٧ أطفالنا المُستقبليون

«مـ-ماذا؟ ما الذي تقولانه؟ أمي.. ما الذي يحدث هنا؟»

كان هذا صياح "چيرمايا" بملامح مصعوقةٍ لا مصدومةٍ فقط بعد ما سمعه من والدته ووالدة "إيزابيل"، بينما الأخرى إلى جانبه، جعلتْها صدمتها تنظر للأمام بشرودٍ وجفنيها يرمشان سريعًا دون توقُّفٍ، بينما هو إلى جوارها قد فقط أعصابه وأكمل الصراخ في والدته ووالدتها:

«هذا.. هذا غير معقولٍ. أي دروسٍ هذه؟ هل أنتما جادّتان؟ ماذا فهمتُما من كوننا قد قضينا الليلة معًا بالأمس في الخارج؟»

«أجل، هل هذا كلّ ما كان يهمِّكما؟ ماذا لو.. ماذا لو كُنّا قد تعرّضنا للاختطاف أو.. أو القتل؟»

تدخّلتْ "إيزابيل" فجأةً بعدما خرجتْ من صدمتها تتساءل بحيرةٍ، فقلبت والدتها عينيها تجيبها:

«لا نريد التحدُّث في الماضي، المهم أنّكما بخيرٍ الآن.»

«أجل، أنتما جالسين الآم أمامنا بكامل صحّتكما، لمْ تتعرّضا للاختطاف أو حتى القتل. لذلك يجب أن نتحدّث في المفيد لكما أكثر. وهي الصحة الجنسية والاحتياطات المناسبة.»

أكملتْ والدة "چيرمايا" الحديث تشير للسبورة، فاصطبغتْ وجنتا "إيزابيل" بالأحمر خجلًا تنظر بطرف عينها لـ"چيرمايا" الذي ما زال يرمق الوالدتين بصدمةٍ.

انتهزت الوالدتان الفرصة لتكملا الشرح بابتسامةٍ واسعةٍ:

سوزان: «استخدام أنواعٍ مختلفةٍ من وسائل الحماية يقلّل من احتمالات الوقوع في خطأ الحمل المُبكِّر. ما زلتما في المدرسة الثانوية، ولا يمكننا انتظار حفيدٍ منكما في هذا السنّ. سننتظر حتى تصلا للجامعة على الأقل.»

لوريل: «أجل، رغم أنّني شعرتُ بالإحباط قليلًا لأنّ طفلتي الصغيرة "بيلي" لمْ تخبرني عن أنّها أصبحت تواعد "چيري" اللطيف، ولكنّني ما زال عليّ أداء دوري كأمٍ حريصةٍ وتقديم النصائح لكِ. كما أنّني أخبرتُ "ستيڤن" شقيقكِ عن هذا الخبر الجميل، لمْ يبدُ سعيدًا جدًا على الهاتف، وأعتقد أنّه صرخ يلعن "چيرمايا" وقال شيئًا عن أنّه سيترك جامعته ويعود لهنا ليحاسب "چير" ربما، لمْ أسمعه جيدًا.»

انتهتْ والدة "إيزابيل" من الحديث تحكُّ شعرها البنيّ الغامق متوسط الطول بتفكيرٍ تحاول تذكُّر ما قاله لها ابنها الأكبر عندما أخبرتْه أن شقيقته تواعد صديق طفولته المُقرَّب.

ما دفع "إيزابيل" لتشهق بصدمةٍ واضعةً كفّيها على فمها، بينما رمش "چيرمايا" ينهض منتصبًا كالعمود يصيح بقلقٍ:

«ما الـ.. ما الذي قلتِه للتو؟ هل أخبرتِ "ستيڤن" أنّني أواعد شقيقته الصغرى دون عِلمه حقًا؟ يا إلهي.. هل أخبرتِه أنّنا قضينا الليلة معًا؟»

عقدتْ والدة "إيزابيل" حاجبيها بتفكيرٍ لثوانٍ، ولكنّها هتفتْ بحماسٍ تقهقه مشيرةً بكفّها في الهواء:

«أوه أجل، لقد تذكّرتُ ما قاله حينما أخبرتُه عن هذا. ظلّ هذا الأبله يصيح بالهاتف متوعِّدًا بالمجيء لقتلك، ولكنّني حذّرتُه إن أتى سأُبرح مؤخرته ضربًا بالعصا. أخبرتُه أنّ هذا القرار هو قرار شقيقته فقط ويمكنها مواعدة مَن تشاء وممنوعٌ عليه التدخُّل.»

«لا تقلق صغيري، نحن ندعمكما.»

همستْ والدة "چيرمايا" تغمزه ناظرةً لهما بعاطفةٍ كبيرةٍ وكأنّها لا تصدّق حقًا أنّ حُلم طفولتها سيتحقّق؛ حينما أخبرتْ "لوريل" في طفولتهما أنّهما عندما تكبران وتنجبان الأطفال ستحرصان على جعل أطفالهما يتزوّجن ليكونوا عائلةً كبيرةً ومقرَّبين للأبد.

ومن أمامهما، تهاوى جسد "إيزابيل" للخلف على المقعد على وشك فُقدان وعيها من الصدمة؛ لأنّ والدتها ووالدة "چيرمايا" يظنّان أنهما يتواعدان حقًا، بل ونظّما كل هذا للحديث عن حياتهما الجنسية، والتي ليس لها وجودٌ حتى.

أخرجتْها والدتها من صدمتها لصدمةٍ أكبر حينما قالت لها بحماسٍ بينما تصفّق:

«جهّزي نفسكِ غدًا، طفلتي؛ سنذهب للمشفى لنضع لكِ جهازًا لمنع الحمل. هذا دوري لإرشادكِ لحياةٍ عاطفيةٍ ومستقبلٍ أفضل.»

«ولكن هذا لا يعني أنّك لن تكون حريصًا أيضًا "چيري"، استخدم احتياطاتك أنت أيضًا. هذه فتاتك ومن واجبك الحفاظ على أمانها وسلامتها وجسدها ومستقبلكما.»

أكملت والدة "چيرمايا" تنظر له بجدِّيةٍ، فدار وجه "إيزابيل" على وشك فقدان وعيها حقًا، بينما رمش "چيرمايا" بحَرجٍ حينما أردفتْ والدته تغمزه:

«لقد وضعتْ لك علبةً احتياطيةً في حقيبتك، يمكنك استخدامها، ولكن ليس يوميًا.»

«أعتقد أنّني سأتقيّأ.»

همستْ "إيزابيل" تمسك معدتها منحنيةً، فرمش "چيرمايا" يسأل والدته:

«هل يمكنكما أن تعاقبانا فقط بدلًا من هذه الدروس؟»

وافقته "إيزابيل" تهتف بسرعةٍ:

«أجل، عاقبانا. احرمانا من هاتفينا لمدة شهرٍ.. خمس شهور مثلًا.»

چيرمايا: «يمكنكما منعنا من الخروج من المنزل لمدة سنةٍ أيضًا.»

سمعوا جميعًا صوت فتح باب المنزل، فنظروا للخلف ليجدوا "تايلور" قادمةً مع حقيبتها المدرسية تبتسم لهم بهدوءٍ، ثم نظرت للسبورة لترفع حاجبها متسائلةً:

«مرحبًا يا رفاق، ما الذي يحدث هنا؟»

أجابتها "إيزابيل" بنبرةٍ ساخرةٍ رغم أنّ عينيها على وشك ذرف الدموع:

«لقد أعدّت والدتي والسيدة "سوزان" دروسًا للحفاظ على حياتنا الجنسية كعقابٍ لنا على قضاء ليلة البارحة خارج المنزل.»

اعترضتْ "سوزان" على الفور: «هذا ليس عقابًا، نحن نهتمّ لمستقبلكما، يا أطفال. لقد قرّرنا أنّ أفضل ردّ فعلٍ نتخذه ليس بالعقاب، بل بالتعليم والتثقيف الصحيح.»

انفجرتْ "تايلور" ضحكًا حتى كاد وجهها يتصدّع، ثم أشارت لهم من بين أنفاسها التي تكاد تنقطع:

«أمهلوني بضع لحظات.»

أخرجتْ هاتفها تعبث به كاتبةً رسالةً، ثم انتظرتْ لدقيقةٍ أخرى وسط صمتهم جميعًا وترقُّبهم حتى رنّ جرس الباب.

فتحتْه "تايلور" لتدخل صديقتهما الأخرى "چينفير" التي كانت تلهث الهواء بشدةٍ وكأنّها ركضتْ لأميالٍ، فرفعتْ "تايلور" حاجبها:

«كان هذا سريعًا جدًا.»

«لقد وصلتُ إلى هنا ما إن وصلتْني رسالتكِ عمّا يحدث.. أوه، مرحبًا سيدة "كونكلين"، مرحبًا سيدة "فيشر".»

أجابتْ "چينيفر" من بين أنفاسها المهتاجة تلوّح للأمّين، فطحنتْ "إيزابيل" أسنانها ببعضهما ترمق صديقتيها بالموت، ولكنّ "چينيفر" تحدثت بلطافةٍ:

«هل يمكنني الانضمام أنا و"تايلور" لهذه الحصّة التعليمية سيدتاي؟ أعني.. نحن أيضًا قد نرغب بهذا العلم المفيد.»

نظرت لها والدة "إيزابيل" بتفكيرٍ لثوانٍ، ولكنّها تنهدت قائلةً:

«أوه، لقد أعددتُ أنا و"سوزان" هذا التدريب التثقيفيّ لفردين فقط، كما أنّنا أعددنا اختبارين ورقيّين فقط. ولكن كلّما زاد العدد كلّما زادت الفائدة.»

وأكملتْ "سوزان" من بعدها بسعادةٍ: «أحضرا كرسيين وانضمّا لنا، سأذهب لطباعة المزيد من أوراق الاختبار.»

نظرتْ "إيزابيل" لصديقتيها تشير لهما بالقتل، فغمزتها "چينيفر" ليتنهّد "چيرمايا" ضاربًا جبينه بكفّه بقلة حيلةٍ.

وبالفعل، نفّذت الأمّين ما تريدانه وقامتا بتوزيع أوراق اختبار في الصحة الجنسية على أربعتهم، وأرغمتا الجميع على أداء الاختبار حتى "چيرمايا" الذي حاول محاربتهما للهرب من هنا.

ومرّت نصف ساعةٍ، لتصفّر والدة "چيرمايا" معلنةً انتهاء وقت الاختبار، ثمّ تقدّمت لجمع الأوراق وتصحيحها، وبمرور دقيقتين، صفّقت تمدح "چينيفر":

«براڤو أيتها الآنسة الصغيرة، لديكِ معلومات جيّدة عن هذا الأمر. على عكس "بيلي" التي ظننتُها أذكى من هذا. ثلثيّ إجاباتها خاطئة. آخ، كان يجب عليّ أن أعلم أنّها ما زالت بريئةً على أن تواعد صغيري "چيري" الذي حصل على علامة ممتازٍ ودرجةٍ كاملةٍ بهذا الاختبار. إنّه خبيرٌ بالأنثى أكثر من نفسها.»

"أوه، على الأقل حصلتُ على علامة ممتازٍ في هذا الاختبار.»

تمتم "چيرمايا" بحماسٍ متلاعبًا بحاجبيه، فضربتْه "إيزابيل" بقوةٍ على كتفه تسبُّه تحت أنفاسها، بينما رمشت "چينيفر" ببراءةٍ تشكر الأمّين:

«شكرًا لكما سيدتاي، هذه الدروس التعليمية والاختبار كان مفيدًا جدًا. أنتما عبقريتان. وأعتقد أنّه يجدر عليكما إعطاء مثل هذه الدروس في مدرستنا. فمع زيادة نسب الحمل بين المراهقات، ينبغي على مَن بسنّنا أن يتعلموا عن هذه الأمور وضرورة أخذ الاحتياطات.»

نظرت "سوزان" إلى "لوريل" لتبتسما معًا بسعادةٍ، حتى قفزت "لوريل" كالأطفال بحماسٍ هاتفةً:

«هذا سيكون رائعًا، سأتحدث مع مدير مدرستكم عن هذه الفكرة. ويمكنني فعلًا تدريسها في صفّ صغيرتي، و"سوزان" تقوم بتدريس صفّ "چير".»

اقترب "چيرمايا" من "إيزابيل" هامسًا في أذنها بينما يطحن أسنانه بحدةٍ:

«أعتقد أنّني سأساعدكِ الآن بكامل إرادتي في دفن جسد "چينيفر" بعد أن نقتلها.»

نظرتْ له "إيزابيل" بقلة حيلةٍ، ثم نهضتْ فجأةً تضرب الأرض بقدميها، رمقتْ والدتها بضيقٍ وركضتْ لغرفتها بالطابق العلويّ صارخةً بانزعاجٍ تفرغ في هذه الصرخات ما كتمته داخلها من خجلٍ منذ البداية.

كان يومًا عصيبًا عليها وعلى "چيرمايا" الذي كلّما تذكّر ما حدث، انفجر ضاحكًا كالأبله مع نفسه، ولكنّ اليوم التالي جاء منقذًا لهما من هذه الذكرى المُخجِلة.

وهو يوم مباراة فريق كرة سلة مدرسة "تشيستربروك" مع أقوى فريق كرة سلةٍ في الولاية، لذلك فهو يومٌ مهمٌ جدًا لـ"چيرمايا"، وكذلك مهمٌ لـ"إيزابيل" التي ستؤدي أول عرض تشجيع حقيقيّ لها على أرض ملعب المباراة.

وقفت "إيزابيل" أمام بوابة المدرسة حيث تقف الحافلة التي ستقلّ فريق كرة السلة والمشجعات، ترتدي زيّ التشجيع مع صديقتها "تايلور"، حيث هتفت لها بحماسٍ:

«أنا متحمّسةٌ للغاية بشأن هذه المباراة، إنّه أدائي الأول كمشجّعة. متحمسة ومتوترة في نفس الوقت.»

«آخ، لستُ متحمّسةً لأن الطريق بالحافلة سيستغرق خمس عشرة ساعةً. إنّه نصف يومٍ.»

«أوه، يمكننا النوم طوال الطريق. هل يمكنني النوم على كتفكِ في الحافلة؟ لقد سهرتُ طوال الليل أقرأ رواية "جحيم زوجته" المُسلية لتلك الكاتبة المصرية الشابة.»

نظرت لها "تايلور" باعتذارٍ تجيب:

«أوه، لقد كنتُ أخطّط للجلوس مع "مايسون" في الحافلة، إنّها مثل عادةٍ بيننا منذ سنتين منذ انضمامي لفريق المشجعات، نتحدث وأزيل توتره بشأن المباراة، لكي يحالفه الحظّ الجيد. ولكن.. بما أن "چير" قد انضمّ للفريق، فسيجلس جوار "مايسون" في الحافلة، لذلك يمكنني الجلوس جواركِ.»

ابتسمت "إيزابيل" بلطفٍ وتفّهمٍ تجيبها: «لا بأس عزيزتي، ليس عليكِ أن تغيّري عاداتكِ مع حبيبكِ من أجلي، يمكنكِ الجلوس إلى جواره، وسأجد رفيقًا في الحافلة.»

«ولكن..»

«هاي، لا بأس، ربما سأستطيع البقاء في مقعدٍ كاملٍ بمفردي.»

«هل أنتِ متأكدة؟»

«مائة بالمائة.»

أومأتْ لها "تايلور" تعانقها بحبٍ، فقهقهتْ وتقدمتا لركوب الحافلة، حتى وجدتْ "إيزابيل" المقعد قبل الأخير في الحافلة فارغًا وقد جلس الجميع، لذلك جلستْ به بسعادةٍ بمفردها تشعر بالراحة، ثم استلقتْ عليه تسند ظهرها على النافذة فاردةً ساقيها بطول المقعد تخلد للنوم مع تحرّك الحافلة.

ولكن.. مرّت ساعةٌ فقط، وقد استيقظتْ على همس أحدهم باسمها بخفةٍ جوار أذنها، ففتحتْ عينيها بانزعاجٍ لتتقابل مع عينين خضراوين كالزمرد، فتنهدت بضيقٍ تهتف:

«ما الذي تريده "فيشر"؟ أريد النوم قليلًا.»

«وأنا أريد الجلوس إلى جواركِ.»

ابتسم لها بخفةٍ، فنبض قلبها بقوةٍ لإجابتهه، ولكنّه عاد يردف موضِّحًا لها:

«لقد كنتُ جالسًا في المقدمة إلى جوار "سايمون"، ولكنّني لمْ أستطع تحمُّل رائحته.»

«آخ، ولكن هذا مقعدي منذ البداية.»

اعترضت بضيقٍ، فرفع كتفيه بلا اكتراثٍ يجيبها:

«إنّه يكفي لشخصين، إما تتركيني أجلس هنا، أو تذهبي للجلوس إلى جوار "سايمون".»

«إيو، بالطبع لا؛ لن أتحمّل رائحته. حسنًا، تبًا لك. يمكنك الجلوس هنا.»

هتفت فيه بانزعاجٍ، فقهقه على ردّ فعلها الذي بدا لطيفًا جدًا بالنسبة له، ولكنّها أدارت ظهرها تجاهه تقلب عينيها، وحاولتْ النوم مجددًا.

إلا أنّها استمرت في التقلّب بالمقعد دون راحةٍ تحت أنظاره المهتمّة، فسألها بخفوتٍ:

«ألا تشعرين بالراحة؟»

«هذا بفضلك.»

أجابت بانزعاجٍ، فابتسم بلطفٍ على عكس المتوقع يعرض عليها بجدّيةٍ:

«يمكنكِ وضع رأسكِ على فخذيّ والنوم.. أعني.. يمكنكِ أيضًا إراحته على كتفي إن أردتِ.»
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي