كرزة وقداحة

nadaelshahat16`بقلم

  • أعمال مشتقة

    النوع
  • 2023-10-27ضع على الرف
  • 81K

    إكتمل التحديث (كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

١ چيلي بيلي

سارت تلك القصيرة بنيّة الشعر ذات الملامح الأقرب للكوريّين في ردهة مدرستها بين الخزائن، متجهةً لصالة الألعاب الرياضيّة وأفكارها تخاطب عقلها:

«إنّها نهاية الصيف الجميل، وبداية الدراسة التي لمْ تكُن أحد هواياتي، أنا.. "إيزابيل كونكلين" على الإطلاق، وهذا كان واضحًا بشكلٍ دائمٍ من نتائجي بالاختبارات النهائية، فلطالما كنتُ أُفضِّل الركض لدورات عديدةٍ عن الجلوس على مقعدٍ لساعتين والاستماع لثرثرةٍ تمتلئ بالأرقام من مُعلِّم الهندسة الأسمر..»

لوَّحت "إيزابيل" لأحد زميلاتها بعدما قابلتها بابتسامةٍ جميلةٍ كملامحها الرقيقة، وعقلها ما زال يثرثر معها:

«أُحِبُّ ضرب الكرة عاليًا وجعلها تتخطّى الشبكة دون أن يصدّها منافسي على الجانب الآخر من الشبكة، بدلًا من أداء وظائفي وواجباتي الدراسية والسهر لتنفيذ مشروع العلوم. أجل.. لقد كنتُ تلك الفتاة الرياضية بامتيازٍ، ليس لدرجةٍ تجعل الآخرين يرونَني شبيهة الرجال بالطبع. هه، أنا أنثى جدًا، ولكنّني أنثى لي صفاتي الخاصّة، والنادرة أيضًا.»

بدا ما وصفت به "إيزابيل" نفسها واضحًا من وقوفها الآن في منتصف ساحة كرة السلة بمدرسة "تشيستربروك" الثانوية في ولاية "بنسلڤانيا" الأمريكيّة، تمسك بالكرة الطائرة تؤرجِها على كفّها، وعيناها العسليتيّن تراقبان صديقتها المُقرَّبة "تايلور" تُقبِّل حبيبها لاعب كرة السلّة بالمدرسة والذي يكبُرها بعامٍ مستمرًا في صفّه الأخير بالثانوية.

قلبتْ "إيزابيل" عينيها بضجرٍ متمتمةً:

«آخ، أشعر باضطرابٍ في معدتي نتيجة مشهد القُبلة النهِمة في منتصف صالة اللعب الفارغة من سوانا نحن الثلاثة. لطالما أحسستُ أنّني العَجلة الثالثة دائمًا بين صديقتي المُقرَّبة "تايلور" وحبيبها، ولكن.. الشكر للإله، لقد أنقذني أخيرًا صوت قائدة فريق المشجعات بالمدرسة، وأحد زميلاتي المُقرّبات، والتي ظهرتْ من خلفي مرتديةً سروالًا أبيض قصيرًا، وقميصًا أحمر عديم الأكمام تمامًا كما أرتدي.»

قامت قائدة فريق المشجعات بتحيّة "إيزابيل" بحرارةٍ، قائلةً بابتسامةٍ خفيفةٍ:

«مرحبًا "بيلي"، أرى أنكِ تحسّنتِ كثيرًا في لعب الكرة الطائرة مؤخرًا مقارنةً ببدايتكِ معنا العام الماضي.»

ابتسمتْ لها "إيزابيل" بحماسٍ، ولكنّها قبل أن تجيب، قاطعتها صديقتها المُقرَّبة "تايلور" من خلفها بعدما فصلتْ القُبلة مع حبيبها أخيرًا، تزيح خُصلةً من شعرها البنيّ للخلف بتعجرُفٍ مصطنعٍ قائلةً:

«هذا صحيح، لقد حرصتُ على تدريبها جيدًا.»

«أجل، يمكنكِ أخذ كل الحقوق لصالحكِ "تاي".»

علّق حبيبها "مايسون" يتنهّد بقلة حيلةٍ، فقهقهت الفتيات الثلاث، ثم التفتت "إيزابيل" مجددًا تواجه زميلتها تجيب هذه المرة بنفسها:

«إنّها السنة قبل الأخيرة لكِ "نانسي"، هذه فرصتي الأخيرة للعب معكِ بنفس الفريق، لذلك يجب أن أُحرِز تقدُّمًا وأبذل جهدي لنسجّل بعض الأهداف التاريخية معًا.»

«هذه روح المنافسة يا فتاة، أبقيها للنهاية بهذه الفاعلية، ولا تتأخّري عن تدريبنا الأول هذا العام، سيبدأ خلال خمس عشرة دقيقةً.»

شجّعتها قائدة الفريق "نانسي" ولوّحت لها مغادرةً، فودّعتْها "إيزابيل" بابتسامةٍ واستدارت للخلف لتختفي ابتسامتها على الفور حينما رأت "تايلور" قد عادت لتقبيل حبيبها وكأنّ لا شيء حدث، حينها لعنتْ تحت أنفاسها:

«حسنًا، إيو..هذا كثيرٌ حقًا. سأُبعد عينييّ عنهما بنفس نظرات التقزُّزٍ التي أتقنها وأجلس على المدرّجات الأولى على يسار الملعب الواسع لأشغل نفسي في العبث بهاتفي وتصفُّح حسابي على تطبيق (الإنستغرام) بمللٍ.»

فعلتْ ما تمتمت به لعقلها، ولكنّها لمْ تلبث حتى صرختْ بفزعٍ توقِع هاتفها حينما شعرتْ بأحدهم ينفخ في أذنها من الخلف.

بصعوبةٍ التقطتْ أنفاسها واستدارتْ تضع كفّها على صدرها، لتلتقي عيناها بعينين خضراوين مميّزتين، واسعتين تغطّيهما رموشٌ طويلةٌ وكثيفةٌ. عينان تجذبان الناظر إليهما بسهولةٍ ولمدةٍ طويلةٍ، كما انجذبتْ "إيزابيل" إليهما الآن وكأنّهما تسحبانها لعمق جمالهما، حتى أخرجها من شرودها الأبله صوت ضحكته التي بدتْ مستفزةً لها، يسألها واضعًا سيجارةً بين شفتيه، يُخرِج قدَّاحته الذهبية المميّزة المنقوشة بحرف اسمه الأول (چ):

«هاي يا وجه الدُمية، هل اشتقتِ لي؟»

ابتلعتْ "إيزابيل" لُعابها ببطءٍ، في كلّ مرةٍ يكون بقُربها ومنذ أن أصبحتْ فتاةً تُدرك معنى خفقان القلب بشدةٍ وهي تشعر بمشاعر كبيرةٍ على استيعابها حتى، ولكنّها لمْ تحتَج وقتًا لتنظر له بضيقٍ، مشبِّكةً ذراعيها على صدرها، ترمقه وكأنّ عينيها تلقيان الخناجر السامّة على وجهه المُلفت والمخلوق بعنايةٍ فائقةٍ، ثمّ تأفّفت في وجهه تجيبه بحدةٍ:

«ما الذي تفعله هنا؟»

«أليس هذا واضحًا؟ أنا هنا للتدرُّب على كرة السلة.»

أجابها وقد أشعل سيجارته مُغلقًا القدَّاحة ليصدر صوتًا قويًا أجفلها، فابتعدتْ عنه سريعًا تنهض عن المُدرّجات ملتقطةً هاتفها، نظرتْ للسيجارة بين شفتيه يحبسها هناك دون تدخينها بينما يركِّز عينيه الحادّتين بشكلٍ طبيعيّ عليها وكأنّه لا يرى غيرها في الكون، إلّا أنّها تقزَّزت من تدخينه الدائم حتى في ساحةٍ رياضيةٍ بمدرسةٍ يُمنَع التدخين بها تسأله دون أن تكلّف نفسها عناء عدم النظر له بتقزُّزٍ:

«لمَ؟ أنت لست من مُعجبي كرة السلّة "چيرمايا فيشر". أنت لا تحبّ الرياضة على الإطلاق. لمَ هذه المبادرة التي لا تليق بلُفافة التبغ الكريهة بين شفتيك؟»

استمرّ بالنظر لها بصمتٍ لثوانٍ، مرّت عليها كسنواتٍ أثار بها توتّرها دون جهدٍ منه حقًا؛ فلطالما كان "چيرمايا فيشر" قادرًا على إثارة توتّر "إيزابيل كونكلين" صديقته منذ الولادة دون بذل أدنى جُهدٍ منه. وهذا جعلها ترغب في الهرب من سجن عينيه سريعًا، ولكنّه حاصرها على الفور يستنشق دخّان لُفافة التَبغ بقوةٍ نافثًا إيّاه من فتحتي أنفه، ولمْ تلبث أن عبث بقلبها بعنفٍ بإجابته يغمزها:

«سجّلتُ بفريق كرة السّلة حينما رأيتُكِ تسجّلين بفريق التشجيع لأكون معكِ دائمًا. والآن، سيتحتّم عليكِ تشجيعي والصراخ باسمي في كلّ مباراةٍ "چيلي بيلي".»

نبض قلبها بشكلٍ غريبٍ أزعجها كثيرًا حينما ناداها بذلك اللقب الذي اعتاد مناداتها به منذ صِغرهما؛ "چيلي بيلي"، حتى شردتْ في نفسها:

«يناديني "چيلي بيلي" مجددًا؟ هذا مزعجٌ حقًا. إنّه لقبٌ منحني إيّاه والدي "چون كونكلين" عندما كنتُ صغيرةً لأنّه وجد مناداتي باسمي الكامل "إيزابيل" أمرًا صعبًا قليلًا كونه رآه اسمًا طويلًا. لمْ يحاول مناداتي باختصارٍ مناسبٍ لاسمي أكثر، مثل: "بيل" أو حتى "إيزي"، بل وجد أن "بيلي" هو الاختصار الألطف والمناسب لب كون حلواي المُفضّلة منذ الصِغر تُسمى "چيلي بيلي".»

تنهدتْ بيأسٍ مخاطبةً نفسها مجددًا كما اعتادت الشرود برأسها:

«وهكذا أصبح الجميع يُناديني "بيلي" منذ الصِغر، عدا "چيرمايا فيشر"؛ دائمًا ما رغِب في أن يكون مميزًا بمناداتي "چيلي بيلي". ورغم أنّني كنتُ على علاقةٍ سيئةٍ معه مؤخرًا بعد صداقتنا التي دامت منذ الطفولة، ولكنّه استمر بمناداتي بهذا اللقب، واستمرّ قلبي الغبي بالنبض بعنفٍ يتجاوز بضع خفقات كلّما ناداني به.»

استمر التواصل البصريّ الصامت بينهما بين يُدخّن رافعًا حاجبه، وهناك ابتسامةٌ على زاوية شفتيه، حتى قاطعهما مجددًا صوت "تايلور" متسائلةً بضيقٍ:

«"چيرمايا فيشر"؟ في فريق كرة السلة؟ هذا جديد. ما الذي تفعله هنا حقًا؟»

«أنا مَن طلب منه التسجيل في الفريق.»

اتجهت أنظارهم جميعًا إلى "مايسون" حبيب "تايلور"، فالتفتت حبيبته لمواجهته تسأله بحدةٍ:

«ولمَ ذلك؟»

«لقد تخرّج معظم لاعبي الفريق من المدرسة، أصبح الفريق بحاجةٍ للاعبين طويلي القامة وضِخام البِنية يستطيعون تسجيل الأهداف بسهولةٍ والمراوغة. لقد اضُطرِرتُ لتوسُّل "چير" لينضمّ لنا.»

صاحت "إيزابيل" بحدةٍ تضع يدها على خصرها، عيناها ترسلان شرارات غاصبةٍ تجاه "مايسون":

«ولمَ قد تفعل شيئًا غبيًا كهذا؟ كونك حبيب صديقتي المقرَّبة لا يعني أنّني سأتردَّد في إبراح مؤخـ-»

قلب "مايسون" عينيه بعدم اكتراثٍ من تهديدها وصراخها به، ولكنّها قوطِعتْ بنهوض "چيرمايا" عن المدرّجات، يقترب منها بخفةٍ كالأسد المُتربِّص لفريسته، فرمقتْه باضطرابٍ لثوانٍ، إلّا أنّه منحها نظرةً باردةً وغادر القاعة بالكامل ودخّان سيجارته الكثيف يتبعه قائلًا:

«وهذا إنذاري للرحيل من هنا. استمتعوا.»

راقبتْه "إيزابيل" يخرج من القاعة حتى انغلق الباب ذي الضلفتين من خلفه من تلقاء نفسه، فرمقتْ الباب بحزنٍ لثوانٍ، ولكنّها تنهدتْ تعيد رأسها تجاه "مايسون"، ورمقتْه بغضبٍ كما رمقته حبيبته أيضًا، ليتحمحم "مايسون" قائلًا بتوترٍ موجِّهًا حديثه لحبيبته:

«أنتِ في فريق التشجيع وكرة الطائرة مع صديقتكِ المُقرَّبة، ألا يحقّ لي أن يكون صديقي المقرَّب معي أيضًا في فريق كرة السلة؟ ثمّ ما المشكلة من كون "چير" لاعبًا في كرة السلة بالنسبة لكِ "بيلي"؟»

«المشكلة أنّ "فيشر" سيمكنه الآن إزعاجي قبل التمرين، وبعد التمرين، وأثناء التمرين وأثناء اللعب أيضًا.»

ردّت "إيزابيل" ترمقه بحدةٍ مشبّكةً ذراعيها على صدرها، ومن بعدها أكملتْ "تايلور" بنفس الوضعية والنظرة:

«سيُزعجها خلال الألعاب وعرض التشجيع، سيزعجها أثناء تواجدنا في الحافلة في طريقنا للعب، وسيُزعجها أيضًا في الحفلات التي تُقام بعد المباريات.»

«كان من المفترض أن تكون هذه السنة هي راحتي من "چيرمايا فيشر".»

علّقت "إيزابيل" عابسةً تضع قبضتها على صدرها تنظر بعينين بريئتين إلى "مايسون" الذي رمق حبيبته بتوترٍ بسبب نظراتها الغاضبة، ثمّ ابتسم يحكُّ رقبته بكفّه من الخلف يجيب "إيزابيل":

«أوه، يمكنكِ أن تأخذي العام القادم إجازةً من إزعاج "چيرمايا فيشر".. عندما.. أمم- عندما نتخرّج من الثانوية.»

أشارت له "تايلور" بإبهامها تمرّره على طول رقبتها بتحذيرٍ ليبتلع "مايسون" لعابه بتوترٍ رامشًا يتراجع للخلف بضع خطوات حتى هرب منهما يركض خارج القاعة، فاقتربت "تايلور" من صديقتها تعتذر عن حبيبها بصدقٍ:

«أنا آسفة بو، إن علمتُ أنّ "فيشر" سيكون بالفريق لأخبرتُكِ باكرًا.. ولكن رجاءً لا تطلبي منّا الاستسلام وترك فريق التشجيع والانضمام لنادي الرياضيات، أنا لا أحبّ الأرقام. قد أُقبِّل كلبًا مُصابًا بالجُدريّ ولا أؤدي اختبار رياضيات آخر.»

وضعتْ "تايلور" قبضتها على صدرها تنظر لها بعينيّ جروٍ بريئتين، فتنهدت "إيزابيل" بقوةٍ تقلب عينيها قائلةً:

«لا تقلقي، لن أستسلم وأدع "فيشر" يدمّر لي كلّ ما أحبّه. سأتجاهله وسيكون كل شيءٍ على ما يُرام.»

«أنا فخورةٌ بكِ "بيلي"، هيا بنا قبل أن نتأخر على التمرين في يومنا الأول.»

أومأت لها "إيزابيل" تبتسم لها بخفةٍ، ثم خرجتا من القاعة تجاه الساحة الكبيرة بنهاية المدرسة، وعقلها يدور بثلاث كلمات منذ سنةٍ تقريبًا:

"تجاهلي چيرمايا فيشر."

أجل، هذا ما كانت تردّده "إيزابيل" في نفسها منذ أن بدأتْ علاقتها تسوء مع "چيرمايا فيشر".. حيث عادت لتذكُّر علاقتهما السابقة وذكرياتها هي مَن تتحدّث هذه المرة:

«إنّه "چيرمايا فيشر"، صديقي منذ الروضة حرفيًا، اعتادت والدتينا أن تكونا صديقتين مُقرَّبتين منذ الثانوية، وحتى عند زواجهما من والدينا، انتقلتا للعيش في منزلين متجاورين في ولاية بنسلڤانيا بالقُرب من ساحل كارولاينا الشماليّ، حيث كانت "سوزانّاه" والدة "چيرمايا" حاملٌ فيه بشهرها الثاني، وعند انتقالهما لهذين المنزلين مباشرةً، حملَت "لوريل" والدتي بي، لذلك وُلِدنا بنفس السنة، عام ٢٠٠٦، وكان "چيرمايا" يكبُرني بواحدٍ وأربعين يومًا فقط. ومنذ ذلك الحين، وقد كبُرنا معًا، رفيقين بكلّ شيءٍ. حتى.. حتى بدأنا بالدراسة في الصفّ الثامن، وهنا.. تغيّر كلّ شيءٍ.»
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي