الفصل العشرون

اغتصاب أم)
أشار الطبيب إلى أكبر من في الجلسة، فابتسمت ابتسامة صفراء وبدأت بالتعريف عن نفسها، لكن قبلها، رددت جملة واحدة عدة مرات؛ جميعكم تستحقون الموت جميعكم، ما أنتم سوى حيوانات ليست لها قيمة، جميعكم تستحقون الموت، سأتكلم لأشبع فضولكم الأعمى، لأروي عطش قلوبكم المظلمة، أتعلمون؟ بداخلي نار أشد من أتون جهنم وقرص الشمس، سأروي عليكم قصتي الآن، ولكن سأرويها منذ زمن بعيد، منذ وقت لم أكن فيه سوى طفلة بجدائل صغيرة.
أنا الطبيبة وداد، ولدت يتيمة ووالدتي كانت دائما ترعاني، أتذكر حينما كنت في السابعة من عمري، أسير مع أمي وهي ممسكة بيدي، فجأة أغشي عليها، وكأن الأرض انشقت وابتلعت ما بها من بشر، وقفت أمامها وأنا لا أعرف كيف علي أن أتصرف لأنقذها، فأنا صغيرة أكثر مما يجب لا أعرف كيف أوقظها، حتى ظهر من العدم رجل وزوجته وولده، رغم أن هذا الرجل كان يحمل الكثير من الحقائب ولكنه لم يبالي، تركها وأسرع هو وزوجته لنجدة أمي، وبعد دقائق كان يحملها إلى المستشفى.
تركني مع زوجته وولده، ولم يمر سوى نصف ساعة حتى عاد إلينا، واقترب من زوجته هامسا لها بأن أمي أصيبت بغيبوبة السكري، وأنقذوها قبل لحظات من موتها، أسرع نحوي وأمسكني من يدي وأخبر زوجته أن تذهب إلى شقتهم، وهو سوف يتولى مهمة توصيلي ثم يعود إليهم، سرت معه ووجدته يشترى لي ألعاب كثيرة وظل يقبلني وكأنى ابنته وهو والدي، رغم ألم الموقف بأكمله ولكنني كنت سعيدة للغاية كنت أستمتع بنظرات الحنان في عينيه، وبعد مرور ثلاث ساعات ذهبنا إلى والدتي مرة أخرى في المشفى، وكانت قد أفاقت من غيبوبتها.
قال لها الطبيب ألا تقلق هي صارت في حالة جيدة، وقال لها أيضا أنها تقدر على الذهاب للمنزل والخروج من المشفى، ظلت والدتي تردد عبارات الشكر لهذا الرجل، ولم يتركنا حتى أوصلنا إلى باب البيت.
انتهت حكاية هذا الرجل ولكن بالنسبة له، اختفى سنوات كثيرة كبرت بها، وبإرادة الله أصبحت بكلية الطب، وفى يوم كنت أسير أنا وصديقتي ووجدت زحاما شديدا في الشارع، قلت لها هيا لنرى ماذا يحدث، وبعد إلحاح مني وافقت وذهبنا.
وجدت نفس الرجل وزوجته، ولكن هذه المرة كانت زوجته مغشيا عليها، أسرعت إليهما واتصلت بالإسعاف، وبعد وقت جاءت الإسعاف وحملتها حتى المستشفى التي أتدرب بها، وهناك استفاقت وتابعت حالتها بقلب محب، ولا زال الرجل لا يعرف من أكون.
هاتفتني والدتي وكانت قلقة علي للغاية، فأخبرتها بأني سأبيت بالعمل لمدة يومين فلدي دين يجب علي أن أفي به، بعدما استعادت الزوجة صحتها، بدأت أذكرهم بنفسي كثيرا حتى تذكروا من أنا، طلب مني هو وزوجته رقم هاتفي وبالفعل تركته لهم و رحلت.
-  بعد عدة أيام، وجدت شابا يهاتفني، فقلت له مستفسرة: من أنت؟!
-  فقال: أنا كريم ابن السيدة التي أنقذتها بالأمس القريب، كنت أود مهاتفتك لكي أشكرك على ما فعلته مع والدتي.
-  قلت بخجل: لا هذا واجبي، أنا من علي أن أشكركم فوالدك أنقذ أمي منذ سنوات بعيدة، وحاليا في هذا الوقت أراد الله الرحيم أن أرد هذا الدين، خاصة أن والدك دائما يزورني في أحلامي.
-  كريم: أمي تدعوكِ ووالدتك للغداء في أي وقت تحددين، ها هو والدي يريد محادثتك.
-  والد كريم: كيف حالك يا ابنتي؟ أتمنى أن تكوني بخير، وأود شكرك على كل شيء.
-  وداد: تشكرني على ماذا يا عماه؟ أنا لم أفعل شيئا حتى الآن، ما فعلته معي منذ سنوات أكثر بكثير مما فعلته، أتدري حتى الآن الألعاب التي اشتريتها لي ما زلت محتفظة بها، وأتذكر لعبك معي وأتذكر أنك كنت تجبر بخاطري، خاصة أني يتيمة، أوتعرف لم أشعر بحب شخص أو بعطف سوى منك! إن كان ولا بد أن يكون بيننا شكر، فأنا يشرفني أن أقبل يديك امتنانا لما فعلته معنا.
-  والد كريم: أتتذكرين تلك الأحداث برغم أني لم أكمل معكم النصف ساعة؟ وحتى الآن أنا لم أعرف اسمك...
-  وداد: أنا أدعى وداد، ولكن لم يكونوا نصف ساعة كانوا أكثر من ثلاث ساعات، وبالطبع كانوا أروع ثلاث ساعات في حياتي.
-  والد كريم: أنا أدعى العم محمود يا وداد، وسأكون سعيدا للغاية إذا جئت أنت ووالدتك للغداء.
-  وداد: وهو كذلك سأخبرها وأخبرك بالرد بعد ساعة من الآن.
-  محمود: حفظك الله يا ابنتي، وسأنتظر ردك.
انتهت مكالمتي مع عم محمود، وأخبرت والدتي بكل شيء ووافقت على اقتراح الغداء.
في اليوم التالي، في الساعة الثالثة عصرا وجدت هاتفي يصدح في غرفتي، وكان الاتصال من كريم ابن العم محمود، قمت بالرد عليه وطلب مني أن أعطيه عنوان منزلنا، وبعد نصف ساعة كان ينتظرنا أسفل المنزل.
كريم كان مثالا للشاب الوسيم، فكأنه أتى من هوليود ليقتحم خلوة قلبي ويزلزل كياني، تلك النظرة الأولى التي تحتل قلوبنا لتجعلنا شبه مسحورين، ظل يتحدث معنا ويحكي لنا عن والده ووالدته، وعن نفسه بالطبع، أخذنا أكثر من ساعة حتى وصلنا إلى منزلهم، رغم انزعاجي من المواصلات عادة إلا أنني لم أرد انتهاء الطريق، كنت أود وبشدة أن يطول الطريق إلى ما لا نهاية، كنت في حلم جميل، أو لنقل رواية وبطلها هو "كريم" رغم أنني كنت صامتة طيلة الوقت أتطلع إلى عينيه فقط.
عندما وصلنا إلى المنزل، وجدنا العم محمود وزوجته ينتظران أمام المنزل، وبمجرد اقترابي من زوجة عم محمود والدة كريم ضمتني إليها، وظلت تقبلني وأنا خجلة للغاية، صعدنا إلى شقتهم وكانت أشبه بالتحفة الفنية القيمة، وكأنني في متحف أثري، نظرت للشقة بانبهار وكان كريم متابعا لكل نظرة لي، ووجدته فجأة يقول: هل أعجبتك الشقة؟
-  وداد: إنها رائعة أشعر وكأنني في متحف.
-  كريم: هذا ذوقي، منذ عدة سنوات وأنا أجمع هذه التحف الفنية والأثرية.
-  وداد: ذوقك رائع للغاية.
تدخل عم محمود قائلا بابتسامة: لقد تركنا لكريم اختيار كل شيء في هذه الشقة، فهي شقة الزوجية كما يقال، هل أعجبتك الشقة أم تريدين أي تعديل.
نظرت للأرض وأنا يكاد يغشى علي من شدة الخجل، لأنني علمت من نظراتهم أن عم محمود يريد أن يقول لي ابني معجب بك، لم يقل ولكن نظراته واضحة للأعمى.
جلسنا جميعا على طاولة الطعام وبدأت والدة كريم بتوزيع الطعام علينا، كنت سعيدة إلى أقصى درجة خاصة عند النظر لكريم ورؤية ابتسامته، بعد انتهائنا من الطعام، نهضت والدتي لتساعد والدة كريم في تنظيف السفرة.
أما عن عم محمود فقد تركنا وذهب ليغسل يديه وتركوني أنا وكريم بمفردنا، ليبتدرني بالحديث قائلا: هل تعرفين أني قابلتك من قبل؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي