الفصل التاسع عشر اا هروب لوليتا

"أأ.. أأمم. هل لنا أن نتحدث في الداخل؟" ثلعتمت لولا بسبب ظهوره المفاجئ.

لم يتحدث، ولم يبعد ناظريه عنها، وقف في الجانب وترك لها مساحة صغيرة لتعبر من أمامه.
وقفت تنظر للممر الصغير بينه وبين الباب الذي يفترض أن تعبر عبره، رفعت رأسها وقررت إنها ستمر.
وبمجرد أن عبرت غشى أنفها رائحة عطره الذي كلما استنشقته أرسل قشعريرة عبر عروقها.
ولكنها تمالكت نفسها ووقفت بنصف المكتب، لم يقل لها اجلسي بل حدق بها ببرود ولا مبالاة بينما يتجه نحو مكتبه ليجلس عليه. فبعد أن شاهد ملف مالك، أدرك إن كل ذلك الشعور الذي أحسه قبل أن يقرأ الملف هو شعور الغيرة، وهذا مؤشر غير جيد بالنسبة له، لذا قرر أن يرسم الجدران والحدود بينما التي لا يعلم متى اخترقتها!
جلس على المكتب ووضع ساق على ساق ويديه تحت ذقنه وهو متكئ للأمام ومستند على مرفقيه.
"كلي آذان صاغية!"

’أحقا لولا!! تسمحين له بمعاملتك بهذه الطريقة؟؟ وكأنك فتاة صغيرة يقوم بمعاقبتها؟‘
’لما لا تتحركين وتجلسين على الكرسي المقابل له بكل ثقة وأنتِ مرفوعة الرأس؟‘
أخذت لولا تحدث نفسها وتلومها وهي تشعر بعدم الرضى على نفسها وتصرفاتها. رائف أول شخص تسمح له بالتصرف معها بهذه الطريقة، أو بعبارة أصح لم تسمح له بل هو الذي تجاوز كل الحدود التي في العادة ترسمها مع الأشخاص الآخرين.

"متى ستنفذ شرط العقد؟"
خرج صوتها جاف وحاد رغم محاولتها لأن تكون واثقة.

مرت لمحة من المفاجأة على وجه رائف واتسعت عيناه فهو لم يتوقع منها أن تسأله عن ذلك، والذي أثار في نفسها الرضى رغم كل شيء. استعاد رائف رباطة جأشه واتكأ للخلف على ظهر الكرسي وقال وهو يقرع بأصابعه على الطاولة، "أي شرط من العقد؟ هل يمكن لك أن توضحي؟ فالعقد به العديد من الشروط!"

احمر وجهها فقد أدركت فيما يفكر فيه، ملأت رئتيها بالهواء لعلى هذا يخفف من التوتر الرهيب والإحراج اللذان تشعر بهما حالياً.
"أخبرتني إنه سيكون لي حساب مصرفي ومبلغ مالي شهريا!" تمنت لو إنه تم دفنها قبل أن تنطق بهذه الكلمات ولكن ليس لها من خيار آخر تحت تهديدات ذلك الجهول.

"أهااا!"
قال رائف ثم وقف من كرسيه بكسل واتجه نحو لوليتا التي ظلت جامدة في مكانها. دار حولها نصف دورة ثم أضاف، "ولكن كان العقد مبنيا على شرط، أليس كذلك!؟ ولا يتحقق ما تطلبين حتى أنفذ بدوري جانبي من العقد"
ثم وقف فجأة بقربها وهمس في أذنها، "هل أنت مستعدة الآن لتنفيذ جانبك من العقد؟"

انسحبت الدماء من وجهها ولم تعلم ما يجب عليها أن تقول أو تجيب، هي تعلم إنه لن يعطيها المال أو ينفذ شروط العقد دون مقابل، لا شيء في هذه الحياة دون مقابل. هل عليها أن تعطيها بظهره وتخرج؟ بالطبع ليست مستعدة لتنفيذ شروط العقد بعد، وتشك في أنها ستكون يوما مستعدة! ولكنها بالمقابل تحتاج لهذا المال بشكل كبير، وإلا الله وحده يعلم ما سيحدث ويعلم العواقب. وقفت ساقيها جامدتين لم تستطع الحراك أو أخذ رد فعل.

عندما شاهد رائف ردة فعلها ابتسم بسخرية على نفسه، فماذا كان يتوقع؟ كل شيء مبني على المصالح، هو أيضا يريد أخذ مصلحته منها وتركها. غير إنه لم يتوقع منها أن تستعجل بذلك!

فجأة استدار واتجه نحو طاولة المكتب ورفع هاتفه المحمول.
"هل أكملتِ اجراءات فتح حساب لزوجتي؟"
تحدث شخص ما عبر الجهة المقابلة من خط المكالمة، ليقول رائف قبل أن يغلق الخط،
"لما كل هذا التأخير… أممم.. حسنا إذا هذا جيد"
حدقت لولا به عندما قال زوجتي، لم تعلم لما شعرت بأن هذه الكلمة حميمية جدا، لم تتوقع مطلقا أن يناديها بهذا اللقب.
ولكنها لاحظت أيضا إن ملامح وجهه توحي بأنه لم يكن مدرك لنفسه حتى بأنه ذكرها بزوجتي.

بعد أن أنهى مكالمته التفت إليها وهو يرفع حاجب واحد، ثم قال، "غدا سيكون حسابك فعال وسأودع فيه المال"

شحب وجهها وعبست مما أثار استغرابه، خصوصا عندما قالت بتوتر، "ولكني أريد المال اليوم بشكل ضروري"

فكر إنها ربما تحتاج لشراء شيء خاص بها وتحتاج إلى المال!! فقد قرر إنه لن يطلق أحكاما متسرعة بعد اليوم مطلقا، فقال بسرعة وهو يخرج عملات ورقية والبطاقة المصرفية خاصته من جيبه، "كم تريدين؟ يمكنك الآن أن تأخذي بطاقتي حتى أستخرج لك واحدة بعد تفعيل حسابك!"

"ثلاثون ألف!"

كان يقوم بترتيب العملات الورقية ليعطيها إياها ولكنه توقف ونظر لها بحيرة، فما الذي ستشتريه بثلاثون ألف؟

"هل لي أن أعرف ما الذي ستشترينه بهذا المبلغ؟"

"هل لي ألا أخبرك؟ فأنا أفضل الاحتفاظ بالأمر لنفسي"
لم تكن تريد أن تكذب وتخبره الأكاذيب لذا فضلت عدم البوح، على الأقل هذا أفضل من الكذب. ولكن هل سيقتنع رائف بذلك؟

مسح بيده خلف رقبته ثم قال، "هل لي أن أعرف؟ فأنا زوجك في النهاية!"
كان غريب عليه طلبها، لم يكن يسأل لكي يقيدها أو يحاسبها، بل خوفا عليها فطلبها غريب.

ولأنها لا تريد أن تتشاجر معه في هذا الوقت الحساس أخبرت نفسها وضميرها إن كذبة بيضاء لن تضر أحد، ولا تعلم إنها مع كل كذبة تغرق نفسها أكثر فأكثر. قالت بتردد، "إن المبلغ لوالدتي، فهي تحتاج إلى المال بشكل ضروري! وأخبرتها إنني أملك مبلغ سأقرضها إياه." ثم صمتت لثواني وأضافت، "يفضل ألا تخبرها عن الأمر فقد أخبرتها إنني لن أطلب المال منك، وإن هذا المبلغ موجو في حسابي بالفعل بعد الزواج"
كانت حريصة على ألا ينكشف أمرها بكل الطرق، فهي تعلم إن رائف ليس بالشخص السهل أو الغبي وأي كلمة أو تفصيل صغير خاطئ سيكون كإشارة حمراء كبيرة أمامه.

وصلتها رسالة.

دنق .. دنق

[بقي حوالي الثلاث ساعات!]

كانت الرسالة من الرقم المجهول الذي يقوم بابتزازها!

جف حلقها وتمنت لو إنها تستطيع أن ترتمي في هذه اللحظات بين ذراعي رائف وتبكي وتشكي وتحكي له كل شيء ويمدها بالدعم والحماية الذان تحتاجهما، ولكنها تعلم إن ذلك أمر صعب وشبه مستحيل. نظرت نحو رائف وقالت بتنهيدة، "هل ستؤمن لي المبلغ؟ يمكنك أن تخصمه في المستقبل من المبالغ التي ستعطيني إياها!"

ابتسم رائف على غير عادته ولم تكن ابتسامته لئيمة ولا ساخرة كما في الحالات النادرة التي يبتسم فيها، بل كانت متعاطفة. فقد لاحظ حزنها وتوترها وبالفعل أحس بالعطف عليها.
فقد أعجب بحرصها على مشاعر والدتها وعلى محاولتها مساعدتها!

لم تنتظر لولا أكثر من ذلك حتى ترسل الأموال لصاحب الرقم المجهول، ارتدت ثيابها وادعت إنها ذاهبة إلى منزل والدتها، وبعد أن أنزلها السائق أمام منزل والدتها التي كانت تعلم بالأمر كله خرجت من الباب الخلفي تحت تغطية من والدتها التي ساعدتها بأن جهزت لها سيارة أجرة.
كان الإتفاق أن تسير في طريق السوق الرئيسة وتقف في إحدى الزوايا في الإزدحام وهي تضع المبلغ في حقيبة، ليمر هو بقربها ويأخذ الحقيبة.
وهددها إن تلاعبت بأي شيء فسيصل الفيديو فورا لرائف فلديه من يراقب عن بعد، وأرسل لها رقم رائف الخاص لكي يعلمها إنه يستطيع الإتصال به مباشرة. ومن هنا تيقنت إن الشخص الذي يهددها شخص قريب من رائف، فرقم رائف الخاص على عكس رقمه الخاص بالأعمال، عدد قليل جدا من الأشخاص يعرفونه. وهذا بالطبع زاد من رعبها، فهذا الشخص ولابد من إنه مقرب من رائف جدا أكثر مما تتصور!!

وعندما مر الشخص من أمامها وأخذ الحقيبة حاولت لولا جاهدة أن تعرف ملامحه ولكنها لم تستطع، فقد كان يرتدي قميص أسود واسع به قبعة يضعها على رأسه لتغطي معظم وجهه، ويضع كمامة على فمه ونظارات شمسية. فكان من المستحيل التعرف على ملامحه.
رغم سلالة العملية التي تم فيها تسليم المبلغ إلا إن لولا كانت تشعر بانقباض في قلبها، وكذلك والدتها التي كانت تتفق مع سوزان إنه كان يجب عليها أن تطلع رائف على الأمر. خصوصا إن المبتز يريد المال بشكل مستمر، إلا إن لولا كانت عنيدة كثيرا.

بعد مرور أسبوع من ذلك اليوم، لم يجلس رائف ولولا على طاولة عشاء سوياً مطلقاً، لم يكونا يلتقيان أبدا إلا عند النوم. أما ريان فقد استقر في هذه الفترة في شقته في وسط المدينة ليدير من هناك بعض الأعمال الخاصة بالشركة، أو هذا ما قاله بعد أن اتصلت به سيلا توبخه بسبب بقائه في القصر، فقد كانت تتابع أخبار رائف وعلمت إنه كان يحضر العديد من حفلات الأعمال ويلتقي ببعض المشهورات في الحفلات دون حضور زوجته، فأثار هذا استيائها.

كان رائف في وسط عشاء عمل كعادته عندما وصله إشعار رسالة من الحارس الشخصي للولا.
نظر للإشعار الذي يعلن عن وصول صورة ولكنه لم يهتم فهو في خضم بعض المناقشات مع شركة الدعايات التي يديرها والد تيم.

ولكن الرسائل تتالت، فقال رائف لمدير الدعاية والإعلان الذي يقوم بعرض ملف خطة الإعلان التسويقية أمامهم على الحاسوب المحمول،
"لحظة من فضلك!"

توقف المدير عن تفسير وشرح بعض الخطط بينما توجهت أنظار جميع من على الطاولة نحو رائف ينتظرون منه أن يعيد انتباهه إلى الاجتماع ليستمروا.

فتح رائف الرسائل ليجد أمامه العديد من الصور للولا وبعض الرسائل الصوتية التي أرسلها الحارس.
كانت في الصور لولا وفتاة يبدو إنها إحدى صديقاتها التي لم يلتقي بها من قبل، وهما في وسط ساحة رقص ترقصان!!

كانت لولا ترتدي ثوب أسود قصير وشعرها في تسريحة ذيل حصان.. كان الثوب قصير للغاية!!

شعر رائف بدمه يغلي!

ما الذي تفعله لولا في مكان كهذا؟ وأين الحراس الأغبياء؟ لما لم يخبره أحد منهم عن ذهابها؟؟
هل يدفع لهم لكي يتستروا عن أماكن ذهابها؟ فهذه ليست المرة الأولى التي يتسترون عن الأماكن التي تذهب إليها، كيف تقوم بإقناعهم هذه اللئيمة؟ فكر رائف بحنق.
فتح الرسالة الصوتية وقد نسي إن هاتفه مقترن بحاسوبه المحمول حيث كان يعرض قبل قليل عليه بعض النماذج التشبيهية للحملة الإعلانية.

وعندما فتح الرسالة صدح صوت لولا وعلى ما يبدو تتشاجر مع الحارس وهي تقول،
"تبا لك ولمديرك المتعجرف! إن لم ….."

أقفل رائف الرسالة وصرخ بمساعدته الشخصية، "اطفئي الحاسوب اللعين!"

ابتسم تيم عندما سمع الرسالة، فهذا برد قلبه، إذ بدا له إن رائف أيضا يعاني بسبب الحب! فعلامات التوتر التي على وجهه تدل على ذلك.

احمر وجه رائف وغلى دمه ثم ابتعد عن طاولة العشاء وأعاد تشغيلتشغيل الرسالة، "إم لم تتركني أدخل لهذه الحفلة اللعينة فسوف أصرخ وأقول إنك تحاول خطفي وإنني لا أعرفك!!"

احمرت عيون رائف من الغضب وخرج من المكان مسرعا نحو سيارته الرياضية السوداء.
’لما تفعل ذلك تلك المجنونة؟‘

كان يقود سيارته كالمجنون وهو لا يفكر سوى في أن يصل إلى هناك ويجرها من شعرها!!

كيف أمكنها أن تذهب إلى مكان مثل ذاك؟؟

بعد أن اجتاز إشارتي مرور حمراء كان رائف واثق من إنه سيجد الشرطة أمام منزله في الصباح!
وصل أمام الملهى الليلي وركن السيارة بسرعة وأسرع نحو المدخل، ولكنه لم يجد أي من الحارسان!!

دخل إلى الداخل فورا ولكنه لم يجد أي أثر للولا!!

أخرج هاتفه واتصل بالحارس يسأله عن مكانهم ولكن الحارس فاجأه بقوله وهو يلهث،
"سيدي نحن في الشارع الخلفي نحاول اللحاق بالسيدة لولا، لقد هربت ركضا!"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي