الفصل الثامن عشر

أعددت العدة لدخول فيلا أبي، وجدت أمي ملقاة على باب ڤيلته وقد تلقت طلقة في قلبها، قالت وهي تنازع الموت: لا تفعلي شيئا ربما تندمين عليه، سألتها أي شيء تقصدين؟ ولكنها لم تجبني فقد سلمت روحها.
وجدته جالسا يحتسي القهوة وأمامه حاسوبه، ولا كأنه قد أضاع حياتي، تسللت من وراء ظهره وطعنته بالسكين في عنقه، ووقفت أشاهده حتى فاضت روحه إلى قاع جهنم، نظرت إلى حاسوبه، فوجدت رسالة مبعوثة من حسابه إلى حسابه، كلماته كانت كالتالي؛ صغيرتي منذ زمن بعيد، بعدما هربت مع أمك وأنا أحاول إبعادك عني، سأخبرك عما حدث، لأنني أعرف أن ساعاتي قد انتهت، لا تقتربي من الطبيب إنه سر لعنتي، بعدما صورت أمك وهي مع عشيقها، أصبحت غير قادرٍ على المضي قدما للغد، تابعت مع طبيب يدعى نادر، كان مشروع تخرجه هو الانتقام من الظالم لكي يرضي مرضاه ويشفي علتهم.
حين عرف ما حدث لي طلب مني شريط الفيديو، كنت ساذجا فأعطيته إياه، نشره حتى تم فضح أمك، سفرك مع أمك كان بترتيب مني، لقد اتصلت بقريب لها بالخارج وأخبرته بكل شيء، ولكن الطبيب كان لكم بالمرصاد، لم أكن أريد لك الوقوع في مستنقع الرذيلة، مثلما وقعت أمك رغما عنها، ولكنك وقعتِ.
•  منذ فترة قريبة اتصل بي الطبيب، وأخبرني أنني سأقتل على يدك، لذلك لم أوافق على زيارتك، خوفا عليك من أن تقتليني فتصبحين قاتلة لأبيكِ، وتدنس روحك إلى الأبد.
عزيزتي.. إن ذلك الطبيب آلة شر متنقلة فلا تتبعيه، واعلمي أنني لم أحب سواكِ طوال حياتي.
أبيكِ المحب.
لم أفكر وقتها بشيء، فقط أمسكت ذات السكين التي قتلته بها، ورشقتها في قلبي، ولكن لا أعرف ماذا حدث بعدما كنت أنتظر الموت ووجدتني معكم!
( الموت الأسود)
كان الصمت مخيما على أرجاء العنبر، رفع أحدهم يده ليبوح عن علته، رغم البلاهة وعدم الاكتراث البادي على وجهه، إلا أن ملامحه حادة، بشرته حنطية وجسده رفيع، وأعينه واسعتين ذات نظرة مشتتة، تنحنح ثم قال: ماذا تفعلون إذا عرفتم أنه لم يتبقَ على وفاتكم سوى أيام قلائل؟ هل ستدفنون رؤوسكم في الرمل كما يفعل النعام؟ أم تلجئون للقدير كي يغفر خطاياكم؟
البعض منكم سيحاول اللجوء للقدير، ولكنكم بداخلكم تعرفون أنكم كاذبون، تلجؤون له فقط كي يمحي خطاياكم قبل أن تخلدوا في نار الجحيم، كالمساجد حين تعج بالمصلين في أواخر أيام الدراسة، هي حياتكم دراسة مطولة تستعدون فيها جيدا لحفل الشواء، لكنني لم أفعل ذلك لقد كنت دائما صادقا مع نفسي، أعرف أنني من الخالدين فيها، ربما لدي قصور باسمي، خلقت قبل آلاف السنين من ميلادي، لا تفغروا أفواهكم هكذا فلست كما تظنون، أنا لست شيطانا ولكنني أقوى، أخبرنا أحدكم أن الإنسان هو تكوين من النور والطين والدم، فلما ننتظر وسوسة أحدهم ما دمنا سندخلها أجمعين، فلما لا نكون شياطين أنفسنا!
لما لا نعبث بالحياة، ونأخذ معنا من نحب في الجحيم كي نشتم رائحة جلودهم وهي تحترق، وتمتزج رائحتها مع عفن جلودنا؟!
دعوني لا أطيل في المقدمة فالحدث كان جللا، وحجزت مقعدي الخالد في الدرك الأسفل منها! فأهلا بالهاوية ويا مرحبا بشجرة الزقوم.
سأعرفكم بنفسي؛ أنا محب نعم هذا إسمي وربما كان طبعي يوما ما، قبل تحولي لما أصبحت عليه، بليت بحب من حولي، ولكن المحب دائما ما يجد الخذلان، كانت حياتي تسير على نحو جيد، حتى طمع أحدهم بأكل مؤخرة خفاش على بعض من الفاصوليا الحامضة، ليظهر وباء من نوع جديد، طاعون العصر الحديث.
تلقاه مئات الآلاف وضرب بأعناقهم، وكأنه المسيح الدجال أتى ليحصد الأرواح على غفلة منهم، شعرنا بأن القيامة آتية لا محالة، أصبح الناس يهتفون ثائرين ضد المرض، وكأنه جيش محتل علهم يقهرونه، كانت الأيام تسير برتابة حتى حدث ما لم يكن بالحسبان.
أصيب صديقي الصدوق بالفيروس، ولأنني من أقرب المخالطين، تلقى صدري الفيروس كما يتلقى الحمل الوديع سهم الصياد، لم أجد حينها أي من مستشفيات الدولة لتنجدني مما أصبحت عليه، فاتصلت بزوجتي وأخبرتها بأني أصبت، وأن عليها الفرار هي وابنتينا كي لا يصيبهن ضرر، ولكن دائما ما تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، رفضت زوجتي الخروج من بيتنا وأخبرتني أن علي البحث عن مكان آخر للمكوث فيه، ولكن إلى أين؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي