الفصل الخامس اا اللقاء السري

نظرت لولا حولها في رعب بعد أن ناولها مالك كأس العصير خوفاً من أن يكون شخص ما قد استمع لما قاله لها. ولكنها تأكدت إن لا أحد كان منتبه، كما إن رائف منغمس في الحديث مع الزوجين الذين واقفا معهما. تنفست الصعداء وبدأ اللون يعود تدريجياً إلى وجهها. سحبت هاتفها بيد مرتعشة من حقيبة يدها ووجدت ما فوق الخمسين رسالة من مالك!! اختلست نظرة نحو رائف وتأكدت إنه لا ينظر إليها ثم فتحت على آخر رسالة من مالك وكان محتواها،
[قابليني في ساحة المنزل الخلفية حيث غرفة المؤونة!]

ترددت في البداية فلو شاهدها آحد ستكون نهايتها بالتأكيد.. ولكنها شاهدت مالك ينظر لها من بعيد بعيون حزينة على عكس تلك العيون المحبة التي اعتادت أن ينظر لها بها في العادة. فتنهدت وقالت في نفسها:
’يستحق مني مالك أن أسمعه ولو للمرة الأخيرة!‘

نظرت حولها بتمعن ووجدت إن الجميع منشغل في أحاديث جانبية. شاهدت والديها يتحدثان مع بعض الأشخاص، بينما أخوها زين وصديقتها سوزي يقفان بجانبهما يرتشفان عصيرهما بملل.
فتحت لولا شاشة القفل في هاتفها وبدأت في الكتابة يعزم ثم أرسلت الرسالة إلى سوزان،
[تعالي بسرعة احتاجك!]

شاهدت لوليتا صديقتها سوزان وهي تسحب هاتفها من حقيبتها، أعادت نظرها نحو رائف ووجدت إنه لا يزال يتحدث للزوجين حول بعض المشاريع التجارية الجديدة. ففكرت إن هذا الرجل لا يفكر سوى بالأموال والأرقام، حتى في ليلة كهذه يتحدث عن الارقام والأموال والمشاريع!!

اقتربت منه تحاول أن تبدو لطيفة وابتسامة مصطنعة على شفتيها وهي تقول:
”أستأذنكم قليلا! أحتاج أن أذهب إلى الحمام!“
نظر لها رائف فاحمر وجهها من الخوف، لا تعلم لما ارتبكت وكأنها ستقوم بجريمة.

بينما ظن رائف إنها تشعر بالخجل، فقال لها،
”هل تودين أن أرافقكِ!“

كان يراها فتاة صغيرة وبريئة، مجرد طفلة لم تتم الثامنة عشر!!.

لم تتوقع منه ذلك! لم تعتقد إنه سيكون مراعي ويعرض عليها أن يرافقها. أحست بالشعر فأجابت بسرعة،
”لا لا، لا داعي سوزان قادمة“ وأشارت نحو سوزان التي قاربت على الوصول إليهما.

أومأ لها ثم ابتسم وهو لا يزال يعتقد إنها تشعر بالخجل منه، فرغم حذره من النساء وخبثهن، إلا إن براءة ملامح وجهها تجعل من الصعب على الأمر أن يظن إنها تكذب أو تراوغ.
فقال،
”لا تتأخري!“

قالت المرأة الواقفة بصحبة زوجها معهم وهي تضحك،
”آآآه يا للرجال! دع الفتاة تأخذ وقتها في العناية بزينتها“
ثم نظرت للوليتا وأضافت بغمزة،
”لا تستمعي له، يجب أن تهتمي بأناقتك فلن تعيشي هذا اليوم مرتين“

ابتسمت لها لولا وتجنبت النظر نحو رائف، ثم ذهبت بصحبة صديقتها سوزان ألى الحمام وأصوات مزاح المرأة وزوجها يتبعها، قالت سوزان ما أن وصلا إلى الحمام بصوت مبتهج وعيون لامعة تأثرا بجمال صديقتها،
”تبدين مذهلة يا عزيزتي، هل تريدين أن تضبطي أحمر الشفاه؟“

كان ثوب الزفاف من نوعية الأثواب الملتصقة على الجسد والذي يظهر صاحبته كحورية البحر، وكان ملتصقا عليها يبرز انحناءات جسدها الممتلئة وخصرها النحيف وكأنها حورية فعلا.

كان الثوب من تصميم أحد المصممين العالميين، فبعد ذلك البحث المطول عن الثوب المنشود. قامت سيلا جدة رائف باصطحاب لولا لأحدى دور الأزياء التي تتعامل معها وساعدتها في اختيار الثوب المناسب!

تحركت لولا بسرعة داخل ردهة الحمام لتتأكد إن الحمام خالي ولا يوجد أحد معهما، لما ستقوله لا يجب أن يعلم به أحد على الإطلاق!! نظرت لها سوزان باستغراب وهي تنظر أيضا في الإتجاهات التي تبحث فيها لولا:
”ما الأمر لولا؟ هل هناك خطب ما؟“

أمسكت لوليتا يدي صديقتها بحزم وقالت بتوسل،
”سوزي!! أحتاج إلى مساعدتك، أرجوك!“
رمشت سوزان ثم عقدت حاجبيها بحيرة وعدم فهم وتسائلت بقلق،
”هل هناك مشكلة ما؟ هل رائف ...؟“

اسكتتها لولا ولم تتركها لتكمل وقالت وهي تنظر لساعة هاتفها،
”أريد مقابلة مالك!!“

صرخت سوزان لا إرادياً بصدمة،
”ماذا؟“

وضعت لولا كلتا يديها على فم صديقتها بسرعة لتسكتها خوفا من أن يسمعهما أحد ما.
ثم نزعت يدها بالتدريج فقالت سوزان بعتاب،
”هل تمزحين؟ مالك من الذي تريدين مقابلته في ليلة زفافك وفي منزل الزوجية؟ هل جننتِ؟ ستهلكين نفسك والجميع“

امتلأت عيون لولا بالدموع ولم تعرف إن كانت دموعها فعلا بسبب مالك أم لأسباب أخرى ذكرتها سوزان في جملتها.

عقدت سوزان يديها فوق صدرها كلامة على الرفض القاطع وأدارت رأسها للجانب،
”لا، لن أرافقك!“

مسحت لولا دمعة أوشكت على النزول وقالت بإصرار،
”إذا لم تساعديني وتذهبي معي لتراقبي الوضع حولنا، فسأذهب بمفردي“

فركت سوزان جبينها بحيرة، ثم قالت،
”لولا أنتِ مجنونة!! صدقيني ستخسرين كل شيء!“

”حسنا إذا! سأذهب بمفردي!“

كانت سوزان أكثر من يعلم العناد في صديقتها، فهما مقربتان مثل الأختين. تنهدت بيأس فهي لا تستطيع أن نتركها تجازف ولا تساعدها.
”حسنا كما تشائين، ولكن أنا أحذرك إن رآنا أي شخص فسنقع في مشكلة كبيرة!!“

”لا تقلقي! الجميع مشغول في الحفل، لقد تأكدت من ذلك“
ثم أجلت حنجرتها وأضافت بحزن،
”كما تعلمين إنني أحب مالك بشكل كبير ومن حقي أن أراه للمرة الأخيرة!“

جارتها سوزان في كلامها غصبا عنها فهي لا تستطيع ترك صديقتها.
بدأتا الفتاتين في التسلل نحو الحديقة الخلفية وتحاولان ألا تلفتا الأنظار، قالت لولا وهي ترفع ثوبها،
”أوووه يا إلهي! إن التسلل بثوب الزفاف أمر صعب جدا!“

أضافت سوزان وهي تنظر حولها بحذر خوفا من أن يركز معهما أحد ما،
”ألا يكفي ما فعله في المحل التجاري في ذلك اليوم؟ ألم تخبريني إنه حاول تقبيلك؟ ووجدتي بعدها رائف أمامك!؟ افترضي لو تكرر الأمر وشاهدكما أحد ما هنا سوياً، سيقتلك والدك! أنا متأكدة. ذلك الغبي لن يرتاح حتى تموتان!“

”أنا ميتة في جميع الحالات!“ قالت لولا بحزن ساخرة.

كانت لوليتا جريئة بمزاج ناري كشعرها الأحمر، فكان من لون شعرها الناري نصيب في تفكيرها. فقد كانت متسرعة في بعض الأحيان واندفاعية رغم ذكائها.
إلا إنها ورغم ذكائها لم تكن وقحة أو خبيثة، بل حنونة وطيبة. هي فقط كانت تشعر بالذنب نحو مالك وإنها مدينة له بهذا اللقاء. ففي النهاية كان حلمهما أن يتزوجا، ولكن تمت سرقة هذا الحلم!!
وسوزان لن تشعر بهما بالطبع؛ فهي بطبيعتها دائما ما تفكر بعقلها وليس بقلبها.

وصلتا إلى حيث مخزن المؤن وهما ترتجفان من الخوف. كان المكان مظلم قليلا والرؤية غير واضحة منا يجعلهما تتخبطان قليلا أثناء السير، قالت لولا بهمس،
”مالك؟ هل أنت هنا!؟“

سمعتا صوت خشخشة بجانبهما فالتفتتا نحو مصدر الصوت حيث خرج مالك من خلف مجموعة من الاشجار الصغيرة بجانب المخزن، وكان برفقته شاب آخر من نفس عمره.

اندفع مالك نحوها ثم بدون أي مقدمات أمسكها من ذراعها وسحبها معه لداخل مخزن المؤن.

نظرت سوزان بحزن نحوهما وحركت راسها يمينا ويسارا باستنكار وهي تفكر في أن ما تفعله صديقتها خطأ كبير، ولكن هي تعلم لولا عنيدة ولن تفعل إلا ما تصمم عليه.

”لما أحضرت معك هذا الشاب؟
قالت لولا بحذر، ولكن مالك تجاهل سؤالها فهو لا يريد جدالا الآن، ليس لديه إلا لحظات معدودة معها ولا يريد تضييعها. فأمسك يديها وهو يقول بعيون دامعة وصوت متحشرح:
”لوليتا، لولا، حبيبتي! لما لم تردي على إتصالاتي؟ كدت أموت من القلق والخوف عليكِ“
نظرت له بتأثر وهي تشعر بالحزن الشديد من أجله قبل أن يكون من أجل نفسها، ثم قالت بنبرة يائسة،
”لم يعد من داعي يا مالك، عليك أن تمضي في حياتك!“

كانت وقع كلماتها على قلبه كالنار الحارقة، حرقت قلبه وحولته إلى رماد، رماد لا يزال ينبض عشقاً باسمها. ترك يديها وحضنها على غفلة منها، لم يكن مالك جريء من قبل ابداً، كان لا يزال مراهق يكبرها بعام واحد فقط، تتلاعب به عواطفه الغير مصقولة، قال بجدية:
”منذ يومان وأنا ارتب لهذا، ولكنكِ لم تكوني تجيبين على اتصالاتي، لقد جهزت الأمور كلها لنهرب سوياً، سنذهب فوراً لنعقد قراننا وبعدها لن يستطيع أحد تفرقتنا!!“

التمعت عيني لولا بالدموع ورفعت يدها تلمست خده، فهذه أول وآخر مرة تفعل فيها ذلك، ثم قالت وكتلة متجمعة في حلقها:
”صدقني لن أحب سواك!“
فهم من إجابتها رفضها فضرب الحائط بجانب رأسها بيده حتى انجرحت أصابعه وقال:
”لا أستطيع فقط أن أتصور أن تصبحي ملكه!! كان يجب أن تكوني ملكي أنا، لا استطيع…“

هربت دمعة من عينها فنظرت للسقف لتمنع نزولها، فهذا ليس الوقت المناسب للبكاء. هي تحب مالك بشكل كبير فتحت عينيها على حبه، درس معها في نفس المدرسة ويقطنان في نفس الحي، وأما رائف بالنسبة لها فلم يكن يعني لها شيء سوى شخص سلب منها حب حياتها، سلب منها سعادتها وهي تكرهه بشدة.

”لن أسلمه قلبي وسيحصل على إمرأة بجسد دون روح، ولن أشعر معه بشيء فكل مشاعري معك وحدك! أعدك!“

جائهما صوت سوزان القلق من الخارج،
”لولا، لقد تأخرنا علينا العودة“

تمعن مالك النظر في عينيها ولمحة من الحزن خيمت على عينيه ثم قال بابتسامة حزينة ونبرة استسلام،
”تبدين جميلة جدا، بل رائعة الجمال!! إن احتجتي لي في أي وقت أنا موجود من أجلك لا تترددي في الاتصال بي!“

قالت سوزان بنفاذ صبر وهي تقف أمام الباب،
”لولا أرجوك هيا قبل أن يفتقدك أحد ما!“

خرجت لوليتا من غرفة المؤونة وعيونها محمرة مهددة بنزول شلال من الدموع. بخطوات سريعة أسرعت الفتاتان لتعودا نحو الفيلا. كانت لولا ممسكة بحذائها في يدها وسوزان تسبقها ببضع خطوات لتشاهد لها الطريق. وصلتا أمام شجرة كبيرة تدخلهما إلى شرفة المنزل الخلفية لتصبحا بأمان، وقبل أن تخطوا إليها بثانية عادت سوزان بخطواتها للخلف مسرعة وأمسكت لولا من يدها وهي تقول بهمس ورعب:
”رائف هنا، إنه على الشرفة!“

بعد أن عادتا خلف الشجرة الكبيرة، تقدمت لولا بخطوة إلى الأمام في الظلام الدامس واسترقت النظر، فشاهدت رائف وهو يتحدث مع فتاة ما. ثم رفع يده ومسح للفتاة خدها من الدموع. قالت الفتاة شيء ما لم تستطع لولا سماعه ثم اقتربت منه أكثر ورمت نفسها بين ذراعيه. والغريب إنه ربت على شعرها بلطف ولم يحاول ابعادها حتى. يبدو إن هذه الليلة لم تعني له أكثر ما عنت لها.. ولكن رغم ذلك شعرت لولا بشعور غريب من الحنق، خصوصا عندما قامت الفتاة بالابتعاد خطوة من حضن رائف وتقبيله على خده.

نكزتها سوزان وهي تقول،
”ما الحل؟ ألا يوجد باب آخر؟“
أومأت لولا برأسها وقالت،
”لا أعلم!!“

شاهدتا الفتاة تغادر الشرفة بينما وقف رائف ينظر للسماء، يبدو وكأنه إحدى الملوك الاسطوريين بهيبته، قوة شخصيته وثباته وحضوره تجعله يبدو استثنائيا. استنشق رائف شهيقا عاليا وكأنه يفكر في حمل ثقيل على أكتافه ثم غادر الغرفة. قالت سوزان بصوت منخفض للغاية بعدما اختفى رائف من مرمى انظارهما،
”سأصعد أولا لأرى الوضع، فربما يعود!“

وما أن صعدت أومأت لصديقتها لتلحقها، أسرعت لولا تركض على الدرج ودخلتا للمنزل وأخيرا. كانتا في رواق كبير يتحرك به بعض الخدم، أسرعتا نحو الباب المؤدي للقاعة وقلوبهما في حلقهما من التوتر والخوف. وهكذا دخلتا للقاعة، نظرت سوزان لصديقتها فالضوء وقالت،
”جيد مكياجك لم يتأثر“

تنفست لولا الصعداء فقد أصبحتا في مأمن وأخيرا، ما فعلته كان مجازفة كبيرة، وتحمد الله إنها لم تنكشف. جالت بنظرها في المكان لتبحث عن رائف وتتظاهر إنها كانت في غرفة الزينة

ولكن فجأة شعرت بيدين تمسكان بخصرها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي