الفصل الثاني والعشرون اا صدمة رائف

أعادت لولا الإتصال بسوزي فور أن خرجت من دورة المياه وطلبت منها أن تطلب المساعدة من مالك، فهو الشخص الوحيد الذي سيساعدها ولن يخذلها! كما إنها تثق به كثيراً.

ورغم اعتراضات سوزي الكثيرة إلا إنها خضعت لرغبة لولا في النهاية، حيث أخبرتها بأنها لن تجازف بمصير والدها، فهي متأكدة من أن رائف سينتقم منها إن علم بالأمر وسيسجن والدها.

فعلت سوزان ما طلبته منها لولا على مضض واتصلت بمالك وأخبرته بكل ما حدث مع لولا من أو اتصال من المبتز حتى هذه اللحظة.
بعد خمس دقائق اتصل مالك بلولا، كان قد مر وقت طويل جداً منذ تحدثت معه، ورغم هذا لم تشعر بأنه قد مر الكثير من الوقت منذ ذلك الوقت.

"حسنا لولا، لا تقلقي! سأقوم بتأمين المبلغ لك خلال عشرون دقيقة!"
كانت عائلة مالك غنية، صحيح إنها ليست بمثل ثراء وسلطة عائلة رائف ولكنهم أيضا يملكون ثروة. ولم يكن تأمين مبلغ كهذا صعبا على مالك.
شعر مالك بأنه مسؤول عما يحدث، رغم إنه لم يقصد إذاء لولا مطلقا ولكن يبدو إنه وثق في الشخص الخطأ، وسيتعامل معه لاحقا!

أما رائف فقد كان يقف بين رجال الأعمال وهو يجوب بعينيه في المكان يبحث عنها، لقد انتظرها بكل صبر حتى تعتاد عليه والليلة ستكون ليلتهما الأولى كزوجين. هو يشعر بالانجذاب بينهما، يشعر بالكيمياء بين مشاعرهما.

هل دق قلبه مجددا؟ هل حدثت المعجزة بالفعل، هل تم إعادة إنعاش قلبه؟ ما يشعر به مختلف كليا عن أي تجربة خاضها من قبل. يشعر بقربها بالسعادة، بأنه امتلك العالم بين يديه.

بدأ جديا في التفكير بجعل زواجهما حقيقي، يشعر بالانتماء لها، وكأنها جزء منه.
’لما لا؟ لما لا يكون حقيقيا؟ طفل وهي وأنا!‘

يشعر بها تتسلل تحت جلده وتسري في عروقه، ليس الحب ما يشعر به هو متأكد ولكن شيء مختلف تماما عما شعر به اتجاه جينا سابقا.

قرر إنها تستحق أن ينزل حذره هذه المرة ويسمح لها بعبور ذلك الخط الأحمر، ذلك الحاجز الفولاذي الذي أحاط به مشاعره منذ زمن بعيد، زمن بعيد حتى نسي إن لديه قلب حتى أعادت لولا إحيائه والاستيطان به. دون استئذان أو إنذار حطمت دفاعاته واخترقت حصونه وتربعت داخل عقله.

وعلى ذكرى ذلك الجرح القديم فجأة وجد جينا زوجته السابقة تقف أمامه!
تحولت عينيه من دافئتين لكتلتين من الجليد على الفور. ذلك الدفئ الذي كان بهما منذ برهة وهو يفكر بلولا قد اختفى ليحل محله برودة قارسة.

أعاد اهتمامه إلى النقاش الدائر بين الرجال متجاهلا نظرات جينا التي تحاول بها لفت انتباهه، شعر رائف في هذه اللحظات إنه بحاجة إلى لولا، بحاجة إلى تلك الملاك البرئ، يريد أن يشعر بوجود شخص نظيف في حياته مثل لولا في كومة المتسخين والمنافقين والكاذبين.

شعر بالذنب بالفعل لأنه شك بها ولو لثانية!
نظراتها وابتسامتها وكل ما فيها يدل على براءتها ونظافتها من قذارة العالم.

استأذن وتوجه يبحث عنها، شعر بالقلق من عدم وجودها في الأنحاء وقد طال غيابها، طلب من مساعدته الشخصية أن تبحث عنها في دورة المياه بينما جال هو ببصره في كل مكان.

"رائف! مرحبا!"
جاء من خلفه ذلك الصوت المألوف الذي أحب سماعه يوما، إلا إنه الآن يشعره بالاشمئزاز.

"ماذا تريدين؟"
قال بنبرة جافة باردة وعيونه كالزجاج لا تحتوي على أي مشاعر سوى الازدراء وهو ينظر لها بعلو.

"لقد اشتقت إليك!" قالت جينا بصوت حزين.

هم بأن يستدير وهو يقول، "مشكلتك!"

أمسكت ذراعه بسرعة قبل أن يذهب، فسحب ذراعه من يدها بقوة وكأن شيء قذر قد لمسه، "إياك أن تعيديها!"
قال والازدراء يملأ نظراته.

تراجعت خطوة إلى الخلف وقد آلمتها رد فعله فورسمت ملامح الحزن والألم على وجهها، "ألن تسامحني مطلقا؟ لقد كنت صغيرة وطائشة وأنت كنت دائم الإنشغال!"

زفر بنفاذ صبر، "صدقا يا جينا، ليس لدي الوقت لتفاهاتك لدي زوجة اشتقت إليها وأريد أن أجدها!"

كان صادقا في كلماته، هو يحتاج لولا الآن، لأول مرة يشعر رائف بحاجته لشخص، بحاجة بأن يتم إنقاذه، إنقاذه من مشاعر الكره والإنتقام. لقد انتهى من جينا منذ زمن بعيد ولم يعد يرغب في الشعور نحوها بأي شعور حتى وإن كان كره أو انتقام، فهي في نظره أتفه من أن يخسر نفس واحد من أجلها.

أما جينا فقد كانت في قمة سعادتها، سعيدة جدا في هذه اللحظات، فهي التي سيلجأ رائف إلى حضنها عند اكتشافه لخيانة زوجته كما يصور لها عقلها!

[وصلت إلى الفيلا، قلت أخبرك في حال عدت أنت وزوجتك وقررتما السهر يجب أن تهتما بأذناي البريئة]
كانت هذه الرسالة من التافه ريان، ابتسم رائف لتعليق صديقه.

أجل لقد قرر إن الليلة ستكون مميزة، ولن ينساها كلاهما، ليلتهما الأولى!

ربما بالفعل يا رائف لن ينسى كلاكما هذه الليلة، ولكن ليس بالصورة التي تتصورها، ستحفر هذه الليلة في ذاكرة كلاكما مدى الحياة!!

وصلت رسالة أخرى فظن إنها من ريان مرة أخرى ولكن كانت الرسالة هذه المرة على الواتس آب من رقم مجهول، لم يكن في الرسالة سوى فيديو!

فتح رائف الفيديو ليجد ما أوقف قلبه عن الخفقان، تنملت أصابعه ووهنت ركبتاه. ذلك الجبل الصنديد بدأ ينهار، صرخ قلبه، ’لا لا لا لا لا ليس أنت! ليس لولا!!‘

’ليس ذلك الملاك البريء، ليس الشخص الوحيد النظيف في هذا العالم!‘

ولكنها كانت لولا، كانت هي، وفي ثوب الزفاف في حضن رجل آخر!! في ثوب زفافهما، في ليلة زفافهما!! وكان ذلك الشخص هوا مالك؟؟؟؟؟

مر شريط أمام عيني رائف في كل مرة شاهد فيها مالك حول لولا، لقد شعر في كل مرة إن هناك أمر ما!!

تذكر ذلك الاتصال وحين كذبت وقالت إنه لم يتصل بها أحد!!
عندما أعادها مالك إلى المنزل!!

كل شيء مر في ذاكرته، نظراتها البريئة ضحكتها، تصرفاتها العفوية.
كأن سكين غرس في وسط قلبه، ولم يغرس فحسب، بل تحرك يدور ليحطم كل خلية فيه. وضع يده على قلبه وهو يشعر بألم رهيب هناك.
شعر بمؤخرة عيونه تحرقه وكأن عيونه على وشك ذرف الدموع.

أما تلك الأفعى التي تقف بقربه فقد كانت مستمتعة بما ترى من ملامح على وجه رائف! غمزت كل من روزي وجينا لبعضهما البعض لنجاح خطتهما.

امسكت روزي هاتفها واتصلت بشخص ما، "أرسل الرسالة الآن!"

دنق .. دنق

فتح رائف الرسالة التي وصلته للتو دون إدراك حتى لما يفعله.

[زوجتك تخونك! إنها في الشرفة الخلفية بجانب درج الطوارئ تقدم أموالك إلى حبيبها!"

جمد رائف مكانه للحظة ثم اتجه نحو المكان المقصود والشر يتطاير من عينيه.
لا يرى سوى السواد أمامه، كل مشاعر الغضب تجمعت داخل قلبه لتشكل فجوة كبيرة من الغضب الذي يغلي داخل شرايينه.

كانت لولا تمسك المال بيدها عندما وقف رائف خلفها وهي تقول،
"شكرا لك مالك، شكرا لوجودك في حياتي!"
خرجت كلمات لولا بكل مشاعر وصدق من قلبها حيث أنقذها مالك حاليا من أبشع موقف مرت به في كل حياتها.

لا يعلم رائف كيف يصف شعوره، فكل مشاعر الألم في العالم لا يمكن أن تعبر عما يشعر به حاليا، شعر بأنه يريد قتل نفسه وقتلها معه. هل هذا حب؟ هل هذا كره؟ هو لا يعلم.

كان مظهر رائف في هذه اللحظات مرعب، ومرعب جدا. ومن نظرات الشر في عيونه اصفر وجه مالك الذي شاهد رائف أولا، علم إن هناك شيء سيء سيحدث. لا حظت لولا نظرات مالك المرعوبة خلفها فنظرت غريزيا للخلف.

لتصطدم عينيها بعيني رائف المرعبة، كانت عينيه حمراء من الغضب، كان وجهه شبه مسود!
يشعر بأنه مغفل، مغفل كبير جدا. مرت ثلاثة أشهر منذ زواجهما، لم يلمسها! لما؟ ظنا منه إنها بريئة تحتاج لكي تعتاد عليه. ولكن في المقابل؟؟ لديها عشيق؟؟ لديها حبيب؟؟ وتعطيه أمواله؟؟

كلما فكر رائف كلما ازداد غضبه، جاءه صوت جينا من خلفه، "رائف عزيزي! تعال معي لا تلوث يديك بهذه الحثالة" ولكن رائف دفعها لتقع أرضا، فحشرة كهذه لا يحق لها أن تنطق، فهي ليست أفضل منهما في نظره!

عندما شاهد مالك إن رائف يتوجه نحو لوليتا وقف أمامه فقد علم من نظراته إنه سيؤذيها.
"الأمر ليس كما …" لم يكمل مالك جملته ولكمه رائف على وجهه بكل غل وغضب ما جعل مالك يترنح ويفقد التوازن ويسقط على الأرض.

انكمشت لولا على نفسها من الخوف من مظهره.

أمسكها من ذراعها وجرها خلفه وخرج عن طريق درج الطوارئ!

كانت لولا تشعر بأن يدها ستنخلع من مكانها من قوة جذبه لها وخطواته السريعة وهي تحاول مجارات خطواته بكعبها العالي.

تعثرت وسقطت على الأرض ولكن رائف لم يأبه، جذبها من ذراعها بعنف وشريط خيانة جينا السابقة يدور في عقله.

هل تكرر الأمر؟

هل كل النساء خائنات في النهاية؟

هو الغبي، هو الملام الوحيد! لما لم يلتزم بالعقد؟ لما لم يسعى لتنجب له الوريث ثم قام بطردها؟؟

لما انتظر؟
ما السبب؟
ما الغرض؟

كلما زادت التساؤلات في عقله كلما ازداد الغضب في قلبه حتى كاد أن يفقد عقله!

وصل إلى سيارته ثم فتح الباب جهة الراكب ودفعها داخل السيارة واقفل الباب ثم استدار إلى الجهة الأخرى!

لا يعلم رائف كيف قاد سيارته ولا كيف وصل إلى المنزل، كل ما يشعر به هو حرقان في أصابعه من أثار الضرب أثناء القيادة على مقود السيارة حتى تورمت يداه. نزل من السيارة واتجه نحو باب الراكب حيث تجلس لولا لكي يجرها خلفه.
ولكن لولا كانت تعلم إن رائف قد سيطر عليه الغضب وسيؤذيها، وترها عدم حديثه معها طوال الطريق والصمت القاتل الذي عذبها به طوال الطريق حيث كان يضرب عجلة القيادة بشكل هستيري مما جعلها متأكدة من أنهم سيصطدمون بسيارة أخرى، ولم تصدق عينيها عندما ركن السيارة أمام باب المنزل.

عندما شاهدته يدور حول السيارة وقادم ناحيتها بخطوات واسعة فتحت باب السيارة وركضت مسرعة لكي تهرب، لا تعلم إلى أين، ولكنها فقط كانت تحاول حماية نفسها.

غريزياً علمت إنه يجب عليها ألا تكون معه الآن!

لم تبتعد بضع خطوات وأمسك بها من خصرها ثم أمسك ذراعها وجرها خلفه مجددا نحو باب المنزل.

لوليتا لمست جانب حساس في شخصية رائف، عقدته في الحياة، الجرح الذي لم يلئمه الزمن بعد. فهو شخص فخور ومعتز بنفسه جدا، والخيانة تقتله في الصميم.

يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي