١٦ أرضُ العُشَّاق

أتى صباح اليوم التالي مُرهِقًا على "إيزابيل" التي لمْ تنَم جيدًا طوال الليل؛ بسبب عقلها الذي لمْ يكفَّ عن التفكير في "چيرمايا"، فخرجتْ بكسلٍ تتجه لدورة المياه، ولكنّها توقّفتْ في منتصف صالة الكوخ المتوسّطة تفرك عينيها بتفاجؤٍ لما تراه، حتى هتفتْ "سوزانّاه" بحماسٍ من أمامها:

«انظري مَن أتى لزيارتكِ.»

رمشتْ "إيزابيل" تحاول استيعاب ما تراه؛ ثمّ هتفت بشبه صدمةٍ:

«أوه، "ماكس"؟ و..»

«"چين".»

نطقتْ "چين" ابنة عمّ "ماكس" تزيح خصلةً من شعرها الأسود الناعم خلف أذنها، تبتسم بثقةٍ، بينما "ماكس" إلى جوارها بدا غير مرتاحٍ، ولكنّ "سوزانّاه" هتفت بعادتها الحماسية:

«ما رأيكِ بهذه المفاجأة "بيلي"؟ لقد كنتُ في مركز التسوّق القريب منذ الصباح أنا و"لوريل"، واصطدمنا بـ"ماكس" هناك، كنتُ أشكّ أنّ وجهه مألوفٌ لي، وحينما سألتُه إن كان يعرفُكِ وأخبرني أنّه صديقٌ لكِ، تذكّرتُ عيد مولدكِ السابق حينما حضر الحفلة في منزلكِ وأحضر لكِ تلك الهدية الخلّابة، لذلك عرضتُ عليه أن يأتي لقضاء بعض الوقت معنا، و.. جاءت قريبته "چين" أيضًا.»

«أجل، أحسنتِ "سوزانّاه"، أحسنتِ حقًا.»

تمتمتْ "إيزابيل" في نفسها ورمقتْ "ماكس" بحيرةٍ، ولكنّ عيناها ذهبتا سريعًا بانزعاجٍ لابنة عمّه التي لمْ تكفّ عن رمقها بضيقٍ وعجرفةٍ، بينما في نفس الوقت، خرج "چيرمايا" من غرفته المجاورة لغرفة "إيزابيل" يتنهّد بقوةٍ، استجمع شجاعته وطرق باب غرفتها مناديًا:

«هاي "بيلي"، هل أنتِ مستيقظة؟ أريد الحديث معكِ بـ.. بشأن ليلة البارحة.»

عقد ما بين حاجبيه حينما لمْ يجد ردًّا منها لدقيقتين، فرفع صوته يناديها:

«هل أنتِ مستيقظةٌ "بيلي"؟»

«أوه، "چيرمايا"، أنا هنا.»

أتاه صوتها من الصالة عندما سمعتْه يناديها، فتقدّم يخرج من الرواق الجانبيّ تجاه الصالة متحدِّثًا:

«حسنًا، كنتُ أريد الحديث معكِ قليلًا في أمرٍ مهمٍ "بيلي". بشأن ليلة البارحة، لقد كـ.. مـ-ما اللعنة؟»

اتسعت عيناه وملامحه تضيق بانزعاجٍ حينما وقع نظره على ضيفاه، ولكنّ صوت والدته تدخَّل تسأله باهتمامٍ رغم القلق الواضح بملامحها بعدما سمعتْه:

«ما الذي.. ما الذي حدث؟ هل حدث شيءٌ ما ليلة البارحة؟»

«لـ-لا، كلّ شيءٍ بخيرٍ أمي، لمْ يحدث شيءٌ.»

أجاب والدته محاولًا السيطرة على انزعاجه الشديد بعد رؤية "ماكس"، حتى تدخَّلتْ "إيزابيل" تسأله مقتربةً منه بعدما أدركتْ سبب انزعاجه تحاول استقطاب انتباهه:

«ما الذي أردت الحديث معي به؟»

أبعد عينيه عن "ماكس" الذي بدا مرتبكًا جدًا أخيرًا، ونظر لـ"إيزابيل" القريبة منه يجيبها متنهدًا بضيقٍ:

«أجل، كنتُ أريد إخباركِ أنّني قد حجزتُ لنا وقتًا جيدًا من اليوم لدى إدارة المنتجع لنقوم بتلك النزهة الليلة أسفل ضوء القمر، لكي نتمكّن من القيام بالمزيد من الاستكشاف في هذه المنطقة وقضاء المزيد من الوقت معًا.»

«حقًا؟»

هتفتْ "إيزابيل" بسعادةٍ، بدتْ عيناها متحمّستان بالفعل وكأنّها نسيت غرابة الموقف والضيفان، حتى استقطب "ماكس" انتباهها يتساءل بفضولٍ:

«ما هذا؟ ماذا تكون تلك النزهة؟»

«إنّها أفضل نزهةٍ للاستمتاع بجمال الطبيعة في هذه المنطقة الجبلية الخلّابة في الليل. وإن كنت محظوظًا بالحجز لدى المنتجع باكرًا، يمكنك إشعال النيران في مخيّم صغيرٍ تصنعه بنفسك، وسيزوّدك المنتجع بالشيكولاتة الساخنة وبعض المأكولات الدافئة ليلًا.»

أجابته "إيزابيل" بسعادةٍ؛ حيث كانت تتوق لهذه التجربة منذ أول مرةٍ قضت فيها العطلة بهذا المكان في صِغرها. لمْ تكن تنظر لـ"ماكس" أثناء حديثها، بل تعلّقت عيناها المتلألئتان بعينيّ "چيرمايا"، فتحمحم "ماكس" يلتفت لقريبته متسائلًا:

«هل جرّبتِ هذه النزهة من قبل "چين"، بما أنّكِ تعيشين في هذه المنطقة؟»

«لا، لا أفضّل قضاء وقتي وسط الطبيعة خاصةً في الشتاء. كما أنّني أكره التنزّه والسير لفترات طويلةٍ.»

أجابته "چين" تقلب عينيها بضجرٍ منشغلةً في ترتيب خصلات شعرها الذي بدا وكأنّها تقدِّسه، فتجاهلها الجميع لتهتف "سوزانّاه" فجأةً:

«كم شخصًا يمكنه الذهاب في ذلك الحجز، بني؟ هل يمكننا الانضمام لكما جميعًا؟ سيكون رائعًا.»

عضّ "چيرمايا" وجنته من الداخل لاعنًا اللحظة التي قرّر فيها ذِكر الحجز أمامهم، ثمّ تنهد يجيبها:

«لقد قمتُ بحجز فترةٍ لي أنا و"بيلي" فقط، ولكن.. آه، يمكنني الاتصال بهم وإضافة الجميع للحجز.»

أومأتْ له والدته بابتسامةٍ، فالتفت "ماكس" لقريبته يسألها:

«حسنًا "چين"، هل سترغبين في مرافقتنا، بما أنكِ ذكرتِ كرهكِ للتنزّه والسير لمـ..»

«أوه لا بأس، بما أنّ الجميع متحمّسٌ للأمر، فلا ضرر من قدومي معكم وتجربة هذه النزهة.»

قاطعتْه ابنة عمّه بمللٍ، ولكنّ والدة "چيرمايا" رمشتْ فجأةً بعدما تفحّصتْها وكأنّها أدركتْ أمرًا مهمًا:

«أوه عزيزتي، أنتِ لا تنوين التنزّه والسير بهذا الحذاء حقًا على الثلوج! ما مقاس حذائكِ؟ قد يكون لديّ حذاءً مناسبًا أكثر لكِ.»

نظرتْ "چين" لحذائها الجلديّ ذي الكعب العالي جدًا والعنق الطويل، ثمّ قلبت عينيها ووافقتْ على عرض والدة "چيرمايا" بقلة حيلةٍ، وبمرور نصف ساعةٍ فقط، تجهّز الجميع بثيابهم الثقيلة وخرجوا من الكوخ يتجهون للجبال الخلفية حيث سيقومون بالتنزّه.

وفور وصولهم، لمحتْ "إيزابيل" "چين" تلتصق بـ"چيرمايا" وتثرثر معه مبقيةً إيّاه برفقتها رغمًا عنه، فتنفّستْ بانزعاجٍ وابتعدتْ عن الجميع سيرًا للأمام حتى تبعها "ماكس"، لذلك اضطرت للسير معه متمتمةً في نفسها:

«تلك العلكة اليابانية المتعجرفة! آخ، لقد التصقتْ "چين" منذ وصولنا بـ"چيرمايا"، تعانق ذراعه وتسحبه للسير معها بعيدًا عن الجميع مثرثرةً فوق رأسه وكأنّه ملكها فقط. لذلك وجدتُ نفسي أسير لاستكشاف الأرجاء من حولي برفقة "ماكس"، ومع قضاء بعض الوقت معه نتحدّث، أدركتُ أنّ مشاعري العاطفية تجاهه قد.. قد تلاشتْ تمامًا وكأنّها لمْ تكن. أدركتُ أنّني لمْ أعد مُعجبةً بـ"ماكس كوروبيه" حقًا.»

رمشتْ تتوقّف على قمة تلّة مكسوّةٍ بثلوجٍ ناعمةٍ، تضمّ سترتها المنتفخة لجسدها بسبب برودة الهواء مثبّتةً قبعةً بيضاء شتويةً على شعرها الذي تركته منسدلًا خلف رأسها، ووقف "ماكس" جوارها يتحدّث بينما أفكارها تدور في رأسها:

«"ماكس" يمتلك الكثير من الصفات الجيّدة حقًا، وسيكون مثاليًا لأيّ فتاةٍ، ولكن.. شعرتُ أنّه ما زال هناك شيءٌ مفقودٌ به بالنسبة لي.»

التفتتْ للجانب قليلًا لتلمح "چيرمايا" واقفًا بالقرب منهما يتثاءب بضجرٍ بينما "چين" منغمسة في الحديث معه، فابتسمتْ "إيزابيل" رغمًا عنها تراقب ملامحه متمتمةً:

«وذلك الشيء المفقود، لمْ أكن أشعر به سوى حول شخصٍ واحدٍ فقط.»

اتسعتْ ابتسامتها، ولكنّها لمْ تلبث أن اختفت ووجهها يتلوّن بحُمرة الخجل حينما رفع "چيرمايا" عيناه وأمسك بها تسترق النظر له ليبتسم هو الآخر بتوسعٍ. فتحمحمتْ "إيزابيل" تطلب من "ماكس" التحرّك لاستكشاف المزيد، حتى دخلا معًا غابةً من أشجار الصنوبر المكسوّة بالثلج، وتبعهما "چيرمايا" و"چين".

فركضتْ "إيزابيل" لبقعةٍ تحيط بها ثلاث شجرات ضخام، والتقطتْ هاتفها تصوّر المظهر متمتمةً:

«آو، أنا أعشق الثلوج وهذا المظهر الطبيعيّ جدًا.»

وقفتْ تلتقط بعض الصور، ولكنّها شعرتْ بزوجٍ من العيون عليها طوال الوقت، فالتفتتْ بفضولٍ لتمسك بـ"چيرمايا" ينظر لها ويتأملّها. وما إن رآها، حتى تحمحم يُبعد عينيه عنها مدّعيًا الانشغال في النظر حوله، فقهقهتْ بخفةٍ تحادث نفسها:

«لقد كنتُ مُحرَجةً بعض الشيء حينما أمسك بي "چيرمايا" أسترق النظر له قبل قليلٍ، ولكنّني أشعر بالرضا الآن كوني قد أمسكتُ به يسترق النظر لي أيضًا.»

اقتربتْ "چين" من "چيرمايا" لتتحدّث معه بعدما انتهتْ من تصوير نفسها في كلّ بقعةٍ بالغابة، بينما التفت "چيرمايا" ينظر لـ"إيزابيل" مجددًا، والتي انتبهتْ له تبتسم بخجلٍ متمتمةً في نفسها:

«أوه، إنّه ينظر لي مجددًا. وهذه المرّة، قررتُ التمسُّك بالنظر له أيضًا. يا إلهي، ابتسامته جميلةٌ جدًا، نظراته تلك تمنحني شعورًا رائعًا حقًا.»

«هاي "چيرمايا"؟»

اقتطع صوت "چين" المنزعج وصلة تأمُّلهما لبعضهما، فشبّك "چيرمايا" ذراعيه على صدره يُبعد عينيه عن "إيزابيل" ليهمهم لـ"چين" التي سألتْه بحيرةٍ:

«هل كنت تسمعني؟ يبدو أنك قد شردت في الأفق لبعض الوقت.»

«أوه أجل، لديّ الكثير مما يدور في رأسي حاليًا وقد تسبَّب في شرودي.»

أجابها بهدوءٍ، ولكنّه عاظ للنظر لـ"إيزابيل" التي رفعتْ هاتفها تلتقط صورةً ذاتيةً ليكمل في رأسه:

«أعني، لديّ شخصٌ واحدٌ يدور في رأسي ويحتلّ أفكاري حاليًا.»

مضتْ نصف ساعةٍ أخرى، حتى قرروا العودة للوالدين، الذين كانوا يقفون على قمة أعلى جبلٍ بالمكان قد صعدوه باستخدام القاطِرة المُعلَّقة، حيث وقفت "لوريل" ترمش بانبهارٍ مراقبةً الجمال الطبيعيّ في الأفق بين الجبال العالية:

«أومو (يا إلهي)، هذا ساحرٌ جدًا.»

«ما اسم هذا المكان الجميل؟»

تساءلت "سوزانّاه" تعانق ذراع زوجها مريحةً رأسها على كتفه يراقبان المنظر معًا، فابتسمتْ "إيزابيل" من خلفهما بحبٍ تجيبها:

«إنّها تسمّى 'أرض العُشّاق'.»

«ولمَ ذلك؟»

تساءل والد "چيرمايا" هذه المرّة، فصمتْ الجميع لجهلهم بالإجابة، ولكنّ والد "إيزابيل" قد أخرج هاتفه وبحث عن الأمر بالإنترنت ليقول:

«البحث بالإنترنت عن الإجابة يقول أنّ هذا المكان يُسمى 'أرض العُشّاق' لأنّ هذا المكان كان معنيًا بقدوم الكثير من الثنائيات المُتحابّة والعاشقة إليه منذ زمنٍ لمشاهدة غروب الشمس معًا، وتقبيل بعضهم أول قبلةٍ أو حتى تقدّم الشباب لخِطبة محبوباتهم.»

«أوه، أعتقد أنّنا يجب أن نُري هؤلاء الصِغار كم نعشق بعضنا إذًا.»

قالها والد "إيزابيل" يغمز زوجته، ثمّ سحبها من خصرها يلتقط شفتيها في قُبلةٍ، وكذلك فعل والد "چيرمايا" مع زوجته ليجعّد "چيرمايا" ملامحه بتقززٍ بينما انفجرتْ "إيزابيل" ضحكًا تبعد عينيها عنهم.

فاستغلّت "چين" الفرصة تقترب من "چيرمايا" متسائلةً بدلالٍ:

«هل نفعل مثلهم ونستغل الفرصة لإظهار بعض الرومانسية أيضًا؟»

لكنّه لمْ يكن يستمع لها حتى، بل كانت عيناه حبيستا جسد "إيزابيل" الشاردة في الآفاق فقط، حتى زمّتْ "چين" شفتيها بانزعاجٍ تلكز ذراع "چيرمايا":

«هاي "چيرمايا"، هل شردت في تلك الأمور التي تحتلّ تفكيرك مجددًا؟»

«أوه، أجل.. ربما.»

أجابها ينظر لها باللامبالاة، ثمّ تنهد يبتعد عنها مقتربًا من "إيزابيل" ليتحدث معها.

وبمرور بعض الدقائق الأخرى، كانت "سوزانّاه" تسير مع صديقتها المُقرَّبة "لوريل"، حتى توقّفت فجأةً وكأنّها تذكّرتْ شيئًا مهمًا:

«هاي "لوريل"، عندما فكّرتُ في الأمر، أعتقد أنّنا قاطعنا أمرًا مهمًا وعاطفيًا. لقد أخبرني صغيري أنّه قد حجز هذه النزهة منذ البداية له ولـ"بيلي" فقط. فاعتقدتُ أنّه من الغريب بعض الشيء أنّه لمْ يسألنا كذلك للانضمام معهما.»

«ما الذي تقصدينه؟ هل تقولين أنّ هذه النزهة كانت من المفترض أن تكون موعدًا لهما؟»

توقّفتْ "لوريل" أيضًا عن السير تسألها فجأةً، فعضّتْ الأخرى شفتها السفلى تشهق بصدمةٍ:

«يا إلهي، ماذا فعلنا؟ لقد أفسدنا موعدهما.»

في نفس الوقت، ومن خلفهما، ركضتْ "چين" خلف "چيرمايا" الذي كان يحاول التقاط زهرةٍ من وسط الثلوج لتلتصق به متسائلةً:

«إذًا، هل تحب التنزّه والسير الطويل على الثلوج في العادة، أم أنّك تفعل كل هذا من أجل صديقتك القصيرة؟»

«صديقتي القصيرة؟ هل تقصدين "بيلي"؟»

وقف "چيرمايا" باستقامةٍ من انحنائه ينظر لها بحاجبٍ مرفوعٍ؛ لمْ يكن راضيًا عن تلقيبها لـ"إيزابيل" بهذا اللقب وكأنّها نكرة، ولكن قاطعهما ركض "إيزابيل" بحماسٍ في الأرجاء و"ماكس" من خلفها يقهقه حينما هتفت:

«أوه يا إلهي، هذا المكان جميلٌ أيضًا، لنذهب لاستكشافه من الداخل.»

«آخ، ألا تتعبين؟ لديكِ الكثير من الطاقة حقًا، أعتقد أنّني على وشك فقدان الوعي من هذا السير الطويل والممل.»

تذمّرت "چين" تنظر لها بضجرٍ، فالتفت لها "چيرمايا" قائلًا:

«من الجيد إذًا أنكِ بدّلتِ حذائكِ لحذاء والدتي الأرضيّ المريح هذا.»

أخفضتْ "چين" عينيها لحذاء والدته البنيّ الأرضيّ الذي يبدو من موضةٍ قديمةٍ قليلًا لتجعّد ملامحها بتقزُّزٍ هاتفةً:

«أوه، لا تُذكِّرني بهذا رجاءً. لقد اضُطرِرتُ للسير في هذا الحذاء البشع لساعات.»

«ماذا؟ أنا أحبّ هذا الحذاء كثيرًا.»

تمتمت "سوزانّاه" بحزنٍ بعدما سمعتْها، فقضمتْ "لوريل" شفتها ترمق "چين" بحدةٍ متمتمةً في نفسها:

«فلتهيني حذاء صديقتي المُقرَّبة مرةً أخرى، أنا أتحداكِ أن تجرؤي على ذلك.»

بدا أنّ "چين" لمْ تنتبه لنظراتهم المتضايقة حتى، وأشارت لـ"چيرمايا" بدلالٍ كاد يُصيب الأُمّين بالغثيان:

«هيّا "چيرمايا"، فلنذهب لمكانٍ آخر للحديث معًا قليلًا.»

التفتت تسير للأمام ظانّةً أنّه سيتبعها، ولكنّه زفر باستياءٍ يفرك جسر أنفه، بينما قهقهتْ "إيزابيل" لحالته ليتلفت لها "ماكس" معتذرًا بصدقٍ:

«أنا آسفٌ حقًا بشأن ابنة عمي "بيلي"، لمْ أتوقّع أنّها قد تتصرّف أو تقول أمورًا كهذه.»

أومأتْ له بابتسامةٍ مُراعيةٍ:

«لا بأس "ماكس"، لا بأس حقًا، المهم أنّها لمْ تؤذي أحدًا منّا حتى الآن.»

قهقهتْ ليقهقه معها، ثمّ دعاها بدوره للتجوّل مجددًا، فتنهدتْ لتذهب معه بقلة حيلةٍ حينما رأت "چين" قد عادت وسحبتْ "چيرمايا" معها رغمًا عنه.

واستمرّوا بالتنزّه لساعةٍ أخرى حتى حلّ الليل بالفعل، واجتمعوا حول شعلة نارٍ أشعلها "چون" والد "إيزابيل" بينما يقول:

«يبدو أنّنا سنحتاج لبضع أعواد الحطب الأخرى لتبقى جوارنا للاحتياط في حال احتجناها لإبقاء النار مشتعلةً أكثر.»

«حسنًا، "چيري" صغيري، هل يمكنك الذهاب وإحضار بعض أعواد الحطب من الغابة؟»

تحدّثتْ "سوزانّاه" بينما تساعد "لوريل" في إخراج الأطعمة والحلويات التي سيقومون بشوائها في شعلة النار للتسلية، فتدخّلتْ "چين" الجالسة كالعلكة جوار "چيرمايا" تفرك كفّيها بدلالٍ:

«أوه أجل، يمكنني مرافقة "چيرمايا" ومساعدته في إحضار الحطب و..»

«لا..»

صاحت "سوزانّاه" فجأةً لينظر لها الجميع بتفاجؤٍ، فابتسمتْ ابتسامةً مصطنعةً لتوضّح:

«أعني، أنتِ ضيفتها؛ لا يمكننا ترككِ تقومين بمثل هذه الأعمال، خاصةً كونكِ قد ذكرتِ تعبكِ من السير وكرهكِ للتنزّه عدة مرات. اممم، أعتقد أنّ "بيلي" يمكنها مرافقة صغيري.»

نظرتْ لها "چين" بشكٍّ، ولكنّ "إيزابيل" كانت سعيدةً بما فعلتْه "سوزانّاه" للتو معتقدةً أنّها هكذا قد أوقفتْ "چين" عند حدها، ثمّ نهضتْ سريعًا للحاق بـ"چيرمايا" داخل الغابة، حيث بدآ بالبحث عن الأغصان اليابسة لاستخدامها، بينما تقول مدعيةً عدم الاهتمام:

«يبدو أنّك قد قضيت وقتًا طويلًا وممتعًا مع "چين" منذ قدومنا.»

التفت ناظرًا لها بابتسامةٍ جانبيةٍ:

«إه، إنّها اجتماعيةٌ حقًا، كانت تجبرني نوعًا ما على البقاء معها.»

ابتسمتْ مدعيةً الهدوء وعدم الاهتمام رغم فضولها الكبير لرأيه عن "چين":

«آه، إنّها جميلةٌ حقًا.»

«جمالها لن يشفع لها محادثاتها المملة وثرثرتها الفارغة.»

قهقهتْ "إيزابيل" سعيدةً بردّه الذي أراحها كثيرًا عن رأيه بـ"چين"، ولكنّه كان دور "چيرمايا" ليسألها:

«ماذا عن "ماكس"؟ هل قضيتِ وقتًا ممتعًا معه؟»

- «إنّه لطيف، "ماكس" صديقٌ جيدٌ حقًا.»

هزّت رأسها تزمّ شفتيها، فرفع حاجبه ملتقطًا بعض الأغصان الملتصقة بالقرب من شجرةٍ ضخمة:

- «صديق؟»
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي