الفصل السابع عشر اا أخبري رائف

الصمت هو كل ما أجاب لولا عبر الهاتف!

عبست حاجبيها باستغراب وأبعدت الهاتف عن أذنها لتنظر إلى شاشة الهاتف لكي تتأكد إن الخط لا يزال مفتوح.

وجدت إن المكالمة لا تزال جارية بالفعل، فأعادت الهاتف على أذنها وهي تقول،
”مرحباً!! هل تسمعني؟“

”هل أعجبك الفيديو؟“
”يمكنني أن أرسل لكِ مقاطع أخرى أكثر وضوحاً!“
قال صوت ذكوري ساخر. ارتفعا حاجبي لولا قليلا واتسعت عينيها ثم ضيقتهما وهي تسأل بينما تصر على أسنانها،
”ما الذي تريده؟“

كان يبدو واضحاً وجلياً لها من صوت المتحدث إن وراءه ما لا يُحمد.

صمت الطرف الآخر يدرس تعابير وجهها دون أن تدرك لولا ذلك، فهو ذلك الشاب الذي يجلس معها في نفس المقهى ويرتدي قبعة قميصه الأسود ليغطي به ملامح وجهه، بينما يجلس في إحدى الزوايا يراقبها دون أن تلاحظه.

”هيا تحدث!“
”وكيف قمت بتصوير ذلك الفيديو؟؟“
”من أنت!!؟“
صرخت لولا عبر الهاتف بأسئلة متتالية فقد بدأت تفقد صبرها.

شخر في الهاتف مستهزئاً، ”لو كنت مكانك لما كنت رفعت صوتي، لا تنسي إنكِِ تحت رحمتي يا لوليتا!!

كزت على أسنانها وقد تملكها الغضب. كانت غاضبة من نفسها ومن حماقتها لتفعل شيء مثل الذي فعلته ليتسبب لها بهذا المأزق.
هي بنفسها من وضعت نفسها في هذا الموقف البشع، ولكن الندم الآن لن يفيد وعليها أن تتعامل مع هذا الموقف بطريقة ذكية.

أخذت نفس عميق وحاولت تهدئة نفسها بعد أن ارتشفت رشفة صغيرة من قهوتها التي أصبحت أقل سخونة ثم قالت وهي تجاهد لتجعل صوتها يبدوا هادئ وغير مرعوب أو متأثر بالخوف الذي سيري عبر شرايينها في هذه اللحظات، ”هل المال هو ما تريد؟“

”ثلاثة آلاف شهرياً!“ قال بصوته الغليظ ليجعلها تصمت لبرهة.
هسهست لولا بصوت يملئه اليأس والغضب، ”ومن أين لي بمبلغ مثل هذا؟ أقسم لك بأنني لا أستطيع تأمين مثل هذا المبلغ. وأيضاً شهرياً هذا مستحيل!!“

نظر الشاب نحو لوليتا من تحت قبعته بعيون تلمع وهو يشاهد إصفرار وجهها ورعشة يدها وهي تمسك بكوب القهوة أمامها.
شعر بالشفقة عليها للحظة، ولكنه تنهد فليس بيده حيلة فهو عبد مأمور وقال، ”هل زوجة مدير تنفيذي وكنة أغنى العائلات في البلاد لا تملك مثل هذا المبلغ شهرياً؟ لابد أنك تحاولين التلاعب معي وهذا ليس في صالحك“

ضمت لولا أصابعها في قبضة والغضب يتزايد جنباً لجنب مع الخوف.

أضاف الشاب، ”يستمر الدفع لثمانية أشهر فقط، وبعدها أعدكِ إنني سأقوم بحذف كل ما لدي“

”وكيف أثق في شخص مبتز مثلك؟ كيف أثق في مجرم!؟“

التمعت عينا الشاب ولمحة من الحزن مرت فوقهما وتمتم بصوت يشوبه الحزن، ”ليس لديكِ خيار!“

طووط … طووط

اقفل الخط وخرج مباشرة دون أن يلفت أي إنتباه من بين زحام الطلبة الموجودين داخل المقهى.
هو يعلم إنه ليس لديها خيار كما هو ليس لديه أي خيار.
أرسل رسالة [تمت العملية]
وصلت الرسالة لإمرأة تجلس على كرسي في شرفة غرفة نومها، وما أن قرأت الرسالة حتى التمعت عينيها بشر وهي تضحك وتقول، "إنها البداية يا لولا، سأدمرك!"
ثم كتبت رسالة، [سيصلك المبلغ لمعالجة والدتك اليوم، بالإضافة إلى المبلغ الذي سترسله لولا سيكون ملك لك كما اتفقنا!]

حدقت لولا في شاشة الهاتف ثم وصلتها رسالة فورا من صاحب الرقم الغريب،
[أمامكِ يومان!]

أعادت الاتصال بالرقم ولكن كان الخط مقفلاً.

’يا إلهي كيف سأتصرف؟ لا أكاد أصدق إن ما حدث معي أمر حقيقي! هل تعرضت أنا للابتراز للتو؟‘
بينما كانت مستغرقة في أفكارها حول هذه المصيبة التي حلت عليها، وتحاول استيعاب ما حدث وإيجاد حل، رن هاتفها في يدها جعلها تفيق من شرودها.

ظهر اسم سوزان على شاشة الهاتف فأجابت لولا فورا، لصدح صوت صديقتها الحاد والعالي في أذنها، "لولا؟؟ أين أنت بحق الله؟ لقد بحثث عنك في كل مكان ولم أجدك"
"أنا في المقهى الخلفي"

لم تنتظر سوزان أكثر وأقفلت الهاتف فورا لتتجه نحو المقهى.

"أنت تتمتعين هنا بالدفئ وشرب القهوة هنا وأنا أبحث عنك في كل مكان!"
"حارسك الغبي ذاك رفض أن يخبرني عن مكانك وجدته يقف في قرب البوابة مثل حراس القلعة" ضحكت سوزان وهي تطلق تعليقها الأخير حول الحارس وتسخر منه. فهو دائما يعاملها بعجرفة. ثم رفعت بصرها نحو لولا عندما لم تجد إجابة من صديقتها، "لما هاتفك مشغول طوال هذا الوقت؟ لقد حاولت الإتصال بك مرارا!! مع من كنتِ تتحدثين طوال هذا الوقت؟ هل كنت تتحدثين مع رائف؟" أكملت سوزان جملتها الأخيرة بلمعة من السعادة في عينيها ولكنها سرعان ما أختفت بعد أن لاحظت النظرة الكئيبة على وجه صديقتها، لتضيف بقلق، "ما الأمر؟"

تنهدت لولا بعمق ثم قالت بحزن شديد ولمحة من اليأس في صوتها، "لا أعلم لما تلحق بي المصائب!! أريد فقط أن أعيش بسلام!"

"ماذا؟ هل انكشف أمر اتصال مالك بك؟ هل تسبب لك في مشكلة مع رائف؟ إن كان الأمر كذلك سأقتل ذلك المعتوه مالك بيداي هاتين"

ولكن لولا أكملت وكأنها لم تكن تسمعها، "خسرت حب حياتي للأبد.. والدي مهدد بالسجن.. تزوجت شخص أكرهه.. ملاحقة مالك لي"
ثم نظرت نحو الفراغ وكأنها تحدث نفسها، "والآن ابتزاز!!؟ هذا آخر شيء كنت أتوقعه"

وضعت كلتا يديها على وجهها تحاول كبت شعور الخوف والقهر والعجز والإحباط الذي تشعر به. أمسكت سوزان بكلتا يدي صديقتها تسحبهما من على وجهها وتتسائل بعدم فهم واستغراب، "لولا؟ ما الذي تقولينه؟ من الذي يبتزك؟"

زفرت لولا بضيق، "لا أعلم؟ شخص ما أرسل لي البارحة بعد مكالمتنا، أرسل فيديو لي عندما التقيت بمالك خلف منزل عائلة رائف وأنا بثوب الزفاف"

اتسعت عيني سوزان بصدمة، "ماذا؟؟ ومن هذا الشخص؟ ولما يفعل ذلك؟"
"لا أعلم! كل ما قاله إنه يريد مبلغ ثلاثة آلاف شهريا!"
"يا إلهي!!"
"لا أعلم كيف سأأمن مثل هذا المبلغ شهريا؟ يريد الدفع لمدة ثمانية أشهر! هل تتخيلين ذلك؟"

صمتت سوزان قليلا بتفكير ثم قالت بجدية، "إسمعيني جيدا يا لولا! أعلم إنك ستعارضينني، ولكن الإنصياع لطلبات المبتز أكبر خطأ يمكن أن يفعله أي انسان في حق نفسه، لابد من وجود حل ما! علينا فقط أن نهدأ أنفسنا ونفكر جيدا"

"يا إلهي! سوزان.. أقول لك انه قام بتصويري وأنا أدخل إلى تلك الغرفة مع مالك، فما الحل الذي يمكن أن أفعله حول ذلك؟"
"ولكنك لم ترتكبي أي خطأ مع مالك، لقائك به خاطئ ولكن لا يزال يمكنك إطلاع رائف بالأمر"
اتسعت عيون لولا من الصدمة، "هل تمزحين؟ سيُدخِل والدي إلى السجن فورا، سيرمي بي خارج القصر، لا لا لا تفكري إطلاقا في مثل هذا الأمر"

أمسكت سوزان بكلتا يدي صديقتها تحاول طمئنتها وهي تشاهد الفزع في عينيها، "استمعي إلي، المبتز لن يشبع، وإن خضعتي إلى طلباته سيثبث هذا إنك مخطئة وقمتي بفعل مشين مع مالك لذلك أرجوك أن تخبري رائف. أنا متأكدة من إنه شخص ناضج وواعي وسيحل هذه المشكلة في دقائق. أنت زوجته ولن يسمح لأحد بأن يبتزك، ربما هذا سيتسبب في بعض المشاكل بينكما ولكني متأكدة من إنه سيساعدك ويحميك، في النهاية علاقتك بمالك كانت قبل زواجك وانتهت بمجرد الزواج"

صمتت لولا تفكر في كلام صديقتها، ولم تشأ سوزان مقاطعتها، أرادت أن تترك لها المجال لتفكر بعقلانية، فلا فائدة من الإستعجال خصوصا وإن المحاضرة الأولى قد فاتتهم بالفعل.

بعد مرور عدة دقائق من الصمت قالت لولا أخيرا، "هل تعتقدين إن مالك هو وراء هذا الموضوع؟"
أجابت سوزان بثقة وحزم، "لا! مالك يحبك، وهذا أمر لا نستطيع إنكاره حتى لو أردنا ذلك. وسيفعل أي شيء ليستعيدك، ولكنه لن يقوم بفعل شيء كهذا يضرك، هو يعلم كم ضحيتي من أجل والدك. وأيضا لن يقوم مالك مطلقا بتشويه سمعتك"

تمتمت لولا بحزن، "أجل! هذا ما فكرت فيه أيضا"

"إذا؟ هل ستطلعين رائف عن الأمر؟"

ظل سؤال سوزان يدور في عقل لولا طوال الوقت حتى عادت إلى المنزل.
كان المنزل هادئ جدا على غير العادة، ففي السابق اعتادت لولا حين عودتها من الخارج أن تجد الجدين ميكائيل وسيلا في غرفة الجلوس يتحدثان أو يلعبان الطاولة، أو يتشاجران على أسباب تافهة.
تستقبلها سيلا بالأحضان الدافئة ثم يطلب منها ميكائيل أن تجلس قربه وأن تلعب معه الطاولة بينما تقوم سيلا بسكب الشاي لهما. يزداد الحماس في الأجواء وسيلا تشجعها حتى ينضم لها بعض من الخدم من أجل التشجيع. كانت تشعر في وسطهما وكأنها حفيدتهما أو ابنتهما بالفعل وليس كنة للعائلة. ورغم كل ما سمعته عن سوء طباع ميكائيل وقساوته إلا إنها لم ترى منه إلا كل حنية وحب.

ابعدت نظرها عن غرفة الجلوس واتجهت نحو الدرج وهي مبتسمة وتشعر بشوق لهما خصوصا في موقفها الصعب هذا. فكرت لو تتصل بسيلا وتخبرها عما يحدث. ولكنها فورا دحضت هذه الفكرة فهي ليست واثقة من ردة فعلها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي