الفصل التاسع والعشرين

أوقن أني قد جننت حين رأيت أفراد عائلتي معلقين مسلوبي الروح، موتي كان إكراما لي، لم يختر موتي فضل تعذيبي على موتي، فضل أن أعيش مثله مسلوبة الإرادة ملوثة القدر، أصبحت كما الحيوانات بلا عقل بل إن الحيوانات لهم عقل، أما أنا فقد ظننت أنه ذهب بلا رجعة، هطول الأمطار كان مروعا فاختبأت بين صخرتين هائلتي الحجم، وكأنني داخل وكر للمطاردين، رأيت نورا هائلا يهيم حولي كنت أفغر فاهي كالأطفال، ظللت أحرك رأسي يمينا ويسارا كقطة داعبها صبي بمنظار من الليزر حتى سمعت صوت أنثوي قوي، سمعت كلماتها ولا زلت أتذكرها فقد كان محورها عن الشيطان: (الشيطان هو ذلك الملاك الذي كان فخوراً بما يكفي ليزعم أنه الرب، شجاعاً بما يكفي أن يشتري استقلاله بثمن تعاسته الأبدية وعذابه المستمر، جميلاً بما يكفي أن يعبد نفسه في الضوء المقدس الكامل، قوياً بما يكفي ليرزح في الظلمة والألم الشديد، ومع ذلك يصنع لنفسه عرشاً من هذا الركام المشتعل غير القابل للانطفاء)
قالت كلماتها فلم أفهم شيئا، اقتربت مني ولمست رأسي فعاد عقلي وعادت ذاكرتي كما كانت، ظللت أبكي حتى لامستني بيديها كانت باردة كالثلج، خيرتني إما أن تعيدني كما كنت أو نظل أنا وهي كروح واحدة؛ غادة وهيلين.
أظن أنكم لا تعرفونها، إنها العرافة خليلة الشيطان، كانت بشرية يوما ما ولكنها ولدت مريضة، حتى قرر والدها ذات يوم أن يأخذها إلى الكنيسة في روسيا، فقد كانت الكنيسة تقوم بجلسات لطرد الأرواح الشريرة، وحين جاء دورها ونطق القس باسمها اشتعلت الكنيسة، بالنيران ومن وقتها عرفت هيلين في بلدتها.
لم يكن يتجرأ أحد على الاقتراب منها، كانت ملعونة كما ظنوا ولكنها أيضا كانت جميلة للغاية، تزوجت رجلا يكبرها بأكثر من أربعين عاما وهي ابنة السبعة عشرة ربيعا، أظن أن ذلك السن هو سن اللعنة، تزوجته ولم يستطع أن يمنعها من السفر أو المبيت خارجا، كانت لها قوة تفوق القوة ذات نفسها، سافرت وقتها إلى عدة بلدان، كالأمريكيتين تعلمت من الهنود الحمر سحر الفودو وظلت تمارس فنون السحر، أصبحت قوتها تعادل عزازيل نفسه.
خلدت نفسها وباعت روحها للشيطان حتى أصبحت روحها شفافة، استطاعت قراءة الأفكار وتحريك الأشياء عن بعد، وحتى أنها استطاعت شفاء المرضى وإعادة الأموات إلى الحياة.
ظن الناس أن روح المسيح تجسدت بها، بل واعتبروها إله من دم ولحم، ولكن الحقيقة عكس ذلك، فلم يكن الأموات قد ماتوا حقا حين تم إحيائهم، بل كانت لعبة من الشيطان كي يظلوا في الضلال أكثر ويظل وهي سائدين على الأرض، حتى اختفت بين الظلام قالوا أنها صعدت للسماء، وقال آخرون أنها بقيت موجودة وأنهم يشعرون بها، والرأي الثاني هو الصحيح فقد كلمتني وعالجتني، بل وأعطتني قوة لا يمكن تحديها من أي شخص.
والآن حان وقت القصاص، كنت أتمنى أن يحكي لكم زميلنا رعد سبب وجوده معنا، ولكنه لن يخرج سوى فحيحا ولن تفهموه فلن أضيع وقتي بعد الآن، عزيزي رعد أشكرك كثيرا، لولاك لما كنت بتلك القوة، أيضا هيلين تشكرك وتخبرك بأنه انتهى عهدك فعهدها باقٍ حتى الزوال.
كانت تلك آخر كلمات غادة بعدما نظرت إلى الغرفة وهمست بكلمات غير مفهومة، رأيت الغرفة تهتز وكأن زلزال مدمرا سيأخذنا إلى الهاوية، انشق السقف بصواعق من البرق وعم الظلام.
رفعت يدي إلى فمي كي أجرحها ولكن ضياء وقف أمامي، قطع يده بمشرط حاد ثم دار عن يميني وعن يساري، من أمامي ومن خلفي ناثرا دمه، كان يتحكم في حتى لا أقاومه حتى وقع مغشيا عليه.
صرخت قائلا بفحيح غير مفهوم: بالدم الغالي سأدوم وتظهر حقيقتي، الدم الفاني سينتهي ولتظهر قوتي، فلتبقَ لعنتي على المعتدين، فليبقَ مصيري بين عشيرتي، أن تمدوني أمددكم وإن تنفروا أمقتكم، الآن عرفت حقيقتي، الآن عرفت قدري ولعنتي، لطالما كنت سيدا عليكم، سينفر المنفرون وسيسجد الباقون.
تعالت الصرخات بالغرفة تساقط السقف وتهشمت الجدران وعم الظلام، حتى اختفت الغرفة ووجدتني غارقا في دمي ولكنني في بيتي القديم، في مزرعة القصب.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي