١٧ قُبلة على الجبين

«أجل، تعجبني فكرة مرافقة "ماكس" وقضاء بعض الوقت معه. ربما.. اممم، ربما اعتدتُ أن أُعجَب به في السابق، ولكن.. أظنّ أنّني لمْ أعد أشعر بهذه الطريقة تجاهه. أعني.. تلك الشرارة التي من المفترض أن تتواجد بيننا ليست موجودة، تعلم.»

أجابته "إيزابيل" دون النظر له. كانت تشعر بالغرابة لإخباره بهذا الشيء، ولكنّها ارتاحتْ كثيرًا عند قوله. فابتسم "چيرمايا" دون أن تلاحظه قائلًا:

«أجل، هذا واضحٌ نوعًا ما، أعلم ما قصدكِ بتلك الشرارة.»

ابتسمتْ بدورها خِفيةً تعضّ شفتها السُفلى، ثمّ انشغلا بجمع الحطب حتى تساءل "چيرمايا" فجأةً يصنع حديثًا بينهما:

«إذًا، ما رأيكِ بهذه النزهة؟ هل أعجبتكِ؟»

«هل تمزح معي؟ إنّها رائعة. لقد كنتُ أتطلّع لها منذ سنوات، شكرًا لك لحجزها لنا. ولكن.. اممم، أظنّ أنّها كانت ستصبح أفضل لو كان الحجز لنا نحن الاثنان بمفردنا.»

صاحت بحماسٍ ناظرةً له، ولكنّه رمقها بتفاجؤٍ قليلًا مما قالته بالنهاية ليسألها:

«ما الذي يجعلكِ تظنين ذلك؟»

كان يريد سماع ردٍ معيّنٍ منها، ولكنّها ابتلعتْ لعابها بخجلٍ تبتكر عذرًا:

«أعني.. كانت النزهة ستصبح أكثر متعةً إن قضيناها بمفردنا دون أن نضطرّ لانتظار والدينا الذين يسيرون ببطءٍ، أو الاضطرار لسماع تذمرات مَن أتوا معنا رغمًا عنهم.»

«أجل، ربما يمكننا تجربتها معًا بمفردنا في وقت لاحقٍ قبل انتهاء العطلة. يمكننا التخييم أيضًا، كي يكون هناك المزيد من الوقت لنتجوّل في الأرجاء بحريةٍ.»

غمزها بقوله، فنبض قلبها تفرك خدّها بكفّها هامسةً بخجلٍ:

«أجل، سيكون هذا مذهلًا.»

أومأ لها مبتسمًا، فبادلته الابتسامة، وبقيا يتبادلان النظرات بصمتٍ لدقيقةٍ حتى شهقتْ "إيزابيل" مذعورةً بسبب تحليق شيءٍ ما بالقرب منها، ولكنّ "چيرمايا" سحبها لعناقه يحميها قائلًا:

«هاي، لا بأس. إنّها مجرّد بومة.»

عانقت خصره بذراعيها القصيرتين دافنةً وجهها ببطنه، فانكمش قلبه تأثُّرًا من قُربها، ولكنّها سرعان ما أدركتْ وضعها لتبتعد عنه متحاشيةً النظر له بخجلٍ تهمس:

«أعتقد أنّه يجدر بنا العودة للجميع الآن، لقد بدأتُ أشعر بعدم الراحة من هذا المكان المظلم وسط الغابة.»

«لا تقلقي، سأحميكِ من أي شيءٍ.»

أشار لعضلات ذراعيه القوية والبارزة بتفاخرٍ، فرفعتْ حاجبها تسأله:

«أجل، ومَن سيحميك إن حاولت الذئاب الهجوم عليك والتهام وجهك؟»

«تبًا، يجدر علينا العودة سريعًا.»

تمتم ناظرًا حوله بريبةٍ، فانفجرتْ ضحكًا على مظهره وعادا معًا يحملان الكثير من أعواد الحطب والأغصان اليابسة.

قضوا تلك الأمسية حوب شعلة النار حتى وقتٍ متأخرٍ من الليل، ما بين لعبٍ وأكلٍ وأحاديث مسلّيةٍ وضحكات، حتى عادوا جميعًا إلى الكوخ مجددًا، واستخدم "ماكس" دورة المياه، ثمّ خرج منها يتقابل مع "سوزانّاه" يبتسم لها بامتنانٍ:

«شكرًا لدعوتنا في هذه النزهة حقًا سيدة "فيشر"، بغض النظر عن برودة الجوّ والتعب من السير الكثير، ولكنّني استمتعتُ حقًا. يُصنَّف من أفضل أيام حياتي.»

قهقهتْ "سوزانّاه" بخفةٍ:

«أوه، أنت مُرحَّبٌ بك في أيّ وقت بيننا أيها الشاب الصغير. أنا أيضًا شعرتُ بالتعب بسبب السير، أعتقد أنّني سأخلد للنوم سريعًا. فلتحظيا برحلةٍ آمنةٍ للمنزل.»

ابتسم لها "ماكس" بامتنانٍ، ثمّ التفت بحثًا عن ابنة عمّه، بينما رمشتْ "لوريل" الواقفة عند طاولة الطعام ناظرةً له لتتمتم في نفسها:

«إنّه شابٌ لطيفٌ حقًا، لو لمْ أكن في صفّ "چيرمايا" وأريده لصغيرتي، لكنتُ أصبحتُ في صفّ هذا الشاب ليواعدها.»

عثر "ماكس" على ابنة عمّه واقفةً أمام غرفة "چيرمايا" تثرثر في وجهه، والآخر يكاد ينفجر من حديثها، فقهقه "ماكس" بصوتٍ مكتومٍ يناديها:

«أنا جاهزٌ للرحيل "چين"، إن كنتِ كذلك، فهيّا بنا؛ لا نريد التأخر أكثر حتى يمكننا طلب سيارة أجرة لتقلّنا للمنزل.»

«أوه حسنًا، سأكون جاهزةً خلال دقائق، أريد فقط إنهاء أمرٍ ما.»

التفتت له تجيبه، ثم عادت للنظر لـ"چيرمايا" الذي كان يتخيّل التخلّص منها بدفنها لتبتسم له بدلالٍ متسائلةً:

«هل يمكنني الحديث معك في الخارج قليلًا "چيريمي"؟»

«"چيريمي"؟ حسنًا، فليقتلني أحدكم.»

تمتم في نفسه بيأسٍ، ثمّ أومأ لها وخرج معها من الكوخ للحديث لعلّه يتخلّص منها، بينما لمح "ماكس" "إيزابيل" تخرج من دورة المياه ليقترب منها قائلًا بسعادةٍ حقيقيةٍ:

«أنا مسرورٌ جدًا لأنّني استطعتُ قضاء بعض الوقت اللطيف معكِ.»

«وأنا أيضًا كذلك. اممم.. أعتذر على اختيار الحدث الذي تشاركناه معًا، أعلم أنّك لست معجبًا كبيرًا بالسير الطويل والتنزّه على الثلوج.»

أجابته مضيّقةً عينيها بابتسامةٍ صغيرةٍ، فطمأنها بابتسامته الكبيرة قائلًا:

«أجل أنا لستُ كذلك، ولكنّني قضيتُ وقتًا ممتعًا معكِ حقًا، "بيلي".»

ابتسمتْ له بهدوءٍ، بينما في الخارج، وقف "چيرمايا" مع "چين" أمام مرأب السيارات في مبنى صغيرٍ جوار الكوخ يسألها بمللٍ:

«إذًا، ما الذي تريدين الحديث معي بشأنه؟»

«لا شيء على وجه الخصوص، لقد أردتُ فقط قضاء بعض الوقت الإضافيّ معك قبل رحيلي.»

أجابته مقتربةً منه بنظرات تحمل الإثارة، فرمقها بجمودٍ لثوانٍ يجيبها:

«آه، أجل.»

«ليس على ليلتنا أن تنتهي الآن حقًا، ما رأيك أن تأتي لإكمال الليلة معي بمفردنا؟»

اقتربتْ منه أكثر حتى أصبح جسداهما شبه ملتصقين، ولكنّها لمْ تكن تؤثّر به بنظراتها المُغرية؛ إذ كان "چيرمايا" معتادًا على هذا النوع من الفتيات، بينما في الداخل، كانت "إيزابيل" توصّل "ماكس" للباب لتودّعه، فوقف أمامها يحجزها عن الباب ناظرًا لعينيها بعمقٍ:

«إذًا، أعتقد أنّ الوداع قد حان الآن.»

«آه، أجل، أراك لاحقًا "ماكس".»

ابتسمتْ بتلقائيةٍ تلوّح له، فتنهّد حينما لمْ يجدها قد فهمتْ إشارته ليلوّح لها مودّعًا، وخرج من الكوخ مغلقًا الباب خلفه، بينما تقدّمتْ "إيزابيل" للصالة متفحصةً هاتفها تتمتم بسعادةٍ:

«ياه، لقد التقطتُ الكثير من الصور الذاتية المثيرة اليوم، أعتقد أنّ حسابي على تطبيق (الإنستغرام) سيكون سعيدًا بذ…»

بترتْ جملتها جافلةً من يديّن قد حطّتا على خصرها، تتمسّكان بها بشدةٍ حتى بدأ جسدها يتحرّك للأمام، ثم سمعتْ صوت "چيرمايا" جوار أذنها يصيبها برعشةٍ لذيذةٍ على طول عمودها الفقريّ:

«هيّا بنا!»

«هاي، إلى أين أيها الأبله؟»

صاحت، ولكنّها انفجرتْ ضحكًا حينما حملها كجِوال البطاطا على كتفه ودخل بها غرفتها، ثمّ وضع جسدها برفقٍ على سريرها وذهب لإغلاق الباب. ثمّ عاد لها ليستلقي جوارها على السرير متمتمًا بإرهاقٍ:

«أظنّ أن موعد النوم بعد هذا اليوم الطويل قد حان. أريد الراحة كثيرًا.»

«وهل ستفعل ذلك على سريري؟»

رفعتْ حاجبها تعتدل للنوم على جانبها كي تواجهه، فغمزها يواجهها بالنوم على جانبه أيضًا بينما يعرض بجديةٍ:

«يمكننا الانتقال لسريري إن أردتِ.»

ابتسمتْ هازةً رأسها بقلة حيلةٍ:

«ستكون هذه فكرةٌ ممتعةٌ؛ سريرك أكبر وأكثر راحةً.»

قهقه بخفةٍ، ثمّ بقي يراقبها بصمتٍ متأمِّلًا ملامحها لبعض الثواني يثير بها تلك المشاعر اللذيذة بقُربه، فأنقذتْ نفسها من هذا الجو الجميل والخطير عليها متسائلةً:

«إذًا، ما الذي كانت تريد "چين" الحديث معك به في الخارج؟»

«إه، لقد عرضت عليّ المبيت معها اليوم في منزلها.»

قلب عينيه زافرًا بقوةٍ حتى لفحتْها أنفاسه المُنعشة، فرمشتْ بتفاجؤٍ تهتف:

«مـ-ماذا؟ حقًا؟ ولمَ لمْ تذهب معها؟»

رفع حاجبه من سؤالها، ولكنّه جاراها بالقول:

«لمْ أكن أحبّ قضاء الوقت معها اليوم حقًا، إنّها ثرثارةٌ نوعًا ما وتتذمّر كثيرًا. كما.. كما أنّني أُفضّل قضاء وقتي معكِ.»

عضّت وجنتها من الداخل تتأمل عينيه اللامعتين تحت ضوء غرفتها، ثمّ ابتلعت لُعابها ترفع جسدها هامسةً بخجلٍ:

«سـ-سأذهب لتبديل ثيابي لثياب النوم.»

«أوه، وأنا كذلك.»

نهض عن سريرها متجهًا لغرفته، ونهضتْ بدورها لتبديل ثيابها لسروالٍ وقميص قطنيّ مريحان، وعاد "چيرمايا" سريعًا بعدما بدّل ثيابه أيضًا لسروال وقميص رماديين باللون الذي تحبّ "إيزابيل" رؤيته كثيرًا به.

استلقى على سريرها إلى جوارها على جانبه، فاردًا كفّيه أسفل وجنته، وفعلتْ هي مثله لتبتسم بخفةٍ أسفل ضوء الغرفة الخافت جدًا تسأله:

«يبدو أنّنا نقضي الكثير من الوقت معًا بالسرير مؤخرًا؟»

«أجل، قضاء الوقت في أسرة بعضنا من أفضل الأمور التي قد نفعلها.»

اتسعت ابتسامته يجيبها، فتنهدتْ بيأسٍ من أفكاره:

«هل هذه طريقتك لجعل الأمر يبدو قذرًا لا لطيفًا؟»

قهقه بخفوتٍ ثم سألها:

«كم الساعة الآن؟»

التقطتْ هاتفها من أسفل الوسادة تنظر له ولكنّ عينيها اتسعتا تهتف:

«إنّها الثانية وخمسة وثلاثين دقيقةً بعد منتصف الليل.»

«واو، هل قضينا أربع ساعات في الحديث معًا حقًا؟ أعتقد أننا يجب علينا النوم إن كنا نريد الاستيقاظ باكرًا في الصباح.»

علَّق حاكًا رقبته من الخلف، ورفع جسده للنهوض عن السرير، ولكنّه تصنّم مجددًا بمكانه حينما شعر بأصابعها الناعمة تلامس كفّه متسائلةً بخفوتٍ تحاول النظر لجميع الأماكن عدا عينيه:

«هل.. هل ترغب بالنوم معي؟»

«أوه، هل تريدين مني النوم معكِ حقًا؟»

اتسعتْ عيناها بذعرٍ والحُمرة تكسو وجهها حينما ابتسم بتلاعبٍ يلقي سؤاله بطريقةٍ جعلتْه غير برئ على الإطلاق، فأبعدت يدها عن يده سريعًا تهتف بلهفةٍ:

«لقد.. أقصد أن تنام إلى جانبي على سريري. لمْ أقصد النوم معي. أعني.. أنا نمارس الحبّ، لا.. لمْ أقصد أن نمارس الحبّ معًا أو أي شيءٍ من هذا القبيل. فقط.. إن أردت ذلك.»

مرَّر لسانه بين أسنانه وعيناه تظلمان فجأةً، فلعنتْ نفسها داخليًا:

«حسنًا، فقط اخرسي "إيزابيل".»

ولكنّه ابتسم بتسليةٍ يعود للاستلقاء جوارها، حارصًا على تقليص المسافة السابقة بينهما بينما يجيب بهدوءٍ:

«بالطبع، سأنام معكِ.»

ثمّ غمزها يردف:

«أعني، سأنام جواركِ.»

«حسنًا، توقّف عن ذلك.»

صاحت به والحرج يملأ ملامحها وعينيها، فقهقه عاليًا يرتاح في نومه أكثر، حتى صمتا وبدآ بالنوم بالفعل، فاستمرّت "إيزابيل" في التقلُّب على السرير بأرقٍ، بينما منحتْه ظهرها ومنحها ظهره كذلك ينظر للفراغ أمامه بشرودٍ، عقله يعبث بالكثير من الأفكار حتى نادى باسمها فجأةً:

«"بيلي"!»

«أ-أجل؟»

«هل.. هل يمكنني عناقكِ أثناء النوم؟»

تساءل مستجمعًا كمًا كبيرًا من شجاعته على غير العادة، فاضطرب قلبها وخفقاتها تُعنّف صدرها، إلّا أنّها لمْ تلبث طويلًا حتى أجابته بصوتٍ بالكاد سمعه:

«حـ-حسنًا.»

تركتْ جسدها مرتخيًا قدر الإمكان كي لا تتشنّج بغباءٍ بقربه وتفضح مشاعرها القوية التي تداهمها الآن، بينما استدار الآخر لمواجهتها، فنظرتْ لعينيه أسفل الضوء الخافت ورأسها يدور بالأفكار:

«سمعتُ صوت صرير السرير الخفيف عندما تحرّك "چير" بين الأغطية مقتربًا مني، فانتظرتُ إياه بلهفةٍ كبيرةٍ لأشعر بذراعيه حول جسدي وعناقه لي من الخلف، ولكنّه فاجأني حينما أخذني على حين غرَّةٍ يلف ذراعه حول خصري مديرًا جسدي بخفةٍ لمواجهته.»

ابتلعتْ لُعابها حينما حطّ إبهامه على ذقنها يرفع وجهها ليحبس نظراتها بعينيه. وجهاهما قريبان جدًا، وقلباهما يضطربان أكثر، بينما أفكارها تعبث بقوةٍ في رأسها:

«لقد.. لقد ارتجف كلّ إنشٍ في جسدي بخفةٍ، وارتفعتْ حرارته ردًا على قُربه المفاجئ مني. و.. أنا أعني كلّ إنشٍ في جسدي حرفيًا، إن كنتم تفهمون قصدي.»

عضّت وجنتها بقوةٍ من الداخل حينما تنفّس ضد شفتيها يصيبها بالخمول، حتى بدأتْ أفكارها تأخذ منحنى آخر من الاستجابة له متحدثةً في نفسها:

«أخبرتني عينا "چيرمايا" أنّه يريدني أيضًا كما أريده. ولكن.. منعني كبريائي من القيام بأيّ خطوةٍ مُبادِرةٍ؛ إذ لمْ أستطع أن أفهم من نظراته فقط أنّه يريد ذلك حقًا. أنا.. احتجتُ أن تريني حركاته أنّه يريدني حقًا.»

عنّفها قلبها أكثر فأكثر حتى شعرتْ أنها على وشك الاحتراق، وحينما أصبح جسدها محتاجًا للمسات شفتيه، منحها ما يريده جسدها حقًا.

ولكن.. في قُبلةٍ على جبينها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي