الفصل العاشر اا أنتِ قبلتي ووقعتي على العقد

نظر رائف نحو الباب في ترقب حتى دخلت منه، كان متكئا على الحائط وفور أن دخلت استقام في وقفته ونظر لها من أعلى رأسها إلى أسفل قدمها، كانت كمن خضعت إلى عملية تحول! لا تشبه لوليتا التي كانت على طاولة الإفطار هذا الصباح والتي كانت ترتدي ثوبا أصفر طفولي ووجهها خالي من المساحيق وشعرها مرفوع في كعكة.

أما الآن فهو ينظر للوليتا المرأة .. لوليتا الأنثى .. لوليتا المغوية .. وأول ما رآه هو الانتفاخ البارز في أعلى ثوبها وبشرتها الناعمة، ثم نزل بنظره حتى وصل إلى فتحة الثوب التي تكاد تصل إلى ملابسها الداخلية، وأخيرا ارتفعت عينيه لتلتقي بعينيها، ولكن يبدو أنه تاخر حتى نظر إلى عينيها بعد أن أطال في النظر إلى مفاتنها، حيث إنه لاحظ ابتسامة ساخرة على شفتيها توحي بأنها تقرأ أفكاره.

كانت لوليتا في نفسها تقول،
’بالطبع انت كأغلب الرجال تنظر فقط إلى اللحم العاري امامك ولا تنظر إلى غير ذلك، صحيح إن مالك مختلف كثيرا عنك هو لم يقم في حياته ابدا بمد يده إلي إلا في ذلك اليوم في المتجر’

اجلى رائف حلقه وتحرك في مكانه ولم يعرف ما يقول فقد باغتته بطلتها الغير متوقعة وقال،
"تبدين جميلة"

قالت بإمائه وبلهجة مؤدبة ولكن ببرود ولا مبالاة،
"شكرا لك!"

ضحك وقال يغيظها بسبب جوابها المهذب بشكل مفرط وبرودها المقصود،
"ولكن تبقين طفلة!"

أدارت عينيها بملل.

اقترب منها وما أن مد ذراعه إلى ذراعها ولفت ذراعها حولها، حتى تغير وعاد الوجه الجليدي يلبس ملامحه ولم تعد ترى منه تلك النظرة التي كان ينظر لها بها منذ برهة التي تشعرها كأنها المرأة الوحيدة في العالم ولا يوجد سواها، ولسبب ما شعرت بخيبة أمل غير مرغوب فيها.

نزلت السيدة مانيا من الدرج وكانت قد تعمدت أن تتأخر في النزول، فقد أرادت أن يرى رائف للوليتا وهما وحدهما في البداية، قالت بصوتها المرح كالعادة،
"طفلي العزيزان!! استمتعا بوقتيكما، سأودعكما الآن لأنني سوف أسافر الليلة"

ثم توجهت بالحديث إلى رائف وقالت له،
"ارجوك رائف اتصل بابني الغبي ذاك ريان وأخبره بأن يأتي فهو لا يجيب على اتصالاتي، أريد منه أن يوصلنا إلى المطار، لا أعلم هذا الولد لا أشعر إنه يحبنا نحن والداه، إنه مستهتر لدرجة كبيرة، كم أتمنى أن يتعلم منك ولو القليل!!"

ارتفعت شفة رائف في سبها ابتسامة نادرة فهذا المشهد متكرر الحدوث بين مانيا ورايان، الأم والابن اللذان لا يتوافقان أبدا، ورغم ذلك فهما مقربان من بعضنا البعض.

"لا تقلقي يا زوجة عمي، سأخبره بأن يأتي، هو محظوظ لأن لديه والدة مثلك!"

كان رائف يحب عمه وزوجة عمه بشكل كبير، فهما كانا بمثابة الوالدين له، فرغم إن رائف كان صعب المرايا ومنغلق على مشاعره في مراحل الطفولة والمراهقة ولكن السيدة مانيا كانت دائمة الاحتواء له، بل تعامله معاملة خاصة جدا.

خرج رائف ولوليتا وتوجها نحو السيارة، توقعت لوليتا أن يذهب في سيارته الرياضية، ولكنه بدلا من ذلك وجهها نحو سيارة الليموزين المتوقفة في انتظارهما وصعدا إليها بعد أن فتح لهما السائق الباب، جلست لوليتا قربه في السيارة وهي متشنجة تماما، لا تحب أن تكون بهذا القرب الكبير منه، فالتصقت في باب السيارة وأمسكت تتصفح هاتفها. بعد أن بدأت السيارة في التحرك نظر لها رائف وقال بنبرة ساخرة،
"إذا استمريتي في الالتصاق بالباب سينفتح بكِ وتسقطين وتموتين، هل تفضلين الموت على أن تجلسي قربي!؟"

نظرت له بنظرة نارية، تقول أنا أكرهك بصريح العبارة، طالت نظرتهما فكانت هي أول من أشاح بنظره والتفتت إلى النافذة لا تعلم بما تجيب وهي متغاظه منه كثيرا.

ضغط الزر الذي بجانبه و أقفل الفاصل الذي بينهما وبين السائق، ثم في اللحظة التالية اقترب منها وجلس بقربها، كانت ساقه ملتصقة بساقها، التفتت اليه ونظرت له وفمها مفتوح قليلا لبرهة ثم قالت،
"بالمناسبة، السيارة واسعة ويمكنك الجلوس هناك"

رفع إصبعه ووضعه على شفتها السفليه وقال،
"هل يمكنني أن أقبلك ام إنني سأفسد لكِ مكياجكِ!؟"

صدمها بجرئته لم تتوقع أنه جريء لهذه الدرجة، ولكنه لم ينتظر ردها بل نزل بإصبعه إلى حواف فكها وبلمسات خفيفه تتبع خط عظام فكها، فاندهشت وبرد فعل غريزي لحماية الذات قامت بنزع يده من عليها بقوة.

رفع حاجبه وهو ينظر إليها بنظرات كلها غواية وقال،
"لن أتأخر أكثر من ذلك، فجدي ينتظر الحفيد، أرجو أن تكوني جاهزة لذلك"

ارتفع اللون الأحمر إلى خديها ليشتعلا بلون شعرها الناري، لم تتوقع منه أبدا أن يفتح لها الموضوع في مثل هذا الوقت، دائما ما يستمر في مفاجأتها.

نتمنى لو إنها تستطيع الآن صفعه على وجهه، فكيف ستكون ردة فعله!!

كانت محاصرة معه تماما في السيارة التي تجري بسرعة على الطريق، والفاصل مقفل بينهما وبين السائق فشعرت بالخوف. لم تغب رجفتها ولا نظراتها الحائرة عن عيني رائف، فأظلمت عيناه وأمسك ذقنها ورفع وجهها إليه يتأملها وهو يقول،
"لا تقلقي! لن أفعل ذلك الآن!!"

نظرت في عينيه مباشرة وشرارة من الغضب تلمع عينيها،
"لم أكن أتوقع عكس ذلك!"

ضحك وعلق،
"تبدين كقط مبلل من المطر، أنت حقا طفلة صغيرة! أتعلمين لو بقيتي في ذلك الثوب الأصفر الطفولي الذي ارتديته هذا الصباح لكان أكثر أمان لكِ ولما فعلت ذلك الآن! ولكن بهذا الثوب أنتِ حقا أثبتي لي إنك إمرأة، بل أنثى فائقة الجاذبية"

ثم نظر إلى شفتيها وقال،
"أين كنتِ تخفين كل ذلك؟"

كان يريد أن يجعلها تسترخي قليلا، ظنا منه اطرائها سيعدل مزاجها الناري!

أشاحت بجسمها للجانب الآخر فهي لم تفهمه، تارة بناديها بالطفلة وتارة أخرى يقول إنها امرأة! فقالت،
"أنت حقا وقح! عليك أن تلتزم حدودك"

"أنا زوجك لولا! أم علي أن أذكركِ بذلك، وما أقوله وأفعله طبيعي جدا بين الزوجين، أم إن الطفلة التي تزوجتها لم تعلمها والدتها ذلك؟"

شعرت لولا بالحنق وأجابت بغضب،
"وإن يكن لا يحق لك أن تنظر لي بهذه الطريقة!"

"سانظر وستطلبين مني أنت بنفسكِ ذلك!!"

رفعت كفها لكي تصفعه فقد اعتبرت هذا تحرش، ولكنه كان أسرع منها وأمسك يدها بكل بساطة وقال وهو ينظر نحو شفتيها،
"لا تحاولي! فكل محاولة لك ستعود عليك بعقاب!"

ودون أي مقدمات أمسكها من ذراعها وقبلها بعنف حتى خرجت منها صرخة من المفاجأة ثم أفلتها لتجلس.

وعندها فقط تجمعت الدموع في عينيها، فقد شعرت بالخوف الرهيب منه.

خلل أصابعه في شعره وقال بعصبية، ”أنا حقا غبي! كلامك الحاد يجعلني افقد سيطرتي!!“

لم تفهم لوليتا هل يفترض بهذا الكلام أن يطمئنها؟ إنه زاد من رعبها.

ولكن من حسن حظها إنها لم تضطر للكلام أو للبقاء معه أكثر في السيارة فقد وصلوا أمام المطعم، نزل رائف من بابه، وأسرع السائق ليفتح لها الباب، نزلت ووجدت رائف في انتظارها، مد لها ذراعه ودخلا إلى المطعم، كانت طاولتهم محجوبة عن الأعين في إحدى الزوايا الهادئة والخفيفة الإضاءة.

سحب لها الكرسي وجلست ثم جلس هو قبالتها، كان ينوي الليلة أن يتخلص من الحاجز الذي بينهما، هو يعلم إنها خائفة وغير معتادة عليه، ويعلم أنها غير معتادة على هذه الأمور، ويريد أن يجعلها تتقبله وتعتاد عليه.

لا يريد أن يتصرف معها بطريقة همجية أو وحشية حتى وإن كان زواجهما مجرد زواج للمصالح، ففي النهاية هي مجرد شابة في بداية حياتها دون أي تجارب، وهي من تدفع ثمن أخطاء والدها!!

لم يعلم رائف أبدا أن جده يمكن أن يكون استغلاليا لهذه الدرجة، لم يشاهد منه أمرا كهذا أبدا، ولكنه تفاجأ من طلبه للزواج منها مقابل الأموال التي اختلسها والدها، وقد تفاجأ رائف بالفعل من طلب جده فهي ليست من أخلاقه، ولكنه أعطاه العذر بسبب خوفه من الموت بدون مشاهدة حفيد له.

زوجة رائف السابقة، جينا، غرست في قلبه ندبة، ففي اليوم الذي وجدها في سرير مدير أعماله كان اليوم الذي فقد فيه الثقة في جميع نساء الأرض! فقد كانت قبلها بسويعات تخبره عن مدى حبها وعشقها له، ولكن استنتج إنها كانت تحب أمواله ومركزه الاجتماعي.
ورغم ذلك فهو الآن يشعر بالشفقة من أجل لوليتا، فعندما ينتهي كل هذا وينتهي منها ومن استغلالها وياخذ منها طفلها، حينها فقط ستتغير شخصيتها.. ستصبح قاسية، هو يعلم ذلك، ولكن هو بدوره أبدا لن يفكر في إنشاء عائلة،.. ابدا.

لن يعيش ذلك الشعور مجددا مرة اخرى، لن يسمح أبدا لأحد بأن يتحكم في قلبه، لن يعطي قلبه ومشاعره وروحه إلى شخص قد يتحكم فيه بهم!!

القدر وضعها في طريقة وعليها أن تدفع ثمن ذلك، حتى وإن كان لا يريد أن يؤذيها.

أعاد تركيزه معها فوجد إنها تنظر إلى قائمة الطعام بتركيز وحيرة، كانت جميلة جدا، عيناها كبحر من الألغاز، وراء كل نظرة سر.
هو متاكد إنها لم تدخل إلى مثل هذه الأماكن من قبل، ولا يعلم لما شعر بالسعادة والحماس بمجرد إنه شعر إنه يصحبها لتجربة جديدة!! حتى وإن كانت تجربة مطعم جديد!! وعندما وصل النادل وسأل ماذا يطلبان، قال رائف بعفوية،
"ساطلب لكِ!"

وذلك لكي يبعدها عن الإحراج، وبدأ بطلب وجبتان، وجبة له ووجبة لها، ولكنها فاجأته حين قاطعته وقالت،
"لا، أريد أن أطلب لنفسي، لا أحب أن يطلب لي أحد!"
وشاهد التحدي في عينيها.

"حسنا كما تشائين!"
قال ببساطة ورفع يديه في استسلام، فهذه المعركة البسيطة التي كانت تريد جره أليها، هو غير مهتم بالفوز فيها، هناك معركة أخرى أكثر أهمية بالنسبة له!.

طلبت لولا وجبتها، رغم إن قائمة الطعام كانت باللغة المكسيكية ولم تفهم شيء إلا إنها طلبت حسب الصور، هي في الحقيقة لم تكن جائعة فقد فقدت شهيتها مؤخرا، ولكنها لم تريد أن تعطيه السلطة عليها ليطلب لها طعامها. أرادت ببساطة أن تتحداه، ولكنه خذلها عندما استسلم على الفور.

ذهب النادل وقال لها رائف بعيون لامعة بالمرح،
"أعتقد إن طلبكِ شاهي جدا"

قال هذا فهو يعلم إن الطعام الذي طلبته لن تستطيع أكله فهو حار جدا، وقد لاحظ في الصباح إنها لا تحب الأكل الحار.

رغم تظاهره باللامبالاة في أغلب الأحيان إلا إنه كان مركز ويلاحظ كل شيء حولها! وذلك بغير قصد منه.

كانت لولا تفكر في شيء بعيد جدا عن الطعام، وتصارع نفسها بين أن تتحدث وبين ألا تتحدث، ولكنها في النهاية استجمعت شجاعتها وأجلت حلقها وقالت دون مقدمات،
"صحيح إن زواجنا هو زواج مصلحة ولكني لا أحب أن أراك بصحبة نساء أخرى، على الأقل في المنزل، ألا تعتقد إنه يجب عليك احترامي! صحيح إني وقعت عقدا يمنعني من التدخل ولكن ما تفعله يمس كرامتي وأنا لا ارضى بذلك"

وقالت داخل نفسها، ’ويمكنك أن تنفع عقدك الغبي في الماء وتشربه، لن تتحكم بي وإن وقفت على شعر رأسك!!‘

رفع حاجبه ونظر لها مطولا وهو يرى التحدي في عينيها مما أربكها ثم قال ببساطة وتبرير لم تتوقعهما منه،
"إذا كنتِ تقصدين روزي، فهي مجرد ابنة خالي! ولا تعني لي أكثر من ذلك"

كانت ستفلت منها الكلمة لتقول له لقد رأيتكما في الشرفة ليلة الزفاف، ولكنها أمسكت نفسها في اللحظة الأخيرة وابتلعت كلماتها، ستكشف نفسها إن صرحت بذلك!

أضاف رائف ببرود قاتل بعد أن لاحظ إنه برر لها تصرفاته، وهذا ليس من عاداته على الإطلاق،
"اعتقد إنكِ وقعتِ العقد وأنتِ تعلمين أن لا سلطة لكِ للتحدث حول ما يخص حياتي الخاصة، وظيفتك فقط هي إنجاب الطفل"

نظرت له لولا وعينيها مملوءة بالكره، هي تعلم إنها وقعت عقد ولكنها فقط تطلب ألا يفعل ما يمس كرامتها.

هنا علم رائف إنه ارتكب خطأ، إذا أراد الليلة أن يكون كل شيء مثالي؛ لم يكن يجب عليه أن يذكر قصة العقد. إلا إنه مفاوض جيد فهذا ما يجعله رئيس شركات جده، دارك الموقف وأضاف بعد أن لانت ملامحه عندما شاهد عينيها تشع كرها، "انظري! لا نريد أن نعقد الأمور بيننا بالتدخل في الخصوصيات، إلا أن علاقاتي أبدا لن تكون أمام العامة أنا أعدكِ بذلك، لا تقلقي لن أهينك ولن امس بكرامتك فأنت هنا في صفقة عمل"

هو لم يكن ينوي ولا ينوي بأن يكون في سرير أي امرأة أخرى طوال فترة زواجهما القادمة، فهو تجرع ألم الخيانة ولا يريد أن يذيقه لأحد، ولكنه لم يكن يريد لها بأن تحبه، يعلم بأنه أول رجل في حياتها ويخشى أن تبني آمال بزوج محب وعائلة دافئة، أراد أن يحمي لها قلبها منه، لم يكن يعلم بأن قلبها محجوز لغيره منذ طفولتها!

’لا تهينني!! إذا كيف تكون الإهانة إذا لم يكن هكذا؟؟ حسنا لنرى كيف ستشعر الآن عندما أردها لك‘ قالت في نفسها بغضب فهي ليست بالشخص الذي يستسلم بسرعة.

ابتلعت ريقها ثم قالت،
"إذا! أنا أيضا يحق لي أن أقوم بعلاقات ولكن ليس أمام الناس!؟ أهذا ما تقصده؟"

ضرب بيده على الطاولة وقال هو يكون على أسنانه،
"أخبرتك من اليوم الأول أن هذا أمر مفروغ منه، ولا يمكنك فعل ذلك"

شعر رائف بأن الأنظار توجهت نحوهما بسبب صوته العالي، وآخر ما يريده أن يثير أنظار صحفي ما ربما يتناول عشاءه هنا!! فأمال جذعه إلى الأمام نحو الطاولة وهسهس بغضب،
"أنا لا أقبل ذلك! أنتِ قبلتي ووقعتي، وأنا لن أقبل ذلك أبدا هل تفهمين؟ إذا كانت لكِ أي حاجة فاطلبيها مني!"

شعر بأنه بدأ يفقد مسار الأمور، إنها تقوده للغضب بسبب لسانها اللاذع.

صمتت لوليتا فهي تعلم إنه حتى وإن قال لها إنه لا يهتم إن كانت لها علاقات، فهي لن تقوم بذلك. ولكن أن تشعر بهذا النصر الصغير بتركه يحترق من الغضب كافي لإرضائها!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي