الفصل الرابع والعشرون

وقتها كان أخي الأصغر هو محور اهتمامها، رغم أنه كان أغرب مني، فملمسه كان ناعما أكثر مما ينبغي، أعرف أنه يسمعني الآن وليمهلني فرصة حتى أكمل كلماتي.
فلنرجع لحكايتي كان محور اهتمامهم حتى ظننت أنني سأصبح نسيا منسيا، ازدادت كراهيتي لهم، حتى أخي لم أحبه يوما، لما أحبه وهو السبب الأول في نسياني ؟
كنت أسرق لحظات من بين أحضان أمي وهي نائمة لعلي أشعر بدفئها، ولكن كان يبدو أن الفتى حين يتعدى العشر سنوات لا يهنأ بحب أبدا.
حاولت يوما قتل أخي، كان قد أتم السابعة من عمره، وجدت شيئا غريبا أتذكره حتى الآن دائرة من الظلام تحيط به، شيئا ما يخيره بين حياته وحياة أمه، لم يبكِ أخي أبدا في تلك اللحظة، رأيته ينظر إلي بكراهية، ثم همس قائلا: أختار حياتي.
شعرت كنني مسلوب الإرادة، وجدتني معه داخل تلك الدائرة، تبينت من فحيحها أنها أفاعٍ ولكن ليست من عالمنا، التفت أفعى حول جسدي وفحت قائلة: نستطيع قتلك ولكنك ستكون مفيدا يوما ما، يوما ما ستكون نجاته على يدك، يوما ما ستراها وتسمع أفكارها، ستحاول تقطيعه إلى أشلاء، ستعمل على محو ذكراه من الأرض، يوما ما ستقرر أن تضحي بنفسك لأجل أخيك.
سيعرف الكثيرون وقتها من أنت، سيخلد اسمك لآلاف السنين، سيعرفك الآلاف والآلاف من البشر، حين تفعل الجيد تصبح سيرتك جيدة، وحين تفعل السيء تسقط سيرتك في المستنقع، حينها ستنقذ سيد الأرض؛ ابن ناچيني.
لم أفهم كلماتها، همست بصوت متحشرج ومن يكون ابن ناچيني؟ هل يكون أخي! تركتني فجأة واختفت من أمامي دون أن تجيب، نظرت إلى أخي، حاولت قراءة أفكاره ولكنه كان مشغولا بجمع ألعابه ويبدو أنه نسي ما حدث.
كنت أظن أنني خارق للطبيعة بقراءتي لأفكار الغير، ولكني تأكدت أن أخي شيء آخر، ربما نصف جان أو نصف ملاك، فكما أعرف أن الجن يتزاوج معنا، فبالتأكيد الملائكة أيضا قد فعلتها.
لا أؤمن بالأساطير الوثنية، حيث إيزيس إلهة الجمال تزوجت بشريا لتنجب بشريا نصف إله، ولكن الإغريق آمنوا بتلك الأساطير، وآمنوا بالقناطير نصف الفرس ونصف البشر، فلما لا أؤمن بأن الملائكة تزوجت منا؟
كنت أراقب أخي دقيقة بدقيقة ،لأنني أعلم بأني سأفديه يوما ما بحياتي ولكن كيف، لا أعلم، بحثت كثيرا عن أي شخص يعرف أي شيء عن ناچيني، فلم أجد سندا واحدا في الإسلام يتكلم عن أفعى تتحدث، ولكنني وجدتها في الأساطير الإسرائيلية؛ ناچيني زوجة الشيطان، حارسة الجحيم، أول صديقة لحواء، أفعى مجنحة، حجمها الحقيقي بين السماء والأرض، كان لها 600 جناح، حتى أنها أدخلت عزازيل في جوفها لتغوي حواء بالأكل من الشجرة المحرمة، لتسقط عنها خواصها، ولتهبط الأرض معهم خاسرة كل شيء، هي أم الشياطين وزوجة إبليس، ولكن هل أخي شيطان؟ حقيقة لا أعرف!
يوم وفاة أمي سمعت صرخاتها، أغمضت عيني فقد عرفت أن نهايتها قد أتت، سمعت ما دار بينها وبينه لم يكن هو القاتل الفعلي ولكنه كان مشتركا معهم، دخل أبي وتواريت وراء الستار كما أنا الآن فوجدته ممددا بجانب أمي وأبي يسكب فوق رأسه الماء حتى استفاق، ومن وقتها فقد نطقه ولكنه أصبح يفح مثلهم.
ظللت أراقبه كما اعتدت، كنت أتطلع لليوم الذي سأحميه فيه فأنا السبب الرئيسي في موت أمي، لولا محاولتي قتله لما اضطروا للمساومة عليهما، وفي قديم الأزمنة كانت المقايضة بالبضائع، أما هنا فلا داعي للتبديل بين شيء رخيص لشيء أثمن، فنحن أرض الدم أرض الهلاك، كنت أريد أن أقول أرض الخوف، ولكنني لم أسمع عنها من قبل، وتلك علتي، هل سمعتم من قبل أن شخصا يعلم أن موته اليوم ويأتي؟ بالطبع لا.
كان أخي غامضا أكثر مما يجب لا يكلم أحدا، في البداية ظن البعض أنه متكبر نرجسي، كل من حاول أن يلقيه بحجر ألقيته بعشر، مات الكثيرون غرقا في الترع لأنه أراد ذلك، كنت أنفذ كل أمنياته لأنه أخي.
كنت أقف أمام أحدهم مبتسما، فينظر لي ثم انظر إلى الترعة فيهيئ له أن عروس البحر تناديه من الترعة، فيسبح ظنا منه أن عروس البحر تسكن ترعة بلدتنا، كلما سبح ابتعدت حتى تغوص داخلها فيتبعها إلى حتفه.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي