٢٤ نهاية الجزء الأول وبداية علاقتهما

يقولون أنّ الحُبّ قد يجعل صاحبه يقترف أغبى الأمور ويشعر بالسعادة الطاغية بعدها، ولكنّ الحالة التي وصلتْ لها مشاعر "إيزابيل" تجاه "چيرمايا" فاقت الحبّ بكثيرٍ، وجعلتْها تقترف ما ثابرت لعدم فعله طوال السنوات الماضية؛ وهو تقبيله، ثمّ الاعتراف بمشاعره له بكلّ صدقٍ. ما دفع "چيرمايا" لاقتراف ما هو أغبى منها، متنازلًا عن كبريائه ليبادلها القُبلة ضاغطًا جسدها ضدّ الحائط أكثر، يهمهم بتلذُّذٍ:

«تبًا لي، تبًا لهذه الكرامة وهذا الكبرياء الأحمق.. أنا أريدكِ. أحتاجكِ أكثر من أيّ شيءٍ بهذا الكون بأسره "إيزابيل كونكلين".»

أغمضتْ عيناها والراحة الشديدة تنتابها بعدما سمعتْ تلك الكلمات منه، حتى بدأتْ تركّز في القُبلة ومبادلته بكلّ معرفتها الضئيلة، وعقلها يسبح بها بأفكارٍ جميلةٍ:

«يا إلهي، هذا خاطئٌ؛ خاطئٌ جدًا بالنسبة لمحاربتي طوال السنوات الماضية لأكره "چيرمايا فيشر" وأحارب تلك المشاعر التي كانت تقوى داخلي تجاهه مع كلّ ثانيةٍ تمرّ. هذه القُبلة خاطئة، ستُعيدنا لنقطة الصفر مجددًا، ولكنّه.. ولكنّه يبقى أجمل خطأٍ قد أرتكبه بحياتي.»

تأوّهتْ حينما ملّس "چيرمايا" على فخذيها يرفع ساقيها جاعلًا إيّاها تلفّهما حول خصره، ودون تفكيرٍ.. حملها تجاه فراشه، يلقيها على ظهرها بخفةٍ، مثبّتًا جسده فوقها يستكمل القُبلة بشكلٍ أعنف، وعقله يسبح بأفكاره هو:

«أنا أحمقٌ بنسبة مائةٍ بالمائة ولا جدال بهذا الأمر أبدًا. أحمقٌ لأنّني أُقبِّل الفتاة التي حكمتْ عليّ منذ الصِغر وعزلتْ نفسها عنّي. أُقبّل الفتاة التي حينما صارحتُها بإعجابي تجاهلتني وابتعدت عني، ثمّ أنهتْ كلّ شيءٍ بيننا قبل بدايته حتى دون أن تخبرني بأيّ سببٍ مقنعٍ لهذا. ولكنّ أتقبَّل أن أكون أكبر أحمقٍ بالكون؛ إن كان هذا من أجل البقاء بقُرب "إيزابيل كونكلين"، وعناقها، وضمّها لجسدي، والشعور بها بقُربي، وتذوّق شفتيها الجميلتين بتلك الطريقة.»

لفّت "إيزابيل" ذراعها حول رقبته تفتح عينيها بثُقلٍ، الخمول يسيطر على ملامح كليهما، ولكنّها سحبتْ نفسها بعيدًا عن شفتيه بصعوبةٍ لتستمع لتذمُّره، فابتسمتْ حينما رمق عينيها من هذا القُرب بحُبٍّ كبيرٍ يهمس لها ببعض القلق:

«هل.. هل أنتِ نادمةٌ مجددًا على هذا؟ هل أتوقّف؟»

«إياك أن تتوقّف "فيشر"، إياك!»

رمقتْه بحدةٍ تهمس ضدّ شفتيه، فاتسعتْ ابتسامته حتى بانت أنيابه يُقبل على شفتيها مجددًا، هذه المرّة بقُبلات أكثر حميميةً، ولمسات أكثر اشتعالًا، حتى التحم كِليهما في علاقةٍ لطالما رغِبا بها ولكنّهما بقيا يُكابران ويتجاهلان ويُكذّبان مشاعرهما، وكم كان هذا الأمر جميلًا بالنسبة لكِليهما.

ليلتهما مرّت شاعريةً وعاطفيةً، مناسبةً تمامًا لليلة عيد العُشّاق المميّزة تلك، حتى نامت "إيزابيل" تشعر بالراحة التامّة على صدره، وذراعه تلتفّ حول جسدها الصغير بإحكامٍ، يضمّها إليه بعد هذه العلاقة العاطفية، وكأنّه يخشى أن يكون هذا حُلمًا. ولكنّه لمْ يكُن كذلك، وقد استيقظتْ "إيزابيل" تمطّ جسدها بتعبٍ قويّ مبتسمةً حينما وجدتْه ينام بسلامٍ جوارها، ما زال يسجن جسدها بعناقه، فبدأتْ تلمس وجهه بإصبعه ناظرةً لملامحه بحُبٍّ متمتمةً في نفسها:

«هل أحلم؟ هل أنا جوار "چيرمايا فيشر" حقًا بعد أن.. بعد أن فعلناها معًا؟ يا إلهي، هذا مُحرِجٌ جدًا.. ولكنّه، ولكنّه شعورٌ لطيفٌ جدًا. لقد.. لقد كان لطيفًا، حنونًا، مراعيًا لدرجةٍ لمْ أكن أتخيّلها من شخصٍ مثله. ولكن.. يبدو أنّه محقٌ؛ أنا.. أنا مَن وضعتُه بخانة العدوّ، أنا مَن كنتُ الطرف السامّ في علاقتنا منذ البداية، لذلك.. لذلك سآخذ عهدًا على نفسي، ولن أؤذي "چيرمايا" مجددًا، لن أؤذيه.»

طبعتْ قُبلةً صغيرةً على شفتيها مبعدةً وجهها عنه تستند بذقنها على مقدّمة صدره، متأمِّلةً ملامحه الجميلة بمشاعر غزيرةٍ، إلّا أنّ هذه المشاعر لمْ تدُم طويلًا، حينما اتسعتْ عيناها فجأةً مدركةً ما يحدث وما التوقيت، لتصرخ بصدمةٍ هازةً جسده بقوةٍ:

«يا إلهي، استيقظ! "چيرمايا" استيقظ أيها الأحمق. إنّها الثامنة إلا خمسة دقائق، لقد تأخرنا على المدرسة بالفعل.»

«مـ-ماذا؟ ماذا هناك؟ أين الحريق؟»

ارتفع جسده عن السرير مفزوعًا في وضع التأهُّب ينظر بجميع الأركان، ولكنّها رمقته بجمودٍ لثوانٍ، قبل أن تهزّ رأسها بقلة حيلةٍ وتنهض ساحبةً غطاء السرير عن جسده حتى بقي عاريًا، تلفّه حول جسدها راكضةً لدورة المياه دون النظر له بعدما التقطتْ ثيابها الداخلية عن الأرض:

«نحن متأخّران بالفعل، لديّ صفّ رياضيات ودرجاتي بها سيئةٌ منذ البداية. آخ تبًا، هيّا "چير"، انهض!»

صاحتْ من داخل دورة المياه، فنهض سريعًا يفتح خزانته مرتديًا ثيابًا عشوائيةً، ثمّ رمقها بينما تخرج من دورة المياه باحثةً عن قميصها بتوترٍ:

«يا إلهي، أين القميص؟ لا أجده بأيّ مكان. ماذا فعلت بقميصي؟»

«ارتدي قميصًا من خزانتي. أسرعي "بيلي"، هناك فرشاة أسنان احتياطية في الخزانة أعلى الحوض، سأذهب لتسخين محرّك السيارة.»

ركض فوق سريره يهتف لها بتلك الكلمات ملتقطًا هاتفه ومفاتيح سيارة والده، ثمّ خرج سريعًا يتركها لترتدي قميصًا أسود بأكمامٍ طويلةٍ من قمصانه فوق سروالها الأسود الجلديّ، وركضتْ للأسفل ليصل كليهما للمدرسة في وقتٍ قياسيّ، بتأخيرٍ لخمس دقائق فقط.

دخلت صفّ الرياضيات ليوبخها المعلم لخمس دقائق أخرى، ولكنّها زفرت بيأسٍ وجلست جوار "تايلور" شريكة مقعدها بهذا الصفّ. فنظرتْ لها صديقتها بحاجبٍ مرفوعٍ تسألها:

«حسنًا، هل فقدتِ عذريتكِ بالأمس ولمْ تخبريني، يا صديقتي المُقربة؟»

اختنقتْ "إيزابيل" بلعابها حتى بدأتْ تسعل بقوةٍ لينظر لها بعض زملائها والمعلم الذي هزّ رأسه بقلة حيلةٍ وعاد للشرح، ولكنّها توقّفت عن السعال بصعوبةٍ تهمس لـ"تايلور":

«تبًا، كيف عرفتِ هذا؟»

«مـ-مهلًا! سحقًا "بيل"، هل فقدتِها حقًا؟ يا إلهي، أخبريني بسرعةٍ، مَن هو؟ هل كان جيدًا؟ هل هو وسيم؟ ما حجم..»

قاطعتْ "إيزابيل" همساتها شبه المسموعة تكتم فمها بكفّها تزجرها بنظرات مميتةٍ، ولكنّ "تايلور" قلبت عينيها لتجيبها الأخرى بهمسٍ وملامح متوترةٍ جدًا:

«تبًا، توقّفي أيتها الحمقاء، سأخبركِ بكلّ شيءٍ لاحقًا.»

«يجدر بكِ ذلك.»

تمتمت "تايلور" تمنحها نظرةً حادةً، ولكنّ "إيزابيل" زفرتْ باستياءٍ تلعن غباءها في الوقوع بفخّ خدعة صديقتها بهذه الطريقة والاعتراف بما لمْ ترد إخبار أحدٍ به على الإطلاق. فضربتْ رأسها بالطاولة أمامها تنتحب، حتر صرخ بها معلّمها للانتباه لتجفل مفزوعةً، وقضتْ بقيّة الصفّ شاردةً في أفكارها، وذاكرتها ترسم لها كل لحظةٍ قضتها بالأمس في فراش "چيرمايا" لتصطبغ وجنتها بالأحمر متمتمةً في نفسها:

«حسنًا، هذا ليس جيدًا أبدًا. توقّفي "إيزابيل"، توقّفي عن تخيّل لمساته وقبلاته أيتها الغبية، توقّفي عن إحراج نفسكِ. تبًا لي، لقد وقعتُ بسهولةٍ في فخّ "تايلور"، والآن يجب عليّ التفكير في عذرٍ للنفاد منها. واو.. أ-أنا، تبًا، لديّ صفّ أدب بعد هذا الصفّ. لديّ "چيرمايا" كشريك مقعدٍ بصفّ الأدب، ذلك الذي فقدتُ معه عذريتي بالأمس سأجلس إلى جواره لساعتين. أوه، لقد انتهى أمري حقًا.»

ابتسمتْ بجنونٍ، ونهضتْ تلملم أشياءها سريعًا فور رنين جرس انتهاء الصفّ، وهربتْ من نظرات "تايلور" القاتلة لها تدخل صفّ الأدب سريعًا كي لا تلحق "تايلور" بها، ثمّ جلستْ بمقعدها تضمّ حقيبتها لصدرها عاضةً شفتها السُفلى من الداخل، قلبها قد نبض بعنفٍ لدى رؤيتها "چيرمايا" يدخل الصفّ ويتجه لها مباشرةً، ابتسامته اللطيفة التي منحها إياها قد جعلتْ فراشات معدتها تثور، حتى جلس جوارها يتحمحم بهدوءٍ متسائلًا ببعض الارتباك:

«هل.. كيف حالكِ؟ هل تشعرين بخير؟ أ-أعني.. كوننا خرجنا سريعًا دون استحمامٍ ولمْ نتناول الفطور حتى الآن.»

عضّت وجنتها من الداخل والخجل يأكلها، كانت خجِلةً جدًا عكسه يتعامل مع الأمر بأريحيةٍ، وهذا بطبع شخصيته التي اعتادت لمس الفتيات، إلّا أنّ قلبه كان ينبض بشدةٍ ورؤيتها الآن أمام عينيه تذكّره بجسدها الصغير أسفل جسدها وما فعله بها، حتى التفتت له "إيزابيل" تبتسم بهدوءٍ مومئةً:

«أ-أجل، أنا بخير. لا بأس؛ أنا معتادةٌ على تأخير الفطور، سنذهب بعد هذا الصفّ لمطعم المدرسة لتناول وجبةٍ دسمةٍ. هل.. أعني، هل تريد مرافقتي؟ أ-أقصد، لتناول الطعام معًا بالطبع.»

«أجل "بيلي"، ستسرّني مرافقتكِ، صغيرتي. وأيضًا، نحتاج للحديث عن بعض الأمور. ربما نتحدث في منزلي بعد المدرسة.»

أجابها بهدوءٍ يمنحها ابتسامةً مطمئنةً حينما شعر بمدى توترها، فابتسمتْ له بالمقابل بهدوءٍ تومئ له، حتى قاطع همسهما صوت معلّم الأدب الذي تنهّد بقوةٍ يأمرهم جميعًا:

«والآن، إلى المكتبة، فلتقضوا بقيّة الدوام هناك للعمل على مشاريعكم مع شركائكم. هيّا أيها الحثالة الصغار، أصبتم رأسي بالصداع.»

تذمّر المعلم يرتمي على كرسيه خلف مكتب متوسطٍ بمقدمة الصفّ، فقهقهتْ "إيزابيل" بخفةٍ على مظهره، لينظر لها "چيرمايا" بشرودٍ، يتأمّل ضحكتها وكأنّها أجمل شيءٍ بالكون.

لمْ تمضِ بضع دقائق حتى ذهبوا جميعًا للمكتبة، فاتجه "چيرمايا" مباشرةً لقسم الأدب لإحضار الكتب التي ستفيدهما في مشروعهما، ثمّ توجه لها حيث جلست على أحد المقاعد حول طاولةٍ كبيرةٍ تضمّ عشرين مقعدًا، جلس جوارها وبدآ في تصفّح الكتب وتدوين الملاحظات منها بصمتٍ. صمتٌ خارجيّ، إلّا أنّ ذهن "چيرمايا" لمْ يصمت، وبقي عقله الباطن يخاطبه:

«يا إلهي، كيف تكون رائحتها جميلةٌ لهذه الدرجة وهي لمْ تستحم في الصباح بعد.. بعد ما فعلناه. آخ، لقد انتهى أمري حقًا.. أنا، أظنّ أنّني وقعتُ بحبّ "إيزابيل كونكلين" صديقة طفولتي.»

اعترف عقله بذلك، واعترف عقلها أيضًا لها بينما تجلس جواره بصمتٍ وخجلٍ. كلاهما اعترفا داخليًا، فهل سيحدث هذا خارجيًا أيضًا؟
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي