الفصل السابع

(ابن ناچيني)
نظرت راشيل (دعاء) عن يمينها وعن يسارها وهي تعلم أن لا أحد سيظهر لها، فالخطابات تأتيها دون أن تعرف مصدرها ولكنها تعرف ما عليها فعله، هناك قوة ما لا ترغب بوجود قاتل أبويها، إذاً فالمصلحة مشتركة وعليها اتباعه حتى وإن كان في اتباعه هلاكها، فجأة سمعت صوت أمها وكأنه يأتيها من مكان بعيد:
- إلى متى ستظلين شاردة الذهن يا صغيرتي، أين ذهبت ابتسامتك؟
- ذهبت بلا رجعة يا أماه، لقد عرفت الحقيقة التي لطالما أخفيتها عني، عرفت من أهلي الحقيقيين و..
- قاطعتها الأم قائلة: أجننتِ يا دعاء؟! أنا أمك، لو كنت أستطيع أن أعيد إليك ذاكرتك لفعلت، لقد كنتِ دائما فتاة مشاكسة كما أنت الآن.
- ابتسمت لها راشيل ثم قالت: أشكرك على كل شيء، لقد كنتِ أمي أكثر من أمي الحقيقية، لم أشعر أبدا بأنني لست ابنتك، لقد عرفت الحقيقة وعادت ذاكرتي لي.
كادت الأم أن تتكلم فألجمتها راشيل وهي تقول: لقد رأيت قاتل أبواي ووصلتني بعض الرسائل الغامضة، حتى عادت الذكريات تقتحم عقلي، أنا أعلم أنك تحبينني ولكن أريدك أن تفهميني ما لم أعرفه، كل ما أتذكره أنني استفقت بالمستشفى ثم عرفتني وقتها بأنك أمي، ولكن ما أريد أن أعرفه، من هو الشخص الذي طلب منك أن تتبنيني؟
-  تنهدت الأم ثم قالت: الموضوع سري للغاية يا صغيرتي، سأخبرك ما أعرف لأنني لا أخاف من أحد سوى الله، ولتعلمي أني لم أقصر أبدا تجاهك لقد كنت ابنتي التي لم أنجبها، حين استفقتِ طلب مني العميد سيف الدين غياض أن أكفلك وأتكتم على الأمر، لأنهم ينتظرون ظهور ميشيل رافع قريبك، إن حكومتنا رشيدة يا صغيرتي، كانت تعلم أنه سيظهر ولذلك حين وجدوه في المختبر السري، أتوا به إلى المستشفى الذي تعملين به لتحدث المواجهة، وكونهم لم يخبروكِ بحقيقتك فهذا لحمايتك فقط، أخبريني عما تنوين فعله.
-  سرحت راشيل في الفراغ ثم قالت وكأنها تحدث نفسها: لقد وصل إلي حتى الآن خطابان من شخص خفي، ولكن في الخطاب الثاني كتب لي أين يسكن، الآن عرفت ما علي فعله.
علي السفر إلى محافظة الغربية، قبل أن أواجه ميشيل للمرة الثالثة، لربما حينها أستطيع ردعه والأخذ بثأري.
-  الأم: أخاف أن يصيبك سوء يا صغيرتي، فأنت كل ما لدي في هذه الدنيا.
-  احتضنتها راشيل ثم قالت وهي تضمها: لن يحدث شيء، لقد عوضنا الله ببعضنا البعض، سأرجع إليك ثانية لا تقلقي فأنا أعرف ما عليّ فعله.
سارت في طريق اللاعودة فهي وحيدة تقابل المجهول بشره، لا تعرف هل صحيح ما هي مقدمة عليه أم لا، لقد آمنت بدعوة واحدة "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا منهم سالمين" ولكن أين السلامة وهي مضطرة أن تنضم لأحدهم للانتقام من الآخر؟
مرت عليها الليلة ببطء وهي تفكر في خطوتها، هل تسرعت بقرارها؟ نظرت إلى الساعة المهملة فوق الكومود، عبس وجهها وكأن الزمن تحول لسلحفاة ساكنة بلا حراك، حتى أتى الصباح لتنزل من مخدعها وتركب أول سيارة أجرة لتقلها حيث تريد، وصلت لهدفها (مستشفى النيل للصحة النفسية)
كانت تشعر بالخوف ينتابها، تذكرت حسناتها وسيئاتها وكأنها توقن أنها في الطريق إلى الموت، رغم رؤيتها للشمس فوق رأسها إلا أن المشهد أمامها كان غريبا، فقد شعرت بأن النهار اختفى وحل الليل بسبب بتلك الغمامة السوداء التي تخيم عليها منذ تحركت من بيتها، وكأن أحدا قصد أن يخبرها بأنه يتتبعها.
نفضت أفكارها وقررت الدخول للوكر الغامض، حالة صمت تعتلي الأجواء، لا يوجد أحد بالمكان رغم أن المستشفى تزينها حديقة شاسعة، سمعت صوتا يحدثها من داخل عقلها: "لا تقلقي.. لقد أخليت المكان من أجلك الجميع هنا ولكنهم نائمون، إذا شعرتِ بالخوف ولو للحظة سأوقظهم كي يطمئن قلبك"
شعرت بالخوف يحتل كل ذرة من جسدها، ولكنها الآن على بعد خطوات من المجهول فلا سبيل لها سوى التقدم، فالرجوع أصبح مستحيلا، جاهدت خوفها وتقدمت بضع خطوات لتجد شابا حليق الرأس يجلس على أريكة سوداء متهالكة ينظر لها ويبتسم، وقفت في مكانها مذهولة، تساءلت بداخلها من هذا؟! أيعقل أن يكون هو من يحدثني، لقد تخيلته وكأنه شيطان رجيم؟!
سمعت صوته يحدثها بداخلها: "الأفعى رغم جمالها الأخاذ تظل أفعى، المظهر ليس له علاقة بمكنون الأشخاص، ميشيل من الخارج سراجا وهاجا أما من الداخل فهو أتون من يحموم"
-  ولكنني أريد أن أفهم من أنت وما معنى أنك ابن ناچيني؟ قالتها بقلق.
-  ابتسم لها ابتسامة ودية وتردد صوته بداخلها: "قبل خلق البشر خلق الله الجنة والنار، خزنة النار من الملائكة وأيضا من الأفاعي، ناچيني كانت كبيرة الأفاعي في الملأ الأعلى، خلق الله آدم أبو البشر بعدها"
-  تفكرت قليلا ثم قالت: وماذا حدث بعدها، وكيف عرفت كل ذلك؟
-  قال: هناك أشياء لن يستوعبها عقلك الآن، علم البشر كقطرة الماء غير قابل للزيادة، دعينا لا نستبق الأحداث فلدينا وقت لأخبرك فيه كل شيء.
-  لماذا تساعدني؟
- قال: لأنك تشبهينها.
- من هي؟
- قال: لن يسعني أبدا أن أصف لكِ جنة عدن، ولكن يمكنني أن أريكِ إياها، ما رأيك في قراءة ذلك الكتيب الذي بصدد نشره قريبا للبشر قبل أن تأتي النهاية الحتمية؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي