الفصل الثامن اا إنها مجرد طفلة

شعرت لولا بالارتباك بمجرد أن شاهدت والدتها تدخل برفقة سوزان وزين، وقفت وقالت بصوت متلعثم،
"أمي! انت هنا لم أعتقد أنك ستأتين!"

لفت سؤالها انتباه رائف فنظر لها وضيق عينيه وهو يقول:
"الم تكن والدتك تراسلك؟"
لم يكن الشك هو ما دفعه للسؤال وإنما سأل من باب الاستغراب!

اتسعت ابتسامة والدتها وقالت بعفويه وعيونها تلمع وهي تنظر لابنتها بسعادة،
"في الحقيقة لم أشأ أن أتحدث إليها وقلت لنفسي سأفاجئها بقدومي إليها في هذا الصباح"

إلا إن الحقيقة كانت عكس ذلك تماما، بل أرسلها زوجها من خوفه على ابنته ويريد أن يطمئن عليها، فجاد يعلم إن رائف شخص صعب ذو طباع حادة، ويعلم إن ابنته حساسة ومدللة فربما يؤذيها أو يجرحها بالكلام نتيجة طريقة زواجهما، ولذلك طلب منها أن تذهب دون أن تعطيهم علم حتى ترى الأمور كما هي.

تقدمت صديقتها سوزان بعدما سمعت تعليق رائف وقالت بسرعة مدعية الشعور بالذنب فقد أدركت إن هناك خطب ما،
"اه يا إلهي! لقد قطعت هذه المفاجأة دون قصد مني!! فأنا من قام بإرسال الرسائل الى لولا واخبارها إننا قادمون إذا كانت تحتاج أن أحضر لها شيء معين معي"
ثم نظرت نحو السيدة جولي وتظاهرت بتأنيب الضمير وهي تكمل، "لم تنبهيني، لم أعلم!" أدركت جولي إن هناك خطب ما وسوزان تتستر عليه،وفصمتت بابتسامة.

مر الأمر بسلام وتنفست لولا الصعداء بينما سوزان تغمز لها. لاحظت لولا كيف إن عائلة رائف قامت بتحية والدتها بكل حرارة ونرحاب ودعوها لتجلس وتتناول طعام الإفطار معهم، ولكنها قالت،
"أوووه شكرا لكم وعلى لطفكم لقد سبقتكم وتناولت الإفطار"
ثم نظرت إلى ابنتها وأضافت مبتسمة،
"إذا تسمحون لنا سنصعد لغرفة لولا!"

نظرت كل من سيلا جدة رائف ومانيا زوجة عمه الى بعضهما البعض وهما مبتسمتان فهما تظنان أنهما تعلمان لما جاءت والدة لولا، فهي بالتأكيد قد اتت لكي تطمئن على ابنتها كما في الأعراف والتقاليد القديمة. ولكن لم يكن أحد مدرك لشكوك والدها بالطبع، قالت سيلا،
”بالطبع تفضلا، فهذا منزل لولا من الآن فصاعدا وهي إحدى سيداته وتستقبل فيه من تشاء!“

شخرت روزا باستهزاء وهي ترتشف كوب قهوتها بصمت. فهذه الكلمة أثارت استيائها وحسدها

وقفت مانيا وابتسمت بلطف وهي نقول،
”أرجوكم خذوا راحتكم! سوف اتبعكما الى الأعلى بعد قليل، المنزل منزلكم!“

وقف رائف مجددا بعد أن كان قد جلس عندما دخلت عائلة لولا ثم استأذن ليذهب الى عمله،
وقفت روزي وقالت بغنج مصطنع وهي تلحق برائف وتتأبط في ذراعه،
”اوصلني في طريقك رائف!“

قالت سيلا بحنق:
”وما بال سيارتك؟“
فالجميع يعلم محاولاتها اليائسة في لفت انتباه رائف لها وإغراءه.

تمسكت روزي في ذراع رائف أكثر وقالت وهي تذبل رموشها بينما تنظر له،
”سيارتي في التصليح!“
زفرت سيلا في ضيق وهمست بصوت منخفض،
"سيارتها طوال العام في التصليح!!!"

تحدث داني عم رائف الذي كان يجلس بصمت وهو يقرأ جريدة الصباح كعادته كل يوم بينما يحتسي فنجان قهوته،
”رائف بني، لا تنسى أن تتصل بابني الكسول ذاك، لا أعلم حتى أين قضى ليلته وهو لا يرد على اتصالاتي، والدته تريد أن تراه قبل أن نسافر!“

أومأ رائف لعمه وسحب ذراعه من روزي ورمقها بنظرة جليدية علها تتركه بحاله والتقط مفاتيحه من الطاولة وخرج ولكن روزي لحقت به.

كان جده ينظر الى تصرفاته بصمت وهو يتناول افطاره ولم يتحدث مطلقا ولكن الامور لا تعجبه، لاحظ الفتور الذي عامل به رائف زوجته وهذا أمر لن يقبل به مطلقا.

لم تتحدث لولا أيضا رغم الشعور الكريه في صدرها الذي شعرت به بسبب برود رائف معها وبسبب تلك المدعوة روزي والتصاقها به كالعلكة، فرغم إن زواجهما زواج مصلحة ومدبر، ولكن هي الآن زوجة له وعليه احترامها على الأقل أمام الموجودين. صعدت بصمت مع والدتها وهي تفكر،
’إنه يعامل ابنة خاله تلك أفضل مما يعاملني، فإذا كانا يحبان بعضهما اذا لما لم يتزوجها؟؟ على الأقل تركني أنا لأتزوج مالك! لما كل هذه الأمور المعقده‘
تنهدت بحرزن بينما تصعد الدرجات وهي تخبر نفسها،
’ولكن في النهاية أنا الآن زوجته ويجب أن أجبره على أن يعاملني بطريقة أفضل!لن أرضى مطلقا بمثل هذه المعاملة‘

ثم لاح أمامها في خيالها صورة العقد الذي مضت عليه والذي يسلب كل حقوقها، فعبست أكثر!
إن الأمور معقدة جدا، فما وقعت عليه يلزمها عدم المطالبة بشيء سوى المال، ولا تتدخل في أموره الشخصية مطلقا!



في غرفه نوم رائف ولولا، كانت لولا محمرة الوجه وخجلة بسبب دخول السيدة مانيا ورفعها لقطعة القماش البيضاء التي بها قطرات من الدم، وقالت وهي تضحك:
”مبارك لكِ يا لولا، وأتمنى أن تشرفينا بولي العهد قريباً“

زاد احمرار وجه لولا عندما أضافت السيدة مانيا وهي تغمز:
”سيكون طفل صغير في هذا القصر البارد مثل أشعة الشمس، لا تتأخرا علينا بمثل هذه الهدية!“

لم تعتد لولا على مثل هذا الحديث أمام والدتها فكانت في قمة إحراجها، ويبدو إن والدتها أيضا كانت محرجة فهي لم تعلق! أو ربما لديها أسباب أخرى لصمتها إذ يبدو وجهها حزين قليلا على عكس عندما كانت أسفل الدرج.

مر على ذاكرتها طفلة صغيرة حديثة الولادة في لفافتها البيضاء تصرخ عاليا عند وفاة والدتها، رغم إن الطفلة كانت بعمر السويعات إلا إنها يبدو شعرت بانقطاع ذلك الرابط بينها وبين والدتها للابد. حضنتها جولي في صدرها وأقسمت إنها ستربيها وتعتني بها وكأنها من لحمها ودمها.

أدمعت عيني جولي على الذكرى ولكنها مسحت دموعها وابتسمت قبل أن يلاحظها أي شخص.

وبعد الحديث الطويل بين لولا ووالدتها والسيدة مانيا وسوزان بالطبع حول الزواج ومسئولياته، جلست لولا وأخيراً مع صديقتها سوزان في الشرفه لوحدهما، فقالت سوزان بقلق وهي تشعر إن صديقتها ليست على ما يرام، خصوصا وقد لاحظت تصرفات تلك الفتاة الوقحة التي كانت تتأبط ذراع رائف بكل جرأة وكأنه ملك له، وفكرت إنه لابد إن هذا الأمر قد أثار استياء صديقتها، فسألتها،
”لما تبدين حزينة؟“

أجابت لولا بهدوء مبالغ فيه، ”إن تلك القماشة هي مجرد قماشة مزيفة، لم يحدث شيء بيننا البارحة!“

اتسعت عيني سوزان في البداية ثم لانت ملامحها وهي تقول،
”ربما أراد أن تعتادي عليه أولا! أليس هذا ما تريده أي عروس من زوجها؟“

استمرت لولا تقول وهي تدفع خصلات شعرها الشاردة خلف أذنها،
”انا بالفعل أشعر بالخوف والارتباك، لا أعلم لما ولكن اشعر إنه صعب المراس، كما إنه هو جاف في تعامله معي أيضاً، تخيلي لم يمدحني كزوجة في ليلة زفافها ولو بكلمه واحدة، وكأني لم أكن في ثوب زفافي!! تصرفاته كلها خشنة ولا مبالية“

ثم أضافت بنفوروقد جعدت أنفها باشمئزاز،
”ليس إنني أهتم ولكن هولا يهتم لي حقاً!"

لم تخبر لولا سوزي عن ذلك العقد، فلم تشأ أن تشغل بال صديقتها إذ لم يكن أمامها إلا توقيعه!
أضافت بحزن واضح في صوتها،
"هل علمتي من تلك الفتاة التي كانت تجلس على الطاولة بقربه والتصقت بذراعه كالعلكة عندما خرجا؟“

قالت سوزان بتفكير فقد كان تصرف الفتاة وكأنها على علاقة حميمية به،
”أجل لقد لاحظتها، إنها نفس الفتاة التي كانت معه على الشرفة ليلة البارحة“

تنهدت لولا بعمق،
”أشعر إنني في كابوس“

بعد تفكير أمسكت سوزان صديقتها من كتفيها وقالت وهي تحاول تشجيعها،
”ولكن يا حبيبتي عليك التفكير في طريقة لإخراجها من حياته، وأيضاً كيف تحافظين على هذا الزواج فهذه أصبحت حياتك الآن، كما إنه غني بشكل مفرط ولم تكوني لتحلمي بأن تتزوجي رجلا بمثل ثرائه! عليك المحاربة من أجل انجاح هذا الزواج، هل تعلمين ما يعني أن تحصلي على زوج غني؟“

عبست لولا وهي تفكر،
’لا أحد يعلم حول الوثيقه التي وقعتها فكيف سيعلمون وأنا لم أخبرهم، ربما كان علي أن أخبر سوزان! ولكن ما فائدة إخبارها الآن!! أنا لا يهمني أن أحافظ على هذا الزواج، ولما سيهمني وقد وقعت على عقد انتهائه قبل حتى أن يبدأ‘

لاحظت سوزان الحزن على وجه لوليتا فقالت لها بحيره،
”أخبريني ما تلك الرسائل التي يتحدث عنها زوجك؟“
وعندما لم تجيبها لولا وظلت ملتزمة الصمت ولكن عينيها أجابتها، فقالت سوزان وهي تضع كلتا يديها على فمها،
”يا إلهي! لا تخبريني إن مالك ذاك هو من كان يرسل لك الرسائل؟؟“

قالت لولا بهدوء ولمحة من العطف على مالك في صوتها،
”لا أعلم لما يفعل ذلك! أخبرته ألا يتصل ب مجددا، أتمنى أن يتوقف عن ذلك، فلا أريد أن أتسبب له في المشاكل، كما إن والدي ربما يعلم بذلك وأعلم إن ردة فعله ستكون سيئة للغاية، أنا أعلم إنه يتألم ولكن علينا أن نتخطى الأمر، فلا فائدة من تعذيب الذات“

قالت سوزان بعصبية وضيق،
”يا إلهي، لولا، لا تزالين كما أنت، تفكرين في الجميع ما عدا نفسك!! حسنا سوف نفكر في حل لهذا الموضوع، عليه أن يتوقف عن الاتصال بك فلا نريد مشاكل أكثر مما نحن فيه!“

ثم أمسكت فنجان قهوتها وارتشفت منه وأضافت، ”متى ستعودين إلى الجامع’؟ لا أحب أن أذهب لوحدي هناك!“

نظرت لولا للبعيد وقالت،
”أشك في إننا سنسافر، على الأغلب إننا سنبقى هنا، اذا بقينا ولم نسافر سوف أعود إلى الجامعة، فدراستي هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يساعدني في الخروج مما أنا فيه! وهي أهم هدف لدي الآن“

مر الوقت سريعا ولولا تتحدث مع صديقتها ووالدتها حتى جاء موعد رحيلهما، شعرت بالضيق وترجتهما لولا ان يظلا معها حتى المساء، ولكن كل واحدة منهما قالت إن عليها أن يتركنها فهو أول يوم لها بعد الزواج.

ثم قالت جولي متذمرة وهي تقبلها على خديها وتودعها بعدما نزلوا لحجرة الجلوس التي تجلس فيها سيلا،
”لا أعلم لما ترككِ رائف بهذه السرعة وذهب إلى العمل، فمن المفترض أن يبقى معكِ اليوم على الأقل!“

أجابت سيلا بهدوء لتمتص توتر الأم،
”إن رائف هو من يدير أمور العائلة كلها وأمور الشركة، عمه رجل مريض بالقلب ولا يقوى على العمل المتواصل. بالإضافة إلى إن رائف رجل مشغول جدا في أغلب الأحيان وعلى لوليتا أن تعتاد ذلك فهذا واجب الزوجة الصالحة، ولكن بالمقابل أنا أعلم إنه سيعوض لولا إن شاء الله“

أدارت لولا عينيها بملل وهي تنظر للاتجاه الآخر، كما وكأنها كانت تنتظر منه الإهتمام؟؟ هي تعلم إن ما بينهما لا يفرض عليه أي التزام أو اهتمام، على الأقل هذه الحقيقة الواقعية التي لا يعرفها الحميع! أوصلت لولا والدتها وأخاها الصغير وصديقتها إلى الباب لكي يعودوا إلى المنزل في سيارة سائق عائلة رائف؛ فقد أصرت سيلا أن يوصلهم السائق بدلا من أن يستقلوا سيارة أجرة.

همست سوزان في أذن صديقتها قبل أن تصعد إلى السيارة وقالت،
”أنصحكِ بأن تضعي هاتفك في وضع الصامت ولا تجيبي على اتصالات مالك نهائيا أو ضعيه في قائمة الحظر أفضل“ ثم رحلت.



على طاولة الاجتماعات ينقر رائف بأصابعه بملل بينما يتحدث إحدى مدراء الفروع حول المشروع الأكبر الذي يخطط له ويحتاج كل قوى الشركة ونفوذها. كان يعلم إن البعض يتهامسون كيف لرائف أن يأتي في صباحية زفافه، بل اعتقدوا إن اجتماعهم الاسبوعي حول تطورات المشروع لن يتم إجراءه اليوم حتى دخل رائف وقتها من باب الشركة وهب الجميع في استعداد.

قال له ابن عمه ريان الذي يجلس بقربه على طاولة الاجتماعات وهو يهمس،
”لو كنت أنا مكانك لن أحضر إلى العمل وأنا عريس إلا بعد شهرين أو أكثر! أنت تفوت على نفسك أيام رائعة وتدفن نفسك في العمل!“

نظر له رائف ساخرا وهو يرفع حاجبه وأجاب،
”ذلك أنت وهذا أنا، وهذا لما أنا رائف وأنت ريان!“

ضحك إيان وقال،
”يا رجل أنت تاخذ العمل كله على محمل الجد، أعتقد إنك ستموت في النهاية على طاولة الاجتماعات! ما ذنب المسكينة على الأقل إن ارغمتها على توقيع ذلك العقد التافه فعوض عليها بالاستمتاع والاستجمام“

كان رائف وإيان مقربان جدا من بعضهما البعض، ورغم إنهما النقيض في الشخصيات لبعضهما البعض إلا أن أحدا منهما لم يكن يخفي على الآخر شيئا طوال حياتهم.
فكر رائف في كلام ريان بسخرية وهو يخبر نفسه إن المال هو التعويض الوحيد الذي يمكن أن تريده منه، أليس هذا سبب زواجها منه؟

استمر الاجتماع لساعتين من الجدال والمناقشات والاقتراحات ثم بعد انتهاء الاجتماع اتجه رائف إلى مكتبه وخلفه مساعدته التي وضعت مجموعة من المستندات على طاولة مكتبه وخرجت. وقف رائف على النافذة الكبيرة المطلة على الشارع ويديه في جيوبه بتفكير، أخذ يتأمل المشاة عبر الطريق الذين يتجهون ذهابا وايابا إلى مصالحهم حتى دخل ريان إلى المكتب كالإعصار كعادته وجلس يثرثر، لم يكن رائف يستمع له ولكنه قال بصوت هادئ،
”أنا لم أقترب منها البارحة، أشعر إنها بريئة جدا! لا أتخيل نفسي معها اصلا، إنها مجرد فتاة صغيرة، حتى نظراتها نحوي تدل على برائتها!“

رمش أيان عدة مرات مستغربا ثم قوس شفتيه باستهزاء وقال،
”ياللهول يا رجل! هل عيناك لا ترى؟ أيعقل إنك ترى زوجتك طفلة؟ إنها إمرأه بكل للكلمة من معنى!!“

التفت إليه رائف ورفع حاجبه وقال بتحذير،
”راقب كلماتك!! إنها زوجتي الآن“

قال أيان يضحك،
”هيي يا رجل، إنك الآن تتحدث كرجل عجوز!!“

تنهد رائف فهو يعلم إن ريان دائما ما يأخذ الأمور بمزاح، فقال بجدية،
”صدقني! عندما تحدثت معها البارحة، والنظرات التي تنظر لي بها وكأنها تنظر إلى وحش أمامها جعلتني أدرك إنها طفلة وخائفة، تخيل إنها كانت تبكي كالأطفال بسبب عدم قدرتها على فتح سحاب ثوبها! لا تزال في الثامنة عشر بينما أنا سأكمل الثامنة والعشرون!! لا أستطيع أن أكون معها على الأقل في هذه الفترة“
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي