١٩ لديها حبيبٌ

في يوم الحفلة الراقصة بنهاية الصفّ الثامن:

وقفتْ "إيزابيل" في غرفتها تلتفّ بمنشفتها بعدما خرجتْ من دورة المياه، تراقصتْ بمرحٍ تهزّ خصرها قافزةً على السرير بينما تهتف:

«إنّها الحفلة الراقصة، أجل.. سأحضر أول حفلةٍ راقصةٍ في حياتي.»

رقصتْ رقصتها لدقائق على موسيقى صاخبةٍ شغّلتْها، ثمّ نزلتْ عن السرير تخلع المنشفة مرتديةً ثيابها الداخلية، ولمعتْ عيناها ناظرةً لفستان الحفلة الراقصة الذي اشترتْه منذ أسبوعين، ثمّ بدأتْ في ارتدائه، وما إن وقفتْ أمام المرآة تطالع نفسها تزامنًا مع دخول والدتْها تقفز مصفقةً بحماسٍ:

«آو، طفلتي الصغيرة كبُرتْ وستذهب لأول حفلةٍ راقصةٍ، هيّا امنحيني دورةً أنثويةً رائعةً.»

طالعتْ "إيزابيل" فستانها الأزرق الذي يصل لركبتيها، يعانق تفاصيل جسدها الصغيرة من الأعلى ويتسع بدايةً من خصرها، فدارتْ أمام والدتها التي عانقتْها بسعادةٍ:

«لا أصدّق أنكِ ستذهبين للحفلة الراقصة برفقة "چيرمايا".»

تعكّرتْ ملامحها فجأةً تقلب عينيها جالسةً على كرسيّ طاولة الزينة بينما بدأتْ والدتها في تصفيف شعرها:

«أومّا، "چيرمايا" سيأتي معي في سيارة والدته فقط للحفلة، لن يرافقني بها.»

«لا يهم، المهمّ أنّكما ستظهران معًا أمام الجميع.»

تنهدتْ بيأسٍ وقرَّرتْ التوقّف عن الحديث عن الأمر، فانتهتْ والدتها من تصفيف شعرها في كعكةٍ فوق رأسها وتركت بضع خصلات تتدلى من جانبيّ رأسها جاعلةً مظهرها ملائكيّ. ولكنّ جرس الباب قد رنّ لتهتف "لوريل":

«لقد وصلت رفقتكِ، جميلتي.»

ركضتْ "لوريل" للأسفل لفتح الباب، وتبعتْها "إيزابيل" تسير بضجرٍ، ولكنّ ملامحها انفرجتْ حينما رأتْ "چيرمايا" يرتدي بدلةً سوداء أنيقةً، أسفلها قميصٌ أبيض يعانق جسده الذي بدأتْ ملامحه الرجولية وعضلاته تنمو، حتى تمتمتْ في نفسها:

«واو، إنّه.. إنّه وسيمٌ جدًا.»

رمش "چيرمايا" بدوره متفحِّصًا هيئتها، لطالما كانت لطيفةً في نظره، ولكنّه رآها أنثى مثاليةً لأول مرةٍ الآن ليتمتم في نفسه:

«واو، إنّها.. إنّها خلّابة. جميلةٌ جدًا.»

«تبدين رائعة الجمال عزيزتي "بيل".»

علّقتْ "سوزانّاه" تنظر لها بحالميةٍ، فابتسمتْ "إيزابيل" بخجلٍ:

«شكرًا لكِ "سوزانّاه"، شكرًا لتعبكِ في البحث مع والدتي عن فستان مناسبٍ لي، وشكرًا لإقناع والدتي أيضًا بضرورة حضوري هذا الحفل.»

قهقهتْ "سوزانّاه" بينما قلبتْ "لوريل" عينيها؛ حيث كانت "سوزانّاه" منذ الصغر هي الفتاة الوردية التي تحبّ التسوّق والمشاركة بمثل هذه الاحتفالات، وهي أيضًا مَن دفعتْ ظهر "چيرمايا" بخفةٍ ناطقةً:

«لقد أحضر لكِ "چيري" هديةً جميلةً مثلكِ. هيّا صغيري، أعطِها هديّتها.»

تقدّم "چيرمايا" من "إيزابيل" التي احمرّت خجلًا من فكرة كونه أحضر لها هديةً، كانت شخصيّتاهما لمْ تتغيّرا كثيرًا كالحاضر، بينما تحمحم يمسك برسغها حتى أصاب قلبها باضطرابٍ لذيذٍ، ولفّ سوارًا من الورود حول رسغها، لتنظر له الأخرى بانبهارٍ.

عضّت شفتها من الداخل تهمهم بحماسٍ ناظرةً لعينيه بامتنانٍ:

«سوار وردٍ؟ هل أحضرت لي سوارًا هديةً؟»

«والدتي هي مَن اشترته لكِ في الأساس وأجبرتـ..»

«"چيرمايا"، هيّا، خُذ بيد رفيقتك وهيّا بنا، ستتأخّرا على الحفل.»

هتفتْ والدته تحذّره في البداية، ثمّ ابتسمتْ باتساعٍ ليخيفه تغيُّر ملامحه، فالتقط يد "إيزابيل" التي نبض قلبها بعنفٍ لتلك الحركة، وذهبا معًا بسيارة "سوزانّاه" للحفل الذي أُقيم بقاعة المدرسة الواسعة.

وما إن أقبل "چيرمايا" من باب الدخول، حتى ترك يدها هاتفًا:

«حسنًا، سأذهب لإلقاء التحيّة على أصدقائي.»

تركها دون الالتفات لها حتى، ورحل سريعًا تجاه أصدقائه، فابتلعتْ لُعابها تتنهّد بحزنٍ، كانت هذه المرة الأولى حقًا التي تشعر فيها أنّه تغيّر بالفعل، أنّه لمْ يعُد "چيرمايا" صديقها اللطيف.

«هاي "بيلي"، حسنًا.. هل رأيتُكِ تدخلين القاعة للتو برفقة "چيرمايا فيشر"؟»

قاطع شرودها صوت صديقتها "تايلور" التي أقبلتْ تجاهها راكضةً بفستانٍ ورديّ ضيقٍ يصل لكاحليها، جاعلًا قوامها المثاليّ بارزًا ومظهرها خلّابًا حقًا، فتنحنحتْ "إيزابيل" تنفي سريعًا:

«أوه لا، بالطبع لا. لمْ آتي للحفل برفقته، لقد جئتُ بسيارة والدته معه فقط.»

«أوه، حسنًا، هيّا بنا لنرقص.»

صاحت "تايلور" بحماسٍ تسحبها معها، لطالما كانت صاخبةً منذ صِغرها على عكس "إيزابيل" التي كانت خجولةً بعض الشيء في البداية، ولكنّهما تحرّكتا لمنتصف القاعة حيث بعض زملائهما يرقصون في الأرجاء أمام منصةٍ ارتفعتْ عليها فرقةٌ موسيقيةٌ من طلّاب بالثانوية يعزفون بمهارةٍ.

كانتا تتمايلان في الأرجاء بحماسٍ بعدما تشجّعتْ "إيزابيل" على الرقص حتى لفتت حركاتها انتباه بعض الفتيان من زملائهم بمَن فيهم "چيرمايا" الذي وقف خلف طاولة المشروبات الغازية يشرب من كوبٍ بينما يتفحّصها باهتمامٍ، ولكنّ صديقه "مايسون" كان قد تشجّع واقترب من "تايلور" يخاطبها ببعض التردّد:

«مرحبًا "تايلور"، هل.. هل ترغبين في الرقص معي؟»

اتسعتْ عينا "إيزابيل" بحماسٍ لهما؛ لطالما تبادلا النظرات المُعجبة ولكن لمْ يتشجّع أحدهما للحديث مع الآخر، لذلك تدخّلتْ تجيب هي دافعةً "تايلور" تجاهه:

«أجل، هي ترغب في الرقص معك، هيّا اذهبا.. استمتعا قدر الإمكان.»

غمزتْهما لترمقها "تايلور" بحدةٍ، ولكنّها تحمحمتْ تمنح "مايسون" نظرةً خجِلةً:

«بالطبع، يسعدني الرقص معك "مـ-مايسون"، ولكن.. هل ستكونين بخيرٍ بمفردكِ بـو؟»

التفتت تسأل "إيزابيل" التي هزّت رأسها بابتسامةٍ تجيب:

«أجل، لا تقلقي بشأني، سأذهب لشرب بعض المشروبات ثمّ سأستمتع مع بقية الفتيات، ربما سأبحث عن "چينيفر" في الأرجاء أيضًا. هيّا فقط.. استمتعي.»

عانقتْها "تايلور" بسعادةٍ، ثمّ التفتت لـ"مايسون" الذي رمقها بإعجابٍ لمْ يُخفِه هذه المرّة، ورحلتْ معه لتبقى "إيزابيل" بمفردها تزّم شفتيها ناظرةً للأجساد العديدة التي ترقص حولها بمرحٍ في ثنائيات، فتنهدتْ تتجه لطاولة المشروبات الغازية لتتفاجأ برؤية "چيرمايا" هناك يتجرّع من كوبٍ ناظرًا لها بعمقٍ.

«هـ-هاي "چير".»

حيّتْه بارتباكٍ من نظراته، فرفع حاجبه يهزّ رأسه رادًا التحيّة، حتى تفاجأ كلاهما بالسؤال الذي طرحتْه "إيزابيل" دون تفكيرٍ حتى:

«هل ترغب.. أعني، هل تريد الرقص معي؟»

ضيّق عينيه وقد أخذه السؤال ببعض الصدمة، ولكنّه وضع كوبه على الطاولة يجيبها زامًا شفتيه:

«حسنًا، آممم.. أنا لا أستطيع الرقص، لمْ أجرّب هذا من قبل.»

«لا بأس، سأعلّمكَ. يمكنك اتباع خطواتي. الأمر بسيطٌ جدًا.»

قهقهتْ بخفةٍ على ردّه، ثم التقطتْ يده بشكلٍ أدهشه وجعله يتصنّم لوهلةٍ، ولكنّه استسلم لحماسها وتحرّك خلفها لساحة الرقص، فاتخذا موقعًا بين ثلاث ثنائيات آخرين، حيث وقف "چيرمايا" يسحبها بخفةٍ تجاهه معانقًا خصرها بذراعه يتمسّك بيدها بكفّه الآخر، بينما عانقتْ عنقه بذراعها الآخر تميل بجسدها بسلاسةٍ والآخر يحاول أن يتبعها حتى علّق بحذرٍ:

«تبًا، هل هذا هو الأمر البسيط؟ إنّه أصعب من لعب كرة السلة.»

«هيّا، توقّف عن التذمُّر ودع جسدك للموسيقى الهادئة لتحرّكه. استمتع وستجد الأمر بسيطًا وسهلًا ولذيذًا أيضًا.»

راقب نظراتها الشغوفة وابتسامتها الحماسية من هذا القُرب، حتى شعر بنفسه يسحبها أكثر لعناقه إلى أن التصق صدراهما، فاهتاجتْ أنفاس "إيزابيل" وحاولتْ الحديث لشغل نفسها عن الخجل بقُربه:

«لمْ.. لمْ يسبق لي رؤيتك ترتدي بدلةً من قبل. ألا تعتقد أنّها رسميةٌ بعض الشيء لهذه المناسبة العادية؟»

«أجل، لقد أجبرتني والدتي على ارتدائها، كانت تبكي بحماسٍ صارخةً أنّ صغيرها قد كبُر، بينما شقيقي "كونراد" الوغد يضحك موثّقًا هذه اللحظات المحرجة في حياتي بالتصوير. سأفقد عقلي يومًا ما بسبب هذه العائلة.»

علّق بعدما استطاعتْ شغله بالفعل بسؤالها عن قُربهما يجعّد ملامحه بقلة حيلةٍ ضاغطًا أسنانه ببعضها، فراقبتْ كيف برزتْ غمازة ذقنه اللطيفة لتنفجر ضحكًا متمايلةً معها للخلف قليلًا حتى تبِع خطواتها بعدما أتقن الحركات بسرعةٍ.

«"سوزانّاه" متحمّسةٌ كالعادة. ولكنّها لطيفةٌ، إنّها ألطف أمٍ قد يحظى بها أحدهم.»

«أجل، هي كذلك. لذلك لا أحبّذ معارضتها كثيرًا. أحبّ مرحها وشغفها الذي لا ينطفئ.»

ابتسمتْ "إيزابيل" له بحُبٍ ليُبادلها، كلاهما شرِدا في دفء المشاعر التي يمدُّهما هذا القُرب بها، حتى لمْ يلاحظا انطفاء الموسيقى الهادئة وانفجار موسيقى أخرى صاخبةً جدًا في الأرجاء جعلتْ الحضور يقفزون بحماسٍ، إلى أن قاطعهم صوت "تايلور" من خلف جسد "چيرمايا" الطويل تتدخّل فجأةً:

«هاي، هل أنتما معنا على الكوكب؟ لقد انتهت الموسيقى الهادئة منذ دقائق.»

ترك "چيرمايا" جسد "إيزابيل" على الفور يبتعد خطوةً للخلف متحمحمًا، بينما احمرّت الأخرى خجلًا عندما استأذنهما للرحيل، فاقتربتْ "تايلور" من صديقتها رافعةً حاجبها تسألها بشكٍ:

«هل أنتِ متأكدةٌ أنّه لا يوجد شيءٌ بينكِ وبين "چيرمايا فيشر"؟»

«أخبرتُكِ أنّ هذه المعاملة مجرّد صداقةٍ قديمةٍ ولأنّنا جيران.»

أجابت "إيزابيل" بخفوتٍ عابسةً بحنقٍ، فقلبتْ الأخرى عينيها بضجرٍ معلّقةً:

«حسنًا، حسنًا. مجرد صداقةٍ قديمةٍ ولأنّكما جيران. ولكن إن كان هناك شيءٌ بينكما، فلا بأس بذلك بـو.. "چيرمايا فيشر" لذيذٌ جدًا، يامي.»

قهقهتْ "تايلور" بسخافةٍ على نفسها، فابتسمتْ الأخرى بتصنُّعٍ معلِّقةً في نفسها بينما ترمق "چيرمايا" من بعيدٍ منشغلًا بالضحك مع أصدقائه:

«أجل، يامي. إنّه لذيذ، لذيذٌ جدًا.»

****

في منتصف سنة الصف التاسع:

دخل "چيرمايا" منزل "إيزابيل" بعدما فتحتْ له الباب، وتقدّم تجاهها مرتديًا سترةً خضراء مختلطةً بالأسود كسترات الجيش، مع سروالٍ من الچينز الأسود الممزّق عند الركبتين، وقد تغيّرتْ تصفيفة شعره مؤخرًا بعدما قصّه وجعله خفيفًا من الجانبين، وعاليًا قليلًا من المنتصف بتجعيدات تسقط على مقدّمة جبينه. فتقدّم للصالة والأخرى تهتف من خلفه بحماسٍ:

«شكرًا لأنّك أتيت اليوم مُلبيًا الدعوة لتشاركني في ليلة مشاهدة الجزء الجديد من سلسلة أفلام الأڤنچرز الهوليوودية.»

«هل تمزحين؟ بالطبع سأشاهدها، أنا معجَبٌ كبيرٌ لهذه السلسلة.»

هتف هو الآخر بحماسٍ، فاتسعتْ ابتسامتها تستأذنه سريعًا:

«حسنًا، يمكنك الجلوس الآن، سأذهب لدورة المياه سريعًا ثمّ سأعود لنشغّل الفيلم.»

أومأ لها وجلس على أريكةٍ أمام تلفازهم الكبير المعلّق وسط حائطٍ حيث ستشغّل "إيزابيل" شريط الفيلم الذي اشتراه لها والدها، بينما ذهبتْ هي لدورة المياه، وعيناه تراقبانها مبتسمًا لمظهرها الذي ازداد أنثويةً فجأةً مؤخرًا، خاصةً بعدما بدأتْ تحبّ جسدها وترتدي سراويل قصيرةٍ وقمصان تُظهر بطنها، وتصفيفة شعرها الحريريّ الجديدة بعدما تركتْه يطول حتى وصل لنهاية ظهرها. فزمّ شفتيه يشجّع نفسه بهمسٍ:

«حسنًا "چيرمايا"، يمكنك إخبارها بكمْ تراها جميلةً عند عودتها مباشرةً، لا تكن جبانًا. لا تكن جبانًا. لا تكن جبـ..»

انقطعتْ وصلة تشجيعه باهتزاز هاتفها الذي تركته إلى جواره على الأريكة، فنظر لشاشته التي تضيء معلنةً وصول العديد من إشعارات الرسائل المتتالية ليرمش بفضولٍ، ولكنّه تنهّد قائلًا في نفسه:

«لمَ يهتزّ هاتفها كثيرًا؟ مَن يستمر بإرسال الرسائل لها؟ حسنًا "چيرمايا"، هذا ليس من شأنك، فلتحترم خصوصيتها.»

تحمحم يتأمّل المزهرية الموضوعة أسفل شاشة التلفاز يعدُّ الورود بها، ولكنّه لمْ يلبث لدقيقةٍ أن لعن تحت أنفاسه يلتقط هاتفها لتفحُّصه وفضوله قد تغلّب عليه، حتى ابتسم ساخرًا يتمتم:

«تبًا "بيلي"، يجدر عليكِ وضع رقمٍ سريّ لهاتفكِ حقًا.»

إلّا أن ابتسامته قد قُتِلتْ حينما فتح إشعار الرسائل التي كانت تصلها، لتنكمش ملامحه لدى رؤية اسم "چيورچيو" مسجّلًا بالرقم الذي يراسلها. انعقد ما بين حاجبيه بينما يمرّر للأعلى بالمحادثة ليقرأ الرسائل:

چيورچيو: «لقد استمتعتُ كثيرًا ليلة البارحة معكِ "بيلي"، أتمنى أن نتقابل مجددًا الليلة.»

إيزابيل: «وأنا أيضًا استمتعتُ كثيرًا، بالطبع، سأكون سعيدةً جدًا إن تقابلنا مجددًا الليلة وغدًا وربما في كل الأيام.»

چيورچيو: «يا لكِ من لطيفةٍ، أنا أحبُّكِ كثيرًا "بيلي"، أنتِ الأفضل.»

كانت ملامح "چيرمايا" قد أخذتْ منحنى آخر من الضيق، حتى ضغط هاتفها بين أصابعه بحنقٍ ينهض من مكانه، وألقاه بإهمالٍ على الأريكة يتحرّك خارج المنزل بخطوات غاضبةٍ متمتمًا:

«رائع، رائعٌ جدًا "إيزابيل"، لقد كنتِ تسخرين مني لخروجي مع الفتيات، والآن تحصلين على حبيب سريعًا.»

أغلق الباب خلفه بقوةٍ تزامنًا مع عودتها من دورة المياه، فنظرتْ حولها بحثًا عنه لتلمحه من النافذة يتجه لمنزله حتى أصابتها نوبة حزنٍ كبيرةٍ واهتزّت شفتاها على وشك البكاء. ولكنّها لمْ تلبث في حزنها أن سمعتْ رنين الجرس، فركضتْ بلهفةٍ تفتح الباب ظانةً أنّه "چيرمايا".

ىكنّها تفاجأتْ بذراعين تحيطان ببطنها وبصوتٍ طفوليّ من طفلٍ أسمر البشرة بنيّ العينين يهتف بحبٍ:

«لقد جئتُ باكرًا "چيلي بيلي". ما رأيكِ بهذه المفاجأة؟»

«آو، يا لك من صغيرٍ لطيفٍ "چيورچيو"، لقد جئت في الوقت المناسب حقًا لنلعب معًا ونشاهد الكثير من الأفلام الجديدة.»

انحنتْ "إيزابيل" جالسةً على ركبتيها رغم أنّها لمْ تكن أطول من هذا الطفل بكثيرٍ تعانقه باشتياقٍ، فابتسمتْ لها والدة الطفل الذي قد ورث ملامحها السمراء وشعرها المجعّد الأسود تعلّق بامتنانٍ:

«لا أعرف كيف أشكركِ حقًا "بيل"، أنتِ منقذتي لمجالسة "چيورچيو" في غيابنا. آخ، لا أعرف لمَ كان عليّ الموافقة على العمل مع زوجي ووالدكِ، إنهما شقيقان يحبّان السفر والترحال كثيرًا وأنا لستُ متفرغةً لتلك الأمور.»

قهقهتْ "إيزابيل" ونهضتْ حاملةً هذا الطفل الصغير لتجيبها:

«لا بأس أبدًا، "چيو" هو أفضل ابن عمٍ قد أحظى به يومًا.»

كان هذا آخر ما علّقتْ به "إيزابيل" قبل أن تقضي بقية اليوم مع ابن عمها الصغير "چيورچيو"، وهكذا مرّ يومان آخران على هذا الموقف، كانت "سوزانّاه" جالسةً فيه مع صديقتها "لوريل" في حديقة منزلها تستمتعان بشرب العصائر المختلطة بالتكيلا القويّة كما اعتادتا، حتى تساءلت "سوزانّاه" باهتمامٍ:

«كيف حال "بيلي"؟ لمْ أرَها منذ يومين.»

اعتدلتْ "لوريل" في جلستها على مقعدها الطويل تُربّع ساقيها النحيلتين، وكأنّها انتبهتْ لأمرٍ مهمٍ فجأةً تجيب بحزنٍ:

«كنتُ أرغب بإخباركِ ولكنني نسيتُ؛ صغيرتي حزينةٌ منذ يومين، لمْ أرَها قريبةً من "چير" منذ تلك الليلة التي وعدها فيها بمشاهدة ذلك الفيلم معها، ثم رحل قبل أن يبدآ دون تعليقٍ أو عذرٍ حتى. أراها حزينةً منذ ذلك الوقت، حتى أنّها لمْ تشاهد الفيلم الذي كانت متحمِّسةً كثيرًا له.. لا بدّ أنّها تنتظر مشاهدته مع "چير" عندما يتحدثان مجددًا.»

«ماذا؟ ماذا فعل ذلك الأبله؟ سأحادثه فور عودتي للمنزل. كيف يُحزن قلب صغيرتنا هكذا؟»

صاحت "سوزانّاه" بضيقٍ وتجرّعتْ كأسها كاملًا دفعةً واحدةً، ثمّ مسحتْ فمها بظهر يدها وعيناها تلمعان بنوايا سيئةٍ تجاه ابنها الأصغر.

وعلى الفور عند عودتها لمنزلها، وجدتْ "چيرمايا" جالسًا يلعب ألعاب الڤيديو بمفرده في صالة المنزل الأنيقة، فاقتربتْ منه واقفةً إلى جانبه بصمتٍ والغضب يكسو ملامحها، حتى نظر لها الآخر بارتباكٍ ليُنهي اللعبة متسائلًا:

«مرحبًا أمي؟»

«أوه، مرحبًا أمي؟ جديًا؟ كيف تترك "بيلي" بهذه الطريقة بعدما وعدتها بمشاهدة الفيلم معها؟»
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي