الفصل الخامس والثلاثون اا حضور رائف المفاجئ

شحب وجه نانسي وهي تشاهد هذه المرأة الغبية تهين المدير وزوجته دون أن تدرك.
قالت تحاول إنقاذ الموقف، "لا بأس، سأساعدك أنا، إنه مجرد ماء"
ولكن المرأة المغرورة قالت بتعالي، "لا! هي من فعلت وهي من ستقوم بالتنظيف، غبية! سأخبرهم بأن يخصموا راتبك"

كانت عيني رائف قطعتين من الجليد، رفع حاجبه ليتحدث ويوقف هذه المرأة المغرورة عند حدها ولكن سبقته لولا عندما قالت وهي مبتسمة، "حسنا! سأريك ما يمكن للغبية وطفلها أن يفعلا!"
ثم أخذت كأس العصير ورمته في وجه المرأة!

من حسن الحظ إن الطاولة كانت في زاوية وركن خاص ولم يكن أحد يشاهد المشهد.
ولم تكن لولا ستتصرف بهذه الطريقة لو إن رائف لم يكن هوا الموجود على الطاولة، ولكنها شعرت بالحرارة تغلي داخلها بعدما شاهدته الآن بصحبة هذه المرأة التي تبدو متعجرفة ومغرورة، وأيضا في غاية الأناقة والجمال!

"أوووه أيتها الحثالة!"
قالت المرأة ثم نظرت إلى ثوبها غالي الثمن وأضافت، "هل تعلمين أيتها الغبية، هل الثوب يشتريك أنت وإبنك وزوجك الغبي. سأجعلك تندمين وتدفعين الثمن!"
ثم وقفت لتتجه نحو مدير المطعم لتشكو في لولا.

أمسكت نانسي كأس الماء الذي أمامها وشربت ترطب حلقها فقد أدرك إن هناك صداع قادم في الطريق لا محاله.

قال رائف بصوت آمر، "اجلسي!"
التفتت المرأة نحوه باستغراب وقال بصوت مهزوز، "ولكن سيد راف!"

"قلت اجلسي!"

نظرت له لولا بجنق فقد ظنت إنه يحاول تهدئة المرأة وسيطلب منها أن تعتذر فقالت باستهزاء، "لما لم تتركها تذهب وتشكو؟ أم إنك خائف"

"كيف تتجرئين؟" قالت المرأة.

رمت لولا المنديل الذي في يدها على الطاولة بقوة ثم دفعت عربة الطعام أمامها وتوجهت نحو المطبخ، كانتمتأكدة إنه سيتم طردها اليوم، ولكن هذا لا يهم، كل ما يهمها الآن إنها تتمنى أن تصفع وجه ذلك المتعجرف، لا تعلم لما اشتعلت النيران في قلبها منذ شاهدته!

هل يعقل بسبب إنه لم يعد يحاول التواصل معك نهائيا منذ تم القبض على روزي وجينا؟ كنت تتوقعين إنه على الأقل يفكر في ابنه! ولكن عندما شاهدتيه بصحبة هذه الفاتنة شعرتي بأنه لا يكثرت؟

ولكن لما تريدين منه أن يكثرت؟

وقف رائف بسرعة في إثر لولا بعد أن قذف نظرة حادة نحو تلك المرأة المتعجرفة.

بعد أن ابتعد عن مرمى من على الطاولة تحت ذهول المتعجرفةـ، قالت نانسي للمرأة تغيظها، "لو كنت مكانك لرحت الآن، يبدو إنك لن تحصلي على العقد"

نظرت لها المرأة بغضب، "ما الهراء الذي تتفوهين به؟"

ضيقت نانسي عينيها على المرأة وقالت، "إنها زوجة السيد رائف أيتها الغبية!"

صقط فك المرأة من المفاجأة ثم قالت بعيون متسعة، "زوجته؟"

"أها. وأنصحك بالمغادرة"

وضعت لولا العربة حيث صف العربات وعيونها ممتلئة بالدموع.
توجهت نحو الحمام لكي تغسل وجهها وتبرده من الحرارة والدموع الحبيسة.
لم يكن يسمح للمظفين باستعمال حمام الضيوف، ولكنها دخلت لأنها لا تريد لأحد من زملائها برؤية دموعها.

فجأة وهي تقف أمام المغسلة ويديها تحت الصنبور شعرت بيدين قويتين تحيطان خصرها، رفعت عينيها نحو المرآة لتلقي بعيني رائف. نظرت له لعدة لحظات عبر المرآة.
ثم رمشت عندما قال ونظرات عينيها لا تزال متشابكة عبر المرآة، "اشتقت لك"

كانت كلماته صادقة خرجت بكل صدق من فمه دون أن يشعر بنفسه حتى.

واستدارت على الفور تبعده عنها وهي تدفعه من صدره، وقالت بنبرة حادة قليلا، ”هيي، ما الذي تفعله؟“

قال بكل بساطة، وابتسامة حزينة قليلا على شفتيه، ”أخبرتك! اشتقت لك!“

احمر وجهها وقالت، ”لا يجب أن تكون هنا، هيا اخرج وعد إلى رفيقتك“

”ليست رفيقتي“ قال وهو يرفع حاجبيه قليلا باستنكار.

رفعت رأسها عاليا وقالت، "لا يهمني!"

التمعت عيناه بالاستمتاع وقد لاحظ إنها تكذب، هي تهتم. وهذا جعل الأمل يرتفع داخله بشكل كبير، فإن كانت تهتم تهتم ولو بنسبة واحد بالمئة فهو مستعد لتحطيم جبال من أجلها وخوض معارك فقط لكي يستعيدها. هذه اللمحة البسيطة فقط تجعله يحارب من أجلهما سويا، ومن أجل طفلهما.

وعندما تذكر الطفل نظر إلى أسفل بطنها وقال، "كيف حاله؟ هل هو بحال جيد؟"

وضعت لولا يدها على بطنها وقالت بصوت محايد، "يبدو بصحة جيدة، الطبيبة أخبرتني إنه بصحة جيدة"

ابتسم رائف وهو لا يصدق إنه سيصبح أبا قريب جدا، كان هذا الشعور يسعده ويخيفه في نفس الوقت.
ولكن لا يهم، لا يهم ما يشعر به، كل ما يهم الآن أن يستعيد زوجته وطفله.

قال يحاول فتح موضوع للحديث، "منذ متى تعملين هنا؟ إذا كنت بحاجة إلى عمل عمل لماذا لم تسأليني؟"

ظنت لولا إنه يقصد أن تسأله المال، فهذا الرجل من وجهة نظرها لا يهتم سوى للمال.
قالت بصوت يشوبه الغضب، "لست بحاجة إلى أموالك"

والتفتت لتخرج، ولكن قبل أن تفعل أمسك ذراعها وقال، "لم أقصد ذلك! أقصد لو أخبرتني لكنت وجدت لك وظيفة تناسبك" وأشار نحو بطنها.

رفعت حاجبها وتذكرت ما قالته تلك المرأة المتعجرفة حول عملها هنا وهي بهذا الوضع، ثم قالت تستفزه، "لا تقلق، مالك ساعدني في العثور على هذه الوظيفة، وأنا سعيدة جدا بها"

وعندما شاهدت الانزعاج والامتعاض على ملامح وجهه شعرت بالرضى وأكملت، "والآن دعني أخرج، ليس من اللائق أن يدخل أحد الزبائن ويجد مقدمة الطعام هنا مع زبون" وقبل أن تخرج أضافت، "أرجوك لا تخبر أحد هنا أنك زوجي"

لم يعجبه كلامها وكان سيتحدث ولكن امرأة دخلت إلى الحمام فنظرت نحو لولا وهي تخرج باستنكار ثم نحو رائف ووجوده في حمام السيدات.

في المساء، كانت لولا تتجهز للنوم بعدما استحمت ووضعت مرطب الشعر وكريم العناية الليلي بالبشرة وكريم ترطيب اليدين، عندما وصلتها رسالة.

رفعت الهاتف وهي تتوقع إنها من سوزان، فلا أحد يتصل بها غيرها. ولكن كان اسم رائف على الشاشة، ارتفعت دقات قلبها فتحت الرسالة، كانت جملة واحدة مكتوبة [لا تنسي إنك متزوجة، توقفي عن التواصل مع ذلك ال…]

لا تعلم لما ارتفعت شفتها في ابتسامة، كانت سترد عليه فورا إنها لا تتحدث معه في الأساس، ولكن بعد أن طبعت الرد [لا أتحدث معه أساسا، هل نت لا تزال تذكر إنك متزوج؟] نظرت للرسالة عدة ثواني وأعادت قرائتها ثم قامت بمسحها.

فكر إنها لما سترد؟ ما الذي ستستفيده إلا فتح باب للحديث لعلاقة كتب عليها الفشل؟ لقد تم الاتفاق بين جاد ورائف منذ حادثة روزي وجينا على أنه سيطلقها بمجرد أن تلد الطفل. فما الفائدة من فتح باب ليس له أي فائدة؟

وضعت يدها على بطنها وهي تحاور ابنها، "هل أنا أم قاسية تتخلى عن طفلها؟"

سمعت طرقات خفيفة على باب غرفتها فقالت، "أدخل!"

شاهدت شعره العسلي وهو يمد رأسه داخل الغرفة ويقول بصوته الرقيق الناعم، "لولا! هل أستطيع النوم بقربك؟ لقد شاهدت كابوس الليلة الماضي"

فتحت ذراعيها وقد اتسعت ابتسامتها، "بالطبع عزيزي، تعال"

صعد زين إلى سرير أخته وهو سعيد، ثم أخرج بعض قطع الشوكولا من جيبه وقال، "هل تريدين بعضا منها؟"

ضيقت لولا عينيها، "ألهذا السبب أنت هنا؟ لتأكلها خفية عن ماما؟"

وضع زين يده على فمها يسكتها وهو ينظر ناحية باب الغرفة، "أِِِِششش، ستسمعك أمي. أنا فقط أريد أكل القليل. ولكني بالفعل رأيت حلما مزعجا ليلة البارحة، هل تريدين أن أقصه عليكِ؟"

ضحكت لولا وأجابت، "نعم بالطبع، هيا أخبرني، هل هو أحد الغيلان التي دائما تزعجك في أحلامك؟"

حرك زين رأسه يمينا ويسارا، "لا لا. هذه المرة الحلم عنك أنت، لقد شاهدتك تركضين بلا توقف، ثم شعرتي بالتعب الشديد فوقفتي، وعندما وقفتي وجدتي نفسك أمام منحدر كبير، أخذت خطوة إلى الخلف نظرتِ ألى والدينا وبدأت تبكين ثم ركضتِ في اتجاه آخر"

"أمممم، هل هذا هوا كل شيء؟"

"أجل" أجاب ونظراته البريئة تتفحص ملامحها.

قرصت لولا خده وقالت، "يبدو إن هذا لا يعني شيء، هيا للنوم"

بعد لحظات غفى زين ونام، رن هاتفها لتتفاجئ برقم رائف على الشاشة.
لم تجب بل وضعته بالوضع الصامت ونامت.

في الأيام القليلة التالية كان رائف منغمس في بعض المشاريع الجديدة التي تحتاج كامل اهتمامه ووقته، ورغم ذلك فهو لم يتوقف عن التفكير بحلول حول مشكلة زواجه كلما سنحت له الفرصة، فكم يتمنى أن يعيش ابنه القادم في ظل أسرة واحدة متحدة غير منفصلة.

بعد انتهاء اجنماع مجلس الإدارة صعد رائف إلى سيارته الليموزين وأمسك هاتفه يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، وكان أول ما يفعله في كل يوم هو الدخول إلى صفحة لولا الشخصية على الإنستجرام. يتصفح منشوراتها ويتأمل صورها.

رغم إنه شاهد العديد من الصور لها وهي ببطن منتفخة إلا إنه عندما شاهدها ذلك اليون في المطعم كان الأمر مختلفا، شعر حينها بالحنين إليها، شعر بأنه بالفعل يريدها قربه ليكمل معها كل حياته.

ها قد فتح ملفها الشخصي كالعادة ليجد أمامه صور لها وهي في نادي اليوغا، لا يعلم أي نادي على وجه التحديد ولكنه إن أراد أن يعرف فلا يبعده عن ذلك سوى اتصال واحد صغير.

"انطلق!" قال رائف للسائق بصوته الهادئ.


تصفح صورها وهي تبدو بحال جيد وصحية وحيوية كثيرا. مرر الصور وكانت مع بعض النساء وهي تضحك ويبدو إنها مستمتعة بوقتها. يسعد كثيرا عندما يلاحظ إنها بدأت تعود لطبيعتها وضحكها ومرحها.

وبينما هوا يمرر الصور نزل فيديو بث مباشر للولا وهي مبتسمة مع واحدة من النساء ويبدو إنهم يحتفلون بأمر ما. ثم ظهر شاب في الفيديو خلف لولا وكانت نظراته لها لم تعجب رائف، نادى الشاب بإسم لولا فالتفت له وهي مبتسمة ثم أغلقت الفيديو.

وفي هذه الأثناء كانت لولا تقف قرب المدرب أيان الذي كان يقف معهم يحتفلون بولادة مانيا. كان الجميع سعداء من أجلها فقد خسرت حملين قبل الآن، وها قد ولدت وأمسكت طفلها بين يديها الآن.

"يبدو إنك تأقلمتي مع أجواء النادي؟" قال أيان وهو ينظر نحو جيسي التي تقوم بتقطيع الكعكة.
"أجل، لم أتوقع أن تكون الأجواء بهذه اللطافة، شكرا على لطافتكم جميعا"

ناولتها جيسي صحن الكعكة وهي مبتسمة، "خذي عزيزتي أنت من الأوائل فسوف تخرجين قريبا أنا أعلم"

ثم قلدت طريقة لولا في الحديث، "سوف أذهب، لا يجب أن أتأخر فالعمل ينتظرني"

ضحك الجميع بمن فيهم لولا، فجيسي فكاهية جدا وهي من تجعل الأجواء بها جو من المرح.

بعد أن ابتعدت جيسي عن مرمى مسامعهم قال أيان وهو ينظر لها وهي تأد من الكعكة،
"هل لي أن أسألك سؤال شخصي؟"

أجابته لولا على الفور، "حسنا"

"أين زوجك؟"

توقفت الملعقة في نصف طريقها لفم لولا، لم تتوقع منه أن يسألها سؤال شخصي لهذه الدرجة.

"دع الفتاة وشأنها" قالت مانيا وهي تمر من أمامهم ويبدو إنها سمعت سؤاله.

"هل أزعجك سؤالي؟"

لم تجبه لولا بل أعادت ملعقتها إلأى صحنها تحاول التفكير في إجابة مناسبة، فهي بالطبع لا تريد أن تكشف تفاصيل حياتها الخاصة لأي أحد.

أضاف أيان عندما لم يسمع منها أي إجابة، "أنا أعتذر إن تدخلت فيما يعنيني، الأمر فقط لما قد يترك زوج زوجة جميلة مثلك، أعتقد إن من يحظى بك يجب أن يحافظ على وجودك في حياته"

كانت كلمات أيان ونظراته تقطر إعجابا، مما سبب في زيادة الاتبارك للولا التي قالت بعد أن أجلت حقلها،
"إن الأمر فقط .."

"إن الأمر فقط هو إنه ليس من شأنك"
جاء صوت رائف من أمامهم فالتفت كل من لولا وأيان نحوه.

احمر وجه أيان وقال وهو يقبض بشدة على قبضتيه، "ومن أنت حتى تتحدث إلي هكذا؟"

اقترب رائف خطوة إلى الأمام وقال بسخرية بعد أن لفت حضوره أنظار كل من في المقهى، "سأخبرك الآن من أنا"

كانت هالة من الحضور والقوة والسيطرة تحيط به وتصرخ بكل حركات لغة الجسد لديه، حتى إن من كان يفعل شيء توقف فقط لينظر لهذا الرجل الملفت.

شعرت لولا بأن مشكلة في طريقها للحدوث فوضعت يدها على جبينها بقلة حيلة، لاحظ رائف حركتها فعدل عما كان عازم لفعله، وبدلا من ذلك اقترب منها ووقف بجانبها ووضع يديه على خصرها ليجذبها نحوه وتلتصق به، ثم ابتسم لأيان وأكمل، "أنا زوجها"

علت الدهشة وجوه الجميع وكأنت أشد وطأت على أيان الذي كان يعتقد إن له فرصة مع لولا.

نظر رائف للأسفل نحو لولا بطوله الشامخ وعيونه الجذابة ثم قبلها على أعلى رأسها وقال، "عزيزتي! هل نذهب؟"

تذهب؟ ليس بعد يا سيد رائف، ليس بعد أن وقعت بين يدي هؤلاء النسوة. أسرعت جيسي وخلفها صديقاتها الثلاث وقد وضعت مانيا طفلتها بين ذراعي زوجها وأسرعت معهن.

زوج لولا؟ هذا أمر لا يجب أن يمر بهذه البساطة، وفوق هذا زوجها بهذه الجاذبية والجمال والثراء؟

وقفت النساء الأربع مرتصفات قرب بعضهن، قالت جيسي، "مرحبا سيد… زوج لولا، نحن هنا زميلاتها في النادي"

"أنا جيسي"

"وأنا مانيا"

تابعت النساء تعريف أنفسهن لرائف بينما نظرت لولا نحو أيان الذي ابتعد بخطواته واختفى عن الأنظار، ولكن نظرتها هذه لم تغب عن نظر رائف الذي ضغط على خصرها ليعيد تركيزها. هي بالطبع لا يعني لها أيان أي شيء، لم تكن تعلم إنه يشعر نحوها بشيء حتى الآن عندما تحدث معها لاحظ نظرات الإعجاب في عينيه.

"أوووه يا إلهي، يا فتاة! لما لم تخبرينا إنه لديك زوج رائع مثل هذا؟ كنا نخطط لجعلك تلتقين بشخص ما، كنا نظنك وحيدة" قالت مانيا وهي تضحك فنكزتها جيسي بأن تصمت.

ابتسمت لولا وهي تحاول إغاظة رائف، "أحقا ترونه هكذا؟ أنا أراه عاديا جدا"
نظر لها رائف ورفع حاجبه وقال، "زوجتي لا تحب التحدث عن حياتها الخاصة، لذا لم تخبركم"

"أووه لقد فعلت ذلك بشكل مذهل!"
قالت جيسي، ثم نكزت مانيا وهي تشير لها بحاجبيها لأن تقول شيء ما، "ما رأيك أن تأتي بصحبة لولا لحفلة استقبال الطفل، إنها في منزلي بعد يومين"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي