الفصل الواحد والعشرون

-  وداد: وأنا أيضا، ولكنني حينها كنت صغيرة بالعمر.
-  ابتسم قائلا: ولكنني أقصد أني قابلتك وأنت كبيرة، وليس وأنت طفلة، ولكن لا أتذكر أين أو متى، ولم أقدر على التذكر، ولكنك كنت مثل البدر عند اكتماله.
نظرت للأرض ووجهي أصبح مثل حبة الطماطم الناضجة من الخجل.
-كريم: أنا آسف لم أقصد أن أزعجك، ولكن بالفعل أنا حلمت بك أكثر من مرة قبل أن أراك.
في هذه الأثناء دخلت والدتي ووالدة كريم وجلسوا يتحدثون عن أيام مضت، وعن أحوال البلاد وحديث كبار السن المعتاد.
اقترب عم محمود وجلس كريم بجانبه وهو يغمز له بأن يقول شيئا.
وإذ بعم محمود يتحدث قائلا: أنا سعيد للغاية لهذه الصدفة التي جمعتنا مرتين، مرة منذ سنوات ومرة في هذا الوقت، وأشعر أننا اجتمعنا بحكمة من الله عز وجل.
-  والدتي: أدام الله الخير بيننا يا أستاذ محمود، أنت السبب في وجودي بينكم، لولاك لكنت من الأموات منذ سنوات،
-  محمود: لا تقولي هذا يا سيدتي، أنا فقط سبب من الأسباب، ولماذا لا نقول أنه لولا ابنتك لكنت فقدت زوجتي وهي فعلت أكثر مما فعلته بكثير، ولهذا السبب أود أن نكون عائلة واحدة.
-  والدتي: كيف؟! ماذا تقصد؟
-  كريم: بعد إذنك يا أبي، أريد أن أقول شيئا.
-  محمود: حسنا أيها المتسرع، تحدث وأبهر حبيبتك.
جميعنا ضحكنا على حديث عم محمود، وأنا أيضا ضحكت رغم خجلي الظاهر على وجهي.
-  كريم: يسعدني ويشرفني للغاية أن أطلب يد ابنتك وداد، من الممكن أن أكون لا أعلم عنها أشياء كثيرة فقد قابلتها اليوم فقط، ولم أتحدث معها سوى بكلمات قليلة، ولكن أشعر كأنها حلم أود تحقيقه، أظن لقاءي بوداد لم يكن صدفة، سواء في الماضي أو الآن كل هذا ترتيب من القدير، لقد كتب لي أن أراها مرتين وأقع في حبها، لأجعلها أميرة في مملكتي.
-  نظرت لي والدتي أمامهم وقالت لي: ما رأيك في هذا الحديث؟
نظرت في الأرض وأنا أبتسم، وليس لدي القدرة على الحديث.
-  وهنا تحدث عن محمود قائلا: الصمت أعلى علامات الرضا، فلنقرأ الفاتحة.
-  رفعت يدي الاثنين سريعا أمام وجهي قائلة: آمين.
ضحكوا جميعهم و فهموا أنني موافقة، ومن هنا بدأت أجمل قصة حب مع كريم...
كريم بالنسبة إلي كان هدية من السماء، تصميم إلهي لم يكن موجودا، أو حتى سيتكرر ثانية إنه من إبداع القدير، مرت أيام الخطوبة معه بسعادة ليس لدي الوصف الكافي لها وكانت أجمل سنة، نتحدث كثيرا ولا نترك بعضنا البعض إلا عند النوم.
وفى يوم هاتفني كريم وهو سعيد للغاية ومتلهف لسماع صوتي.
-  كريم: أهلا أهلا أهلا بأعز الحبايب أهلا .
-  ضحكت بخفة قائلة: من يرى تفكيرك وعقليتك وذوقك الراقي، لا يقول أنك أحيانا تشبه الأطفال في أفعالك.
-  كريم: ومن قال لك أنني لست طفلا! الرجل الحقيقي بداخله طفل يلهو دائما، الرجل خليط بين النخوة والجدية والطفولة.
-  وداد: ومن أنت من بين كل هؤلاء؟
-  كريم: سأقول لك، تظهر نخوتي ورجولتي وقت غيرتي عليك عندما ينظر إليك أي شخص نظرة واحدة، أما طفولتي فقط تظهر وأنا أحتضن منكبيك بيدي.
-  وداد: ولكنني لست بحضنك، وضحكت ومزحت معي كالطفل الصغير.
-  كريم: من قال لك أن الحضن ملموس فقط، الكلمة حضن همساتك حضن، تنهداتك حضن، وقتما أقول لك أحبك حضن، ولكن الحضن الملموس فسيحدث قريبا جدا.
-  وداد: أراك تحلم يا عزيزي، فما تقوله لن يحدث أبدا ما دمنا لم نتزوج بعد.
-  كريم: أنا أهاتفك الآن لأني أحضر لك مفاجأة.
-  وداد: وما هي المفاجأة؟!
-  كريم: أنظري من شرفة غرفتك الآن.
نظرت من شرفة غرفتي وجدت الشارع بأكمله مليء بالزهور والبيوت مزينة، سواء بصور لي أو له، رفعت نظري فإذا بكريم في الشرفة التي أمامي واقفا على سلم خشبي، ويطلب مني ارتداء أجمل فستان لدي تحضيرا للمفاجأة، ظللت أضحك بهيسترية، فأنا أعرف أن كريم شقي ومرح وأيضا مجنون، ولكن ليس لهذه الدرجة.
-  أعطاني مجموعة من الأزهار قائلا لي، للمرة الثانية: هيا ارتدي في خمس دقائق أجمل فستان لديك، المأذون بالطريق.
-  وداد: هل أنت مجنون يا كريم، لماذا السرعة؟! أولا والدتي لا تعرف شيء وثانيا أنا...
-  قاطعني كريم قائلا: والدتك تعرف، لا تندهشي هكذا ،فهي قد نزلت من ساعات حتى تتقابل مع والدتي.
وبالنسبة للفستان افتحي الباب ستجدين عروسة ماريونيت صغيرة تشبهك كثيرا، صممتها خصيصا لك،، لأنك بنظري أجمل طفلة.
ذهبت لأرى ما قاله لي وبالفعل وجدتها ترتدي فستانا ورديا ومزينة بالزهور، لقد كانت حقا تشبهني وكأنها نسخة ثانية مني، ضممتها إلى صدري وأنا أبكي من الفرحة، وجدت هاتفي يصدح وكان بالطبع كريم لا غيره.
-  كريم: صممت هذه العروسة أول يوم رأيتك به، كنت دائما أضمها إلي والآن أنت تضمينها، هل رأيت من قبل ملاكا يضم ملاك؟
-  وداد: لا لم أر، ولكن بعد كتب الكتاب، سأرى إنسانة تضم ملاكا، أحبك كثيرا يا كريم أحبك، حقا أعشقك وأعشق حبك لي.
-  كريم: وأنا أعشقك، أعشق همسك، أعشق حديثك، أعشق هدوئك، أعشق سكونك، أعشق خجلك، أنت أحن وأرق وأطيب ملاك رأيته في حياتي.
تم كتب الكتاب وكانت حفلة بسيطة للغاية، وكان قرارنا هو عدم إقامة حفل زفاف، يكفي سعادتي مع كريم هو ابني ووالدي وكل شيء.
كريم بالنسبة لي لم يكن مجرد زوج كان الروح قبل الجسد، اتفقنا على أن نعيش مع والدته ووالده، وأيضا قرار آخر وهو بتكلفة الزفاف، سنذهب لفندق ونقضي شهر العسل، وكان الاستقبال بالفندق خياليا أو أسطوريا كما يُقال، شعرت أنني ملكة على عرش قلبه.
وأخيرا أصبحنا وحدنا، كنت خجلة ومتوترة للغاية ولكنني متشوقة أن يضمني له، جلسنا سويا نأكل وأجلسني على فخذيه و بدأ يطعمني بيده.
-  كريم: هل تعلمين؟! منذ زمن وأنا أتمنى هذه اللحظة؟
احمرت وجنتي ونظرت تحت قدمي من الخجل.
-  فأكمل: أنت خجلة الآن، ولكن أكاد أجزم أنك بعد يومين فقط من زواجنا سيتذمر الجيران من صوتك، ربما أصحوا من النوم لأجدك قد أكلتِ ذراعي.
ضحكت على إثر كلماته ولم أتكلم .
-  كريم: أتعرفين منذ وقت طويل وأنا أحلم أن نرقص سويا رقصة هادئة.
-  وداد: وأنا أيضا أحلم بذات الحلم.
أمسك كريم بيدي فأغمضت عيني واستسلمت، حملني بين يديه وشعرت وكأني أطير متناسية خجلي، وكأن السماء وضعت لي جناحين، أنزلني ثم بدأنا الرقص على أغنية (وأنا بين إيديك) قربني إلى صدره، ثم احتضني بقوة وأنا لا زلت مغمضة العينين أحلم فقط.
كانت تلك أجمل ليلة قضيتها في عمري، فقد كان كريم العوض من القدير، مر ما يسمى بشهر العسل ولكن معنا لم يكن شهرا، بل كان شهرين قضيناهم في جنان عدن فوق السحاب، انتهت إجازته واضطر أن يتركني حتى يهتم بعمله، كنت أشتاق له كثيرا وأتصل به في اليوم آلاف المرات.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي