الفصل الخامس والعشربن

لقبوه بالملعون لأن كل من ماتوا كان معروف أنهم حانقين عليه، مات أيضا الكثير ملدوغين ولكن ليس مني فقد كان محميا أيضا من قوى خارقة، ظللت أراقبه من بعيد حتى أنه لم يكن يراني كثيرا، كان يظن أني أكرهه، كان يتساءل بداخله لما ابتعد؟ هل يصدق أنني ملعون؟
لم أقترب منه كثيرا لا أعرف لماذا، ربما خجلا من نفسي لمحاولتي قتله له قديما، حتى ذلك اليوم الذي ولأول مرة أرى في عينيه نظرات حب لإحداهن، كاد يفقد صوابه الجميع يكرهه وكان يتكلم عن علاقتهما الفاشلة، في يوم ما ستعرف عائلتها، ولن تكفيها محاولة قتله وحرق بيتنا كبيوت الساحرات، وما يترتب عليه أن أقتلهم حفاظا عليه وعلينا جميعا.
أرسلت أحدا ما إليه محذرا، فلم يكترث له بل تحداه، حتى قابلتها بنفسي محذرا إياها بأن تبتعد وإلا ستلحقها لعنة العار، نفذت خطتي ولكن بطريقتي الخاصة فقد كنت أنا متحكما بعقلها حين حدثته، لقد أهنته بنفسي كي أحميه، لم أكن أعلم أنه سيقتل حينها نسل بأكمله، لقد ضحى بدم أبينا مقابل تلك الأرواح، ظنا منه أنها معادلة عادلة، دم أبانا المقدس لن يساويه دم سبع مليارات من سكان الأرض.
أتعلمون لقد جنت غادة وهو يظن أنه أذاها، ولكنها لم تكن الحقيقة؛ أنا من آذيتها، لقد كان معهم داخل أحدهم بجسده الأثيري، وقتل حينها أربع وسبعون روحا، ولكنني لحقتها فعقدت اتفاقا معهم بأن أظل أحميه مقابل ألا تموت تلك الفتاة، خوفا من المجهول فقد يفقد أخي عقله حين يعرف ألا ذنب لها فيما حدث، فلامست بيدي جبهتها وظنت أنه هو من فعل.
سامحني يا أخي، أعلم أنك الآن تعرف كل شيء.
معذرة لكل من بالغرفة فأنتم لا تنتمون لأهل الأرض الآن سنصبح ثلاثة فقط، حين ينتهي الجميع ويعودون لأماكنهم الطبيعية، لا تقتتلوا أيتها الأنفس الخبيثة فالجحيم يتسع لكم.
تبدل لون الستار من الأبيض إلى الأحمر فاختفى كل من بالغرفة من القرائن، وظللت أنا وغادة والطبيب الذي لا أعلم من هو، ولما فعل كل ذلك.
-  نظر مصطفى مذهولا إلى ضياء، وتساءل قائلا: أين ذهبوا لا أفهم؟
-  ابتسم ضياء ابتسامة خاوية، ثم قال: أتعرف يا طبيبنا، لقد كان لك هنا أتباعا بشكل أو بآخر، ولكن أحببت أن أذكرك بضحاياك الحقيقيين، فكلهم أموات، كلهم قد أطاعوك يوما ما، ومنهم من قتل أقرب الأقربين له.
كنت شيطانا يمشي على الأرض اتبعوا خطواتك قبل أن يزهقوا أرواحهم بأيديهم وأيديك، لقد كنت كالطاغوت يعيث في الأرض فسادا، أنت من جعلت منهم مسوخا.
الذين حضروا ظنوا أن أرواحهم ردت إليهم، القرائن رغم كرههم لبني البشر، إلا أنهم يريدون فرصة أخرى لكي يكفروا عن خطاياهم، حتى يوم القيامة سيتبرئون من إخوانهم من بنوا البشر.
لم أحضرهم لأعطيهم فرصة أخرى، لأنه انتهى الوقت، ولكنني أحضرتهم فقط لأخبر أخي أنه رغم الشر الذي مارسه، إلا أن هناك مليون شخص أسوأ منه، من بينهم أنت، ألم تكن أنت من تقتل، ألم تبع روحك للشيطان يوما؟
الآن أمامك أنصاف بشر، مفعمين بقوة شيطانية مطعمة بالنار المقدسة فماذا أنت فاعل؟
تحرك ضياء من وراء حجابه ليجلس بجانبنا، ويصبح رابع الحلقة، من نظرته المحبة لي اكتشفت أن كل ما ظننته لسنوات وسنوات كان هراء، أحقا أحبني كما قال؟
نظر إلي ضياء فتلاقت أعيننا لتندمج أفكارنا، ولأول مرة يحدثني، طلب مني أن أغمض عيني ولكن أحدا لم يسمع غيري، أغمضت عيني باستسلام وحدثته لأول مرة: لا أريد تضحية منك يكفي حمايتك لي لسنوات طويلة، فقدت فيها هويتك لتكون أنا.
-  كان رده صادما: قصدت حمايتك فأصابتك اللعنة، أهانوك وعذبوك بسببي، سلبوا آدميتك وجعلوك دمويا مثلي.
صدقني كان خطأ من شاب مراهق حين أردت قتلك، اليوم ستتعجب كثيرا، ولكن توقع الشر دائما وكن مستعدا له، وتذكر أنك أخي الأصغر مهما طلبت منك أن تفعل عليك أن تفعل، اتفقنا؟
-  صمت كثيرا فقطع صمتي متسائلا: اتفقنا؟
-  قلت بتردد لا قبل لي به: اتفقنا.
استدرنا أنا وهو للطبيب نطلب أن يختم لنا حكايات ضحاياه الذين اختفوا، فلا عجب لنا بعدما رأينا الشر بل مارسناه أن يكون الطبيب مثلنا، نصف بشري ونصف آخر غير معروف الهوية أو ربما يكون هو الشيطان نفسه! ابتسم الطبيب ابتسامة خاوية ثم نظر في أعيننا ولكننا ظللنا متنبهين له.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي