الفصل العشرون اا التجهز للحفلة

"تباً!"

هدر رائف وهو يركل الباب أمامه مثل المجنون، ثم اتجه ركضاً نحو الشارع الخلفي الذي تحدث عنه الحارس بعد أن وضع هاتفه في جيبه الخلفي بسرعة. كان هذا الشارع من أخطر الشوارع في المدينة! ولا يعلم لما تلك المجنونة دخلت إليه!!؟

كان الشارع يشبه الزقاق الضيق قليلا، ومظلم ومليئ بالمجرمين الذين لا ينامون الليل بحثا عن فريسة!
تسائل رائف بغضب في سره وهو يركض متجها في الإتجاه الذي به حراسه،
’هل هي مجنونة لتضع نفسها في مثل هذا المأزق؟ ما الذي دفعها لدخول مثل هذا المكان؟’

أما لولا فأصبحت تركض هي و ليلى الفتاة التي بصحبتها بصعوبة بسبب ملابسهم الغير ملائمة للركض، فبعد أن هربوا من الحراس الشخصيين لكي تثير غضب رائف عمداً فهي تعلم أن الحراس سوف يتصلون به، وجدت نفسها هي وليلى محاصرتين بعدد من الشبان الذين يبدو عليهم الإجرام، فكما يبدو من مظهرهم إنهم بغير وعيهم ومخمورين!
نظرت الفتاتان لبعضهما البعض في رعب ثم أطلقن ساقيهما للريح!

لعنت لولا داخلها بشكل متكرر، لما كل ما تفعله ينقلب ضدها.
استمرت الفتاتين بالركض دون توقف حتى قاربت انفاسهما على الانقطاع، لم تتجرأ إحداهما على التباطئ للنظر إلى الخلف، ولكن أصوات الشباب خلفهم توحي إنهم اقتربوا منهم كثيرا.

فقدت لولا الأمل في النجاة من هؤلاء الشبان فقد بدأت تتعب ولا تستطيع حتى أن تلتقط أنفاسها! تشعر بدقات قلبها تكاد تخترق جسدها ونخرج.
ولكن فجأة ركنت سيارة قربهما وقال سائق السيارة ذو الصوت المألوف،
"هيا اصعدا!"

في هذه الأثناء كان رائف لا يزال يبحث عنها بعدما لكم أحد الحارسين على وجهه من الغضب، لا يعلم ما الذي حدث؟ لقد تركها في المنزل تجلس أمام مكتبها الدراسي تدرس!! لما الذي جد عليها لتأتي إلى مكان مثل هذا وتدخل لشارع مليئ بالمجرمين الخطرين!!

بدأ اليأس يتسلل داخله وفكر بأن أحد ما قد آذاها عندما رن الهاتف في جيبه، كان حارس البوابة في القصر، أجاب رائف المكالمة على الفور، فقال الحارس،
"سيد رائف! إن السيدة الصغيرة قد عادت إلى المنزل!"

زفر رائف بارتياح بعدما سمع هذه الجملة التي يعتقد إنه لم يسمع أفضل منها منذ زمن طويل!
أقفل الخط واتصل بالحارس الذي لا يزال يقف أمام باب الملهى الليلي بأن يحضر له إحدى السيارت بسرعة!

لم تكن المسافة بين الملهى والقصر ببعيدة، فوصل رائف في وقت قياسي بسرعته المجنونة التي كان يقود بها. أول ما دخل من البوابة تراءت له سيارة خضراء اللون مركونة، أصدر صرير عالي بفرامل السيارة وهو يركن بقربها بسرعة، ليجد شاب ما يساعد لولا في النزول من السيارة من الكرسي الخلفي، كما يوجد فتاة تجلس في الكرسي الأمامي.

نزل من السيارة فور أن وقفت وأقفل باب السيارة بعنف.

لم تعجبه الطريقة التي كان بها الشاب قريبا من لولا يساعدها في الخروج من السيارة وهي حافية القدمين.
التفت الشاب عندما شاهد شحوب وجه لولا المفاجئ وهي تنظر خلفه.
لقد كان الشاب هو مالك، ازداد شعور رائف بالغضب بالرغم من إنه يفترض به الشعور بالامتنان لرؤية مالك وقد أعادها إلى المنزل!!

"سيد رائف!" بدأ مالك الحديث، "لقد وجدت لولا صدفة في طريقي وعرضت عليها أن أوصلها إلى المنزل، أرجو ألا يكون هذا مزعجاً بالنسبة لك!"

كان رائف يشعر بالسخرية في صوت مالك ونظراته، خصوصاً عندما نطق نهاية الجملة مشدداً عليها ونظراته تلمع.
ربت رائف على كتف مالك بقوة وهو يتمنى لو أنه يستطيع لكمه في وسط عيونه التي ينظر بها إلى زوجته، ولكن أصول اللباقة تحتم عليه أن يشكره لمساعدتها، فقد كانت الغبية في خطر حقيقي!

كان تربيتات رائف على كتف مالك قوية وتحمل في طياتها المعنى المخفي الذي تحمله نظراته، "شكرا لك سيد مالك! سأستلم أنا زوجتي من هنا!"

ولم ينتظر رائف أكثر ذلك وحمل لولا أمام ناظري مالك بين ذراعيه واتجه نحو باب المنزل.
شعر رائف بأن التقرير الذي أرسلته له مساعدته الشخصية ينقصه شيء ما، أمر ما حول مالك. هو لا يشتبه بشيء ولكن حلقة ما مفقودة، فهو يشعر بنظرات مالك نحو لوليتا. وكذلك نظرات التحدي التي تلمع في عينيه اتجاهه!

وقف مالك دون حراك ولكن كان قلبه يحترق، عيونه ستخرج من مكانها! شعر بانقباض في صدره وثقل تنفسه وتشنجت حنجرته وتجمعت فيها كتلة، ثم هربت دمعة واحدة ساخنة على خده.

فها قد أخذت حبيبته من أمام عينيه ولم يستطع أن يحرك ساكنا! ولكن ما الذي يمكنه أن يفعله؟ فالذي رفعها بين ذراعيه لم يكن سوى زوجها! ذلك الزوج المتعجرف القاسي الذي لا يستحقها.
هو يدرك إنها غير سعيدة معه، هذا واضح وضوح الشمس، منذ زواجها والحزن يخيم فوق عينيها كغمامة سوداء.
ولكنها في النهاية أصبحت له!

أعاده صوت ليلى من أفكاره البائسة وهي تقول، "هيا لقد تأخرت، يجب أن أعود إلى المنزل!"
ورغم ذلك فهو سعيد لسلامتها، فبعد أن اتصلت به سوزان تخبره أن يذهب لذلك النادي ويحاول إقناع لولا بالعودة إلى المنزل، صادفها وهي تركض نحو ذلك الشارع عندما وصل، وهذا كان من حسن حظها، فأكمل بسيارته يلحقها.

رغم إن سوزان أخبرته بالفعل بأن لولا ذهبت إلى ذلك المكان بالفعل لتثير غضب زوجها عمدا، وهذا يدل على اهتمامها به، إلا إنه ذهب إليها مسرعا ولا يتحمل أن يراها تصاب بأذى حتى وإن فقد الأمل في أن تصبح ملكه يوما ما!

لقد شاهد بأم عينيه منذ قليل النظرات التي بين لولا ورائف، لم تكن نظرات باردة تدل على عدم الاهتمام، بل على العكس تماماً!
شغل محرك السيارة وضغط على البنزين.

سمعت لولا صوت صرير عجلات مالك القوية عندما وضعها رائف بقوة على الكنبة في الصالة.
لم تستطع رفع عينيها في عيني مالك عندما حملها رائف فدفنت وجهها في عنقه!
تعلم الآن إن مالك مستاء جدا، لابد وإنه محطم!

لم يترك لها رائف مجالا للتفكيروجذبها من ذراعها بقوة، "ما الذي كنت تفعلينه في النادي الليلي بحق خالق الكون!"

"أ .. أ .. أنا"
تلعثمت لولا ولم تعرف بم تجيب، كل الكلام الذي أعدته قد تبخر.

زاد رائف من ضغطه على يدها وهو يكز على أسنانه بغضب بينما يقول، "أنت ماذا؟"

"هل كان ذلك المالك معك في النادي؟ ما علاقتك به؟؟"
توالت الأسئلة من شفتي رائف وهو يمسك بكلتا كتفيها ويهزها.

هل كانت تخونه طوال هذا الوقت؟ وهو كالمغفل؟؟ ينتظرها حتى تتعود عليه؟

قلبه أشعره إن هناك أمر ما بينها وبين مالك ذاك!

كانت لولا متأكدة من إن قبضتيه حول كتفيها سيتركان أثر! آلمتها ذراعيها بشدة وهو لا يزال يزيد من قوة قبضته. لا إراديا رفعت يديها ودفعته من صدره ، ولكنه لم يتحرك قيد أنمله، كان ثابثا في مكانه كالجلمود.

صرخت بألم، "أنت تؤلمني توقف!" أرخى قبضتيه حول كتفيها قليلا ولكنه لو يتركهما.

"تستحقين!"

استفزنتها كلمته فدفعته بكل قوتها وحررت نفسها من قبضته وهي تصرخ به، "أستحق؟ لماذا؟ لأنني قررت الخروج والاستمتاع بوقتي؟"

"تستمتعين بوقتك؟"

"أجل! كما تفعل أنت. ألا تعود كل ليلة حتى منتصف الليل؟ ولا أرى سوى صورك مع النساء في المجلات والجرائد، وخمن ماذا أيضا!! كل صفحات الانترنت في مواقع التواصل تتحدث عن ذلك الرجل الأنيق الذي كل يوم تظهر صوره مع امرأة بينما لم يشاهده أحد بصحبة زوجته المسكينة منذ ليلة زفافهما!"

ضربت بقدمها على الأرض وقد تصاعدت الدماء الغاضبة لرأسها وأضافت، "لا أريد أن أكون في هذه الزاوية من الصورة!"

"ولكن العقد….."

لم يكمل رائف جملته فقاطعته فورا، "تبا لذلك العقد…"

اتسعت عيني رائف في البداية من الصدمة ثم ضيقهما وهو ينظر لها بشك، "هل هذه غيرة؟"
كانت لولا مصدومة من نفسها ومما تفوهت به أكثر منه هو!

رمشت عدة مرات ثم قالت بغضب وهي لا تعلم إن كانت غاضبة منه هو أم من نفسها، "أكرهك وبشدة، هل تعلم ذلك!"
كان قلبها يغلي بالفعل، ولكن بمشاعر ليست غضب بل غيرة.

عصفت عيني رائف من الغضب بينما كانت هي تعبر من جانبه لتهرب للطابق العلوي إلى غرفتها.
أمسكها من ذراعها وجذبها بين ذراعيه ودون سابق انذار قبلها!!

اتسعت عيني لولا من الصدمة ولكنه لم يترك لها مجالا للتصرف فأمسك بكلتا يديها خلف ظهرها بيد واحدة بكل سهولة وبينما يده الأخرى تمسك برأسها.
حاولت لولا مقاومته ولكنه كان مصر، ومصر جدا، ثم في النهاية ضغط بقوة وأفلتها، لقد فقد السيطرة على نفسه، شعور جارف يدفعه للحصول عليها فورا والآن، ولكنه دفعها بعيدا عنه وكأنها ستسبب له مرض ما.
شعر بسيطرتها عليه، شعر بحاجته لها، شعر بها تنفذ تحت جلده!!

كره هذا الشعور، لا يمكن بأن يسمح لهذا الشعور بأن يتعمق عليه بقتله. والآن!

"أصعدي إلى غرفتك قبل أن أغير رأيي!"
قالها وهو يلهث من الحاجة لها، كان يريد ويحتاج أن يشعر بأنها له وحده وهو فقط!!

لم تنتظر لولا أكثر وهربت مسرعة نحو الباب، هربت من مشاعرها التي لم تكن ترغب في الشعور بها.

عندما وصلت إلى اللباب أضاف رائف وهو ينظر للخارج عبر النافذة ويديه في جيوب بنطاله.

"علينا الإسراع في الحصول على الوريث لينتهي كل هذا!"


ظلت لولا عدة أيام وهي متوترة بسبب تنبيه رائف لها حول انجاب الوريث، ولكن للآن مر ثلاثة أسابيع ولم يفتح معها رائف الموضوع مجددا..
بل على العكس، في الكثير من الأحيان شعرت إنه يتجنبها!

كانت رائحته التي تملأ الغرفة هي الشيء الوحيد الذي يشير على إنه كان نائم هنا في الليلة الماضية.
لم تعد تراه متى يدخل إلى الغرفة ومتى يخرج منها. أحيانا تستيقظ في منتصف الليل وتراه نائم بعمق على السرير، تتأمل ملامحه الهادئة والمخنلفة تماما عن ملامحه أثناء الاسيقاظ، فلا وجه عابس ولا نظرات حادة ولا ابتسامة ساخرة. بل ملامح لطيفة تشعرك بالأمان.
تسائلت دائما إن كان وراء هذا القناع القاسي والفولاذي شخص طيب محب وحنون!

ولكنها سخرت من نفسها كلما راودتها هذه الأفكار. لا يمكن أن تتخيل إحدى هذه الصفات في رائف، علاوة عن وجودها كلها في شخصه!!

طرقات على باب الغرفة أيقظتها من شرودها، عدلت جلستها على السرير وقالت بصوت لا يزال يشوبه أثار النوم، "تفضل!"

دخلت الخادمة مبتسمة ثم قالت، "سيدتي إن السيد رائف يطلب منك عدم الذهاب إلى الجامعة اليوم، يقول إنه يود اصطحابك إلى حفلة مساءا وسيرسل لك السائق لكي يصطحبك إلى التسوق من أجل شراء ثوب للحفل"

رمشت لولا، "حفل؟"
كانت هذه المرة الأولى التي يطلب فيها رائف أن ترافقه إلى مكان ما!

"أجل سيدتي! وهو يخبرك إنه حفل مهم للشركة"

رمت لولا نفسها على السرير وهي تشعر بإحباط، "حفل مهم؟ ولكن هل فعلا يريد مني اختيار الثوب وكل شيء بنفسي؟ أنا لم أذهب في يوم في حياتي إلى حفل مهم سوى حفل التخرج من الثانوية وحفل زفافي!"

ابتسمت لها الخادمة بلطف، "لقد حجز لك السيد رائف مصففة شعر ومكياج، بعد التسوق والذي ستكون فيه معك مساعدته الشخصية ستتجهين نحو مركز التجميل!"

’إذا هو مراعي لي في النهاية ويفكر في مساعدتي، أم إنه فقط لا يريد مني أن أحرجه بشيء غير لائق أمام رجال الأعمال وزوجاتهم؟‘ فكرت لولا بسخرية.

ولكنها تعلم تمام المعرفة في قرارة نفسها إن رائف كريم معها كثيرا ويهتم بالتفاصيل الصغيرة التي تسعدها رغم عدم اعترافه بذلك. لقد لاحظت اهتمامه عدة مرات، الاهتمام الذي كان يجب ألا تهتم له ولكنها تهتم بالفعل.

كان يحرص على أن يصلها كل ما تطلبه، حتى في عطلة نهاية الأسبوع كان يجهز جلسة لهما لحضور فيلم سويا، ولكن ذلك لم يحدث أبدا. كان في كل مرة ينشغل بالأعمال وهي تستغرق في النوم!

كانت رحلة التجهيز للحفل طويلة ولكنها ممتعة، وكانت مساعدة رائف الشخصية قمة في اللطف. لم تشعر لولا إنها بصحبة مساعدة شخصية، بل شعرت إنها بصحبة إحدى صديقاتها.
اختارت لولا ثوب طويل بلون البنفسج الغامق وحذاء بنفس اللون، أما شعرها فقد انساب على كتفيها في تموجات تعكس لمعته الحمراء وجماله.

كانت تعامل وكأنها أميرة داخل المحلات وفي مركز التجميل، سخرت في عقلها، ’الأموال والمركز الاجتماعي لعائلة رائف هي ما تجعلهم يتصرفون بهذه الطريقة، لم تكن هذه المعاملة التي كانوا سيستقبلونني بها إذا لم أكن زوجة رائف!‘
ضربتها هذه الحقيقة بألم.

كانت في غرفتها تقف أمام المرآة تضع اكسسواراتها عندما دخل رائف في بداية المساء إلى غرفة النوم. التقت عيونهما عبر المرآة لثواني، ثم قطعت لولا التواصل البصري لتلتفت نحوه. عندما رآها وقف مبهوراً للحظات ثم أجلى حلقه وقال،
"تبدين رائعة!"

ابتسمت له لولا بلطف، فقد شعرت بالإطراء من نظراته، "شكرا"

"سأستحم بسرعة وارتدي ونذهب"

أومأت له ثم قالت، "إذا سأنتظرك في الأسفل!"

لم يعلق إنما اكتفى بابتسامة واتجه إلى الحمام.

بعد مدة قصيرة من الانتظار نزل رائف الذي كان يرتدي بدلة رسمية باللون الرمادي تزيده جمالا وهيبة، مد ذراعه لها لتتأبطها وخرجا، كانوا الآن في طريقهم للحفل.
استغربت لولا من امساك رائف بيدها طوال الطريق في يده وهما داخل السيارة ولكنها لم تعلق، وحتى عندما ركن السائق السيارة ونزلا منها لم يترك يدها، بل وضع يدها على ذراعه وأمسك بخصرها، فجأت انهالت عليهم كاميرات الإعلام التي جاءت لتغطية الحفل.
هنا مرت لمحة برودة على ملامح لولا. للحظة اعتقدت إنه يحاول تقريب المسافات بينهما، ولكن نسيت إن عليهما أن يظهرا بمظهر المحبين أمام الإعلام!! كل هذا الاهتمام هو تمثيل، حتى امساكه ليدها خلال رحلة السيارة كان من أجل التهيئة والاعتياد لا أكثر!

كانت قاعة الحفل ممتلئة بالفعل بالضيوف، لم يترك رائف جانب لولا نهائيا في الساعة الأولى، كان بقربها طوال الوقت، يعرفها على الضيوف وعلى رجال الأعمال وزوجاتهم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي