الفصل السابع والعشرين

كانت تلك فكرتي التي جمعتها من كتابكم السماوي ومن التلمود كما قلت، تواريت وقتا ليس بالقليل عن الأنظار، بعدما اشتريت كتبا عن الطب تتكلم عن التشريح، جمعت أكثر من موسوعة طبية لكي يكتمل علمي به، وبالفعل تعلمت التشريح، وتعلمت أيضا حفظ الأعضاء البشرية، وكانت البداية حين قتلت عمي وهو الأقرب لي.
في ديننا يستطيع الرجل أن يتبنى أي فتى ويصبح أباه الفعلي، كما تبنى آزر ابراهيم أبو الأنبياء وجعله ابنا له، ومن وقتها يعرف بإبراهيم ابن آزر، رغم أن أباه الحقيقي لم يكن آزر بل كان عمه أخو أبوه.
كان علي قتل عمي بعدما رفض تزويجي بابنته مدعيا أني أخاها بالتبني، لم أقل له يوما يا أبي لأنه لم يعاملني كابن له، كان يشعرني بالتقزز كنت كثيرا ما أتساءل لما تبناني؟ ولكنني فطنت في النهاية وسأقول لكم؛ لقد كان يريد أن يراه الناس بصورة الرجل الطيب الرحيم، ففاقد الشيء يتمناه بشدة، ورغم حبي لابنته فلم يشفع له عندي أنها ابنته، كنت قد حضرت كل شيء ولكن رغم كل ما تعلمته فلم أكن أعلم أن كل جهاز في الجسم له وقت محدد يفسد فيه حتى لو وضع في الثلاجة.
لقد كان أول من أحضرته إلى شقتي الصغرى في القاهرة، كانت شقة كبيرة، عالية الارتفاع إلى حد يجعلني أتفنن في جعلها طابقين؛ طابقا للمعيشة وطابقا يصلح مخزن، أو ربما معمل طبي أو مشرحة، ووفقا لما تدربت عليه من رفات الحيوانات (فئران التجارب) مثلما يقول الألمان، تمت العملية بنجاح أحسد عليه، أصبح جسده خاويا تماما، أمسكت جثته وأحرقتها عن بكرة أبيها وكأني أشوي خروف ثمين، ولكن جال بخاطري فكرة أخرى حين سمعت مواء القطط على باب الشقة، فقطعته إلى أجزاء وأطعمت الكلاب والقطط، ربما تسمموا من لحم ذلك الحقير.
هنا كانت البداية، ولكن الأعضاء فسدت في الثلاجة، كان لابد أن يكون معي طاقما أثق به يساعدوني وأساعدهم للسير في طريق الخلود، تواصلت مع أطباء يهود كنت على علاقة وطيدة معهم، في البداية لم يقتنعوا أبدا بفكرتي، ولكنني طلبت منهم أن أكون أول المتبرعين بإجراء التجربة.
اختطفنا طفل صغير وتم التضحية به بعدما تطابقت أنسجتنا، تم تغيير الكليتين والكبد ونجحت العملية، لقد كانت أول عملية من نوعها، أما الجسد فقد احترنا هل نحرقه ونطعمه للحيوانات كما فعلت في السابق أم ندفنه للتخلص منه؟! ولكنني أتيت بفكرة أعظم ،ولكنها صعبة التحقيق، قررنا وقتها حرق جثة الفتى حتى أعرف كيفية تحقيق فكرتي.
بتغيير الكليتين شعرت بحيوية زائدة وكأنني عدت للعشرين من عمري، نسيت أن أخبركم أن الاختطاف لم يكن عشوائيا، فلا بد أن تلائم فصيلة دم المتبرع فصيلة متلقي الأعضاء.
وهكذا ظللنا نختطف رجالا ونساء من شتى أرجاء مصر، حتى انتشرت الأخبار عن فقدان العشرات من المصريين، اضطررنا لإيقاف العمل لأيام بل لشهور، حتى فقدنا الأمل في مواصلة حلمنا بالخلود، حتى واتتني فكرة أخرى، من الخالد الوحيد على ظهر الأرض؟ إنه إبليس ذلك الذي يحكم الأرض من فوق سطح البحر على عرشه.
عزازيل كي ينال الخلود اعترض على أمر الله ولم يسجد لآدم، فلم يغفر له أما نحن فنقتل ونسرق ونزني ولا زالت الفرص متاحة لنا، ظل ذلك السؤال يؤرقني؛ كيف نال عزازيل الخلود؟
ظللت سنوات أبحث عن شيء يقربني إلى مسعاي ويجيبني عن تساؤلي، حتى جاء ذلك اليوم حين سألت مشعوذا كبيرا عن أقدم كتب السحر، أعطاني كتابا مكتوبا بخط اليد بمقابل مادي كبير للغاية، سألته عن كيفية استخدامه.
-قال : عليك أن تظل نجسا أربعين يوما، استخدامك الماء يقتصر على الأكل والشرب ليس إلا، عليك ذبح الذبائح وتعليقها في غرفتك وتتحمل رائحتها، فإن مت خنيقا فلا تستحق أن تراهم، وإن ظلت روحك صامدة فستنجح في اختبارهم الأول.
فعلت مثلما قال، في اليوم الواحد وأربعين تغيرت ألوان الجدران إلى اللون الأحمر، أحسست بالعزلة حتى الهواء اختفى حفيفه، فجأة ازدادت حرارة الغرفة ووجدت نفرا من الجن بجواري، نظرت له ولكنني وبلا فخر لم أشعر بالخوف، سألني ماذا تريد ؟
-  قلت: الخلود، الخلود الذي ناله جدكم الأكبر.
-  قال: ألم تعرف كيف نالها؟
-  قلت: بلى أعرف، ولكننا البشر لا نخلد، لأن ذنوبنا مهما عظمت كتب لها الغفران.
-  قال: إلا الشرك؟
-  قلت: وماذا بعد؟
-  قال: لقد مسخ القدير أبي عزازيل الأكبر إبليسا لأنه لم يسجد لأبيك آدم، فماذا لو سجدت أنت لي؟ ماذا لو حققت ما لم يحققه كثير من بني جنسك؟
هناك من جنسكم أناس يدعون نفسهم بعبدة الشيطان، يقدمون القرابين متمنين تقبلها كي ينالهم حظ من قدراتنا، أنا أقدمها لك الآن.
لم أفكر كثيرا، ركعت ساجدا أمامه.
-  قال: والآن اتلُ العهد.
-  قلت: أي عهد؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي