الفصل الثامن عشر اا ملف عن مالك

"عدت متأخرة!؟"

قفزت لولا من مكانها عندما جاء صوت من خلفها بينما هي غارقة في أفكارها جعلها تنتفض.
وضعت يدها على قلبها وهي تستدير نحو رائف.

"لقد أفزعتني!"

"لما؟ هل قلت ما يفزع؟"
لاحظت لولا السخرية في نبرة صوته فأدركت إنه لابد ويعاقبها بهذا الأسلوب عن شيء ما. هل لها حقا أن تتسائل عما يحاول معاقبتها؟ سخرت من نفسها، لقد بدأت بالفعل تفهم اسلوبه.

بالطبع هي تعلم!

هو يعلم إنها كذبت عليه.

لم يواجهها ولكنه منذ ذلك الحين يعاملها بطريقة جافة وباردة على عكس ما اعتادت عليه في السابق في بداية الزواج، وهذا الشعور المصاحب لهذه المعاملة ولد داخلها شعور غير مريح.

’ولكن إذا كانت هذه ردة فعله من مجرد اتصال! فماذا سيفعل وكيف سوف يتصرف إذا أخبرته عن الفيديو؟ عن لقائي بمالك في ليلة زفافنا؟؟‘
’يا إلهي، لا أستطيع حتى التخيل‘

حاولت أن تتمالك نفسها وابتسمت ابتسامة لم تصل حتى لطرفي عينيها، "سأغير ثيابي وأنظر ماذا جهز الخدم من أجل العشاء"
وقبل أن يتحدث استدارت وصعدت للأعلى.

نظر في إثرها وهو يحارب شعوره بأن يلحق بها ويسألها عن سبب كذبها عليه! كان يحارب هذا الشعور منذ تلك اللحظة حتى الآن!
سيرى التقرير الذي تجهزه له مساعدته الشخصية قبل أي سؤال أو إجراء يقوم به.
فتجاربه في الحياة علمته التأني في التصرفات والتقصي وراء أي شك والتأكد قبل اتخاذ أي قرار وعدم الانجراف وراء المشاعر سواء كانت مشاعر سعيدة أم غضب!

في العشاء، كانت الأجواء غريبة نوعاً ما بجلوس لولا ورائف وريان حول مائدة الطعام صامتين. كانت الأجواء حادة جداً كسكين قاطع.
نظر ريان نحو الزوجان بالتبادل ثم رفع حاجبيه وقال باستغراب، "هل فاتني شيء ما هنا؟"

رفع رائف حاجبه ونظر بلا مبالاة ولا رغبة لديه في الرد على أسئلة ابن عمه الفضولية بينما اكتفت لولا بالصمت والتحديق في طعامها وتقليبه بالشوكة دون أن تأكل، فقد كان عقلها يعمل بسرعة شديدة مما جعلها تفقد شهيتها وتركيزها فيما يحدث حولها نسبياً.
قال ريان بملل، "هل أنا جالس مع عجوزين؟ يا إلهي! حتى العجوزين يتحدثان أكثر منكما!!"

تمتم رائف بملل، "ليس من شأنك!"

"حسنا! عصفوري حب صامتين!"

ما أن نطق ريان هذه الجملة وذكر الحب حتى رفع رائف بصره نحوه بلمعة غضب في عينيه، ثم هب واقفا ورمى منديله بعنف على الطاولة واستدار ليخرج من الغرفة.

كانت تصرفاته واضحة جدا ولم يحاول إخفاء ما يشعر به حالياً.

فتحت لولا فمها بصدمة، هل يكرهها لهذه الدرجة؟ ولكن لما أرسلت هذه الفكرة شعور بشع داخل قلبها. وكأن قبضة قوية قد قبضت على قلبها جعلت حتى التنفس صعب.

ثم فكرت قليلا وقالت لنفسها، ’يجب ألا يؤثر فيها ما يقول أو يفعل أو يشعر نحوها، فهي تكرهه بدورها، ولا يهمها رأيه فيها!

عندما أعادت بصرها للطاولة وجدت ريان يحدق بها، حملقت فيه بدورها وقالت، "هااا! ما الأمر؟ لما تحدق بي؟"

كان ريان يعلم تمام المعرفة إن السبب وراء مزاج رائف السيء هو هذه الجالسة أمامه، ولكنه لا يعلم ما الذي فعلته بالضبط؟ ضيق ريان عينيه وهو ينظر لها، "أنت أيضا تبادلينه نفس الشعور، أليس كذلك؟"

تجاهلته لولا وبدأت تأكل، فجأة أصبحت تضور جوعا ولن تسمح لهما بسد شهيتها.
أضاف ريان بتفكير وكأنه اكتشف شيئا مهما رغم تجاهلها له، "أنتما تكرهان بعضكما البعض!"
أدارت لولا عينيها بملل وهي تقطع قطعة اللحم التي أمامها.
يعلم ريان إن رائف ليس بالشخص المناسب للولا بعد أن عاشت معهم هذه الفترة هنا في القصر، فصديقه مليء بالظلمة داخل قلبه، مليء بالندوب وجروح الماضي.
انفلتت من بين شفتيه فكرة جنونية خطرت على عقله فجأة،
"ربما عليكما أن تتبنيا طفل إذا كنتما لا تستطيعان أن.. أن.."

انصدمت لولا من جرئته للتحدث معها في مواضيع مثل هذه وفتحت عينيها على وسعهما ونظرت له، ثم وبعدم تركيز منها ضربت اصبعها بالسكين وهي تقطع طعامها وانجرحت.
"أووتش!"
صرخت بصوت ضعيف وأمسكت اصبعها الذي بدأ ينزف.

أسرع ريان نحوها وأمسك يدها وهو يقول، "يا إلهي، لقد جرحتي نفسك"
ثم طلب من الخادمة التي كانت تقف قرب الطاولة بأن تحضر عدة الإسعافات الأولية.
ولكن ما أن أحضرت له الخادمة العدة لم يعرف ما عليه أن يفعل! بينما لولا تنظر بعيدا تحاول ألا تنظر للدم المتدفق من اصبعها
أخرج ريان هاتفه بسرعة والتقط صورة ليد لولا وارسلها لرائف مرفقة برسالة، [سأعالج يد زوجتك التي تنزف بشدة ولكن ليست مسؤوليتي إن فقدت إحدى أصابعها!] ثم ضغط ارسال وهو مبتسم بمكر.

كان رائف قد خرج من الحمام عندما سمع صوت وصول رسالة فتوقع إنها الرسالة التي كان ينتظرها منذ ساعة من مساعدته الشخصية حول ذلك التقرير الذي يخص البحث حول مالك. فتح هاتفه ليجد الصورة والرسالة الواتي أرسلهما ريان. عبس وضم حاجبيه ثم نزل بسرعة. عندما دخل إلى الصالة وجد ريان يمسك بيد لولا بين يديه وحو يحاول أن يقنعها بأن يتصلوا بالاسعاف فهو لم يعرف حتى كيف يضمد أو ينظف لها الجرح. فقد كانت الضمادة متجمعة فوق الجرح والجرح لا يزال ينزف.

لا يعلم رائف لما شعر بالانزعاج من هذا المشهد.

"ابتعد!" قال رائف وقد خرج صوته جاف متحشرج وكأنه يرى مشهد غير محبب له، هل شعر بالتو بالغيرة من رؤية ريان بهذا القرب من لولا؟ يضع يدها بين يديه؟

"وأخيرا جئت يارجل! هل هي زوجتي أم زوجتك؟ إذا كنت لا ترديها أستطيع أن …"

"راقب لسانك!" هدر رائف بصوت خشن ونظرات تلمع بالغضب ثم لكم ريان على كتفه لكمة خفيفة ليبعده عن طريقه والتي بدت وكأنها مزحة. ولكن اللكمة التي شعر بها ريان كانت ابعد ما يكون عن المزح فقد كان يحملق فيه بغضب فرفع ريان يديه في استسلام ثم قال بصوت يملئه المرح،
"اهدأ يا رجل! أنا ذاهب إلى النادي فهناك حفل عيد ميلاد روزي، من المؤكد إنها تنتظر أحدنا بأن يأتي، لذا سأذهب رغم إنني متأكد من إنني لست الشخص الذي ستريد أن ترقص معه في عيد ميلادها!"

قال ريان هذه الكلمات وخرج قبل أن يقذفه رائف بشيء ما. لقد حقق هدفه، فعلى الأقل إن لم يكرها بعضهما البعض أكثر.. سيتحدثان!

كان يعلم إن رائف يهتم لأمر لولا كما تفعل هي تماما، ولكن العند والكبر الموجود في كليهما يجعلهما يكبران فوهة الجفاء والبعد بينهما.

نظف رائف وضمد جرح لولا وهما صامتان. ورغم عمق جرح اصبعها إلا إنها لم تعد تشعر بالألم وكأنها قد أصابها الخذر، بدأت تشعر بألم في مكان آخر. هل قلبها هو الذي يؤلمها؟ لا تعلم لما ازدادت مشاعر الحزن داخل قلبها.
هل لأنها تشعر به القريب البعيد؟ الموجود بين يديها ولكن لا تستطيع لمسه؟

تأملت لولا بعيونها الحزينة رائف الجالس قرب قدميها وهو ممسك باصبعها يضمده وكأنه يقوم بعملية جراحية صعبة تحتاج كل تركيزه بينما تقوم الخادمة بمساعدته.
تمنت لو إنها تستطيع أن تمرر أصابعها بين خصلات شعره الأسود، ثم تسائلت ما سيكون ردة فعله إن فعلت ذلك الآن؟

رفعت يدها وكأنها مخدرة ووضعت أصابعها بين خصلات شعره ومررتهم بكل بطئ. تجمد رائف في حركته وتوقف عما كان يفعله فورا، ثم رفع بصره ونظر إليها. التقت نظراتهما فرمشت لولا من الصدمة. لم تدري أنها كانت تفعل بالفعل ما كانت تتخيل نفسها تفعل.
اتسعت عينيها بصدمة وتوردت وجنتيها من الإحراج ثم وضعت أصابعها على جفون عينيها وهي تقول بصوت متلعثم، "لقد.. لقد شعرت بالدوار!"

ثم أضافت عندما استمر رائف يحدق بها،
"كدت أسقط"

قال رائف بعفوية، "ألا تتحملين الدماء؟ أسف لم أفكر في ذلك"
وأقرن كلامه بسحب يدها بعيدا قليلا عن مرمى بصرها.

شعرت لولا بالاحراج وتأنيب الضمير، "لا بأس! سأذهب إلى غرفتي أريد أن أنام"

وقف رائف بعد أن أكمل بسرعة نضميد يدها ثم قال، "هل أساعدك؟"

"لا .. لا لا بأس. أستطيع الذهاب بمفردي"

"كما تشائين." قال وقد عادت نبرته الجافة، ثم التفت نحو الخادمة وقال بنبرة باردة قبل أن ينصرف نحو مكتبه المنزلي، "ساعديها في الصعود إلى غرفتها وتأكدي من رؤية كل طلباتها"

تنهدت لولا لما لا يزال يعاملها كشخص غريب عن المنزل، هي الآن يفترض أن تكون فردا من العائلة.
ثم ضحكت على نفسها ’فرد مع وقف التنفيذ!!‘

اتجه رائف نحو مكتبه مباشرة وأقفل الباب خلفه بعد أن وصله بريد الكتروني من مساعدته مرفق بملف عن مالك.
مالك ذاك الشاب الذي عكر مزاج رائف مؤخرا.

فكر رائف بينما يمسك جهازه اللوحي وهو على وشك فتح ملف البي دي إف المرفق، لو كان زوج طبيعي لكان سأل زوجته مباشرة لما انكرتي اتصال زميلك بك، ولكنه ليس زوج طبيعي. كان معترفا لنفسه بذلك، معترفا إنه يحمل سواد وشك في قلبه كبيرين، لا يستطيع أن يثق في أي أحد، وبالأحرى هو فقط ينتظر الخيانة متى ستحصل، فهو يعلم إنها ستحصل لا محاله.

لا يوجد حب، لا يوجد وفاء، لا يوجد إخلاص!

فهذا ما أخبرته به والدته عندما كان مجرد طفل صغير ولا يجب أن يعرف مثل هذه الأمور.
ثم جاءت خيانة زوجته السابقة لتكون التأكيد على الحقيقة التي علمتها له والدته قبل موتها والتي أنكرها في البداية حتى خاض التجربة بنفسه!

ضغط على أيقونة الملف وقطرات من العرق البارد ظهرت على جبينه لتكون الدليل الوحيد على توتره، فهو يبدو كجبل جليدي لا يتزحزح.

أول ما ظهر في الملف هي صورة لمالك وتحتها بعض المعلومات الشخصية عنه. ما لفت انتباه رائف إن مالك يعيش في نفس الحي الذي به منزل عائلة لولا! وقد درس معها منذ الابتدائية وهوا أكبر منها بعام واحد فقط. كما إنه صديق للولا وسوزان منذ الطفولة وقبل حتى الدراسة!

لم يكن في الملف أي معلومات تخص زوجته، تنهد رائف بارتياح رغم عدم رغبته بالاعتراف إنه شعر بالسعادة.
فكل ما يوجد هي صور في وسائل التواصل الاجتماعي تجمع مالك ولولا وسوزان وهم إما في المدرسة أو في نادي أو في حفلة عيد ميلاد. لم يكن يوجد ما يدل على الشك، كل الصور كانت بين الثلاثي تظهر صداقتهم لا أكثر.

أقفل رائف الملف وهو يشعر بالراحة وكأن ثقلا ثد انزاح من على صدره!

بعد مرور يومان، كانت لولا تذرع الغرفة ذهابا وإيابا لا تعلم كيف ستتصرف، عليها اليوم أن تقوم بإرسال المبلغ وإلا سيقوم الشخص المجهول بارسال الفيديو إلى رائف ووالدها!

سمعت صوت محرك السيارة فأسرعت نحو النافذة لتشاهد سيارة رائف تدخل إلى المرآب.
زادت نبضات قلبها سرعة. لا تعلم كيف ستفاتحه في الأمر ولكن عليها أن تفعل ذلك بأي وسيلة.

نظرت إلى ساعة يدها لتجد أنه لا يزال أمامها أربع ساعات وإلا ذلك الشخص المجهول سيقوم بتنفيذ تهديده!

وقفت أمام المرآة الطويلة تشجع نفسها ثم أخذت نفس عميق وخرجت من غرفتها متجهة نحو مكتب رائف.

عندما نزلت إلى الطابق السفلي حيث مكتبه وصلت لأنفها رائحة عطره المميزة مما زادت من توترها ورعبها. ورغم ركبتيها الواتي أصبحتا كالهلام فقد سارت نحو المكتب.
وقفت أمام باب المكتب تتجهز لكي تطرق الباب وهي تعيد في عقلها ما دربت نفسها عليه لساعتين مضتا أمام المرآة.

وقبل أن تطرق الباب كان قد انفتح لتجد رائف بطوله البالغ خمسة أقدام يقف أمامها، رفع حاجبه المضروب ونظر لها بعيونه التي لطالما اخترقت حواسها كالصقر وقال بصوته البارد الذي أصبح مؤخرا سبب توترها،
"لما تقفين هنا؟ هل تريدين شيء ما؟"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي