٢١ نهاية علاقةٍ قبل بدايتها

ابتسمتْ "إيزابيل" بسخريةٍ لسُرعة إيصال والدتها للمعلومات، لمْ تكن تتضايق من ذلك؛ فهي تعتبر أسرة "چيرمايا" جزءًا من عائلتها ولا تمانع أن يعرفوا عنها بعض الأمور كمرضها مثلًا، ولكنّها ما لبثتْ أن أغمضتْ عينيها تُسقط دمعةً متمتمةً في نفسها:

«هذا ليس عادلًا أبدًا، ليس بعد أن وصلنا لهذه الدرجة من علاقتنا، ليس بعد تلك المشاعر التي منحني إيّاها وتأتي مشكلة جامعته البعيدة. أنا.. لن نتمكّن من إنجاح علاقتنا عن بُعد؛ أنا لا أؤمن بهذا النوع من العلاقات. لقد.. لقد أدركتُ الآن فقط أنّنا سنؤذي بعضنا.»

اعتقدتْ "إيزابيل" أنّ هذه العلاقة ستؤذيها، ولكنّ أفكارها السامّة هي مَن كانت تؤذيها وتؤذي "چيرمايا" أيضًا معها، الذي استمرّ في النظر لشاشة هاتفه منتظرًا ردّها لما يُقارب النصف ساعةٍ، كانت قد غطّت في نومٍ عميقٍ بالفعل من التعب، فتنهد يرسل لها رسالةً محتواها:

«سأخمّن أنكِ قد خلدتِ للنوم الآن بعد أن رأيتِ الرسالة ولمْ تستطيعي الردّ سريعًا. كوني بخيرٍ وتعافي بسرعةٍ "چيلي بيلي".»

كان يمنح نفسه بعض الأمل الكاذب، واستمرّ في ذلك حتى مرور يومين آخرين، لمْ تُجِب فيه على أيّ رسالةٍ له، ولمْ تسمح لأحدٍ برؤيتها على الإطلاق، حتى هو.

لذلك لمْ يتحمّل مرور اليوم الثالث دون رؤيتها، وذهب لمنزلها يطرق الباب لتفتح له والدتها، قابلتْه بوجهٍ بشوشٍ ليتحمحم متسائلًا:

«كيف حال "بيلي"؟»

«أوه، صغيري. لقد أخبرنا الطبيب أنّها مصابةٌ بالانفلونزا بالفعل نتيجة عدوى مع زكام الشتاء القويّ، ربما ستبقى في الفراش لأسبوعٍ آخر لكي تتعافى.»

«هل.. هل يمكنني رؤيتها؟»

تخافت صوته مع كلماته تلك، فنظرتْ له "لوريل" بحزنٍ؛ تعلم أنّ هناك خطبٌ يجري بينه وبين صغيرتها، ولكنّها لمْ تُرِد إحباطه قائلةً بهدوءٍ:

«أنا آسفةٌ عزيزي، إنّها ترفض رؤية أي أحدٍ كي لا تصيب الآخرين بالعدوى. أنت تعلم كيف تفكّر "بيلي" بخصوص هذه الأمور؛ تمنحها أكبر من قدرها.»

أخفض "چيرمايا" عينيه عن عينيها بإحباطٍ شديدٍ، فقضمتْ "لوريل" شفتها السُفلى تردف بابتسامةٍ محاولةً الترويح عنه:

«لقد أتت "تايلور" و"چينيفر" لزيارتها عدة مرات في اليومين السابقين وأحضرتا الواجبات المدرسية والدروس التي فاتتها معهما، لكنّها رفضت رؤيتهما كذلك. إنّها ترفض الجميع وليس أنت فقط، أعني.. إن كان هذا سيُشعِرك بتحسُّنٍ.»

«لا بأس، شكرًا لكِ. فقط أخبريها أنّني أتيتُ لزيارتها.»

علّق متنهدًا بقوةٍ، أخذ نظرتها المُشفِقة الأخيرة وعاد أدراجه لمنزله منكَّس الرأس خائب الرجاء. ثمّ دخل غرفته يرتمي على فراشه دافنًا وجهه في وسادته، ولكنّه أخرج هاتفه من جيبه وفتح المحادثة بينهما، ينظر لكمّ الرسائل التي أرسلها لها في اليومين السابقين ورأتْها دون ردٍ ولو برمزٍ تعبيريّ حتى، لذلك ابتلع لُعابه باستياءٍ يكتب لها:

"لمَ لا تجيبين رسائلي "بيلي"؟ هل فعلتُ شيئًا خاطئًا؟"

وصلتْها رسالته لتفتح هاتفها وتراها، فسقطتْ دموعها تغلق هاتفها نهائيًا دافنةً جسدها أسفل غطائها على سريرها أكثر، منعزلةً عن العالم بأسره لبقيّة الأسبوع، حتى عادت من تلك الذكرى الحزينة لوقتها الحاضر، وقد مرّ أسبوعٌ بالفعل على عودتهم من الرحلة، جالسةً على طرف سريرها بثياب نومها التي لمْ تبدّلها لثلاثة أيامٍ متتاليةٍ، تحشر كفّيها بين فخذيها ناظرةً لأصابع قدميها بشرودٍ في حياتها التي جعلتْها حزينةً بنفسها:

«لمْ تفعل شيئًا خاطئًا "چير"، فقط.. تلك القُبلة هي ما كانت الخطأ منذ البداية. لمْ يكُن علينا التقرُّب لهذه الدرجة؛ فلمْ يسبق لي وأن اكتمل أيّ شيءٍ سعيدٍ بحياتي، "چيرمايا" لا يستحقّ هذا مني، وأنا.. لا أستحقّ هذه المشاعر الحزينة حتى.»

تنهدتْ بثُقلٍ بعد تفكيرٍ عميقٍ، ونهضتْ لتأخذ حبَّة دوائها الخاصّ بالزُكام، ثمّ استلقتْ على سريرها مجددًا ساحبةً الغطاء عليها، ولكنّها جفلتْ بسبب صوت طرقٍ مفاجئٍ، إلّا أنّها صُدِمتْ تنهض عن الفراش حينما أدركتْ أن الطرقات لا تأتي من باب غرفتها، بل من.. من النافذة.

أسرعتْ في خطواتها تجاه النافذة تنظر للجوّ المظلم خارجها، لتشهق حينما وجدتْ "چيرمايا" قد تسلّق الشجرة القريبة من نافذتها وجلس فوقها يطرق نافذتها بجذعٍ يابسٍ، فهتفتْ بتفاجؤٍ وما زال صوتها متأثّرًا بحزنها طوال الأسبوع:

«يا إلهي، "چير"، ما الذي تفعله فوق شجرةٍ في هذا الوقت؟»

«أنتِ لا تجيبين رسائلي ولا تريدين رؤيتي، كان يجب عليّ الحديث معكِ بأي طريقةٍ أو حتى رؤيتكِ. كنتُ أموت بالبطيء دون رؤيتكِ "بيلي"، فقط.. افتحي النافذة لأدخل، سأتجمّد هنا من البرد.»

أجابها رافعًا صوته بحذرٍ لكي يصلها عبر النافذة المغلقة، فعضّتْ وجنتها من الداخل بأسى لملامحه الحزينة وضميرها يؤنّبها لأنّها السبب بحزنه ومعاناته بهذه الطريقة، لذلك أسرعتْ تقتح النافذة ليضع "چيرمايا" قدميه على سطح سقف المنزل المنزلق أسفل نافذتها، ثمّ اقترب يدخل غرفتهة مغلقًا النافذة سريعًا حينما رآها ترتدي قميصًا دون أكمامٍ يكشف بطنها رغم أنّها تُثلج بالخارج.

«ما الخطب "بيل"؟ لمَ تنعزلين عن الجميع؟ أعلم أنّ هذا ليس بسبب مرضكِ أو خوفكِ من إصابة الآخرين بالعدوى، هناك ما هو أكثر من ذلك، فقط تحدّثي معي، صغيرتي.»

كان قد اقترب منها مكوِّرًا وجنتيها بكفّيه لتشعر ببرودة كفّيه على جسدها الدافئ من أثر الحُمى، ولكنّها أغمضتْ عينيها تميل برأسها على كفّه مشتاقةً لهذه اللمسات. ثمّ.. صغيرته؟ هل تعلّق بها "چيرمايا فيشر" لتلك الدرجة؟ سيكون ما ستجيبه به تاليًا مؤذيًا له أكثر مما تخيّلت.

«أنا.. أنا آسفةٌ جدًا "چير"، آسفةٌ لفعل هذا بك، لمْ أتعمَّده، ولكنّني كنتُ مستاءةً كثيرًا. هذا خاطئ، ما يحدث بيننا خاطئٌ.»

تراجع للخلف خطوتين يترك وجنتيها ناظرًا لها بصدمةٍ لمعتْ بعينيه، حطّمتْ نظراته المستاءة قلبها لقطعٍ، بينما ابتلع لُعابه يسألها بخفوتٍ:

«هل.. هل ترين أن تلك القُبلة كانت خاطئة "إيزابيل"؟ هل أنتِ نادمة؟»

هل هي نادمة؟ هذا ما فكّرتْ به بينما تحفر عينيه عميقًا بنظراتها بعدما شعرتْ بدغدغةٍ في عينيها بسبب تجمُّع الدموع هناك، ولكنّها استنشقتْ ماء أنفها بصوت مسموعٍ تومئ برأسها مجيبةً بنبرةٍ بالكاد سمعها:

«أجل، كانت هذه القُبلة خاطئة، لمْ يكُن علينا التقرُّب من بعضنا لهذا الحدّ "چـ-چيرمايا"، لمْ نفعل شيئًا سوى إيذاء أنفسنا وربما تدمير تلك الصداقة التي عانينا لإرجاعها بيننا. أنت.. أنت سترحل بعد ستة أشهر، لن تنجح هذه العلاقة على الإطلاق.»

«هل.. هل تقولين أنّ ما بيننا انتهى؟»

كان صوته مصعوقًا، نظراته متألِّمة، جرحتْ روحها التي تثابر للبقاء بشجاعةٍ ومواجهته دون الانتحاب الآن، ولكنّها لمْ تُجِبه، بل بقيت تنظر له بصمتٍ، الألم يؤرق ملامحها. حتى هزّ رأسه للأعلى والأسفل وملامحه تتخذ البرود فجأةً، يرمقها بتلك النظرات التي كان يرمقها بها سابقًا قبل تقرُّبهما، مردفًا:

«حسنًا، لا بأس بذلك، ربما إنهاء كل شيءٍ قبل بدئه هو الأفضل لكِلينا.»

«مـ-ماذا؟ بهذه.. بهذه البساطة؟»

تساءلتْ والخوف يحتلّ ملامحها، تشعر بتمزُّق قلبها الآن بالفعل، إلّا أنّ سؤالها قد استفزّه لدرجةٍ مؤلمةٍ، حتى احتدّتْ ملامحه يبتسم بازدراءٍ يجيبها:

«أنتِ مَن تسألين وقد أنهيتِ كل شيءٍ بنفسكِ؟ لقد كنتُ مستعدًا للتضحية وفعل الكثير، ولكنّ كلّ هذا قد تغيّر سريعًا "إيزابيل كونكلين"، تغيّر في اللحظة التي أخبرتِني فيها أنّ هذه القُبلة كانت خاطئةً وأنكِ نادمةٌ. أجل.. ربما هذا الأفضل لكِلينا، ربما الابتعاد الآن قبل أن ينكسر قلب أحدنا بالفعل هو الأفضل. وداعًا "إيزابيل".»

ألقى كلماته قويّةً حادةً كالسكاكين على مسامعها، ثمّ منحها ظهره يفتح النافذة مجددًا لتلفحها موجةٌ من الصقيع زادت ارتجاف جسدها، وخرج من النافذة دون الالتفات لها ينزل على الشجرة ماسحًا تلك الدمعة التي سقطتْ من عينه رغمًا عنه متمتمًا:

«رغم أنّ الأوان قد فات، وانكسر قلبي بالفعل "بيلي".»

لمْ تمرّ تلك الليلة هيّنةً على أيّ منهما، لمْ يذوقا طعم النوم، ولمْ يتوقَّفا عن التفكير ببعضهما البعض وبما آلت له الأمور، لذلك قرَّرت "إيزابيل" الذهاب صباحًا للمدرسة رغم أنّ الطبيب نصحها بالتعافي ليومين آخرين بالمنزل، ولكنّها تحدَّثتْ مع نفسها تُبرّر ذلك بينما ترتدي ثيابها:

«أعلم أنّني إن لمْ أكُن سأخرج من المنزل اليوم، كنتُ سأنفجر حقًا. لمْ أنَم الليل بطوله ولو لثانيةٍ واحدةٍ، وها أنا أذوق النتائج السيئة أضعافًا بوضع الكثير من خافي العيوب أسفل عينيّ وعلى بُقع الإرهاق بوجهي الذي كان شاحبًا ذاتًا من المرض. لا أعرف حتى لمَ أنا حزينةٌ لهذه الدرجة في حين أنّني مَن رفضتُ علاقتنا ووضعتُ لها نهايةً قبل بدايتها حتى، ولكن.. كوني قد سمعتُ "چيرمايا" يُنهيها صريحةً أمامي مباشرةً، فقد أذاني الأمر كثيرًا.»

استمرّتْ بوضع الكثير من خافي العيوب وكريم الأساس على وجهها لإخفاء تعبها وحزنها عنه، ثمّ ارتدتْ حذاءً رياضيًا أبيض مع سروالٍ أبيض وقميصٍ قطنيّ رماديّ بعنقٍ مغلقٍ، ورفعتْ شعرها في ذيل حصانٍ بإهمالٍ تتجه للمدرسة، وما إن اقتربتْ من صفّها حتى قابلت "تايلور" هناك، والتي تفاجأت برؤيتها تركض للاطمئنان عليها:

«أهلًا بالآنسة المريضة؟ لمَ خرجتِ من المنزل اليوم؟ هل تشعرين بتحسُّنٍ "بيلي"؟»

«أجل، أنا بخير. لقد تحسنتُ قليلًا، ولكنني احتجتُ للخروج من المنزل اليوم.»

أجابتْها بصوتٍ مُتعبٍ، كانت ملامحها حزينةً، لذلك اقتربتْ منها "تايلور" تملّس على كتفها متسائلةً باهتمامٍ:

«هل أنتِ بخير بـو؟»

«أحتاج أنا أخبركِ بأمرٍ ما "تاي".»

قررتْ عدم الاحتفاظ بأحزانها لنفسها هذه المرّة، فأخذتْها "تايلور" لمكانٍ بعيدْ قليلًا عن الأنظار في نهاية الردهة، لتبدأ "إيزابيل" حديثها دون تفكيرٍ بخفوتٍ:

«لقد.. لقد قبّلنا بعضنا، أنا و"چيرمايا".»

«أوه يا إلهي، مرحى يا فتاة! متى حدث ذلك؟»

صرختْ "تايلور" بحماسٍ جاذبةً بعض الأنظار لهما، فعضّتْ "إيزابيل" شفتيها بضيقٍ تُصمتها، ثمّ حكتْ لها كلّ شيءٍ حتى توقّفت عند ما حدث البارحة قائلةً:

«لقد.. لقد أنهينا كلّ شيءٍ قبل بدايته، عقلي مرتاحٌ لهذه الفكرة، ولكن.. ولكنّ قلبي يؤلمني كثيرًا "تاي".»

«آو "بيلي"، لا تحزني عزيزتي، لربما هذا الأفضل لكما؛ أنتِ لا تستطيعين الخوض بالعلاقات عن بُعد، وهذا واضحٌ بكِ منذ البداية. ولكن.. لا تفكّري في الأمر كثيرًا، أنتِ قوية "بيلي"، وستكونين قادرةً على تخطّيه.»

أسرعتْ "تايلور" لعناقها تمسح على ظهرها بدفءٍ وحنانٍ احتاجتْه "إيزابيل" كثيرًا ولطالما وجدتْه لدى صديقتها المُقرَّبة تلك والتي لمْ تبخل عليها به أبدًا. لكنّها شهقتْ أنفاسها بحزنٍ تكتم دموعها بصعوبةٍ كي لا تنفجر أمام كلّ زملائها بالردهة هامسةً لها مشدّدةً العناق:

«ولكنّني.. أشعر أنّني أذيتُه كثيرًا "تايلور"، لقد أذيتُ "چيرمايا"، الفتى الوحيد الذي نبض له قلبي بصدقٍ وعرفتُ معه أنّني قادرةٌ على الحبّ بالفعل.»


شدّدتْ "تايلور" على عناقها بأسى شديدٍ، تتنهد بقلة حيلةٍ، تمامًا كما تنهّد "چيرمايا" بقلة حيلةٍ في نفس الوقت، بينما يبدّل ثيابه لثياب التدريب حتى أقبل عليه "مايسون" يسأله بمرحٍ:

«هاي "چير"، لمْ تُجب رسائلي منذ البارحة.. ما الذي حدث؟ كيف جرى حديثك مع الفتاة الغامضة التي تحبُّها.»

أغمض "چيرمايا" عينيه بقلة حيلةٍ يغلق الخزانة ناظرًا لبابها المغلق بشرودٍ متذكِّرًا ما حدث قبل يومين، حيث كان جالسًا خلف مكتبه بغرفته يعبث بحاسوبه المحمول، حتى نادته والدته من الأسفل:

«طفلي، تعال إلى هنا، أحتاج مساعدتك بأمرٍ ما.»

تنهّد ينهض خارجًا من الغرفة، حتى نزل الدَرج ليتقابل مع صديقه "مايسون" صاعدًا له، فصافحه:

«مرحبًا يا صاح، اصعد للغرفة وانتظرني هناك، سأرى ما الذي تريده والدتي وآتي لك.»

أومأ له "مايسون" وصعد غرفته، دخلها ليجلس على سريره في انتظاره، ولكنّه لمح حاسوب "چيرمايا" مفتوحًا وهناك صورةٌ غريبةٌ تظهر على شاشته، فنهض لينظر به لتتسع عيناه مستمرًا في قراءة ما بالشاشة بنظرات متفاجئةٍ، حتى عاد "چيرمايا" ليراه، فصاح به بضيقٍ:

«هاي، ما الذي تفعله؟ لمَ تفتّش في حاسوبي؟»

نظر له "مايسون" بجمودٍ لثوانٍ، ثمّ انفجر ضحكًا حتى كاد يسقط أرضًا متحدّثًا بصعوبةٍ من بين ضحكاته:

«يا إلهي، لا أصدّق هذا. تبًا "چير"، ما الذي تبحث عنه يا رجل؟ لمَ تقرأ مقالات عن كيفية ممارسة الجنس؟ هل.. تبًا، هل فقدتها أخيرًا؟»

عضّ "چيرمايا" شفته من الداخل بغيظٍ والآخر ما زال يضحك حتى انقطعتْ أنفاسه، ولكنّه قرّر مصارحته بنصف الحقيقة متنهدًا يغلق باب غرفته:

«حسنًا، هناك.. هناك تلك الفتاة التي تعرّفتُ عليها، لقد كنتُ معجبًا بها منذ فترةٍ طويلةٍ، وقد سنحتْ لنا الفرصة لنتقرّب، فقبّلتُها عدة مرات، وأظنّ أنّني بحاجةٍ لمعرفة تلك الأمور لأنّ المرة الأولى تكون مؤلمةً كثيرًا حسب علمي.»

توقّف "مايسون" عن الضحك أخيرًا يرمقه بحيرةٍ، ثمّ نهض مقتربًا منه يستفسر:

«حسنًا، هذا سيءٌ لشخصيتك، أعني.. أنت "چيرمايا فيشر" يا رجل، كيف لا تكون خبيرًا بتلك الأمور؟ بالطبع المرة الأولى تكون مؤلمةً، ولكن بالنسبة للفتاة فقط. ما بك؟»

«تبًا "مايسون"، بالطبع أقصد الفتاة، لا أريد أن تكون مرتها الأولى مؤلمةً بسببي، لا أريدها أن تتألّم بسببي أبدًا. سحقًا، أدري أنّني خرجتُ مع الكثير من الفتيات، ولكنّ الأمر كان يقتصر على المداعبات السطحية فقط، وأنت تعلم ذلك.»

صاح فيه ببعض الحدّة، ولكنّه لعن تحت أنفاسه حينما أدرك علوّ صوته، فمسح على وجهه بضيقٍ من نظرات صديقه التي تحوَّلتْ للخبث يتلاعب بحاجبيه:

«آو، لقد وقع "چيري" الصغير في الحبّ ويهتم لفتاته الغامضة، هذه سابقةٌ حقًا ولمْ يكن أحدٌ ليتخيّلها. هيّا أخبرني، مَن هي تعيسة الحظ؟»

قلب "چيرمايا" عينيه يرمق صديقه بضجرٍ من نظراته الخبيثة، بينما يخاطب نفسه:

«تبًا، إن أخبرتُ "مايسون" أنّ هذه الفتاة هي "بيلي" بالتأكيد لن يصبر عن عدم إخبار "تايلور"، وهي بدورها ستخبر "بيلي"، ولن يكون الأمر لطيفًا إن علمت "بيلي" أنّني أقرأ عن كيفية ممارسة الحبّ معها. سحقًا، أنا غبيّ حقًا.»

زفر بقوةٍ يجيب صديقه بينما يمنحه ظهره متجهًا للجلوس خلف مكتبه:

«سأخبرك عن اسمها عندما أتحدّث معها خلال يومين على الأكثر وتنجح علاقتنا حقًا.»

أومأ له "مايسون" باستسلامٍ؛ لمْ يكُن من النوع اللحوح أبدًا، وكان هذا آخر ما دار بذاكرة "چيرمايا" حينها يلتفت لصديقه مجيبًا إيّاه:

«لمْ ينجح الأمر، لقد.. لقد رفضتْ هذه الفتاة أن تدخل في علاقةٍ حصريةٍ معي.»

«آخ، أنا آسفٌ يا رجل. هل أنت بخير؟»

ضغط "مايسون" على كتفه يواسيه، فتنهّد الآخر يومئ له:

«أجل، أنا بخير، سأكون بخير، يجب أن أكون كذلك.»
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي