الفصل الرابع عشر

حكاية بلال )

أنا القاتل أنا المظفر دائما، أنا الذراع الأيمن للخالد على هذه الأرض، حقا فهو يشبه عزازيل كثيرا، لا أعرف هل هو شيطان من ضمن الشياطين، أم أنه بشري طغت صفاته الشيطانية على صفاته الملائكية.. فمن قبض روح الأرض كان ملاكا، ولكن الأراض قديما شربت دماء الشياطين، ونحن البشر مزيج من الطين والنور والنار، مطعمة بقبس من روح الإله.
لا تفغروا أفواهكم، وسأدعكم تلقبونني بالمجنون، فأنا الذي انقلبت على ولي نعمتي حتى جننت وقبعت هنا مع المجانين، وكأني واحد منهم، الآن أبوح بذنبي لعلي أتوب، أو أعود للخلف سنوات عدة حتى أرجع طفلا، فأحاول إصلاح ما قد أفسدته ببيتي.
كنت قديما أدعى بلالا، الشاب الذي ذاق الذل من القريب قبل البعيد، مثل البعض منكم، حياتي انقلبت بعدما عرفت الحقيقة، فمن يصدق طفلا رأى أمه وأبيه على مضجعهم بصحبة رجل وامرأة آخرين؟ تلك ظاهرة منتشرة، قد لا يعلم عنها الكثيرين منكم، وتسمى بالتبادل، لا سيما أن هناك أعمال مشينة أكثر من ذلك، كمضاجعة الأخوات والآباء والأمهات فيما بينهم، لا تفزعوا، لا أنتظر منكم التصديق أيها الحمقى، لا عليكم، سأكمل لكم
حين رأيتهم ظللت مثلكم، فاغرا فاهي أنظر لهم مشدوها بما أرى، العجيب أنهم تفاجئوا بوجودي، ولكن لم يغضبوا، ولم أشعر بأي شيء بعدها، أدخلوني لأرى!
أرى المزيد من الفجور وربما الدياثة، فالديوث حتى لا يشم ريح الجنة، جعلوني أنظر وكأني واحد منهم، كنت في الرابعة عشرة وقتها، كما تخيلتم كنت قد أتممت سن البلوغ، كنت بالغا لأشعر بالإثارة مما أرى، ولكن أثار على من! أمي؟!
رأيت الفرحة في أعينهم وهي تطالعاني من أسفل إلى أعلى، كسروا شوكتي حين أدخلوني إلى عالمهم القذر، مجرد إثارتي جعلتني أخطو أولى خطواتي إلى الجحيم، حيث ابتعدت عني الجنة كابتعاد الشمس عن كوكب بلوتو.
انتهت الليلة، وطالت الليالي وهم منغرسون في الضلال، ففي النهار يظل أبي الرجل الصارم، صاحب الكلمة الذي يبجله الكثيرين ويحسبون له ألف حساب، وبالليل يتحول صاحب الكلمة إلى الكهنة المازوشية، نعم لقد سمعتموها جيدا، أبي كان شاذا بكل ما تحمله الكلمة من معاني، من المازوشية للسادية للنكروفيليا للواط، آآه يا قلبي لا تحزن!
لقد كان يحمل جميع أنواع الشذوذ بين جنبات جسده، لقد كان باحثا عن المتعة، لا أظن أنه يحمل في هرموناته مرض عضوي، فلقد كان مخبولا، كان يستمتع بضرب أمي له، تلك السيدة الرقيقة كما كنت أعتقد، أصبحت على يده امرأة سادية، تستمتع بضربها إياه، بل كانت تضربني معه وكأنني مشترك في حلبة المصارعة، ولكنني كنت في معظم الأحيان أكتفي بالمشاهدة، لا أقترب ولا أبتعد، راغبا في متعة حيوانية من إناث أقل ما يقال عنهن أنهن حيوانات بشرية، أليس المنحدرين من آدم نشئوا من امتزاج حيوان منوي ببويضة؟ كانوا حيوانات لم تتشكل بعد لبشر.
كبرت وفطنت بأنهم ملعونون، وأني أشاركهم تلك اللعنة، قررت أن أثور، خفت من الانغماس معهم رغم علمي بأني أحمل لعنتهم، قررت الخلاص من نفسي وتخليص البشر منهم، قررت حرق أجسادنا النجسة المفعمة بروح عزازيل، ولكن شاء القدر ألا أموت، وبفضل جار لنا يدعى ميشيل رافع طبيب نفسي، كسر باب الشقة حين اشتعلت، تركهم يستغيثون وأخذني إلى بيته وأنا أختنق، ثم طلب المطافئ بعدما تأكد من تفحمهم.
لم أكن أعلم لماذا أنقذني ولماذا تركهم، ولكنه فاجأني يوما حين أخبرني بحقيقة مرضهم، كانت كلماته تخبرني بأنه مريض مرضا ما، ربما معقد أو مكتئب حقيقة لا أعلم، ولكن كلماته دائما كانت تحمل جملة أحفظها عن ظهر قلب؛ لا بد للوباء أن يقتلع من جذوره، لا بد وأن تنتهي تلك المهازل، إلى متى سيظل هؤلاء الموبوئين في كوكبنا، حتى يصاب الآخرون مثلهم؟!
-  سألته عن قوم لوط وعما كانوا يفعلون، لماذا لم يعالجهم الله؟ نحن الآن مجبرين على التعايش مع ما يسمى المثليين، لماذا لم يعالجهم الله بدلا من أن يهلكهم؟
-  فقال أن قوم لوط كانوا كالوباء، والوباء علاجه الحرق حتى لا ينتشر، أول من فعل تلك الفعلة من قوم لوط كان رجلا يريد أن يمسك بذلة على جار له، فاعتدى عليه جنسيا، وأعجبه الأمر فأخبر به صديقا له، بعدها انتشر الخبر بمدينتهما، فاستلذوا تلك الفعلة الجديدة، حتى أنها أصبحت عندهم كالأكل والشرب، باتا يفعلونها في الشارع، وفي بيوت الندوة، بل أصبحوا يخرجون خارج حدود مدينتهم في غارات على مدن أخرى، ليغتصبوا الباقين من المدن المجاورة، أي فساد وغفلة كانوا بها، لقد كان يجب إحراقهم عن بكرة أبيهم، وفعلا هذا ما كانوا يستحقونه.
-  سألته ذات يوم لما تكرههم إلى هذا الحد؟
ضحك ضحكا هيستيريا، ثم أدخلني غرفة خشبية، لم تكن ظاهرة من الخارج، أظن أنها غرفة سرية، كانت أرضيتها تؤدي إلى سرداب، أدخلني ذلك السرداب فوجدتني داخل غرفة، حجمها كحجم شقة مثل شقتنا، ولكن ارتفاعها لم يتعدَ المترين، ذهلت من الإضاءة المختلفة فقد كانت كمتحف أوروبي، حيث وجدت تماثيل في البداية ظننت أنها بشرية، ولكنها لم تكن كذلك.
الملمس كان بشريا، وكنت أظنه برع في نحته، حتى أخبرني فيما بعد أن ظني الأول صحيح.
-  حين سألته لما لا يعرضها على الملأ ليجني الآلاف من فنه؟
-  فأجابني أنها أجساد حقيقية محنطة بالطريقة الفرعونية.
-  سألته كيف فعلت ذلك؟ فحسب علمي لا أحد من العلماء حتى الآن استطاع أن يكتشف فن التحنيط الفرعوني.
ابتعد عني ثم اقترب من إحدى المكتبات التي بالغرفة، وأخرج مخطوطات صفراء يبدو أنها قديمة، وريقاتها كانت مصفرة وسميكة أكثر مما ينبغي، نظر إليها ثم إلي، ثم همس قائلا: لم أكن أتوقع يوما أن أعرف سر التحنيط الفرعوني، ولكن ذات يوم كنت أملك بيتا في الأقصر، كنت لا أنام بالأيام في ذلك البيت، ولا أشعر بحاجتي للنوم، وحين أخرج منه أقع أرضا، وحينما يعيدونني إلى بيتي مرة أخرى أستفيق في ثوان، وكأن شيئا لم يكن.
.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي