٤ رهان الحبّ

«بالطبع، لن تكون سواي.»

تمتمت "إيزابيل" في نفسها تتنفَّس بقلة حيلةٍ، بينما التقطت عيناها نظرةً غريبةً في عينيّ "چيرمايا" الخضراوين عندما توقّفتْ فوهة الزجاجة عليها.

نظرةٌ جعلتْ قشعريرةً غريبةً تمرُّ على طول عمودها الفقريّ.

«هل أنتِ جاهزة، أيتها الأميرة؟»

سألها "چيرمايا" رافعًا حاجبه، يحاول ادعاء الثبات، ولكنّ قلبه كان ينبض بعنفٍ؛ فلمْ يسبق له أن كان قريبًا من "إيزابيل" بهذا الشكل منذ بدء شجاراتهما غير المُبرَّرة في الصف السابع.

«هذا لن يكون جيدًا.»

«على الإطلاق. أتمنى أن يخرجا حيَّين من الخزانة.»

تحدّثت "تايلور" وحبيبها يرمقان الثنائي الآخر بتوترٍ، بينما تنهّدتْ "إيزابيل" وتحرّكتْ تجاه خزانة المعاطِف الشتوية في غرفة "مارك" صاحب هذا المنزل.

فتحتْ باب الخزانة ودخلتها، كانت ضيقةً جدًا، بالكاد تسع شخصين بحجمها، وبالنظر لجسد "چيرمايا" الطويل والضخم، لعنت تحت أنفاسها لأنّه أصبحتْ ملتصقةً به تمامًا عندما دخل.

أُغلِق الباب وبقيا بالداخل ملتصقين ببعضهما، ينظر لها من الأعلى، بينما تحاول إلصاق ظهرها بالحائط أكثر لتبعتد عنه، ولكن لا مفرّ من قُربها منه.

التقطتْ نظرةً غريبةً في عينيه؛ نظرةً تبدو.. متوترةً؟

«حسنًا، هذا المكان ضيقٌ جدًا.»

بدأ "چيرمايا" الحديث يرمقها بهدوءٍ، ولكنها كانت متفاجئةً بعض الشيء من وجود التوتر على ملامح شخصٍ مثله؛ لطالما كان مرتاحًا حول الفتيات لدرجة تلقيبه الفتى السيء بالمدرسة واللعوب. ولكن.. لمَ معها؟

«آه، أجل.. إنّها خزانةٌ غير مريحةٍ.»

«ولكنّكِ تبدين مرتاحةً.. على غير العادة.»

«مـ- ما الذي تحاول قوله؟ هل تخبرني أنّني معتادةٌ على الالتصاق بالفتيان؟ وغد.»

«لمْ أقصد هذا، أعني.. تبدين مرتاحةً بالقُرب مني رغم أنّنا لمْ نصبح قريبين لهذه الدرجة منذ سبع سنوات تقريبًا.»

«لا تغترّ بنفسك؛ أنا أكره الفتيان أمثالك.»

«إذًا، لمَ ترتجف يدكِ بهذا الشكل؟»

سألها، عيناه أصبحتا مظلمتين فجأةً يسدّ جسدها تمامًا بجسده الطويل جدًا الذي تخطّى المائة والتسعين سنتيمترًا، رافعًا ذقنها بإبهامه بعدما احتجزها بينه وبين الحائط.

قلبها ارتبك يتجاوز بضع خفقات، شعرتْ بهياج رئتيها وكأنّها على وشك فقدان أنفاسها، ولكنّها رمقتْه بثبات فاجأه، ورفعت حاجبها تجيبه أمام ابتسامته اللعوب ولمعان عينيه:

«ألا يوحي ارتجاف يدي أنّني أكره التواجد بالقُرب من الفتيان، خاصةً.. أنت؟»

«لمْ تعترضي عندما توقّفت الزجاجة عليكِ. دخلتِ الخزانة قبلي.»

«لا أحبّ أن أكون جبانةً، خاصةً في هذا النوع من الألعاب. تعرفني جيدًا، المغامرات الصعبة هي اسمي الأوسط.»

«اشتقتُ لهذا الفم المغرور، "چيلي بيلي". اشتقتُ لهاتين العينين العسليتين الضيّقتين، وهذه النظرات القويّة التي تمنحانها لي رغم أنّ داخلكِ لا يستطيع مقاومتي.»

كان يمرّر إبهامه على تفاصيل وجهها بخفةٍ، متلمِّسًا الجزء الذي يذكره من وجهها، فاضطربتْ فراشات معدتها تصرخ بأنّ عليها الخروج من هنا، ولكنّها "إيزابيل كونكلين"، ولأنها هي.. رفعتْ حاجبها تنفجر في الضحك أمامه ليبتسم لأنّه يحفظها جيدًا، بينما تقول:

«يا إلهي، لمْ أشعر بهذه الرغبة الشديدة في الضحك مثل الآن. أنت لست نوعي المفضّل أبدًا "فيشر"، ولن تكون يومًا. وليس بسبب سُمعتك مؤخرًا بين عشرات الفتيات، ولكن ببساطةٍ.. لأنّني لمْ ينبض قلبي لك يومًا.»

«أوه، حقًا؟ إذًا.. لمَ أستطيع الشعور بهياج قلبكِ لهذه الدرجة الآن؟ يكاد يتوقّف من الخفقان السريع والمتوتر.»

«أعتقد لأنّنا في خزانةٍ ضيقةٍ بالكاد تحوي جسدينا، أنت تغطّي عليّ.. تمنع عني الهواء وتُزحِم تنفُّسي. كما أنّني، أعني.. أكره التواجد في مثل هذه الأماكن الضيقة طويلًا.»

«حقًا؟ ألمْ يضطرب قلبكِ لأنّكِ تظنين أنّني سأقُبِّلكِ في هذا المكان الضيق، بينما أحتضن جسدكِ القصير بين ذراعيّ؟»

«لا، ولن يكون هذا السبب أبدًا. آمم.. لمَ لا تكون أنت مَن لا يمكنه التوقُّف عن التفكير في شفتيّ؟ لهذا أنت قريبٌ مني لهذه الدرجة وتتحدّث عن هذه الأمور! ولكن حسنًا، أنا أعذِرك، لا يمكن لذكرٍ مقاومتي.. حتى "چيرمايا فيشر" فتى المدرسة ذي السُمعة المُتلاعبة.»

غمزتْه بنهاية حديثها تبتسم بجانبيةٍ، كان قلبها بالفعل ينبض للسبب الذي ذكره "چيرمايا"، ولكنّها بالطبع.. فضَّلتْ البقاء في حالة إنكارٍ حتى النهاية.

بينما هو.. رفع حاجبه أمام ما قالته، جزءٌ كبيرٌ داخله يعلم أنّها محقّةٌ. حتى وإن لمْ تمتلك حبيبًا أو تدخل في علاقةٍ جدّيةٍ من قبل، ولكنّه يدري جيدًا كيف ينظر لها الذكور في مدرستهم؛ هي "إيزابيل كونكلين"، قصيرة المدرسة اللطيفة والمحبوبة بالنهاية، على عكسه.. حيث جنى سمعةً سيئةً جدًا في السنوات الأخيرة كونه كان مع العديد من الفتيات وقد تركهنّ عندما فكّرن في وضع مُسمَّى جَديّ لعلاقاتهنّ معه.

ولكنّ زاوية شفتيه ارتفعتا في ابتسامةٍ خبيثةٍ، وفضَّل البقاء في حالة الإنكار مثله؛ كونه لا يدرك بعد ماهية الشعور الذي يستمر قلبه في النبض به كلّما رآها، وراقب عينيها العسليتين كيف تنظران له بتحدٍ ليقول:

«لا أظنّ ذلك "چيلي بيلي" اللطيفة، ولكنّكِ تدركين جيدًا كيف تريدني جميع الفتيات رغم سُمعتي التي تتحدّثين عنها.»

«لن أنكر أنّ غرورك هذا يروق لي لأنّه مُسلٍ جدًا، ولكن لا تقُل "جميع الفتيات"؛ لأنني فتاة، ولا أريدك.»

«هه، أراهن أنكِ ستقعين في حُبّي قريبًا.. قريبًا جدًا.»

«آو، انظروا لهذا الواثق. أراهن أنّك أنت مَن ستقع في حبّي قبل أن تفهم هذا حتى.»

«حسنًا، اتفقنا.»

«مـ-ماذا؟ علامَ اتفقنا؟»

«على الرهان.»

«أيُّ رهانٍ يا هذا؟»

«الرهان الذي ذكرتِه للتو، مَن يقع في حُبّ الآخر أولًا ويعترف له بالكلمتين السحريّتين سيدفع للآخر خمسمائة دولارٍ.»

اتسعت عيناها مع قوله هذا، من جهةٍ صدمتها من ازدرائه للحبّ ليضعه في كفّة المراهنة لهذه الدرجة، ومن جهةٍ أصعب.. الخمسمائة دولارٍ، ولكنّها "إيزابيل" التي لا تحبُّ الخسارة أبدًا، ولأنّها كذلك، أجابته دون تفكيرٍ أو ترددٍ حتى ترمقه بتحدٍ:

«كُن مُستعدًا للخسارة "چيري"، سأكون غنيةّ بمقدار خمسمائة دولارٍ قريبًا جدًا. سأستمتع كثيرًا برؤيتك تحاول الحصول على عملٍ مؤقّتٍ لجمع هذا المبلغ عند خسارتك وسط جدولك الدراسيّ المُزدحم.»

ضيّق عينيه من قولها، كان متفاجئًا بعض الشيء من موافقتها بهذه السرعة، ولكنّه هزّ رأسه يبتسم ساخرًا؛ هو يعلم كيف تفكّر جيدًا، لذلك فتح فمه ليتحدث، ولكن قاطعه صوت صديقه المُقرَّب "مايسون" من خارج الخزانة يفتح بابها:

«لقد انتهت الدقائق السبع، اخرجا الآن.»

عضّ وجنته من الداخل يتنهد ويخرج من الخزانة، تاركًا إيّاها وقد وقفت في الداخل تضرب جبينها بيدها متمتمةً بندمٍ:

«يا إلهي، كيف أوافق على شيءٍ كهذا؟ تبًا لك "چيرمايا فيشر"، أنا.. أنا أكرهك.»

تكرهه؟ هل هذا يعني أنّها ستربح الرهان وتحصل على هذا الكمّ من الأموال؟

هذا ما كانت تسعى له حقًا، عندما ذهبتْ للمدرسة في اليوم التالي ترتدي تنورةً بيضاء تصل لمنتصف فخذيها تقريبًا مخططةً بالأزرق، وقميصًا يشبه التنورة يصل لحدود بطنها كاشفًا ذراعيها، زيّ تدريبها في فريق المشجعات وجلستْ في مقعدٍ بصفّ الرياضيات إلى جانب زميلٍ عشوائيّ، وبالمقعد المجاور لها من الخلف جلس "چيرمايا" مع صديقه "مايسون".

ولكنها لاحظتْ زوجًا من العيون الخضراء الحادّة تراقبانها طوال فترة الصفّ حتى شعرتْ بالاضطراب، فنظرتْ خلفها لتجد "چيرمايا" يراقبها وكأنّه لا يرى غيرها بالكون، ثم غمزها لتضطرب معدتها ويخفق قلبها بقوةٍ، ولكنّها قررت مشاركته اللعبة لتُرسل له قبلةً طائرةً هامسةً دون انتباه المعلم:

«آو "چير"، ألا يمكنك مقاومة سحري منذ الصباح الباكر؟»

«تبدين مثيرةً بهذا الزيّ.»

«أوه شكرًا لك، ولكنّك ستجدني مثيرةً أكثر إن كان هذا الزيّ مُلقًى إلى جوار قدميّ في غرفة تبديل الملابس بالمدرسة.»

غمزته بعد قولها وعادت للتركيز بشرح المعلّم، فابتسم بتوسُّعٍ حتى بانت ضروسه يهمس بعينين أظلمتا فجأةً:

«أراهن على ذلك "چيلي بيلي".»

بدأت فترة الغداء بين الصفوف وذهبت "إيزابيل" لمطعم المدرسة للحصول على شطيرةٍ، ولكنّ "چيرمايا" أوقفها عند مدخل المطعم يقدّم لها علبة غداءْ قائلًا:

«لقد اشتريتُ لكِ البيتزا المفضلة، لمَ لا تأتين لتناول الغداء معي؟»

«حسنًا، لا يمكنك شراء الحبّ، عزيزي. ليس بهذا السعر الرخيص على الأقل.»

«ولا يمكنكِ إيقاعي في حبكِ بتلك الجمل الرخيصة. إن كنّا سنلجأ للغزل، تعلمين مدى حلاوة لساني.»

مرَّر لسانه بين شفتيه في خطٍ مستقيم يجذب انتباهها بتلك الحركة، فابتلعتْ لعابها حينما أخرج علبة سجائره يسحب لفافةً منها، وضعها بين شفتيه وأخرج تلك القدّاحة الذهبية التي أهدتها إياه في عيد مولده الثامن، يراقب تغيّرات ملامحها بتسليةٍ.

لكنّها فاجأته باقترابه منه، لمْ يعد هناك ما يفصل بينهما، تفرد كفّها على صدره نزولًا لبطنه ببطءٍ حتى تقلّصت عضلات معدته الحجرية للمستها، ثم ارتفعت على أطراف أصابعها تهمس بالقرب من شفتيه وأنفاسها تلفح شفتيه بعدما أزال السيجارة من بينهما:

«لا أحتاج لتلك الألاعيب الصغيرة لأكون في ذاكرتك وأفكارك على الدوام؛ لأنني لا أخرج من رأسك أبدًا، عزيزي.»

ثم ابتعدت عنه بعدما اسودّت عيناه برغبةٍ مميتةٍ، تدخل المطعم، ولكنها لمْ تلبث أن شعرت بكفٍّ يمسك بذراعها، فالتفتت لتجدها صديقتها "تايلور" تنظر لها بحاجبٍ مرفوعٍ متسائلةً:

«هل كنتِ تغازلين "چيرمايا فيشر" للتو؟»

«إه، وهل تتوقّعين أن أفعل هذا يومًا؟ إنّه مجرد رهان سخيفٍ سأخرج منه غنيةً.»

«ما الذي تقصدينه؟»

«حـ-حسنًا، نحن.. لقد قمنا بالمراهنة على شيءٍ ما في حفلة البارحة.»

«وما هو؟»

«خمسمائة دولارٍ لمَن يقع الآخر في حبه ويربح.»

«تمزحين؟»

«بالطبع لا، سأحصل على الكثير من الأموال منه قريبًا، ثم سنذهب للتسوق أنا وأنتِ. كوني مستعدةً لموجةٍ من الثياب الجديدة.»

ردّت بحماسٍ ترجع خصلات شعرها للخلف بغرورٍ، ولكنّ "تايلور" رمقتها بتوترٍ لثوانٍ، ثم تحمحمت تسألها:

«حسنًا "بيل"، ولكن.. ماذا لو وقعتِ أنتِ في حب "چيرمايا فيشر"؟»
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي