل كان رائف غير مهتم واقفل الباب وخرج.
احتارت كيف يتصرف بكل لا مبالاة هكذا؟؟

اختارت ثوب بلون المشمش ينعكس على لون شعرها الأحمر، وارتدت القلادة الزمردية التي أعطاها إياها الجد، فقد شعرت إنها أفضل طريقة تشكره بها وتظهر امتنانها هي بأن ترتديها هذا الصباح. صحيح إنها تكره كل فرد في هذه العائلة ومن ضمنهم ميكائيل ذلك العجوز ذو الطباع الحادة والذي يخافه الجميع، فهو معروف بصاحب القلب الحديدي، إلا إنها في نفس الوقت تريد أن تنال رضاءه من أجل والدها. فمصير والدها بين يدي هذه العائلة.
رشت عطرها بعد أن وضعت بعض من مساحيق التجميل وخرجت لغرفة النوم ثم أخذت قطعة القماش ووضعتها حيث أخبرها رائف.

نزلت من الدرج بخطوات غير واثقة تماما حول ما يجب عليها فعله أو كيف يجب أن تتصرف، فهو لم يكلف نفسه حتى عناء انتظارها والنزول معها باعتبار إن هذا أول يوم لها هنا. من حسن حظها شاهدت خادمة تمر من أمامها وهي تحمل صينية فارغة بين يديها، فعلمت إنها قد جاءت من غرفة الطعام. فقررت الذهاب في نفس الاتجاه الذي جاءت منه الخادمة وقد كان احساسها في مكانه، فقد سمعت أصواتهم وأصوات الملاعق.

وقفت أمام الباب بتوتر وأخذت نفس عميق، وفي اللحظة التي كانت ستدخل بها سمعت صوت امرأة تقول له،
”لما لم تنتظر زوجتك يا بني لتنزلا سوياً، لابد إنها مرتبكة“
يبدو إنه صوت جدته سيلا، أجاب بلا مبالاة واضحة في نبرة صوته،
”دعيها تعتاد على المنزل“
قال صوت انثوي بغنج وبضحكة عالية شعرت لولا إنها مستفزة،
”رائف عزيزي! عليك أن تدلل عروسك على الأقل في اليوم الأول!“
شعرت لولا بنغزة في صدرها من ميوع الفتاة، لا تدري لما ولكن فورا مر من أمامها صورة رائف بصحبة الفتاة على الشرفة.
قالت امرأة أخرى وصوت مقعد يتحرك من مكانه،
”سأذهب لأرى لما تأخرت، ربما الفتاة مرتبكة“

وما أن سمعت لولا قول المرأة زفرت الهواء الذي كانت تحبسه من صدرها ورفعت رأسها قليلا وكتفيها تحاول جذب القوة داخلها ودخلت.

قالت بصوت منخفض قليلا وهي مبتسمة،
”صباح الخير جميعاً!“

ارتسمت الابتسامة على وجه كل من ميكائيل وسيلا وقد أشرق وجهيهما، قال ميكائيل بصوته الرزين الخشن قليلا:
”صباح الخير عزيزتي!“

أشارت لها سيلا نحو الكرسي الخالي يمين رائف وقالت،
”تفضلي يا ابنتي اجلسي هناك بجانب زوجك!“

كانت سيلا رغم كبر سنها إلا إنها لا تزال تحتفظ بجمال شامخ حارب السنين، وكانت على عكس زوجها ميكائيل، فلمحة من الحنان واللطف تمسح على ملامحها، فتشعر نحوها بالأمان والحب والألفة.

نظرت لولا ناحية رائف ووجدت إنه غير مهتم لها وإنما يتحدث مع الفتاة التي بجانبه الآخر، ويا للعجب إنها نفس الفتاة التي شاهدتها معه على الشرفة ليلة أمس! هل هذا يعني إن هذه الفتاة هي إحدى الحبيبات في حياته اللواتي لمح لوجودهن؟

جلست لولا تحاول عدم الأكثرات لتجاهله وعدم مبالاته، فهي أيضا لا تهتم له، بل في كل لحظة يزداد كرهها له. أسرعت الخادمة نحوها وهي تقول،
”سيدتي، هل تفضلين الشاي أم القهوة؟“

أجابت لولا وهي تبتسم بمجاملة نحو الخادمة،
”شاي!“
قالت مانيا زوجة عم رائف،
”آمل إنكِ نمتِ جيداً!“

”أجل شكرا لكِ“

كان الجميع حول طاولة الإفطار لطيف بالنسبة لها ما عدا رائف والفتاة التي يتحدث إليها. بدأت لولا تستمع لصوت الفتاة التي بجانب رائف والتي تتحدث إليه بغنج مصطنع. لم يكلف أحد من أفراد العائلة نفسه ليقدمها لها ولا حتى المزعوم زوجها. شعرت لولا بالحنق ولكن لم تظهره، فليس من الطبيعي أن يجلس زوجها يتحدث مع فتاة ما في أول صباح لهما بينما زوجته مهملة بجانبه، ثم أنبت نفسها،
’لولا أيتها الغبية! أنتِ هنا من أجل غرض واحد فقط وعليك ألا تنجرفي وراء أوهام!! لا تهتمي بما يفعل فهذا ليس من شأنك!‘

دنق .. دنق
قطع حبل أفكارها عندما سمعت صوت وصول رسالة وصلت لهاتفها على الواتس آب، تجاهلتها في البداية وهي تشرب الشاي وتتبادل بعض الأحاديث مع سيلا ومانيا، وكان رائف لا يزال يتحدث مع تلك الفتاة. ثم وصلت عدة رسائل متتالية مرة أخرى.

رفعت هاتفها لتنظر بعفوية، ثم تشردقت قليلا وسعلت عندما وجدت إنهم من مالك!
قال الجد للخادمة،
”اسرعي بالماء لحفيدتي!“
أمسكت لولا كوب الماء وقلبها يدق بسرعة من التوتر وقالت تحاول ألا تلفت الأنظار إليها،
”لا بأس، أن بخير“

ثم وصل إشعار آخر لرسالة أخرى، فرفعت لولا هاتفها مجددا وهي تنوب اقفاله أو وضعه في الوضع الصامت، ولكنها قرأت بعض الرسائل من خلال الأشعارات فوجدت فيها،
[اشتقت لكِ]
[هل تمت الأمور بينكما؟] ومعها قلب مكسور.
وبعدهم العديد من الرسائل.
لم ينم مالك طوال الليل، في الجقيقة كانت هذه أطول ليلة في حياته.
لم تتوقع أبدا أن يتراسل معها مالك بعد أن تزوجت مطلقا.
فكرت بتنهيد، ’كان يجب أن أغير رقم هاتفي، فأنا لم أكن أعتقد إنه حتى سيحضر حفل الزفاف!‘
قطعت أفكارها حين قال رائف وهو يرتشف من كوب قهوته بعد أن لاحظ شحوب وجهها،
”هل هناك أمر ما؟ هل كل شيء على ما يرام؟“

ضمت هاتفها بين يديها بسرعة حتى لا يشاهد رائف الإسم، أو يقرأ بعض من الكلمات وقالت،
”إنها فقط أمي تسألني عن بعض الأمور!“
ثم تظاهرت بأنها مستغرقة في تناول طعامها لتبعد الأنظار عنها، رن الهاتف ولكن هذه المرة كان هاتف رائف، والذي أجاب ونهض فورا بعد أن مسح فمه وقال،
”تمتعوا بإفطاركم!“
”إلى أين؟“ قال الجد بصوت جاد وهو يحدق في حفيده، أجاب رائف بلا مبالاة أثارت حنق جده،
”العمل يا جدي ينتظرني“
قال جده ويبدو صوته أكثر غضبا، ألا يكفيه تجاهله لزوجته على طاولة الإفطار في أول يوم لها كفرد من العائلة؟
”إنه اليوم الأول من زواجك! عليك البقاء قرب زوجتك؟؟"

نظر رائف ناحيتها وكإنه كان قد نسيها وتذكرها الآن فقط، كان يحاول خلق المسافة التي ستبنى عليها علاقتهما من أول يوم، كما إن حديث روزي ابنة خاله يجعله يفكر في الهرب من هنا في أسرع وقت، إن الفتاة لا تصمت أبدا!!
أجاب رائف رغم إنه يكره من يتدخل في أموره الخاصة،
”أمر هام جدا يا جدي لا يحتمل التأجيل!“

واستدار ليذهب في اللحظة التي دخلت فيها جولي وسوزان وزين شقيق لولا الصغير. اصفرزجه لولا وارتعبت خشية أن تنفضح، خافت من أن ينكشف أمرها حول إن والدتها ارسلت لها الرسائل.

قالت جولي بابتسامة مشرقة على وجهها،
”صباح الخير جميعا“
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي