الفصل الحادي عشر اا المطعم

جاء النادل ووضع الأطباق أمامهما، أمسك رائف بالشوكة والسكين وبدأ يأكل بصمت وكأنه يخبرها إن النقاش قد انتهى! فعلت لولا بالمثل وابتسامة شريرة على شفتيها، وهي تقرر إنها لن تكتفي بمضايقته، إن كان يعتقد إنها ستكون تلك المطيعة فهو يحلم. وضعت قطعة الطعام في شوكتهت ثم أخذت أول قضمة وشعرت بالنيران في فمها، كان وكأنها أشعلت فمها بالبنزين والنار.. وأسرعت إلى كوب الماء الموضوعة أمامها، شربت بشراهة وفمها لا يبرد. ضحك رائف وقال لها باستمتاع،
"هذا عنادك إلى أين يوصلك عليكِ بالتنازل أحيانا!"
وكان يقطع طعامه ويأكل بكل هدوء واستمتاع!

نظرت له بغيض شديد وجبينها يتصبب عرقا بسبب الحرارة وعيونها مدمعة وقالت،
"أنت كنت تعلم ذلك؟ كنت تعلم أن هذا الطبق حار جدا!"

قال ببراءة مصطنعة،
"أجل! فنحن في مطعم مكسيكي وهنا أغلب الطعام حار جدا، وقد اخترت لك طعام وجبة مناسبة لذوقكِ ولكنكِ رفضتها!"

واستمر يأكل طعامه وهو يتلذذ أمامها بينما هي تحاول إطفاء النيران داخل فمها.

لم يطلب لها طبقا آخر وقد تعمد ذلك حتى يزيد من استفزازها.

أمسكت لولا كأس عصيرها وبدأت تشرب منه لتبرد حلقها، ورائف يأكل طعامه بتلذذ ثم قال،
"لذيذ جداً"

وكأنه يقصد شيئا آخر غير الطعام عندما نظر في عينيها.

لعنت لوليتا في داخلها لارتدائها هذا الثوب ولفكرتها كلها بأن تلفت انتباهه،
’لما استمعت إلى كلام نورا ؟ هو الآن يحصرني في زاوية حرفياً‘

اشتعل وجهها بالاحمرار وقد تباطأ رائف في تناول طعامه عمداً، قالت لولا والحرارة لا تزال في فمها،
"هيا لنذهب، لقد بدأت أشعر بالملل"

قال بلامبالاة متعمدة:
"أنا لازلت جائع، أريد أن أكمل طعامي"

"لا! أنت تأكل مثل النملة، أسرع إذا"

أخذ قضمة أخرى من صحنه وقال وهو ينظر لوجهها،
"أنا أحب الأمر أن يكون بطيء، أحب أن أتلذذ بطعامي، لا أحب السرعة"

هنا بالذات شعرت إنها ستنفجر من كثر التلميحات التي يقولها، فقد بدأت تشعر بالفعل بأشياء لا تريد أن تشعر بها.

فجأة ادركت إنها كل ما تحدثت ترضي غروره أكثر، فلاذت بالصمت.

”هل أطلب لك على ذوقي هذه المرة؟ أم تشاركينني صحني حتى انتي منه بسرعة؟“ أضاف مدعيا إنه لا يهم.

”لا! شبعت!“

كانت النيران داخل فمها قد هدأت أخيراً.

وضع رائف السكين والشوكة بعد أن شعر بأن مشاعرها بدأت في الانهيار ومد يده إليها وقال وهو يقف،
"دعينا نرقص قليلا!"

قالت فورا خائفة مما تشعر به حالياً،
"لا داعي من ذلك، دعنا نعود إلى المنزل"

عض على شفته السفلى بغيظ وقال،
"أنا الذي أقول ما الذي يجب وما الذي لا يجب، هل نسيتِ ذلك؟"

نظرت له بمقت شديد وأجابته،
"لا .. لم ولن أنسى ذلك العقد المقيت الذي أرغمتني على التوقيع عليه!"

رغم لمحة من السواد عبرت فوق عينيه إلا إنه لم يعلق بل قادها إلى ساحة الرقص في صمت. كانت الموسيقى هادئه ورومانسية جدا، وضع يديه على خصرها وبدأ بالرقص ولكنها لم تضع يديها حوله بل وقفت بكل جمود رافضة التفاعل معه. فأمسك لها يداها ووضعهما على رقبته ثم أمسكها من خصرها وجذبها ناحيته لتلتصق به وعينيه مليئة بالتحدي، حاولت الابتعاد ولكنه ظل ممسك بها بإصرار ولا يبعد عينيه عن عينيها ووميض غريب داخلهما.

بدأ يرقصان على النغمات، شعرت لوليتا أن رائحته تحتل جسدها، كما شعرت إنها حتى وإن استحمت مئة مرة لن تتخلص من هذه الرائحة لأنها اخترقت روحها، لن تنساها أبدا هي تعلم وستقرنها دائما به.

لم تستطع أن تسترخي بل تشنجت كثيراً، وسرت رجفة في جسدها إثر قربها الشديد منه، ولكنه لم يهتم بذلك بل وضع وجهه في عنقها وقبلها هناك فسرت قشعريرة في جسدها. همس رائف في أذنها،
"أجل ذلك هو ما أريده، ردات فعلك مثالية جدا لوليتا، أعتقد إنكِ مناسبة لي تماما"

قالت بصوت حاولت أن تجعله قوي، إلا إنه خرج باهت ضعيف بشكل ميؤوس منه،
"لا يهم ذلك!"

غمغم ببعض الكلمات وكأنه لم يستمع إليها، وفكرت لولا، ’كيف سوف أقاومه؟ لا أستطيع أن أقاوم وهذا نحن هنا في المطعم أمام الناس! كيف إذا أغلق علينا الباب!!؟ علي التفكير في شيء ما وبسرعة‘

كانا في زاوية حلبة رقص المطعم، وكانت محتجزة بينه وبين الحائط. نظر لها وقال بهمس بجانب اذنها وهواء تنفسه الساخن يلفح رقبتها:
"دعينا نعود للمنزل!"

عندما صعدا للسيارة استغربت لولا إنه كان ينظر إلى خارج النافذة ولم يقترب منها، بل لم يكن وكأنه نفس الشخص الذي كان معها منذ قليل في ساحة الرقص، كان يفكر بعمق شديد وكأنه يصارع شيء ما داخله، ثم نطق أخيرا وقال بجدية قاطعا الصمت الخانق:
"إياكِ أن تحبيني، كل ما سيحدث بعد قليل هو مجرد واجب"

سحبها من يدها ولم يترك لها الفرصة لتنبس ببنت شفة. دخلا إلى الفيلا وزاد من ضغطه على يدها وصعد بها مباشرة إلى غرفة النوم وأقفل باب الغرفة.

جذبها من خصرها لتلتصق به، كان ينظر لها بعيون ممتلئة بالرغبة، عضت في شفتها السفلية لتوقف ارتجاف شفتيها الذي لم تعد تسيطر عليه، رفع إبهامه ليفصل بين شفتها السفلية وأسنانها وقد تذكر ذلك اليوم عندما قامت بنفس الشيء في المحل النسائي، ثم قال بصوت أجش عميق وعيونه على شفتيها،
”توقفي عن عض شفتيك!“

فتذكرت هي بدورها ذلك اليوم مع مالك وغزا في هذه اللحظة ذاكرتها صوت مالك ونحيبه حول إنها ستصبح ملك لغيره، شعرت بالذنب الفضيع، ليس لأنها ستكون مع رائف فهذا متوقع وطبيعي، بل لأنها ترغب بأن تكون معه في هذه اللحظة.

بدأت تدفع رائف من صدره ليبتعد عنها، ولكنه كان مغيب من مشاعره نحوها في هذا اللحظات ولم يستجب لها، بل قام بإمساك كلتا يديها في قبضته ليثبتهم خلف ظهرها.

ثم غزى فمها بقبلة جارفة ومتطلبة، لم تكن قبلة ناعمة بل التهمها رغم عدم استجابتها له.

ولأنها لم تستجب نظر لعينيها فشاهد رغبتها به، ففكر في نفسه’إذا ما المانع؟‘

قبضت لولا على كلتا يديها تحاول منع جسدها من الاستجابة له، لم تعتقد أبدا إن الأمر من الممكن أن يكون بهذه الصعوبة، وفي نفس الوقت أغاظتها كلمته عندما قال لها إياكِ أن تحبيني، فقد فكرت حينها إنه متعجرف مغرور ليظن أنها ستحبه.

فتحت عينيها على حب مالك، كانت تتوقع أن تتزوجه بنسبة مئة بالمئة، ولا تستطيع فقط رمي كل تلك السنين والأحلام بكل بساطة خلف ظهرها..

لاحظ رائف تشنجها، ففهم بشكل خاطئ وتوقع إنها فقط خائفة وإنه لم يلاطفها بالقدر المناسب، أمسكها من ذراعها وسحبها معه وهو يبذل قصارى جهده في التحكم بنفسه وعدم رميها على السرير فقد بدأ صبره ينفذ، وقال،
”تعالي نجلس على السرير!“

وقع قلبها بين قدميها، كيف ستخرج من هذا المأزق، هي غير مستعدة، ولا تريد أن تكون مستعدة، وعلى عكسها هو كان سيجن بسبب مشاعره الجارفة نحوها الآن، لم يشعر منذ مدة إنه يريد إمرأة بهذا القدر.

جلس على السرير وقال لها بصوت يحاول قدر استطاعته أن يكون ثابت، إلا أنه خرج أجش وعميق كعمق مشاعره الآن،
”اجلسي هنا قربي“

قالت في نفسها:
’يا إلهي! كيف سأخرج من هذا المأزق، هل أخبره فورا إنني لا أريد، لست مستعدة بعد!!‘

لم يكن رائف في مزاج لينتظر أكثر فسحبها من يدها لتجلس على ركبتيه.
مسّد على شعرها يحاول طمئنتها ثم قبلها، شعرت بقلبها يتوقف ودفاعاتها تسقط، بل بدأت تريد منه أن يحضنها بقوة أكبر، حدثها صوت داخلها وقال،
’خائنة!‘

فتحت عينيها والتقت نظرتها بعيني رائف التي تغير لونها وأصبحت أكثر غمقاً ولمعاناً، كان جميلا حد سلب الأنفس، ليس بجمال ناعم بل جمال ذكوري طاغي، عينيه بهما لمعة رغبة تزيدهم سحرا، أغمضت عينيها بشدة لكي لا تتأثر أكثر بهذا الساحر، ادركت إن مشاعرها مالت له، أدركت إنها ارادته. فتشنج جسدها ونزلت دمعة من عينيها وهي تردد داخل عقلها،
’أنا أحب مالك، أنا أحب مالك، أنا أحب مالك‘

وكأنها تحاول إقناع قلبها وعقلها وجسدها بذلك، وكأنها تحمي نفسها من مشاعر بدأت تغزوها.

فجأة لم تعد تشعر بيديه حولها، فتحت عينيها لتجد رائف جالس على حافة السرير، لم تفهم ما الذي حدث. لفحت جسدها برودة بعد الدفئ الذي كان يحيطها.

كان رائف قد لاحظ وتشنجها ودموعها؛ ففهم أخيرا إنها لا تشعر بالخوف، بل هي لا تريد، وهو لا يمكن أن يفعل شيء دون رغبتها، صحيح أنه أجبرها على توقيع عقد ولكن لا يمكن أن يجبرها على فعل واجباتها الزوجية دون رضاها.
كان مصدوم، ينظر لها بحيرة واستغراب، لم يقابل في حياته كلها فتاة ترفضه!! بل إن الفتيات يتمنين ابتسامة أو نظرة منه.

وبدل من أن يجعله ذلك يغضب ابتسم للفكرة، واقترب منها وهي قد رفعت ملاءة السرير حد عنقها، قرب وجهه من وجهها حتى تلاحمت انفاسهما وقال،
”أنتِ تقودينني للجنون، هل تعلمين ذلك؟“

ثم نهض فجأة وهو يقول،
”سأدخل للحمام! لا حل الآن بعد أن أوصلتيني للحافة سوى حمام بارد أو مثلج“

لم تصدق إنه بعد كل ذلك تركها ولم يفعل أي شيء!! رمشت بحيرة ثم أسرعت تركض نحو غرفة تبديل الملابس وارتدت بيجامتها الواسعة التي تخفي جسدها ومسحت مساحيق التجميل ثم سرحت شعرها ورفعته في كعكة، وعادت للغرفة لتجده متكئ على السرير.

وعندما ابعدت نظراتها عنه فورا قال،
”يبدو إني سأطلق عليك اسم الخجولة!“

احمر وجهها من الاحراج فأضاف،
”صدقيني سينتهي هذا الخجل يوما ما يا صغيرة!“

لم تعلم لولا إن كان يقصد بهذا أمر جيد أم العكس، على كل حال أسرعت لمكانها في السرير واعطته بظهرها وتظاهرت بالنوم خوفا من أن يغير رأيه، وبعد لحظات انزلت الغطاء قليلا من وجهها تسترق النظر نحوه وجدت إنه يراسل شخص ما عبر الهاتف، حاولت جاهدة أن تقرأ الرسائل ولكن كان الأمر صعبا فالكتابة غير واضحة من هذه المسافة، ثم فكرت ونار اشتعلت في صدرها لا إراديا،
’ربما يراسل تلك السخيفة روزي!!‘
ثم ما لبثت أن أفاقت على نفسها وعلى ما تقوم وتهتم به،
’توقفي!! هذا ليس من شأنك لوليتا الغبية!‘

دفنت نفسها تحت الغطاء مجددا تحاول النوم، فجأة شعرت بنفسها تُسحب، وكان رائف قد سحبها من خصرها لتستقر بين ذراعيه، ظهرها لصدره الدافئ، ثم قال هامسا وانفاسه الدافئة على أذنها،
”في النهاية حضن بريء لن يخدش براءتك! أليس كذلك سيدة خجولة؟“

ثم أحاط ذراعيه القويتين حولها وكأنها دمية أو دبدوب صغير بين ذراعيه وأطفأ نور المصباح الجانبي وقال،
”هيا نامي!“

فكرت بسخرية،
’يبقى الحضن أفضل من أشياء أخرى على الأقل‘

أضاف رائف وهو مغمض العينين،
”اذهبي لجامعتك في الصباح فلا فائدة من تعطيلها، أنا سأكون طوال اليوم في الخارج، لدي العديد من الأعمال ولا أستطيع التغيب عن العمل ولا معنى من تعطيل محاضراتك“

”كنت سأفعل!“ قالت بلهجة صارمة لتوضح له إنها لا تنتظر أوامره ولا تنتظر صحبته، فابتسم من عنادها ونام.

والغريب إن الإثنان قد غطا في نوم عميق جدا.

في منتصف الليل، استيقظ رائف على ركلات مزعجة تركل على بطنه وصدره، وعندما فتح عينيه النعستان وجد إن لوليتا تتحرك كثيرا في نومها وتركل، وضع يده خلف رأسه غير مصدق وهو يقول،
”أتورط بالزواج والنوم مع شابة عقلها بعقل الأطفال والآن أجد إنها تركل مثلهم أيضا“

أمسكها وسحبها نحوه وثبتها بين ذراعيه على أمل ألا تركله مرة أخرى وعاد للنوم!

في الصباح؛

فتحت لوليتا عينيها ببطئ، وجدت نفسها بين ذراعي رائف ووجهها على صدره، وساقيها ملتفتان حول خصره، متشبثة به كالطفل الذي يتشبت بوالدته، والكارثة إن ذراعه مملوءة بلعابها!!

اتسعت عينيها بصدمة من المنظر على ذراعه، ’يا إلهي ما هذا؟’ ثم أغمضت عينيها بقوة تفكر كيف ستتصرف في اللعاب!! إنه أمر محرج جدا، لم يحدث معها من قبل، ثم فكرت بصدق مغ نفسها أو ربما كان يحدث أحيانا عندما تكون الوسادة مرتفعة.

خطرت لها فكرة تنقذها من الإحراج، فقامت بسحب ساقها التي على خاصرة رائف ببطء ثم بدأت تسحب نفسها ببطء شديد وهي تحاول ألا توقظه، أمسكت كوب الماء الذي بجانب رأسها وشربت منه جرعة كبيرة حتى أكملت معظمه ثم أسقطت الكوب على ذراع رائف لتبتل ذراعه بالماء! ورسمت علامات الدهشة على وجهها مدعية الصدمة.

بسبب الماء البارد استيقظ رائف بسرعة وجلس، نظر حوله باستغراب وذهول وهو يقول: ”ما الأمر؟“

تظاهرت لولا بالصدمة وهي تنظر له بعيون متسعة من الصدمة وفم مفتوح ثم قالت،
”يإلهي، أنت تتحرك كثيرا في نومك بشكل مفرط، لقد كنت أشرب الماء فضربتني بيدك وأنت نائم فسقط الكوب“

حك رائف رأسه بفوضوية ثم قال وهو يعتدل في جلسته على حافة السرير،
”أنا أسف لم أشعر بنفسي، يبدو إني استغرقت في نوم عميق“

كان جماله كالأسطورة، بحاجبيه الغليظين والضربة التي تقسم حاجبه، تمنت لو تستطيع لمس حاجبه بأصابعها وتتبع خط ذلك الأثر وأن تسأله عن سبب الجرح فيه.

نظر في هاتفه ليجد إنها الساعة السابعة صباحاً، فوقف وقال،
”إنه وقت الاستيقاظ، جهزي نفسك سأوصلك بنفسي إلى لجامعة فهو أول يوم لكِ فيها بعد الزواج، ثم سأنسق لكِ مع السائق!“

استدار وبدأ بالسير نحو الحمام، حدقت فيه وشعرت بالامتنان للفتة الجميلة والغريبة منه. في الحقيقة وجدت إنه عكس ما تخيلت فهو يعاملها بطريقة جيدة، كانت تتوقع شخص أناني قاسي لا يبالي بمشاعرها ولكنها حتى الآن وجدت العكس تماما. تأملت جسده الرياضي وعضلات ظهره، بدأت تعتاد على النظر إليه دون خجل، على الأقل عندما لا يراها. وكأنه قرأ أفكارها فاستدار عند هذه الفكرة بالضبط عندما وصل أمام باب الحمام.
وعندما استدار نحوها فجأة وهو يغلق في الباب أمسكها تحدق فيه، فغمزها بمعنى وهو مبتسم ثم أقفل الباب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي