الفصل الثامن

نظرت له باستنكار.
-  ابتسم لها ثم أكمل : قريبا ستتفتح أبواب الجحيم، سيخرج الدجال الأعور ثم يأجوج ومأجوج، ثم كائنات الهوجيمو ثم ريح طيبة تخطف الأرواح الطيبة، حتى يأتي دخان أسود، حينها سيختنق الجميع وتتحول الأرض إلى كتلة سوداء، تختفي النجوم وينصهر القمر، لتغرق الأرض في الظلام، ليحكمها من جديد بشر آخرين.
لم تفهم شيئا مما قال، ابتسم ابتسامة رجل حكيم وهو يعطيها الكتيب الأسود، فتحت وريقاته لتجد صورة قديمة له ولكنها صورة حية وكأنها شاشة تلفاز.

-----------------
كحبات الرمل تفرقت شتات ذكرياتها لم يعد عقلها كما كان، تحاول جمع شتاته ولكن بلا جدوى تائهة كتيه بني إسرائيل، تدور شمالا وجنوبا باحثة عن نفسها، تنظر للجميع وتتساءل من أنا؟ ولكن لا مجيب.
ملابسها رثة وشكلها مزرٍ، الجميع يهرب منها ويلقبونها بالبلهاء، يقذفها الكبار والصغار بالحجارة، فرغم ما تبقى لها من آثار لجمال قديم، فوحل الزمان يزيل عنها كل ما هو جميل، ويستبدله بما هو أقبح.
جميلة أنتِ يا صغيرتي، تاه عقلك بلمسة من إصبعي ولكنك ما زلتِ تحملين عبق من جمال الماضي، تبيتين بملابسك الرثة بين الجرذان التي لطالما فزعتِ منها بل ابتعدتِ عنها صارخة أو باكية.
أعلم أنكِ لا تستحقين ما عانيتِ، ولكنني الآن لا أستطيع التراجع ومعالجتك، فمصيرك إما الجنون ثانية، أو الموت على يدي ميتة لا رجوع بعدها، لقد أصبحت الأرض إما أنا أو أنت.
فقدان العائلة أمر صعب عانيته قبلك، وصرت مجنونا مخبولا يجول الطرقات في أسى، ما أجمل الحياة حين نكون بلا عقل؛ فلا تفكير ولا هموم ولا خذلان، كالأنعام نأكل ونتزاوج فما أجملها من متعة.
هل لو عاد بنا الزمن وخيرنا القدير بحمل الأمانة فهل سنحملها ثانية ونخوض اختبار الحياة؟ حقيقة لا أعلم.
أراقبك يا عزيزتي عن كثب أحاول أن أحميكِ بقدر استطاعتي فمن يقذفك بحجر أقذفه بعشر، من يلقبك بالبلهاء أجعله مجذوبا لتوه.
أصبحت لعنتي تلاحقك، بل أصبحتِ ملعونة في نظر الجميع يتمنون حرقك كساحرات أوروبا في القرون الوسطى، الجميع من حولك يتساقطون حتى ظنوا أنك ملعونة فأصبح الجميع يخافون الاقتراب منك كما حدث معي بالماضي.
عزيزتي غادة سأظل على عهدي، فلا يمسسنك أحد بسوء ما دمت حيا، ولكنني لم أعد أحتمل رؤيتك هكذا، سأودعك بإحدى المصحات، قبل تنفيذ خطتي في الانتقام ممن كان سببا لكل ما حدث.
انتقامي الأول وليس الأخير، فالبشر ليسوا سوى حشرات تكاثرت تكاثر بهيمي ليس له معنى.
أتعلمين يا غادة لا زلت أتذكر تلك الأيام البسيطة التي جمعتنا سويا، نظراتك المشجعة لي، ابتساماتك القاتلة التي تحثني على الاقتراب من قلبك، احمرار وجنتيك الخمرية حين أسبح تائهاً في زرقة عينيك، خصلات شعرك الكستنائية التي لطالما كانت تنير مع ضوء الشمس لتعكس ضوءا يسبقها.
أتذكر همسات الكثيرين المحذرة إياكِ بعدم الاقتراب من الفتى المذموم المنبوذ، المسخ الدميم، أما الآن فقد اطمأننت عليك بشكل مؤقت فالانتقام أصبح وشيكا، انتقام بلا رحمة قتل بلا هوادة.
دم لا تشربه الأرض تبغضه كبغضكم لحم الخنزير، فإن كانت محرمة عليكم لحوم الكلاب النجسة، فدمائكم محرم على الأرض امتصاصها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي