٩ الثنائيّ المفضل للمدرسة

«أنت لست خدمة الغرف!!»

«أجل بالطبع، لا أرتدي مثلهم، أنا أرتدي سروالًا من الچينز الأزرق وقميصًا أبيض فوقه سترةٌ حمراء مخطَّطة بالأبيض.»

قلبتْ "إيزابيل" عينيها بضجرٍ تتثاءب على اقتحام "چيرمايا" الغرفة يجيبها بتلك الكلمات بابتسامةٍ واسعةٍ وكأنّهما لمْ يكونا على وشك قتل بعضهما صباحًا.

«وهل جئت توقظني من نومي لتصف لي ثيابك؟»

رفع حاجبه أمام ردّها المُنزعج، ولكن سُرعان ما وقعت عينيه على الظاهر من سروالها الداخليّ أسفل الثوب الذي ارتدتْه على عجلٍ ليسألها:

«هل أصبح فتح الباب للغرباء بثيابكِ الداخلية عادةً لديكِ؟»

«وهل أصبح اقتحامك لغرف الآخرين دون دعوةٍ عادةً لديك؟»

شبّكتْ ذراعيها على صدرها ترفع حاجبها مثله، فابتسم بخفةٍ يراقب ملامحها الناعسة والهادئة رغم كلامها الجارح. ثم أشار لها بهدوءٍ:

«بدّلي ثيابكِ الآن؛, سنخرج للتسكُّع والاستمتاع لبعض الوقت.»

«لا أريد الخروج لأيّ مكانٍ. اتركني وشأني.»

رمقها بملل وسمح لنفسه بالاقتراب من سريرها والجلوس عليه قائلًا:

«حسنًا، سنتسكَّع هنا في غرفتكِ. إذًا، ما الذي ترغبين في فعله للتسلية.»

اقتربتْ منه تمنحه نظرة قلة حيلةٍ:

«جديًا، ما الذي تفعله هنا "چيرمايا"؟»

«لقد سبق وأخبرتكِ في الصباح أنّنا سنتسكَّع معًا في المساء.»

ابتسم لها بتوسُّعٍ تلك الابتسامة التي تستفزّها، ثم أخرج علبة سجائره من جيب سرواله يشير لها بها متسائلًا:

«هل تسمحين لي؟»

تنفّستْ بيأسٍ فأخذها إشارةً لإشعال سيجارةٍ، يلفت انتباهها بتلك القدّاحة الذهبية التي أهدتْه إياها في عيد مولده وكانت سببًا في بدء شِجاراتهما وتغيُّره معها تمامًا حتى تجنّبتْ صداقته.

«وأنا متأكدةٌ أنّني أخبرتُكَ في الصباح أيضًا أنّني لا أريد التسكُّع معك. لا أريد رؤية وجهك حتى.»

نطقتْ ترمقه بضيقٍ، فشعر أخيرًا بجدِّية انزعاجها منه ليضيّق عينيه متسائلًا ينفث دخان سيجارته بعيدًا عن وجهها:

«ولمَ هذا؟ أعتقد أنّكِ حتى هذه اللحظة وبعد قضائنا بعض الوقت معًا في الفترة الأخيرة علمتِ أنّني لستُ سيئًا كما ظننتِ. لقد كنّا صديقين مقرَّبين ذات يومٍ "بيلي".»

«أجل، كنّا.. وهذا يشير للماضي. ربما هذا حتى هذا الصباح كنتُ سأوافقك الرأيّ على كونك لست سيئًا كما ظننتُ. ولكنني لمْ أعُد أشعر بذلك بعد اليوم.»

رفعتْ كتفيها وأنزلتهما بعدم اكتراثٍ، فرقَّتْ عينا "چيرمايا" يشعر بضربة حزنٍ قد أصابتْ قلبه، حتى أبقى سيجارته بين زاوية شفتيه تتحرّك مع حديثه:

«وما الذي تغيَّر منذ الصباح لتغيّري رأيكِ بي "إيزابيل كونكلين"؟ هل فعلتُ شيئًا أزعجكِ؟»

منحتْه نظرةً صامتةً، ثم أغمضتْ جفنيها تتنهّد بقلة حيلةٍ بينما تتجه للخزانة:

«سأذهب لارتداء بعض الثياب.»

أخذتْ ثيابها من الخزانة ودخلتْ دورة المياه، لمْ تلبث طويلًا حتى خرجتْ ترتدي سروالًا وقميصًا منزليين باللون الأسود، فنهض "چيرمايا" عن السرير عند خروجها يسألها:

«ما الذي تغيّر منذ الصباح "بيلي"؟»

اشتدّ غيظها تظنّ أنّه يدّعي الجهل ليرتفع صوتها قليلًا:

«ألا تعرف ما حدث حقًا هذا الصباح؟ لقد سمعتُ حديثك مع "مايسون" عني في ردهة المبنى.»

اتسعت عيناه قليلًا يطفئ سيجارته في مطفأةٍ على طاولةٍ أمام السرير، ثم عاد لها يحكّ رقبته من الخلف:

«أوه، هكذا إذًا.. ولكن، مـ-مهلًا! كيف تجعلكِ تلك المحادثة بيني وبين "مايسون" تغيّرين رأيكِ عني وتنظرين لي تلك النظرة الدنيئة؟»

«حقًا؟ وهل يجدر بي أن أشغّل الموسيقى وأرقص بسعادةٍ لأنك تظنني مزعجةً؟»

اهتاجت ملامحها غضبًا رغم الحزن بعينيها، فأغمض عينيه يتنفَّس فاركًا جسر أنفه:

«بالطبع، سيكون هذا الجزء الذي سمعتِه فقط من حديثي. ولكن.. هيّا، ألا تظنّنين أنّني أيضًا مزعج؟»

«بالطبع أظنّ أنك مزعجٌ. أنت كالألم في المؤخرة.»

ابتسمت بجانبيةٍ ترفع حاجبها، فقلب عينيه قائلًا:

«حسنًا، تظنّين أنّني مزعجٌ وأظنّ أنكِ مزعجةٌ أيضًا، هذا أمرٌ عادلٌ كفايةً.»

«هذا غباءٌ مطلقٌ "چيرمايا فيشر".»

«ما الغباء في هذا "إيزابيل كونكلين'؟»

قلّد صوتها في مناداته، فصرَّتْ على أسنانها تصيح فيه بحدةٍ:

«هل تريد إخباري أنك لست هنا الآن بسبب ذلك الرهان اللعين؟ هل تخبرني أنّك هنا لأنّك تستمتع بقضاء الوقت معي وليس لأنك تريد إيقاعي في حبك وربح خمسمائة دولارٍ من خلف هذا؟»

«لا "بيلي"..»

اتسعتْ عيناها بتأثُّرٍ من ردّه الذي لمْ تتوقّعه، حتى أكمل "چيرمايا" والصدق يلمع بعينيه:

«أنا لستُ هنا الآن من أجل الرهان الغبيّ. لقد.. لقد جئتُ لأنني أدركتُ في الأيام الأخيرة أنّني أحبّ التسكُّع معكِ حقًا، حسنًا؟»

«حـ-حسنًا..»

أومأت له، فابتسم يسرق نبضات قلبها:

«إذًا، كيف سنتسلى بوقتنا هنا؟»

«يمكننا، يمكننا مشاهدة التلفاز سويًا وطلب بعض المأكولات السريعة.»

أجابته فاتسعتْ ابتسامته لتبتسم هي الأخرى، وبالفعل بدآ بتنفيذ هذه التسلية، حتى غلبهما النعاس وناما إلى جوار بعضهما على السرير، يعانق "چيرمايا" جسدها من الخلف.

اقترب منتصف الليل وفتحت "تايلور" باب الغرفة لتدخلها مع حبيبها، وما إن رأى كلاهما هذا المشهد حتى ضمّت "تايلور" كفّيها لصدرها ترمش بحالميةٍ تهمس:

«آو، وأخيرًا. انظر إليهما عزيزي، لقد انسجما معًا أخيرًا. سيكونان أفضل ثنائيّ في المدرسة بعدنا بالطبع. كنتُ متأكدةً أنّ هذا الكره بينهما مُصطَنعٌ وسينكشف حبّهما عاجلًا أم آجلًا، والآن سنتمكّن من التسكّع معًا جميعًا كثنائيات.»

«أوه، وأعتقد أنّكِ ستقضين الليلة معي في غرفتي أيضًا.»

غمزها "مايسون" هامسًا، فقهقهتْ له بخفةٍ وخرجا مجددًا من الغرفة على أطراف أصابعهما، يتركان هذا الثنائيّ اللطيف يعانقان بعضهما بحبٍ أثناء النوم.

ولكنّ هذا العناق لمْ يدُم طويلًا حينما استيقظتْ "إيزابيل" صباحًا لتشعر بذراعٍ تتمسّك بخصرها بقوةٍ، وما إن وجدتْه "چيرمايا" وتذكَّرتْ ليلة الأمس حتى اصطبغتْ وجنتاها بالأحمر تحاول إيقاظه:

«هاي "چير" استيقظ! سنتأخر على المباراة.»

بدأ يهمهم أثناء نومه حتى فتح عينيه أخيرًا يتثاءب بقوةٍ، ثم ابتسم وشعورٍ غريبٌ يداهمه عندما وجدها في عناقه:

«لا أتذكَّر متى خلدنا للنوم بـ- بهذا الشكل حتى.»

«لمْ أعتقد أنّك من النوع الذي يحبّ عناق شيءٍ ما أثناء نومه.»

رفعتْ حاجبها تسأله، ورغم اضطراب قلبها ولكنّها لمْ تمنع نفسها من النهوض والابتعاد عن دفء عناقه، حتى أبعد خصلةً من شعرها عن جبينها يثير تقلّبات في قلبها ناطقًا:

«وأنتِ أديتِ دوركِ جيدًا كدميةٍ محشوّةٍ ناعمةٍ ولطيفةٍ لأعانقها.»

انفجرتْ ضحكًا على قوله، ثم دفعتْه لتنهض:

«هيّا أيها الكسول، سنتأخّر على المباراة، إنّه يومك المهم.»

نهض هو الآخر يذهب لغرفته تزامنًا مع عودة "تايلور"، تجهّزوا جميعًا وانضمّوا للمباراة، وانتهت بفوز فريقهم وتسجيل "چيرمايا" لثلاثة أهدافٍ جاعلًا "إيزابيل" تهتف باسمه بتشجيعٍ عاليًا وبحماسٍ.

ثم تجهّزوا للرحيل بعد المباراة، ونزل "چيرمايا" قبلها يقف في الردهة بعدما وضع حقيبته في الحافلة، حتى جاءته فتاةٌ من فريق المشجعات كانت معجبةً به لتسأله بنبرةٍ متغنّجةٍ:

«هاي "چيرمايا"، هل ترغب في الجلوس إلى جواري في الحافلة؟»

«أوه، عذرًا.. ولكنّني خططتُ سابقًا للجلوس جوار "بيلي".»

أجابها بهدوءٍ، فاتسعت عيناها تهتف بصدمةٍ:

«ماذا؟ "بيلي"؟ هل تقصد "إيزابيل كونكلين"؟ ألا تكرهان بعضكما؟»

«أنا لا أكرهها ولمْ أكرهها يومًا، كما أنّني أحاول تغيير نظرتها لي الآن.»

غمزها وتركها ترمقه بانزعاجٍ يرحل بحثًا عن "إيزابيل"، والتي كانت تقف عند طاولة الاستقبال مع "تايلور" لإنهاء إجراءات الخروج من غرفتهما، حتى سألتها "تايلور" فجأةً بخبثٍ:

«إذًا، هل "چيرمايا فيشر" جيدٌ في السرير كما يقولون؟»

نظرتْ لها "إيزابيل" بتفاجؤٍ وأشارت لها بخفض صوتها تجيب:

«هاي، ما الذي تتحدّثين عنه؟»

«لقد عدتُ في الليل برفقة "مايسون" للغرفة، ورأيتُكما مرتاحين جدًا معًا على السرير.»

«لمْ يحدث شيءٌ من هذا القبيل بيننا "تاي"، لقد استلقينا معًا فقط بعدما غلبنا النعاس أثناء مشاهدة التلفاز.»

همستْ، فقلبتْ "تايلور" عينيها بضجرٍ تسألها مجددًا:

«إذًا، هل هو جيدٌ في التقبيل؟»

«أنتِ مزعجةٌ جدًا، لقد أخبرتُكِ.. لمْ يحدث أي شيءٍ بيننا، فقط تعانقنا أثناء النوم.»

تأفّفتْ "إيزابيل" بضجرٍ تجيبها، وكانت الأخرى على وشك التحدّث، ولكنّ صوت "ماكس" الذي ظهر من خلف "إيزابيل" أوقفهما متسائلًا:

«هاي "بيل"، هل تريدين الجلوس إلى جواري في الحافلة؟»

«أوه، بالطبع.»

أجابته بهدوءٍ ولمْ تشعر بتأثيره عليها هذه المرة كما السابق، فابتسم "ماكس" بتوسُّعٍ:

«حسنًا، سأذهب الآن لحجز مقعدين جيّدين لنا.»

أومأت له ورحل، فالتفتت "إيزابيل" لتجد صديقتها تنظر لها بحاجبٍ مرفوعٍ وابتسامةٍ مستفزةٍ متسائلةً:

«ذكرين معًا في وقتٍ واحدٍ؟»

«لا أعرف ما الذي تتحدّثين عنه.»

قهقهت "تايلور" ليقاطعها مجددًا هذه المرة صوت "چيرمايا" من خلفها مناديًا:

«هاي "بيلي".»

اقتربتْ "تايلور" من صديقتها تغمزها هامسةً:

«حسنًا أيتها الآنسة المشهورة بين الفتيان، سأرحل الآن لأرى أين ذلك الغبي "مايسون".»

رمشتْ "إيزابيل" بسبب هروب صديقتها، ولكنّ وقوف "چيرمايا" أمامها بابتسامته الواسعة يسألها:

«إذًا "چيلي بيلي"، هل تريدين الجلوس إلى جوار النافذة أم ستتركين هذا المقعد لي؟ لقد أحضرت الكثير من المسلّيات لنا والكثير من المشروبات لتمضية هذا الطريق الطويل معًا. هل ما زلتِ تحبّين الكعك المكوّب مع الكثير من القشدة؟ أحضرتُ لكِ أيضًا رقائق البطاطس المفضّلة لديكِ وكذلك حلوى حامضة والكثير من (بريتزلز) و..»

«أوه "چير"، أنا آسفةٌ حقًا. ولكنّني سبق وطلب مني "ماكس"الجلوس معه ووافقتُ على ذلك.»

أوقفتْه بردّها تُميتُ ابتسامته وحماسه، كانت ترى كيف ملأ الأسى عينيه بينما يدّعي عكس ذلك مجيبًا:

«أوه لا بأس بذلك، أنا.. لقد سرقتُكِ من موعدكِ معه البارحة نوعًا ما. احظيا بوقتٍ سعيدٍ.»

«أنا آسـ..»

لمْ ينتظر لسماع اعتذارها مجددًا وتركها يرحل سريعًا لاعنًا نفسه، بينما أغمضتْ عينيها تزفر بقلة حيلةٍ متوجهةً للحافلة، جلستْ إلى جوار "ماكس" تنظر لـ"چيرمايا" الذي جلس جوار إحدى المشجعات، ورأت كيف حاولتْ الأخرى إغواءه طوال الطريق لترمقها "إيزابيل" بالموت تتحدث في نفسها غير منتبهةٍ لثرثرة "ماكس" معها:

«لقد اعتدتُ أن يكون لديّ بعض المشاعر تجاه "ماكس" منذ الصفّ الثامن. إنّه ليس بهذه الشعبية في المدرسة، ولكنّه وسيم، ولطيف، وذكيّ أيضًا ومجتهدٌ في صفوفه. وكلّما حاولتُ بذل جهدٍ للاستماع لما يقوله لي الآن والتمتُّع بالجلوس إلى جواره.. الشخص الذي أكون معجبةً به حقًا، إلّا أنّ عقلي كان مستاءً وضميري يؤنّبني بذنب تركي لـ"چيرمايا" وإحراجه بتلك الطريقة ورفض الجلوس معه.»

تنهّدتْ تنظر لـ"ماكس" إلى جوارها ما زال يحادثها بابتسامةٍ ولا تسمع منه شيئًا مستمرةً في الحديث لنفسها:

«لقد.. لمْ أعتقد أنّ "چير" سيرغب في الجلوس إلى جواري مجددًا في الحافلة. آخ، أشعر أنّني حقيرةٌ لأني رفضتُه بهذا الشكل بعدما أخبرني أنّه أحضر جميع الوجبات الخفيفة والمُسليات التي أحبُّها.»

أغمضتْ عينيها وقرّرتْ قضاء الرحلة بالتركيز مع "ماكس" رغم أنّ عقلها بقي منشغلًا بذلك الفتى اللعوب، حتى مرّت بضع أسابيع أخرى، قضتْ فيها "إيزابيل" بعض الأوقات مع "چيرمايا" تستمر في تدريسه في المكتبة وكذلك منزلهما. يساعدها في الدراسة وتساعده، ولكنّهما توقّفا عن محاولة أن يكونا أصدقاء مجددًا.

إلّا أنّ والدتيهما لمْ تتوقّفا عن محاولة الجمع بينهما كثنائيّ…
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي