٢٠ علاقةٌ عن بُعد

صاحت "سوزانّاه" في "چيرمايا" دون سابق إنذارٍ، ورغم ارتعابه من نظرات عينيها المفاجئة التي لمْ يعتَد منها سوى اللطافة، ولكنّه جعّد وجهه بضيقٍ يجيبها:

«لا أعرف، لمَ لا تسأليها هي لمَ أرادت مشاهدة الفيلم معي وليس مع حبيبها؟»

«حبيبها؟ أي حبيبٍ؟ لمْ تخبرني "لوريل" عن هذا الأمر.»

عقدتْ ما بين حاجبيها جافلةً من هذه المعلومة، فقلب الآخر عينيه والغضب يعكّر صفو لونهما الزمرديّ حتى عادت لسؤاله:

«ما اسم حبيبها هذا؟»

«شيءٌ مثل "چورچيو" ربما.»

جزّ على أسنانه متضايقًا من هذا الحبيب المفاجئ يتمتم في نفسه:

«أتمنى أن يكون بشعًا ورائحته كريهةٌ.»

«أوه، هذا غريبٌ، أعتقد أنّ "إيزابيل" لديها ابن عمٍ صغيرٌ في الثامنة من عمره يُدعى "چيورچيو" أيضًا. لقد كانت الفتاة تجالسه اليومين السابقين بسبب سفر والديه مساءً للعمل مع والدها خارج الولاية. إنّها صدفةٌ حقًا أن يكون لديها حبيبٌ بنفس الاسم.»

نطقتْ والدته تحكُّ جبينها بتفكيرٍ، ولكنّ "چيرمايا" قد أدرك الأمر أخيرًا لاعنًا تحت أنفاسه:

«تبًا، ابن عمّها الصغير؟ يا لك من وغد أبله وأحمق "چيرمايا"!»


*****

في بداية سنة الصف الحادي عشر:

كان "چيرمايا" قد خرج من منزله متسللًا قُرابة منتصف الليل ليدخّن سيجارةً دون أن يراه والديه اللذين ظنّا أنّه أقلع عنها بعدما حذّراه، فوقف في الباحة الخلفية لمنزله في الممرّ المؤدي لمنزل "إيزابيل" متخفيًا أسفل الأشجار المورِقة هناك. وضع سيجارته بين شفتيه وأشعلها بقدّاحته الذهبية، ثمّ تنفّس سُمها لبضع ثوانٍ، ولكنّه جفل لسماع صوت بكاءٍ قريبٍ.

فأسرع يدخل لحديقة منزل "إيزابيل"، ليجدها هناك بملابس نومها القصيرة تبكي بُحرقةٍ جالسةً على أرجوحةٍ بنهاية الحديقة، ورغم ملاحظتها له ولكنّها لمْ تتوقّف عن البكاء. هذا أقلقه كثيرًا وأسرع تجاهها متسائلًا:

«هاي، هاي "بيلي"، اهدئي! ما بكِ؟ لمَ تبكين هكذا؟ ما الذي حدث، صغيرتي؟»

لمْ تنتبه لتلقيبه لها بـ"صغيرتي" بحنانٍ، غلبها بكاؤها حتى خلع سترته الخفيفة ووضعها على كتفيها ليبقى بقميصه الداخليّ عديم الأكمام الذي يعانق عضلات صدره بأريحيةٍ، ثمّ سحبها لعناقه بقوةٍ حتى أرختْ رأسها على مقدّمة صدره تتمتم من بين شهقاتها:

«إنّه.. لقد انفصلا، انفصلا بعد هذا الحبّ الطويل، بعد أجزاءٍ طويلةٍ عاشاها ومواقف عديدةٍ واجهاها معًا انفصلا. يا إلهي، قلبي يؤلمني كثيرًا.»

«اهدئي، صغيرتي. مَن هما؟»

سألها بتأثُّرٍ من بكائها الشديد على صدره وارتجاف جسدها يشدّد على عناقها مملِّسًا على ظهرها بحنانٍ، فعضّت شفتها بأسى تجيبه:

«زين وآنچل، لقد انفصلا بعد كلّ هذه الصراعات التي واجهاها. كنتُ.. كنتُ أعلم أنّ نهايتهما قد تكون صعبةً، ولكنّني لمْ أتخيّل الانفصال.»

ارتفع بكاؤها تلفّ ذراعيها القصيرتين حول بطنه مستنشقةً ماء أنفها بصوت مسموعٍ، فرمش محاولًا استيعاب ما قالته ليسألها:

«زين وآنچل؟ هل هما شخصيات تلك الرواية التي تستمرين في الحديث عنها مؤخرًا؟»

هزّت رأسها بالموافقة على صدره مستمرةً في البكاء، فجعّد ملامحه بحيرةٍ يربّت على ظهرها متمتمًا في نفسه:

«يا إلهي، لا أصدّق أنّها تبكي هذا البكاء العنيف بسبب انفصال شخصيات خياليةٍ في روايةٍ.»

هزّ رأسه يتنهّد بقلة حيلةٍ، ثمّ سألها بحنانٍ:

«ما الذي يمكنني فعله للترويح عنكِ، صغيرتي؟»

ابتعدتْ عن عناقه ناظرةً له بعينين تلمعان بعد توقّفها عن البكاء فجأةً، فرمش يلعن تحت أنفاسه يعلم ماهية نظراتها هذه جيدًا:

«أوه لا.»

وكما توقّع "چيرمايا"، لمْ ينقضِ اليوم التالي إلّا وقد أحضرتْ له "إيزابيل" ثيابًا تشبه ما يرتديه "زين" في تلك الرواية، وصفّفت شعره مثله، ثمّ ارتدتْ شعرًا مستعارًا أحمر اللون مثل "آنچل" بطلة الرواية، وفستانًا أحمر مثلها، وأجبرتْ "چيرمايا" على التقاط الكثير من الصور معها بوضعيات قرأت عنها في الرواية، ثم أرسلتْها في بريدٍ إلكترونيّ لكاتبة الرواية تتوسّلها أن تُعيد بطليّ الرواية لبعضهما.

كانت هذه الذكريات العديدة من سنواتهم الماضية تتدفّق في ذهن "إيزابيل" بينما تجلس على سريرها صباحًا في غرفتها، تتنهّد بأسى متمتمةً في نفسها:

«لقد.. لقد مضى أسبوعٌ منذ عودتنا جميعًا من الرحلة الشتوية بالكوخ، و.. مضى أسبوعٌ أيضًا على آخر مرةٍ رأيتُ فيها "چيرمايا" أو تحدّثتُ معه حتى. وهذا.. هذا لأنّني أُصِبتُ بالزُكام القويّ فور عودتي للمنزل، وها أنا منذ أسبوعٍ أستغل هذا الأمر لكي.. لكي لا أرى "چيرمايا" بعد قُبلتنا تلك.»

ابتلعتْ لُعابها وذاكرتها تأخذها مجددًا لليلة رأس السنة قبل أسبوعٍ، بعدما اندفعتْ الألعاب الناريّة تُعلن بداية السنة الجديدة، وسحبها "چيرمايا" في تلك القُبلة الشغوفة والحارّة التي أشعلتْ مشاعرها المُعجَبة به وأظهرتْها للعلن أخيرًا، حتى فصل "چيرمايا" القُبلة حينما شعر بقُرب انقطاع أنفاسها، يكوّر وجنتيها بكفّه هامسًا ضدّ شفتيها:

«هذه.. هذه أجمل قُبلةٍ حصلتُ عليها في حياتي. تبًا لي، كان يجب أن أتشجّع لأفعلها منذ وقتٍ طويلٍ. ولكنّني كنتُ مجرّد جبانٍ أحمق.»

ابتسمتْ بخجلٍ تشعر بجسدها على وشك الذوبان رغم برودة الجوّ القارسة، وتأملتْ عينيه الجميلتين من هذا القُرب هامسةً بخفوتٍ:

«أنا.. أنا أيضًا كنتُ أرغب بهذا الأمر منذ وقتٍ، ولكنّني.. أعتقد أنّني كنتُ أكثر جبنًا منك.»

«لمَ؟»

سألها بحيرةٍ وإبهامه يسبح أسفل حدود عينيها يمنحها شعورًا لذيذًا، فزمّتْ شفتيها تُخفض رأسها مجيبةً:

«ظننتُ.. ظننتُ أنّك قد لا ترغب بهذا، أو أنّك.. أعني، تتقرّب مني بسبب ذلك الرهان فقط.»

رمش بصدمةٍ يرفع ذقنها بإبهامه بلهفةٍ كي يجعلها تنظر له معلّقًا بصدقٍ:

«هاي، هاي.. انظري إليّ! أنا لا أفعل هذا بسبب ذلك الرهان السخيف. الرهان لمْ يعُد في ذاكرتي حتى، أنا.. أفعل هذا لأنّني أرغب بكِ حقًا، أنا معجبٌ بكِ كثيرًا "إيزابيل كونكلين".»

لمعتْ عيناها بشدةٍ حتى تجمّعتْ بعض الدموع بها، ولكنّها بادرتْ هذه المرة بالارتفاع على أطراف أصابعها تُلصق شفتيها بشفتيه، تُقبِّله ليُبادلها بشغفٍ. وسرعان ما ازدادت الحميمية بينهما ليعودا سريعًا للكوخ قبل عودة والديهما، ثم قادها "چيرمايا" لغرفته مستمرًا في تقبيلها حتى تذمّرتْ وسط القُبلة والآخر ما زال يلتهم فمها:

«مـ-مهلًا! ماذا لو عاد والديّ أو والديك ورأونا؟ هـ..»

«لقد أغلقتُ الباب بالقُفل الداخليّ.»

أجابها سريعًا وعاد لسحب شفتيها بين شفتيه، ثمّ حملها بخفةٍ لتشهق جافلةً، فلفّت ساقيها حول خصره وقادها لسريره سريعًا، واستمرّ في طبع قبلات عديدةٍ على رقبتها وعظمتيّ ترقوتها مثيرًا دغدغتها حتى قهقهتْ، حينها استلقى على ظهره وسحبها لعناقه مُطالبًا بطفوليةٍ:

«ابقي معي الليلة، لا تغادري سريري. أريد عناقكِ أثناء النوم والاستيقاظ وأنتِ إلى جواري.»

«حسنًا.»

«أوه، لقد فاجأتني موافقتكِ حقًا.»

علّق جافلًا بعدما ظنّ أنها سترفض، ولكنّها ضحكتْ تطبع قبلةً سريعةً على شفتيه، ونهضتْ عن السرير تتجه لخزانته، فتحتها والتقطتْ ثيابه منه لارتدائها، ثم التفتت تنظر له بحاجبٍ مرفوعٍ بينما يفرد ذراعيه أسفل رأسه ويرمقها بابتسامةٍ واسعةٍ:

«ماذا؟ هل يعجبك العرض؟ أدِر رأسك للجهة الأخرى "فيشر"، أريد تبديل ثيابي لكي أستطيع النوم براحةٍ.»

«ماذا؟ ليس وكأنّني لمْ أركِ بثيابكِ الداخلية عدة مرات مؤخرًا أثناء سفرنا للمباراة الخارجية.»

علّق قالبًا عينيه، فرمقتْه بنظرةٍ قاتلةٍ ليتنهد مشيحًا بنظره بعيدًا عنها، حتى خلعتْ ثيابها تضعها على كرسيّ جوار سريره، وارتدتْ قميصًا وسروالًا قطنيًا أبيض من ثيابه، واضُطرَت لطيّ سرواله كثيرًا، فنهض هو الآخر يقترب منها قائلًا:

«أحتاج لتبديل ثيابي أنا الآخر، ولكن.. يمكنكِ الاستمتاع بالعرض، لن أمانع.»

غمزها فقلبتْ عينيها وصعدتْ سريره تشيح وجهها للجهة الأخرى، بينما ابتسم ساخرًا يبدّل ثيابه لسروالٍ قطنيّ رماديّ واسعٍ يليق بساقيه الطويلتين، وصعد إلى جوارها يرمقها بخبثٍ حينما وجدها تسترق النظر لعضلات معدته الصلبة حتى جفّ حلقها تتمتم في نفسها:

«سروالٌ رماديّ، آخ لوني المفضّل. يبدو أنّها ستكون ليلةً طويلةً جدًا.»

عضّت وجنتها من الداخل حينما سحبها "چيرمايا" بشكلٍ مفاجئٍ وألصق شفتيه بشفتيها مجددًا، بعثر فراشات معدتها وأثار اضطراب أنفاسها بلمساته الحميمية حتى نامت تلك الليلة بعد العديد من القبلات مرتاحةً على صدره العاري يتدفَّأن ببعضهما.

ولكنّها استيقظتْ صباحًا تشعر بعينين تراقبانها طوال الوقت، حتى رمشتْ بخفةٍ تسأله بصوتٍ ما زال النُعاس يؤثّر به:

«هل تراقبني أثناء نومي؟»

«أجل..»

«أنت مريب.»

علّقتْ تفتح عينيها، فقهقه يرمقها بعدستين تلمعان وكأنّه لا يُصدّق ما حدث البارحة وقد قرَّبهما من بعضهما لهذه الدرجة الذي تمنّاها منذ وقتٍ طويلٍ يسألها:

«هل أنا أحلم؟»

سارعتْ بالردّ عليه بالتقاط شفتيه في قُبلةٍ صباحيةٍ مُعلّقةً وسط تبادل ألسنتهما القُبلة:

«أعتقد أنّ هذا سيُجيب على سؤالك بشكلٍ جيدٍ.»

ابتسم أثناء القُبلة، ثمّ شدّد على عناقها يُلصقها به حتى تأوهّتْ باستمتاعٍ مغمضةً عينيها، ولكنّ كليهما جفلا يبتعدان عن بعضهما عندما سمعا طرقات على باب الغرفة، تلاها صوت والدته:

«صغيري هل أنت مستيقظ؟ هيّا أيها الكسول، الفطور جاهزٌ ويجب أن تتناوله معنا قبل عودتنا للمنزل. لا نريد التأخر بسببك، انهض وابحث عن "بيلي" وأحضرها لتناول الفطور أيضًا، لا أجدها في غرفتها.»

ألقتْ كلماتها ورحلتْ بعيدًا عن الباب، فوضعتْ "إيزابيل" كفّها على صدرها الذي بدأ يعلو ويهبط بعنفٍ متمتمةً:

«تبًا، ظننتُ أنّها سترانا.»

جفلتْ مجددًا حينما سحبها في قُبلة أخرى قائلًا:

«لا أظنّ أنّها قد تمانع رؤيتنا هكذا أبدًا.»

«أنت لن تتركني في وقتٍ قريبٍ، صحيح؟»

«فتاةٌ ذكيّة.»

أجابها وضمّ خصرها لجسده يدفن وجهه بعنقها يُقبّلها هناك بحرارةٍ، واستغرقهما الأمر ما يُقارب النصف ساعةٍ ليخرجا للجميع في الصالة وينضما لهم على طاولة الطعام. حيث مضى هذا الفطور بينهما في تبادل النظرات الخبيثة منه، والخجِلة منها.

وما إن انتهى الفطور ونهضوا للتأكّد من تحضير حقائب أمتعتهم للرحيل، توقّفوا جميعًا في الصالة حينما صاح "چيرمايا" فجأةً:

«يا إلهي، لقد وصلني بريدٌ إلكترونيّ من الجامعة التي قدّمتُ لها.»

«ماذا؟ ما ردّهم؟»

صرختْ والدته ببعض التوتر تقترب منه، وكذلك والده الذي ترك الحقائب من يده وأسرع تجاهه كما فعلتْ "إيزابيل" ووالديها بتوترٍ يتخلّله الحماس، ما جعل "چيرمايا" يرمق "إيزابيل" بنظرةٍ خاطفةٍ مجيبًا بخفوتٍ وعيناه امتلأتا بالقلق:

«لا أعلم، لا أرغب في فتح البريد الإلكترونيّ ورؤية الردّ حقًا.»

«أوه، هيّا صغيري، كُن شجاعًا، أنت تستحق وستكون هذه الأخبار جيدةٌ بالفعل.»

شجّعه "چون" والد "إيزابيل" يربّت على كتفه برجوليةٍ وزوجته إلى جواره تبتسم بحماسٍ، بينما "إيزابيل" قد منحتْه نظرةً مُطمئنةً ليلتقط نفسًا طويلًا ويفتح البريد الإلكترونيّ متفحصًا محتواه.

دقيقةٌ أو ربما أقلّ مرّت عليهم جميعًا كالسنوات وقلوبهم تنبض بعنفٍ يحصرون عيونهم به بشغفٍ، حتى تنهّد "چيرمايا" مطولًا، ثمّ صاح بحماسٍ:

«يا إلهي، لقد تمّ قبولي بجامعة "فينش"، جامعة أحلامي.»

صرختْ والدته تهجم عليه لعناقه ودموعها تتساقط، كما هجمتْ عليه "لوريل" بالعناق، وتصافح والده مع "چون" يهتفان بحماسٍ، تبادل الجميع عليه بالتهنئة والعناق، حتى "إيزابيل" التي أطالتْ عناقها عمدًا لتمنحه اطمئنانًا أكبر، ثمّ ابتعدتْ عنه تنظر له بعينين سعيدتين فخورتين حينما قال:

«لقد وضعوني في برنامج الصيف المُتقدّم أيضًا، أي أنّه يمكنني الذهاب هناك قبل بداية العام الدراسيّ لكي تُتاح لي الفرصة لممارسة كرة السلة باكرًا بعد حصولي على منحتها منهم أخيرًا.»

«أنا فخورٌ بك جدًا أيها الشاب، متى ستذهب إلى هناك؟»

عانقه والده جانبيًا يبعثر شعره، فابتسم "چيرمايا" بسعادةٍ؛ فلطالما رغِب بهذه النظرات الفخورة من والديه، وأجاب فضول الجميع:

«سأذهب في السابع عشر من يونيو.»

اتسعتْ عينا "إيزابيل" والحزن يُداهم قلبها فجأةً، تُبعد نظراتها عنه متمتمةً في نفسها:

«بعد.. سيرحل "چير" بعد ستة أشهرٍ فقط؟»

مضتْ الدقائق التالية قاسيةً على أفكارها، حيث تحاشتْ النظر له حتى جلستْ في سيارة والديها بالمقاعد الخلفية وانطلقتْ السيارة بها، تراقب الطريق المغطّى بالثلوج حولها بشرودٍ، وعقلها يلفُّ ويدور بها بالأفكار:

«لقد.. لقد قدّم "چير" طلب التحاقٍ لجامعة "فينش"، تلك الجامعة التي فكّرتِ في الالتحاق بها منذ البداية، إنّها راقية، مثالية، وتعليمها جيدٌ جدًا، ولكنّها بعيدة عن منزلي، وبُعدها قد دفعني للتفكير طويلًا قبل أن أقدّم للالتحاق بها، حتى قررتُ التقديم لجامعةٍ أخرى أقرب للمنزل، ولكنّها.. تبعُد ١٠ ساعات عن جامعة "فينش" التي سيذهب إليها "چيرمايا" بعد ستة أشهر فقط.»

تنهدّتْ بأسى حينما اهتزّ هاتفها بإشعار رسالةٍ، ففتحتْه تقرأ الرسالة التي أرسلها "چيرمايا" للتو:

"لقد اشتقتُ لكِ كثيرًا ولمْ تمضِ سوى بضع دقائق على ابتعادكِ عن عينيّ."

ابتلعتْ لُعابها تعبس بعينين امتلأتا بالدموعٍ متمتمةً:

«وأنا أيضًا اشتقتُ له، كيف سنتمكّن من إبقاء هذه العلاقة عن بُعد عشر ساعات؟»

أغلقتْ هاتفها تمامًا تعضّ شفتها السُفلى، وأغلقتْ عينيها تُرغم نفسها على النوم طوال الطريق، حتى وصلوا للمنزل قبل عائلة "چيرمايا"، فأسرعتْ تدخل المنزل كي لا تلتقيه، لا تعرف لماذا، ولكنّها كانت غبيةً في أفكارها منذ البداية.

فور دخولها غرفتها شعرتْ بالتوعُّك والغثيان المفاجئ، فركضتْ تجاه دورة المياه بنفس الطابق تتقيّأ ما بمعدتها بالمرحاض، وسمعتْها والدتها لتُسرع إليها متسائلةً بقلقٍ بينما تسندها:

«هل أنتِ بخيرٍ، صغيرتي؟»

«لا أظنّ ذلك، معدتي تؤلمني جدًا وحلقي أيضًا. أشعر بالتوعُّك الشديد.»

أجابتْها تفتح صنبور الحوض لتغسل وجهها، ولكنّ والدتها نظرتْ لها بقلقٍ تتساءل بخفوتٍ:

«هل أنتِ متأكدةٌ أنّكِ لستِ.. أعني، لستِ..»

«ما الذي تقولينه أمي؟ لمْ يلمسني حتى، توقّفا عن ذلك رجاءً.»

صاحت "إيزابيل" بحُرقةٍ في وجه والدتها وضيقها من موقفها مع جامعة "چيرمايا" يُضيف لحُرقتها غضبًا، ما دفع والدتها لتجفل من صراخها المفاجئ، ولكنّها رمقتْها بتأثرٍ تزيح خصلات شعرها للخلف:

«حسنًا، حسنًا صغيرتي. أنا آسفةٌ جدًا لتدخُّلي بحياتكِ بهذا الشكل. اذهبي لتبديل ثيابكِ والراحة قليلًا حتى موعد العشاء، وإن لمْ تشعري بتحسُّنٍ سنأخذكِ للمشفى.»

أومأتْ لها بهدوءٍ بعدما شعرتْ بالندم على الصراخ بوالدتها هكذا، ثمّ ذهبتْ لغرفتها تسير بتعبٍ شديدٍ وتبدّل ملابسها بخمولٍ، واستلقتْ على سريرها ليهتزّ هاتفها الذي وضعتْه جوارها، فالتقطتْه لتجد رسالةً من "چيرمايا" محتواها:

«هل أنتِ بخير، "بيلي"؟ لقد اتصلت والدتكِ للتو وأخبرت والدتي أنّكِ لا تشعرين بتحسُّنٍ منذ عودتكِ. هل تريدين مني أن أحضر لكِ شيئًا؟»
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي